الثلاثاء، 29 مايو 2007

رد شامل على "إعجاز" البرزخ البحري و الحجر المحجور

الادعاء الاعجازي في ايات -البرزخ البحري

عموميات حول استخدام المصطلحات اللغوية

قبل ان نبدأ أي نقاش علمي او فلسفي او ديني لا بد لنا أن نتفق اولا على معاني المفردات اللغوية ... فما يثير اللبس في معظم الاحيان هو اختلاف مدلول الكلمة من عصر لآخر ... فاللغة كوسيلة تواصل تتغير باستمرار و تتطور على صعيد الصوت و المعنى لذا وجب الحذر الشديد في التعامل مع النصوص القديمة و استخراج مدلولها و ما أراد صاحبها ان يوصله من خلال ذلك النص
السؤال الذي سيطرحه الكثير من الزملاء هو : ما الطريقة المثلى لفهم معنى الكلمة في سياقها التاريخي ؟
اقول ببساطة أن الاجابة الوحيدة و المجمع عليها من قبل علماء اللغة و اللسانيات هي ضرورة معرفة المعنى الذي استخدمه من استعملوها في ذلك الزمن ...

و هنا تبقى صعوبة واحدة تعترضنا : ماذا لو اختلف هؤلاء انفسهم في معناها ؟
الحل حينئذ يكون بتتبع استخدام الكلمة من قبل صاحب النص نفسه ... و هنا تأتي اهمية القرينة القرءانية التي أراها أنجع وسيلة في حصر المعنى الوحيد للكلمة كما استخدمها كاتب القرءان
و القرينة بإيجاز هي نفس الآية أو نفس الكلمة تكون قد تكررت في القرآن في نفس السورة أو في سور أخرى ... والقرينة أهم من التفسير فهي التي تساعد المفسر في تفسير النص الآخر الذي يريد معرفة مدلوله ... لهذا ساقوم بتوضيح معاني المفردات حسب المعاجم ثم باستخدام القرينة

ملخص الادعاء

بجولة بسيطة في محرك البحث "غوغل" و بادخال كلمة من قبيل "برزخ" او "مرج البحرين" ستجد نفس المقالات تتكرر حول هذا الادعاء السخيف و يتم تداولها في منتديات الاستمناء الفكري دون أدنى تحري أو فهم
و بعد أن نختار أي مقالة إعجازية و نقوم بغربلتها من الشروحات الطويلة الخارجة عن الموضوع والصور و الكلمات الانجليزية (لزوم الادهاش و الرصانة العلمية !!!) و بعد عملية طويلة من الفرز يمكننا ان نلخص المقالة في بضعة اسطر :
ايات قرءانية تتحدث عن وجود برزخ بحري من المياه الحلوة التي تفصل بين مياه بحرين مختلفين من حيث الكثافة و الحرارة ... و كل هذا "قبل 1400 سنة" في كتاب الله العجيب الذي لا ياتيه الباطل من كل الاتجاهات الجغرافية !!!!

الايات موضع الدراسة

سورة الرحمن (19- 23): مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ؛ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ؛ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ؛ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ؛ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

سورة النمل (61): أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

الآيات سيتوضح معناها بشكل مفاجئ للكثيرين !!!
و الأكثر من مفاجئ هو التقييم العلمي لهذه الآية في عصرها انذاك و الذي سيتوضح من خلاله معرفة الانسان بهذه الظاهرة قرونا قبل القرءان لكنها تختلف كما سترون من حيث الظروف ... و القرءان لم يغير شيئا من ذلك

فلنعرف اولا معنى كلمتي "برزخ" ... و "بحر" (لا تستغربوا فمعنى البحر مختلف في ذلك العصر كما سترون )

المعاني حسب المعاجم اللغوية :

معنى كلمة بحر :

في معجم المحيط : البَحْرُ: متسع من الأرض مغمور بالماء المالح وَإذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ و النهر العظيم؛ الكريم؛ هو البحر في عطائه

وفي معجم محيط المحيط : البَحْرُ: الماءُ الكثيرُ , مِلْحاً كان أَو عَذْباً , وهو خلاف البَرِّ , سمي بذلك لعُمقِهِ واتساعه

وفي مختار الصحاح: البَحْرُ: ضد البر قيل سمي به لعمقه واتساعه

وفي القاموس الوسيط: البَحرُ: الماءُ الكثيرُ أو المِلْحُ فَقَطْ

وفي معجم لسان العرب: البَحْر: خلاف البَرّ والماءُ الكثير أو المِلْح فقط

إذن كلمة بحر لها معنى آخر غير المعنى الذي نعرفه حاليا و هو يفيد الانهار العذبة ايضا ... هذا المعنى بالذات هو الذي استخدمه القرءان في الايات السابقة و هو ما سيتضح بشكل حاسم من خلال القرينة القرءانية

معنى كلمة برزخ :

في مختار الصحاح :
البَرْزَخُ هو الحاجز بين الشيئين وهو أيضا ما بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلى البعث فمن مات فقد دخل البرزخ

وفي معجم المحيط :
البَرْزَخُ : الحاجز بين شيئين.-: أرض ضيقة بين بحريْن.-: ما بين الموت والبعث.

وفي معجم الوسيط
بَرْزَخٌ - ج: بَرازِخُ. 1.: قِطْعَةُ أَرْضٍ ضَيِّقَةٌ، مَحْصورَةٌ بَيْنَ بَحْرَيْنِ، مُوصِلَةٌ بَيْنَ أَرْضَيْنِ، بَرَّيْنِ. 2. وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثونَ . (قرآن): حائِلٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرَّجْعَةِ، الحاجِزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ.

وفي معجم محيط المحيط
البَرْزَخُ ما بين كل شيئين , وفي الصحاح : الحاجز بين الشيئين . و البَرْزَخُ ما بين الدنيا والآخرة قبل الحشر من وقت الموت إِلى البعث , فمن مات فقد دخل البَرْزَخَ . وفي حديث المبعث عن أَبي سعيد : في بَرْزَخِ ما بين الدنيا والآخرة ; قال : البَرْزَخُ ما بين كل شيئين من حاجز , وقال الفراء في قوله تعالى : وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ .

وفي معجم الغني
(البَرْزَخ): الحاجز بين شيئيْن. و- ما بين الموت والبعْث، فمن مات فقد دَخَل البرزخ. وفي التنزيل العزيز: وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . و- (في علم الجغرافية): قطعة أَرض ضيقة، محْصورة بين بحْرَين، موصِّلة بين أرضَيْن. و- (في علم الطب): البَرْزخ الدَّرَقِي: جزء منقبض من الغُدَّة الدَّرقية، يكون في الخط الوَسَطي من الرُّغامَى، ويصل بين الفَصَّين الجانِبيين اللذين تتألَّف منهما تلك الغُدَّة.

وفي القاموس المحيط
(البَرْزخُ): الحاجِزُ بين الشَيْئَيْنِ ومن وقْتِ المَوْتِ إلى القيامةِ ومن ماتَ دَخَله
(وَبرازِخُ) الإِيمانِ ما بَيْن أوَّله وآخِرِه أو ما بين الشك واليقين.

وفي معجم لسان العرب
البَرْزَخ الحاجز بين الشيئَين وما بين الدنيا والآخِرة من وقت الموت إلى البعث فمن مات فقد دخل البرزخ ج بَرَازِخ.
والبرزخ عند أَهْل الجغرافيَّة قطعة أَرْضَ ضيِّقةٌ محصورة بين بحرينِ مُوصلِةٌ برّاً ببرٍّ أو شبهَ جزيرةٍ ببرٍّ كبرزخ السُّوَيس ويُقال له المُختنَق وعند الحكماء الاشراقيّين هو الجسم. وعند الصوفيَّة هو العالَم المشهود بين عالَم المعاني والأجسام.
والبرزخ الجامِع عندهم هو الحضرة الواحديَّة ويُسمَّى البرزخ الأعظم وبرزخ البرازخ.
وبرازخ الإيمان ما بينَ أولهِ وآخرهِ أو ما بينَ الشكِّ واليقين.

إذن كلمة برزخ لها كل هذه المعاني الكثيرة... فيمكن أن تكون أرضاً ... ويمكن أن تكون حاجزاً بين الدنيا والآخرة ... ويمكن أن تكون جزءً منقبضاً من الغدة الدرقية ... والواضح من هذه المعاجم اللغوية مجتمعة أن البرزخ هو الحاجز بين شيئين .. و ليس بالضرورة أن يكون الشيئان ماءً

القرينة القرآنية

ما دام معنى كلمتي بحر و برزخ مختلفتين فما هو المعنى المقصود من كاتب القرءان ؟

لنضع مرة اخرى النصين الذين يتكلم عنهما الإعجازي وهما :

سورة الرحمن (19- 23): مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ؛ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ؛ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ؛ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ؛ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

النمل (61): أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.

طيب ... أليس في القرآن نصوص أخرى تحدثت عن بحرين ... بل و وصفت البحرين ؟

الجواب : نعم ... و هذه هي القرينة التي يتجاهلها الإعجازي في تفسيره لمعنى البحرين :

جاء في سورة الفرقان (53): وَ هُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا.
فالقرآن يؤكد إطلاق لفظ بحر على النهر العذب أيضاً .. ثم يسمي الفاصل بين الماء العذب والماء المالح برزخاً

هذه هي القرينة القرآنية الأولى

تعالوا أيضاً لنقرأ قرينة قرآنية أخرى ... جاء في سورة فاطر (12): وَ مَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.

اذن فالبحران المقصودان في القرءان هما النهر بمائه العذب الفرات و البحر (كما نعرفه) بمائه المالح الاجاج و البرزخ المقصود اذن هو حاجز بين النهر و البحر

اقوال المفسرين :

هذه تفاسير من امهات كتب التفسير عند السنة :

وجعل بين البحرين حاجزا‏

ابن كثير

اي جعل بين المياه العذبة والمالحة‏(‏ حاجزا‏)‏ أي مانعا يمنعها من الاختلاط‏...

الجلالين

(‏وجعل بين البحرين حاجزا‏)‏ بين العذب والملح لا يختلط احدهما بالاخر‏....‏

صفوه البيان لمعاني القران

برزخا : فاصلا من الأرض بين العذب والملح‏,‏ حتي لا يبغي احدهما علي الاخر‏

في صفوه التفاسير

اي و جعل بين المياه العذبة والمالحة فاصلا ومانعا يمنعها من الاختلاط لئلا يفسد ماء البحار المياه العذبة....‏

شيخ المفسرين الطبري

رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجزاً أي بين العذب والملح أن يفسد أحدهما الآخر

القرطبي

وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ ؛ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا " مَانِعًا مِنْ قُدْرَته لِئَلَّا يَخْتَلِط الْأُجَاج بِالْعَذْبِ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : سُلْطَانًا مِنْ قُدْرَته فَلَا هَذَا يُغَيِّر ذَاكَ وَلَا ذَاكَ يُغَيِّر هَذَا . وَالْحَجْز الْمَنْع

و الشيعة ايضا فهموا الحاجز بين البحرين على أساس أنه الفاصل بين العذب و المالح

مجمع البيان في تفسير القرآن ... الفضل بن الحسين الطبرسي

«و جعل بين البحرين حاجزا» أي مانعا من قدرته بين العذاب و الملح فلا يختلط أحدهما بالآخر

السياق القرءاني

حسب سياق القرآن نجد انه يتكلم بصيغة المتحدي ... فهل يتحدى بكلام لا يفهمه الآخرون الذين يتحداهم ؟

فهو يوبخهم قائلاً (النمل (61)): أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ ؛ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

فكيف يريدهم أن يفهموا معجزة ما وهذه الآيات لم تفهمها البشرية إلا في عصر العلم الحديث ؟؟؟

فهل ظل المسلمون مخدوعون حوالي 14 قرناً من الزمان..!!!!


التقييم العلمي و التأريخي للمعلومة

إن كان القرءان يتكلم في عصره بصيغة التحدي "للكفار" فهل كانت هذه الظاهرة (وجود حاجز او برزخ مائي بين مياه البحر و مياه النهر) معروفة و شائعة قبل زمن محمد ؟

نعم ....

و قد فسرها عالم الطبيعيات "بليني" الذي عاش 5 قرون قبل محمد. و قد احتفظت بهذا النص و ساحاول البحث عن المزيد

Pliny the Elder, the noted Roman naturalist, senator, and commander of the Imperial Fleet in the 1st century A.D., observed this peculiar behavior of fishermens’ nets in the Strait of Bosphorus, near Istanbul. Pliny deduced that surface and bottom currents were flowing in opposite directions, and he provided the first written documentation of what we now call the "estuarine circulation"

ولاحظ الصيادون هذه الظاهرة منذ القدم حيث إن شباكهم تتمايل في جهتين وتتراقص في الماء مما اثبت لهم وجود تيارين متعاكسين في مناطق الاستواريز

هذا رسم توضيحي للظاهرة



خلاصة

1) المفسرون فسروا الآيات بمنتهى الوضوح و دون حيرة و لم يحتاجوا إلى نظريات وإنما استخدموا علم عصرهم المعروف أن البرزخ هو الفاصل بين الماء العذب والماء المالح

2) الإعجازيون حولوا لفظ الماء العذب إلى مالح و اطلقوا لفظة البحر فقط على المعنى الذي نتداوله

3) المعنى الحقيقي للاية معروف قرونا قبل محمد و خصوصا في حضارات و شعوب توجد بها أنهار عظيمة كالنيل و دجلة و الفرات

و هكذا لم نجد في القرءان جديدا و لا اعجازا ما عدا تدليسات و اقوال كاذبة عشنا مخدوعين بها ردحا من الزمن

الكاتب: طموح
المصدر منتدى الملحدين العرب

7 تعليق(ات):

إظهار/إخفاء التعليق(ات)

إرسال تعليق

هذه المواضيع لا تمثل بالضرورة رأي ناشرها - أثير العاني

يسمح بإعادة النشر بشرط ذكر الرابط المصدر أو إسم الكاتب