الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

فلا أقسم بالخنس، الجوار الكنس

إدعاءات الإعجاز العلمي في القرآن هي من أكبر عمليات النصب والكذب والتلفيق في العالم العربي. واكتشاف زورها وكشفه كان من أهم مراحل إدراكي أن الإسلام والقرآن ليسا إلا مجموعة من الأساطير والأكاذيب. فمن أهم ما ساعدني تجار الإعجاز على إدراكه هو أنه لا يُعقل أن يجهل الله (العليم والحكيم والقدير) بخلقه! ويترتب على هذا أنه لا يمكن لدين أن يكون صحيحاً إلا إذا خلا خلواً تاماً من الأخطاء العلمية. ويترتب على هذا أن جميع الأديان ما هي إلا أوهام أو أضغاث أحلام, فـ “جميع الأديان تحمل آثار ناتجة عن واقع نشأتها خلال فترة عدم النضج الفكري عند الجنس البشري” كما قال فريدريك نيتشه.


ومن أنجح أكاذيب تجار الإعجاز أكذوبة أن القرآن قد ذكر الثقوب السوداء ووصفها بدقة, وأن هذا الأمر يعد معجزة عظيمة. بل وقد كانت هذه المعجزة من “العظمة” أن أمير الملفّقين زغلول النجار بنفسه أكد مصداقيتها فأخذ يهذي ويقول:


"قسم عظيم, أقسم به ربنا تبارك وتعالى بحقيقة لم يعرفها العلماء إلا منذ سنوات قليلة. الثقوب السود حالة من حالات النجوم تتركز في قلب المجرات وتعتبر مركز ثقل المجرة. الحالة الكثيفة جداً … … … هذا النجم الخانس هذا هو مركز ثقل المجرة. كل ما فيها. مركز الثقل هو الثقب الأسود هذا … … … فهو نجم لا يرى والقرآن يقول: “فلا أقسم بالخنس” وخنس في اللغة يعني اختبأ واختفى, وخُنْس يعني شيء مبالغ في اختفائه … … … الجوارِ الكنس, قالوا كنس في اللغة يعني اختبأ واختفى أيضاً ولكن التكرار هنا يعني ما في معنى له … … … فأنا أدركت أن الكنس هنا من الكَنس بمعنى مسح سطح السماء … … … هو نجم … … … يدور في فلك … … … والكنس هنا من الكنس, لأنها حقيقة هي مكانس السماء. وأذهلني أن أجد عالماً أمريكياً يصف هذه الحقيقة بقوله هذه مكانس السماء العملاقة … … … والتعبير القرآني نجم خانس كانس أبلغ ألف مرة من أن أقول ثقب أسود … … …"
ولكن, وبعد ثبات هذا الإعجاز العلمي العجيب في القرآن وثبات نبوة محمد وصدق رسالة الإسلام بما لا يدعُ للشك, وبعد أن نطق الثقب الأسود مسبحاً باسم الله وخرَّ راكعاً باتجاه آخر أصنام العرب: الحجر الأسود وكعبته, وبعد أن ازداد المسلمون يقيناً وتأكدوا أن صبرهم على هذا الدين سيعود عليهم بالعشرات من الحور العين في الجنة ليستلذوا بهن وليُشبعوا بهن شهواتهم أبد الدهر. وبعد كل هذا, فوجئ العالم بأنه لم يزدد عدد المسلمين واحداً (إلا ربما عن طريق الإنجاب), ولم يدخل كافر أو ملحد في الإسلام من خلال انبهاره بهذه المعجزة! فما الذي جرى؟ وكيف للناس أن ينكروا الحق بعد أن رأوا البينات من ربهم؟

إن هذا الأمر يحزن المسلمين كثيراً بالطبع, فهم عاجزون عن استيعاب من يعمل عقله ويرفض أن يبيعه لأقرب مشعوذ أو دجال. وهذا العجز قد يولد في بعضهم القلق والخوف, فالمرء يخشى المجهول. أو ربما تُراه يولد في بعضهم الحقد والكراهية اتجاه كل من لا يوافقهم الرأي فدينهم ككل الأديان دين طاغٍ مستبد, لا يرى تنوع الحياة, فالمتدينون لا يرون إلا الأسود والأبيض, الخير والشر, النور والظلام, فهذه رؤيتهم للعالم وأي رؤية سطحية دنيئة هذه! ومهما كان انطباعهم اتجاه رفض الناس أن يشتروا من بضاعتهم العفنة وأن يشاركوهم في تجارة البؤس والتخلف, فستراهم يتهمون الناس بالفسق والفساد والتكبر والجهل والتخلف وهم يجهلون أو يتجاهلون أن الإسلام والمسلمين هما منبع الجهل والتخلف على هذه الأرض.

حقاً, ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم! فبينما ينعم المسلمون بدينهم وشقاوتهم ومعجزاتهم الوهمية, دعونا نحلل وندرس هذا الإعجاز المدَّعى فتزداد حسرتنا على أهلنا وشعبنا الذين لا حول لهم ولا قوة أمام هذا الدجل والتخلف.

أولاً, لننظر إلى معاني الكلمات المستعملة في الآية حسب تفسير زغلول النجار (وشاكلته من مروجي الإعجاز) لها:
- الخنس‏:‏ شيء مبالغ باختفائه‏
- الجوارِ‏:‏ أي الجارية‏. من الجري وهو المر السريع‏.‏
- الكنس: اختبأ واختفى (ويقول النجار “التكرار ما في معنى له وأنا أدركت أنها من الكنس”, أي المسح بالمكنسة – وبالطبع هذا “الإدراك” جزء مهم من الكذبة).

وثم يذكر زغلول النجار أن الثقوب السوداء تكون في مراكز المجرات, ولكن بعد ذلك, يقول أن الثقب الأسود يدور في فلك (ويؤشر بإصبعه على شكل دائرة).

دعونا ننظر إلى هذا الإدعاء. كيف للثقب الأسود أن يدور في فلك إذا كان في مركز المجرة ووسطها؟ فإذا كان فلك النجوم هو مركز مجرتهم فحول ماذا يدور الثقب الأسود وهو نفسه مركز المجرة وأثقل ما فيها؟ وإذا كان لا يوجد فلك للثقوب السوداء فكيف ولماذا لقبها القرآن بـ “الجوارِ”؟ وحول ماذا تجري؟ وهل يعقل أن الله يجهل أنها لا فلك لها؟ فمعظم الثقوب السوداء لا فلك لها إلا القلّة القليلة منها والتي تأتي مزدوجة, تجري الواحدة حول الأخرى.

ومن ثم يصف الثقوب السوداء بالـ “vacuum cleaners” أي المكانس الشافطة, ولكن يتناسى أن وجه الشبه هنا هو أن كلاهما “يشفط” لا أن كلاهما يكنس! بل ويتجاهل كذلك أن المكنسة في عهد محمد لم تكن مكنسة شافطة وبذلك فالكنس على عهده ليس كالكنس على عهدنا وأن هذا يعني أنه حتى لو كان القرآن يتحدث عن الكنس (للتنظيف) فهو بمعنى المسح لا الشفط! ولكن ما أن وصل زغلول النجار إلى فكرة المكنسة حتى تمادى في كذبه فأصبح اسم “المكنسة المتحركة الخفية” أنسب وأدق من اسم “الثقب الأسود” والمضحك أن الثقوب السوداء ليست خفية أصلاً فهي تتوهج بأشعّة تسمى “إشعاعات هاوكينغ” وكما أنها تجذب و”تشفط” كل شيء حولها مما يسهل رصدها. فكيف تكون خفية إذا كان من السهل رصدها؟

كما أنه إذا أراد المرء أن يأتي بـ “مكنسة متحركة متخفية” لينسب لها هذه الآية القرآنية, أليس من الإمكان أن ينسبها إلى البكتيريا المعوية فهي لا ترى مباشرة بالعين المجردة (كالثقب الأسود) وهي تجري في أمعاء الإنسان فتساعده على الهضم وهي بهذا كالمكنسة, بل كفرقة تنظيف هائلة تحافظ على صحة ونظافة الأمعاء. فإن كنت لا تزل تؤمن أن القرآن كان يتحدث عن الثقوب السوداء فكيف تتأكد أنه لم يكن يتحدث عن هذه البكتيريا؟ أو ربما عن الصراصير فهي كذلك “مكانس متحركة متخفية”؟ أو ربما حتى عن نساء المسلمين المنقبات اللواتي هنَّ كذلك خُنَّس جوارٍ كُنَّس؟ آمل أن يكون القارئ قد بدأ يدرك أن هذا “الإعجاز العلمي” ما هو إلا خيال علمي وكذب يسعى من ورائه البعض أن يشتروا بعقول الناس ثمنا بخساً.

أما معاجم اللغة فها هي تفسيراتها للكلمات السابقة (المعجم المحيط):

- خنس: تأخَّر وتخلَّف وتوارى (لاحظ أهمية “التأخير” في المعنى, وهو أمر يتجاهله زغلول النجار وعصابته).

- الجوار: من جرى, أي سال مندفعاً.

- الكنس: كَنَسَ يَكْنِسُ كَنْساً:- الظبيُ: دخل في كِناسه.- ت النجومُ كُنُوساً: استمرَّت في مجاريها ثم انصرفت راجعة.

ومن معجم لسان العرب:
والخُنَّس الكواكب كلُّها أو السيَّارة منها أو النجوم الخمسة زُحَل والمشترى والمِرّيخ والزهرة وعُطَارِد وفي سورة التكوير آية 15 “فَلا أُقْسِمُ بالْخُنَّسِ” قال البيضاويُّ أي بالكواكب الرواجع من خَنَسَ إذا تأخَّر وهي ما سوى النيرين من السيَّارات.

فالحقيقة هي أن محمدا في هذه الآيات لم يكن يتكلم عن الثقوب السوداء ولا عن البكتريا ولا عن الصراصير، بل كان يتكلم (أو بالأصح يسجع) عن الكواكب الخمسة: زُحَل والمشترى والمرّيخ والزهرة وعُطَارِد.


(الجوار الكنس) حسب التفاسير الإسلامية*

[يقول المفسرون عن (الجوار الكنس): هي الكواكب زحل والمشتري وعطارد والمريخ والزهرة
وقيل: النُّجُوم تَخْنُس بِالنَّهَارِ , وَتَظْهَر بِاللَّيْلِ ; وَتَكْنِس فِي وَقْت غُرُوبهَا
وقال بعضهم: هي بقر الوحش
وقال آخرون: هي الظباء
والمكانس عند العرب هي المواضع التي تأوي إليها بقر الوحش والظباء
وحكى الماوردي أنها الملائكة.
لكن بعد اكتشاف العلم الحديث للثقوب السوداء تبدل معنى "الجوارِ الكنس" فجأة عند دعاة وهم الإعجاز العلمي إلى "الثقوب السوداء"!!]


ها هو “إعجازكم العلمي” قد فضح. وها هو كذبكم قد انكشف. فهل أنتم منتهون؟

مصدر الموضوع : مدونة الإلحاد هو الحل
* "(الجوار الكنس) حسب التفاسير الإسلامية" من إضافة أثير العاني

4 تعليق(ات):

إظهار/إخفاء التعليق(ات)

إرسال تعليق

هذه المواضيع لا تمثل بالضرورة رأي ناشرها - أثير العاني

يسمح بإعادة النشر بشرط ذكر الرابط المصدر أو إسم الكاتب