تصدير لابد منه :
كنتُ قد كتبتُ هذا البحث , ونشرته في أحد المنتديات في مطلع عام 2006 .. ومنذ ذلك الحين وأنا متردد بشدة حول نشره مرة أخرى في المدوّنة , نظراً لما يحتويه مِنْ نقد مباشر وعنيف للذات الإلهية الإسلامية , والذي قد يتسبب في جرح مشاعر الإخوة المسلمين بطريقة قد تحفّزهم للثورة عليَّ ..
وقد انتهجتُ أسلوب النقد المباشر في مقالي لعدة أسباب :
1- لمقتي الشديد لأساليب النفاق والمجاملة والمهادنة في الحوار مع الآخَر , وحرصي على الحسم والوضوح في جميع آرائي , وتجنّبي للّجوء إلى أسلوب الطعن من وراء الظهر في علاقتي بالآخَرين .
2- لإيماني بأنّ احترام الآخَر شيء منفصل تماماً عن احترام معتقداته , وإيماني بألا شيء أغلى ولا أقدَس ولا أعلى مِنَ الإنسان ذاته , فأنا كإنسان شيوعي مثلاً أستطيع أنْ أقبَل بسَبّ "جيفارا" أمامي بشرط ألا يطولني أنا السَبّ شخصياً , علماً بأنّ قداسة "جيفارا" لا تقل عندي عن قداسة "محمد" بالنسبة للمسلمين , وانطلاقاً مِنْ هذا المبدأ فقد رأيْتُ أنّ انتقاد إله المسلمين ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بعلاقتي بالمسلمين أنفسهم ..
فلقد قلتُها مراراً وتكراراً مِنْ قبل , وسأظل أكررها حتى المالانهاية ,, أنّ المسلمين هم أهلي وأصْلي الذي يستحيل عليَّ أنْ أتنصّل منه أبداً , والجميع يعرف أنّ أعزّ أصدقائي وأغلى أحبابي هم من المسلمين , ولكن في الوقت ذاته فإنّ دينهم وإلههم ونبيهم هم مِنْ أبغَض الأشياء إليَّ !! وكما قلتُ هذا ليس له علاقة بذاك ..
والفارق كبير بين المسلمين وبين الإسلام ذاته ..
فالمسلمون هم في النهاية بَشَر , منهم الخَيّر والشرير , والنبيل والخسيس , مثلهم مثل باقي البشر لهم طباع ومشاعر وعواطف وأحاسيس , والمسلم برغم كل شيء أخي في الإنسانية , له عليَّ حق السلام والإخاء والمساواة ..
أما الإسلام نفسه , فهو في النهاية لا يعدو كوْنه مجرد فكرة , وإضافة "الله" إلى الفكرة يضفي عليها قدراً كبيراً من القدسية التي نجح "محمد" نجاحاً كبيراً في أن يرسخها عند أتباعه ! وأي فكرة ليستْ فوق النقاش والنقد والتفنيد .
أرجو أنْ تكون الصورة واضحة ..
وأنْ ألقى من القاريء نضجاً وهدوءاً وتفتُّحاً في الحوار ..
كنتُ قد كتبتُ هذا البحث , ونشرته في أحد المنتديات في مطلع عام 2006 .. ومنذ ذلك الحين وأنا متردد بشدة حول نشره مرة أخرى في المدوّنة , نظراً لما يحتويه مِنْ نقد مباشر وعنيف للذات الإلهية الإسلامية , والذي قد يتسبب في جرح مشاعر الإخوة المسلمين بطريقة قد تحفّزهم للثورة عليَّ ..
وقد انتهجتُ أسلوب النقد المباشر في مقالي لعدة أسباب :
1- لمقتي الشديد لأساليب النفاق والمجاملة والمهادنة في الحوار مع الآخَر , وحرصي على الحسم والوضوح في جميع آرائي , وتجنّبي للّجوء إلى أسلوب الطعن من وراء الظهر في علاقتي بالآخَرين .
2- لإيماني بأنّ احترام الآخَر شيء منفصل تماماً عن احترام معتقداته , وإيماني بألا شيء أغلى ولا أقدَس ولا أعلى مِنَ الإنسان ذاته , فأنا كإنسان شيوعي مثلاً أستطيع أنْ أقبَل بسَبّ "جيفارا" أمامي بشرط ألا يطولني أنا السَبّ شخصياً , علماً بأنّ قداسة "جيفارا" لا تقل عندي عن قداسة "محمد" بالنسبة للمسلمين , وانطلاقاً مِنْ هذا المبدأ فقد رأيْتُ أنّ انتقاد إله المسلمين ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بعلاقتي بالمسلمين أنفسهم ..
فلقد قلتُها مراراً وتكراراً مِنْ قبل , وسأظل أكررها حتى المالانهاية ,, أنّ المسلمين هم أهلي وأصْلي الذي يستحيل عليَّ أنْ أتنصّل منه أبداً , والجميع يعرف أنّ أعزّ أصدقائي وأغلى أحبابي هم من المسلمين , ولكن في الوقت ذاته فإنّ دينهم وإلههم ونبيهم هم مِنْ أبغَض الأشياء إليَّ !! وكما قلتُ هذا ليس له علاقة بذاك ..
والفارق كبير بين المسلمين وبين الإسلام ذاته ..
فالمسلمون هم في النهاية بَشَر , منهم الخَيّر والشرير , والنبيل والخسيس , مثلهم مثل باقي البشر لهم طباع ومشاعر وعواطف وأحاسيس , والمسلم برغم كل شيء أخي في الإنسانية , له عليَّ حق السلام والإخاء والمساواة ..
أما الإسلام نفسه , فهو في النهاية لا يعدو كوْنه مجرد فكرة , وإضافة "الله" إلى الفكرة يضفي عليها قدراً كبيراً من القدسية التي نجح "محمد" نجاحاً كبيراً في أن يرسخها عند أتباعه ! وأي فكرة ليستْ فوق النقاش والنقد والتفنيد .
أرجو أنْ تكون الصورة واضحة ..
وأنْ ألقى من القاريء نضجاً وهدوءاً وتفتُّحاً في الحوار ..
وها هو نص البحث كما نشرته بالضبط في يناير 2006:
كلّما تناقشتُ مع مُسلِم حول عدم مطابقة الذات الإلهية الإسلاميّة( الله ) للكمال , أجده دائماً يهرب إلى إِثبات وجود الله وإبداعه فى صنعه بالأدلة المختلفة , ثم يرتِّب على مسألة وجودِه أنَّه هو الإله العظيم ونحن العبيد لذا فلايُنَاقَشْ فيما يفعل , ثم يَخْلُص مِنْ ذلك أنه لا ينبغى أنْ نفكِّر فى ذاته , وبرغم أنّ مسألة وجود الله لا يمكن الجزم بها عندى ( موقف اللاأدريّة ) إلا أننى أتظاهر لهذا المسلم دائماً بأننى موقن بوجود هذا الإله , لأننى لا أريد أن يخرج مجرى الحوار عن نطاق صفات وأفعال الله , فأنا حتى لو اقتنعتُ مائة بالمائة مِن وجوده , فإنّ المشكلة تبقى عندى قائمة فى عدم اقتناعى بكمال هذا الإله , لذا فإننى أركّز دائماً على هذه القضية عند تحاورى مع أى مسلم , لأنها هى التى تؤرّقنى دائماً أكثر مِن قضية وجود الله , بل إننى أجزم أنّ التفكير فى صفات وذات الله , وما نَجَمَ عن هذا التفكير , كان هو السبب الرئيسى عندى لِتَبنّى موقف اللادينية .
ولا يسعنى كإنسان منصف إلا أن أعترف أنّ هناك صفات إيجابية جميلة لله مذكورة فى القرآن , مثل أنه الحىّ الذى لا يموت كما فى الآية ( اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَىُّ القَيَّوم ) ( البقرة : 255 ) الذى لا يسبق حياته عدم , ولا يلحقها زوال , فهو الأوّل قبل الوجود , والآخِر بعد الخلود , كما فى الآية ( هُوَ الأَوَّلُُ وَالآَخِرُُُ وَ الظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَىءٍ عَلِيم ) ( الحديد : 3 ) فهو الظاهر الذى ليس فوقه شىء , والباطن الذى ليس دونه شىء ... كما أنه البارىء والخالق لكل شىء كما فى الآية ( ذَلِكُمُ اللُهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَىء ) ( الأنعام : 102 ) كما أنه هو المُصوِّر ( هُوَ الّذِى يُصَوِّرُكُمْ فِى الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء ) ( آل عمران : 6 ) وهو الملِك الذى يملِك كل شىء فى الوجود بما فيه الإنسان , فهو المهيمن الذى لا يخرج شىء عن نفوذه وسلطانه , حيث تقول الآيات : ( لَهُ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَ مَا فِى الأَرْضِ ) ( البقرة : 255 ) , ( لِلَّهِ مَا فِى السَّمَوَات وَمَا فِى الأَرْضِ ) ( البقرة : 284 ) , ( وَلَهُ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) ( النحل : 52 ) , ( وَلَهُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُون ) ( الروم : 26 ) , ( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ) ( المائدة : 120 ) كما أنه القادر على كل شىء كما فى الآية ( وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِير ) ( البقرة : 284 ) , والآية ( وَهٌوَ عَلَى كٌلِّ شَىْءٍ قَدِير ) ( المائدة : 120 ) وهو العليم الذى أحاطَ بكل شىءٍ علماً , فهو يعلم كل صغيرة وكبيرة فى الوجود العلم الواسع المحيط بكل شىء حيث تقول الآيات : ( لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرُ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمَاً ) ( الطلاق : 12 ) ( قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّى فِى كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّى وَلَا يَنْسَى ) ( طه : 52 )( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَ يَعْلَمُ مَا فِى البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِى ظُُلٌُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَابٍ مٌبِينٍ ) ( الانعام : 59 ) ( يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَوَات وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تٌسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُدُورِ ) ( التغابن : 4 ) كما أنه السميع الذى يسمع السر والنجوى , والبصير الذى يرى ما خفى وما ظهر , كما فى الآيات : ( وَاللهٌ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) ( المجادلة : 1 ) ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير ) ( الشورى : 11 ) وإذا كان هذا هو جزء من الجانب المشرق لصفات الله , فإنّ هناك جانباً آخر مظلماً جداً – لصفات هذا الإله – لا يفطن إليه كثير من المسلمين ..
فتعالوا معى لنلقِى بعض الضوء على هذا الجانب المظلم لصفات الإله الإسلامى :
الصفة الأولى : الـنـرجـسـيّـة :-
هناك آية فى القرآن كلما مَرَرْتُ عليها أثارت فى نفسى العديد من التساؤلات والخواطر , وحرَّكتْ فِىَّ مشاعر التعجب والدهشة ... هذه الآية هى ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ( الذاريات : 56 ) .. وقبل أن أبثُّ خواطرى حول هذه الآية , لابد أن أتطرَّق أولاً إلى معنى كلمة " العبادة " فى اللغة , وفى الشرع : جاء فى المُعجَم الوجيز : " ( عَبَدَ ) اللهَ – عبادةً , وعبوديَّةً : انقادَ له وخضعَ وذلَّ . فهو عابدٌ . ( ج ) عِبَادٌ , وعَبَدَةٌ , وعُبَّادٌ . ( عَبَّدَهُ ) : ذلَّلَهُ , يُقال : عَبَّدَ الطريقَ . ( تَعَبَّدَ ) : تَقَرَّبَ إلى اللهِ بالعبادة . و – فلاناً : اتَّخَذهُ عَبْدَاً . ( اسْتَعْبَدَهُ ) : اتَّخَذهُ عَبْدَاً . ( العِبَادُ ) – عِبَادُ الله : خَلْقُه . وفى القرآن الكريم : ( إِنَّ اللهَ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ) . ( العِبَادَةُ ) : الخضوع لِلإله على وجه التعظيم . و - : الشعائر الدينية . ( العَبْدُ ) : الرقيق . و - : الإنسانُ حُرَّاً كان أو رقيقاً , لأنّه مربوب لِلَّه عَزَّ وَجَلَّ . ( ج ) عَبيدٌ , وأَعْبُدٌ . ( العبوديَّة ) : خِلاف الحرّيّة . " ... انتهى . وجاء فى " فتح المجيد شرح كتاب التوحيد " فى شرح هذه الآية : " قال شيخ الإسلام ابن تيمية : العبادة هى طاعة الله بامتثال ما أَمَرَ الله به على ألسنة الرسل . وقال أيضاً : العبادة : اسم جامع لكلّ ما يحبُّه الله ويرضاه , مِنَ الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ... إلى أن قال الشارحُ : وقال القرطبى : أصل العبادة : التذلّل والخضوع , وسُمِّيت وظائف الشرع على المكلفين عباداتٍ , لأنهم يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذلِّلين لله تعالى . ومعنى الآية : أنَّ الله تعالى أَخبَرَ أنه ما خَلَقَ الجِنَّ والإنسَ إلا لعبادته , فهذا هو الحكمة فى خلقهم . قلت : وهى الحكمة الشرعية الدينية . قال العماد ابن كثير : وعبادته هى طاعته بِفِعلِ المأمور , وترك المحظور , وذلك هو حقيقة دين الإسلام , لأنّ معنى الإسلام : الاستسلام لله تعالى , المتضمِّن غاية الانقياد والذل والخضوع . وقال أيضاً فى تفسير هذه الآية : ومعنى الآية : أنّ اللهَ خَلَقَ الخلقَ لِيَعبُدُوه وحده لا شريك له , فمن أطاعَه جازاه أتمّ الجزاء , ومَنْ عصاه عَذَّبه أشدَّ العذاب , وأخبَرَ أنه غير محتاج إليهم , بل هم الفقراء إليه فى جميع أحوالهم , وهو خالقهم ورازقهم . وقال علىّ ابن أبى طالب رَضِىَ الله عنه فى الآية : ( إلا لِآمرهم أن يعبدونى وأدعوهم إلى عبادتى ) وقال مجاهد : ( إلا لِآمرهم وأنهاهم ) اختاره الزجاج , وشيخ الإسلام " ... انتهى كلام الشارح . الآية تقول فى وضوح وصراحة – كما وَضَّحَ علماء المسلمين الكِرَام – أنّ الله لم يخلق البشر إلا مِن أجل عبادته فقط , فهو قد خلقهم خصيصاً لتأدية هذا الغرض , ولا شىء غير هذا الغرض.. خلقهم خصيصاً لكى يراهم وهم يوَحِّدونه و يستعينون به , ويلجأُون إليه , ويعتمدون عليه , ويرضون بحُكمِه وقَدَرِه , ويصبرون على مصائبه .. لكى يراهم وهم ينفِّذون أوامرَه ممتثلين لها .. يفعلون ما يُرْضي غروره , ويبتعدون عمّا يُغضِب نفسَه الأبِيَّة .. لم يخلقهم إلا مِن أجل رؤيتهم وهم يَحْنُون ظهورهم له خاضعين , ويضعون جباههم وأنوفهم على الأرض له صاغرين , متوسّلين إليه فى ذِلَّة وانكسار , بل إنه جَعَلَ أكثر الأوضاع التى يكون فيها الإنسان قريباً منه هو الوضع الأكثر إذلالاً للإنسان !! ألا وهو السجود !! كما جاء فى الحديث : عن أبى هريرة أنّ رسول الإسلام قال : (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ , فَأَكْثِرُوا الذُعَاء ) ( رواه مسلم , وأخرجه أبوداود والنسائى ) لم يخلقهم إلا مِن أجل أن يراهم وهم يمدحونه ويمجّدونه ويعظّمونه و يحمدونه ويثنون عليه بمختلف أنواع الحمد والثناء .. حتى أنَّ هذا الإله جعل الثناء عليه شرطاً لدخول العبد عليه قبل أن يدعوه , وشرطاً لاستجابة هذا الدعاء .. تماماً كالملِك الذى يدخل عليه أحد رعيّته مادحاً إيَّاه بالشعر , حتى يستجديَه ويعطيَه ما يرغب مِنْ المال وخلافه !!! كما ركّزَ الإله الإسلامى كثيراً – مِنْ خلال الآيات والأحاديث – على أهمية أنْ تلهج ألسنتنا دائماً بذكره .. ( فَاذكُرُونِى أَذكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِى وَلا تَكْفُرُون ) ( البقرة : 152 ) ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آَمَنُوا اذكُرُوا اللهَ ذِكْرَاً كَثِيرَاً ) ( الأحزاب : 41 ) قال صلى الله عليه وسلم : " مَا جَلَسَ قَوْمٌُ مَجْلِسَاً لَمْ يَذكُرُوا اللهَ فِيهِ , وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ , إِلا كَانَ عَلَيْهِمْ ترة , فَإِنْ شَاءَ عَذبَهُمْ , وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ " انظر صحيح الترمذى 3 / 140 . وكأنّ الله هذا يشعر بالسعادة عندما يرانا جميعاً نذكره ولا ننساه !!!! لم يأتِ هذا الإله بنا إلى هذه الدنيا إلا لكى يرانا ونحن فى فرط خشيتنا منه , وفى قمة خوفنا مِن عذابه وعقابه .. كما فى الآيات : ( وَإِيَّاىَ فَارْهَبُونِ ) ( البقرة : 40 ) ( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ) ( البروج : 12 ) ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ ) ( آل عمران : 28 ) ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان ) ( الرحمن : 46 ) وهكذا , فهو لا يُشبِع كبرِياءَه إلا برؤيتنا وقد ملأتنا مشاعر الخشوع له , والرهبة منه ... يكون فى قمة نشوته عندما يرى الواحد منّا يبكى مِن خشيته ويتململ مِن شدة الخوف منه كالعصفور الضعيف الذى يتململ و يرتعش مِن شدة البرد ( انظر إلى حال المصلِّين وهم يبكون بكاءاً هيستيرِيّاً فى صلاة التراويح فى رمضان ) , والدليل على أنه يستمتع برؤية هذا المشهد , هو عدم محاولته طمأنة هؤلاء الخائفين والتهدئة مِن رَوْعهم بإخبارهم أنّه غَفَرَ لهم , بل هو يفضِّل استمرارهم فى هذا المشهد المأساوى .. وكما يحبُّ هذا الإله أنْ يرانا خائفين منه , فهو يحبُّ أيضاً أن يرانا ونحن رافعين له أكفّ الضراعة راجين ثوابه راغبين فيما عنده مِن نعيم , متوسّلين إليه أن يعطينا هذا النعيم .. فهو لا يكفيه أنْ يرانا نطلب منه الشىء مرة واحدة , بل يحبُّ أنْ يرانا نُلِحّ عليه بطلب هذا الشىء أكثر من مرة ! وربما لا يستجيب لدعائنا إلا بعد رؤيتنا وقد أَلَححنا عليه فى هذا الدعاء لسنوات عديدة , وكأنّ هذا الإله لا يشعر فى داخله بأنّه عظيم و له قيمة ومرغوب فيه إلا عندما يرى مِنْ مخلوقه هذا التوسّل والإلحاح فى الطَلَب !! , كمثال الشخص الذى لا ينجب الذى يدعو الله أن يرزقه الولد , ولا يستجيب الله لدعائه إلا بعد سنوات طويلة مِن توسّله إلى الله و إلحاحه فى هذا الدعاء !! ولا يعطيه هذا الإله مَطْلَبَه إلا بعد أنْ يراه وقد أَجهَدَ نفسَه أشدّ الإجهاد فى الدعاء , وبعد أنْ يستنفذ كل طاقاته فى التوسُّل والتذلُّل إلى هذا الإله !! شىء عجيب !! لماذا لا يعطيه مَطلَبَه مِنْ أول مرّة مباشرةً ؟؟ لماذا يريد هذا الإله أنْ يرى مِنْ مخلوقه كلّ هذا الذلّ والإلحاح ؟؟ هل الله هذا ينتشى بهذا المنظر أم ماذا ؟؟
بل إنَّ هذا الإله تعمَّدَ أن يخلق فينا طبيعة الشر بجانب طبيعة الخير , حتى نخطىء ونرتكب الذنوب فيفرح لِرؤيتنا ونحن نتوب إليه مِن هذه الذنوب منيبين إليه ملتمسين منه الصفح والعفوْ والمغفرة , كما جاء فى الحديث : عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم : ( وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ , لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا , لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ , وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ , فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ تعالى , فَيَغْفِرُ لَهُمْ ) ( رواه مسلم ) والحديث : عن أبى حمزة أنس بن مالكٍ الأنصارى خادم رسول الإسلام, قال : ( لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِه وَقَدْ أَضَلَّهُ فِى أَرْضٍ فَلَاةٍ ) ( متفق عليه ) أىْ أنَّنا لو لم يكن فى طبيعتنا ارتكاب الذنوب , لَمَا كان لنا أى فائدة عند الله ... لماذا ؟؟ لأنّه ببساطة شديدة : عندها لن يجد هذا الإله مَنْ يتذلَّل إليه طالباً منه العفوْ والصفح والمغفرة !!! إله غريب , ويبدو أنّه يعانى مِنْ عقدة نفسيّة تجعله يشعر بالرغبة دائماً فى أَنْ يصبح ذا قيمة ووجاهة عند خَلْقِه , ويغضب إذا لم يجد مِنْ خَلْقِه مَنْ يسأله !!!! .. كما يبدو فى هذا الحديث : روى ابن ماجة فى سننه مِنْ حديث أبى هريرة , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ لَمْ يَسْألِ اللهَ يَغْضَبْ عَلَيْه " الترمذى ( 3373 ) , وابن ماجة ( 3827 ) , والبخارى فى الأدب المُفرَد 658 , وأحمد 2/442 , والحاكم 1/491 . والسؤال الذى يطرح نفسه الآن بقوة هو : لماذا يريد الله أنْ يرى مِنَّا كل هذه المظاهر التعبُّديّة ؟؟؟ لماذا يريد أن يرانا أذِلاء له بهذا الشكل ؟؟؟ هو يقول : (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ... وأنا أطرح عليه السؤال بِبَراءة : لماذا يارب تريد مِنَّا أنْ نعبدك ونتذلَّل لك ؟؟؟ فدائماً يدندن الإسلاميّون فى نقاشاتهم حول اتّصاف الله بالحكمة , فهو قد خلقنا ثمّ خَيَّرَنا بين الطريق المؤدِّى إلى الجنة , وبين الطريق المؤدِّى إلى النار , وكل إنسان يختار مصيره ... فأرد عليهم بقولى : ولماذا لم يخلقنا الله مباشرةً فى الجنّة , فيردّون بقوْلِهم : لقد أراد الله بحكمته أنْ يختَبِرنا فى الدنيا لِيُميِّز الصالح مِنَ الفاسد , فأقول لهم : وما هو المِعيار الذى سَيُميِّز الله على أساسه الصالحَ مِنَ الفاسد ؟ ... فيقولون : هو العبادة , حسب مفهوم الآية ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) , فأقول لهم مندهشاً : معنى هذا أنَّ كل هذه المسرحية الصاخبة التى نعيشها فى هَيْلمان الدنيا هى مِن أجل أنْ نعبد الله !! ... ... كل هذه الكتب التى نَزَلَتْ , نَزَلَتْ لكى تقول لنا يجب أن تفعلوا كل شىء فى حياتكم باسم الله ولله !! ... كل هذه الأديان السماوية التى جاءت , وكل هذه التشريعات التى صِيغَتْ , وكل هذا التناحر والإقتتال والإختلاف بين طوائف المتديّنين هو مِنْ أجل إقامة العبوديّة لله على الأرض ... كل هذا الضجيج الدينى الذى نحياه فى دنيانا , وكل هذه العلوم الشرعية المتخصصة هى مِنْ أجل غاية واحدة هى إقامة العبودية والخضوع لله ... كل هؤلاء الرُسُل الذين أُرْسِلوا جاءوا لكى يقولوا لنا يجب أن تحنوا ظهوركم لله وتضعوا جباهكم على الأرض له !! وهل يحتاج الله العظيم الكامل إلى عبادتنا له ؟؟؟ - لو أنّه يحتاج إلى هذه العبادة , فهو إذن إله نرجسى مغرور , يعانى من عقدة نقص , يستمتع بإذلال مخلوقاته والتحكم فيهم من خلال الأمر والنهى ... تماماً كالشخص الذى يشعر فى داخله بالنقص , فيلجأ إلى الاستعلاء على الآخرين , وإذلالهم , وإخضاعهم لكبريائِه , حتى يشعر بنفسه أنه عظيم ... هذا إذا كان الله قد طَلَبَ مِنَّا عِدَّة أشياء مِن بينها العبادة , فما بالكم أنّه لم يخلقنا إلا لعبادته فقط أصلاً !!!!!!!!!! وقد جاء فى القرآن اعترافاً مِن هذا الإله بأنه متكبّر فى الآية : ( هُوَ اللهُ الذِى لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلَام المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكونَ ) ( الحشر : 23 ) وتصل درجة الغرور والغطرسة بهذا الإله الإسلامى المتكبِّر إلى ذروتها فى هذه الأحاديث القدسيّة : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "يُمَجِّدُ الرَبُّ نَفْسَهُ: أنَا الجَبَّارُ، أنَا المُتَكَبِّرُ، أنَا المَلِكُ، أنَا العَزِيْزُ، أنَا الكَرِيْمُ." رواه أحمد وأبو داود وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبى قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "يَقْبِضُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاء بِيَمِينِهِ، ثُمَ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ." رواه مسلم. قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "إنَّ الله يَقْبِضُ يَوْمَ القِيَامَةِ الأرْضَ، وَتَكُونُ السَمَاوَاتُ بيَمِينِه، ثُمَ يَقُولُ: أنَا المَلِكُ." رواه البخاري. عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال : قال الله تعالى: " الكبرياء ردائي فمن نازعني في ردائي قصمته " صحيح الجامع الصغير ( المجلد الثانى ) لماذا يفتَخِر بنفسه هكذا ؟؟ لماذا يعظِّم نفسه ويمجِّدها هكذا بهذا التكبُّر ؟؟ إله متعجرف ونرجسى ويحب نفسه جداً !!!! لو كان عظيماً حقاً , لمَا تحدّث عن نفسه بهذا الغرور, ولَتَرَك أفعاله لِتتحدث هى عنه مُدَلّلة على عَظَمَتِه , بدلاً مِن أَنْ يظلّ يتكلّم عن نفسه بتعالى وتكبُّر قائلاً : أنا .. أنا .. أنا !!! العظيم حقاً لا يقول عن نفسه أنه عظيم ... العظيم حقاً لا يظلّ يُمَجِّد نفسه هكذا , بل يتواضع ويترك أفعاله النبيلة لِتتحدّث هى عنه ... عندها سيكبر فى نظرى هذا الإله بِنُبْلِه ودماثة أخلاقِه , وسأعترف له وقتها وأُقِرُّ له بالعَظَمَة فِعلاً . - أما لو أنه لا يحتاج لهذه العبادة كما جاء فى هذا الحديث القدسىّ : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "قَالَ الله تعالى: يَا عِبَادِي إِني حَرَّمْتُ الظُلْمَ على نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فَلا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلكُمْ ضَالٌ إلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلكُمْ جَائِعٌ إلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلكُمْ عَارٍ إلا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَيْلِ وَالنَهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُنُوبَ جَمِيعاً، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرُ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا على أَتْقَىَ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَكُمْ، كَانُوا على أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَا عِنْدِي إلا كَمَا يَنْقُصُ الْمَخِيْطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَ أُوَفِّيكُمْ إِيَاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ". أقول لو أنه لا يحتاج إلى هذه العبادة كما أخبرَ فى الحديث السابق , فلماذا طلبها أصلاً , بل إنه لم يخلقنا إلا لها؟؟؟؟ هل هو يريد أن يتسلَّى بمشاهدتنا فى هذه الدنيا ونحن نقاتل بعضنا مِن أجله , وكأننا مصارعين فى حلبة ؟؟؟؟ ألا يُعَدّ هذا ضرباً مِن ضروب العبث ً ؟؟
وقد تَطَرَّق بعض الإسلاميين إلى هذه النقطة , مثل الداعية المصرى الفاضل " محمد حسان " فى خُطبته التى سَمَّاها ( مَنْ نعبد ؟ ) ... حيث قَسَّمَ الخُطبة على أربع عناصر كالآتى : العنصر الأول : ما العبادة ؟ وقال فى هذا العنصر : " العبادة أصلُ معناها فى اللغة الذلّ .. يُقال : طريقٌ مُعَبَّد أى طريقٌ مُذلَّل قد وطأته الأقدام .. ولكن العبادة التى أُمِرْنا بها لابد وأن تقتضى مع الذلِّ الحبَّ , فهى كمال الذلِّ مع كمال الحبِّ لِلَّهِ جَلَّ وعَلا " العنصر الثانى : مَنْ نعبد ؟ وَضَّحَ الشيخ فى هذا العنصر أنَّ الإله المستحقّ للعبادة مِن بين جميع الآلهة هو الإله الإسلامى " الله " . العنصر الثالث : لماذا نعبد ؟ وَضَّحَ الشيخ – حسب وجهة نظره - فى هذا العنصر الأسباب التى مِنْ أجلها أمرنا الله بعبادته .. العنصر الرابع : بِماذا نعبد ؟ وأخيراً ناقَشَ المظاهر التعبّدية التى نستطيع من خلالها إبراز عبوديّتنا لله . والعنصر الثالث الذى تكلَّمَ عنه الشيخ " حسَّان " هو مربط الفرس الذى أتكلم عنه , وسوف أنقل لكم ما قاله الشيخ بالنص فى هذا العنصر , ثم أعلّق أنا عليه بشىء مِنَ التفصيل : يقول الشيخ " حسَّان " : " ... فالله غنىٌّ عن خلقه , لا تنفعه الطاعة , ولا تضرُّه المعصية .. والسؤال الآن : فإذا كان ذلك كذلك .. إذا كان الله غنياً عن خلقه , لا تنفعه الطاعة ولا تضرّه المعصية , فلماذا أمرنا بعبادته ؟ وهذا هو عنصرنا الثالث : لماذا نعبد ؟؟ والجواب أيها الشباب وأيها الأحباب : نعبد الله جل وعلا أولاً لأنّ العبادة حقٌ لِلَّهِ علينا , فمِنَ الجفاء أن يتأثّر الإنسان بإحسان مَنْ أَحْسَنَ إليه مِنَ البشر , وأن ينسى إحسان خالق البشر الذى أغرقه من رأسه إلى قدمه , ومن ميلاده إلى مماته .. قال النبى صلى الله عليه وسلَّم يوماً لمعاذ – والحديث فى الصحيحيْن : يقول معاذ : كنتُ رديف النبى صلى الله عليه وسلَّمَ يوماً فقال المصطفى : يا معاذ , أتدرى ما حقُّ اللهِ على العباد , وما حقُّ العبادِ على الله ؟ قال : الله ورسوله أعلم , فقال المصطفى : حقُّ اللهِ على العباد أنْ يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ... فالعبادة حقٌّ للهِ على عباده , حقٌّ للهِ على خلقه .. بل مِنَ الظلم البَيِّن أنْ ننكر حقَّ الله جلَّ وعلا الذى خَلَقَ .. فلو نَظَرْتَ إلى الكون لَوَجَدتَّ الإنسان غارقاً فى إحسانِ اللهِ وفضله , وَلَوَجَبَ عليه أن يشكرَ الخالق جلَّ وعَلا , وأن يعترف له بالحمد , وذلك لا يكون إلا بامتثال أمره , واجتناب نهيه , والوقوف عند حَدِّهِ جلَّ وعَلا .. انظر إلى الكون لِتتعرّفَ أنَّ حقَّ اللع عزَّ وجلَّ علينا أن نعبده وأن نحمده وأن نشكره .. فَمَنِ الذى خَلَقَ السماءَ وزيَّنَها بالأقمارِ والنجومِ والكواكبِ , ومَنِ الذى خَلَقَ الأرضَ وأَسْكَنَهَا بالجبال وزَيَّنَهَا بالأشجارِ والزهور وزيَّنَهَا بالمحيطات والأنهار والبحار , ومَنِ الذى خَلَقَ الإنسانَ وَأَنْزَلَ له الكتب وأرسلَ له الرُّسُل , بل ومَنِ الذى أكرَمَنَا بالقرآنِ وبِمُحَمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم .. ومِمَّا زادنى فخراً وتــيــــها وكِدتُّ بِأَخمصى أطأ الثُّرَيَّا دخولى تحت قولك ياعبادى وأَنْ أَرْسَلْتَ أحمدَ لى نبــيِّـا ثم انظر إلى نفسك أيها الإنسان .. يا من تعزف عن عبادة الرحمن .. انظر لنفسك لتتعرَّفَ على عَظَمَةِ الله , وعلى حق الله عليك .. انظر إلى هذه العيْن , وإلى هذه الأنف , وإلى هذه الأُذُن , وإلى هذا الفم .. خَلَقَ اللهُ العيْنَ وجعلها فى علبة عظميّة قوية لحمايتها , وأحاطها بالأهداب حتى لا تتساقط الدموع إلى داخل هذه العيْن , وظلَّلَها بالرموش لتعكس الرموش آشعة الشمس فلا تُصاب العيْن بِأذى .. ثم أمدَّها الله بماءٍ مالحٍ , ألا وهو الدموع , لتقتل هذه المياه الأتربة أو الميكروبات التى يتعرّض لها الإنسان فى الجوّ .. وخَلَقَ اللهُ الأنفَ بهذه الصورة العجيبة , وجَعَلَ الماء فى هذا العضو حامضاً لتتعلَّق الميكروبات أو الأتربة التى يتنفسها الإنسان مِن هواء الجوّ المحيط به .. وخَلَقَ اللهُ الفم بهذه الصورة الجميلة البديعة وزيَّنَه بالأسنان وبالقواطع والأنياب والضُّرُوس , وجَعَلَ فيه اللسان , وجَعَلَ فيه اللعاب , وجَعَلَ فيه بوّابةً منيعةً فى آخره تُسَمَّى بلسان المزمار .. هذه البوّابة لو أخطأتْ فى وظيفتها لحظة لَهَلَكْتَ فى التّوِّ واللحظة .. أيها الإنسان المغرور المتكبِّر على عبادة الملِك الغفور .. فوظيفة هذه البوّابة التى تُسمَّى بلسان المزمار أنْ تسدّ البلعوم عند التنفّس , وأنْ تسدّ القصبة الهوائيّة عند البلع , ولو أخطأَ لسان المزمار لحظة فَسَدَّ البلعوم مثلاً أثناء البلع , وجَعَلَ قطعة اللحم تنزل إلى الحنجرة أو إلى المَرِّىء لربَّما هلكتَ فى التّوِّ واللحظة .. فمَنِ الذى عَلَّمَ هذه البوّابة المنيعة هذه الوظيفة الدقيقة التى لو اختَلَّتْ لحظة لَهَلَكتَ .. ثمّ ماء الفم حلو وعذب يختلف عن ماء العيْن وعن ماء الأنف وعن ماء الأُذُن لِيتذوَّق الإنسانُ الطعام الحارَّ والباردَ والطيّبَ والخبيثَ .. وجَعَلَ اللهُ ماءَ الأُذُن مُرَّاً حتى لا تتسرّب الحشرات إلى أُذُنِكَ أيها الإنسان وأنت نائم ... أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ ؟ يستحقُّ أَنْ يُعْبَدَ ؟ .. ثمّ مَنِ الذى خَلَقَ هذه النباتات التى نأكلها , والفاكهةَ التى نراها , وقد لا يلتفت كثيرٌ مِنَّا إلى عَظَمَةِ الله فيها , وإلى قدرةِ الله جلَّ وعَلا الذى أَوْجَدَ لنا هذه النعم ! مَنِ الذى رَصَّ حبَّاتِ الذرة اللؤلؤيّة البيضاء على قَوْلَحَةِ الكوز بهذا الجمال والإتقان والإبداع .. ومَنِ الذى غَلَّفَ حَبَّاتِ القمح بهذه الأغلفة ؟ وجعل فى نهاية كل حبَّة شوْكة طويلة حتى لا تكون حبّات القمح كلها غذاءً للطيْر , لأنَّ اللهَ قد قَدَّرَ أنْ تكون حبّات القمح غذاءً لك أيها الإنسان .. ومَنِ الذى فَصَلَ بين الملح الأجاج والعذب الفرات .. بينهما برزخٌ لا يبغيان .. ومَنِ الذى خَلَقَ الشمسَ والقمرَ , وجَعَلَ لهما مداراً وفَلَكَاً ؟ .. لو تركتِ الشمس مدارها لاحترقَ كلُّ حىٍّ على ظهر الأرض , أو لَتَجَمَّدَ كلُّ حىٍّ على ظهر الأرض , ولو ترك القمر فَلَكَه لغرقَ كل حىٍّ على ظهر الأرض , أو لَهَلَكَ كلُّ حىٍّ على ظهر الأرض عطشاً مِنْ خلال عمليتى المدِّ والجزرِ .. ( وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِى لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُون ) ... إلى أن قال فضيلة الداعية : ألا يستحقُّ هذا الإله أَنْ يُعبَد ؟؟ ألا يستحقُّ هذا الإله العظيم أَنْ يُوَحَّد ؟؟ ألا ييستحقُّ هذا الإله أن نمتثلَ أمرَه , وأن نجتنبَ نهيَه ؟؟ الإله العظيم الذى يستحق أن يُطاعَ وحده هو الله .. امتثِلْ أمرَه , واجتنِبْ نهيَه , وقِفْ عند حَدِّه .. فهذا حق الله عليك . تغضب يا ابن آدم إنْ ضاع حقك عند بنى البشر , والله خالقك لا تفكر لحظة فى آداء حقه .. لا تتجرّأ على معصية أحد إلا على معصية الواحد الأحد . فنحن نعبدُ اللهَ لأنَّ العبادة حقٌ للهِ جَلَّ وعَلا .. ثانياً : نعبدُ اللهَ لِنُغَذِّىَ بالعبادةِ للهِ أرواحَنا .. نعم .. نعم .. وَرَبِّ الكعبةِ إنَّ الحياةَ بعيداً عن الله شقاء , وإنّ الحياةَ بعيداً عن الله سراب .. إخوتى الكرام : لا تظنّوا أنّ السعادةَ فى الأموال فحسب , أو فى الجاه والسلطان فحسب , أو فى الشهرة فحسب .. لا وَاللهِ .. مساكين وَاللهِ أهل الغفلة .. خرجوا مِنَ الدنيا ولم يتذوّقوا أطيبَ ما فيها .. قيل : وما أطيبَ ما فيها ؟ .. قال : ذِكْرُ اللهِ والأُنْسُ به .. لا أُنْسَ إلا مع الله , ولا لذة ولا انشراح ولا سعادة إلا مع الله .. شتَّانَ شتَّانَ حبيبى فى الله بين لحظاتٍ تقوم فيها فى جوف الليل بين يدى الله , وبين لحظاتٍ يغلبُك فيها شيطانك فتبارز ربك بالمعصية .. شتّانَ شتّانَ .. فنحن نعبدُ اللهَ لنا لا لِرَبِّنا .. لِنُغَذىَ الروح َ , لأنّ الإنسان بدن وروح .. البدن يأكل ويشرب ويأتى أحدنا بِبَدنه امرأَتَه فى الحلال الطيّب .. لكن تبقى الروح فى أعماق أعماق هذا البدن تريد دواءاً وتريد غذاءاً وتريد شراباً وتريد أن تحيا , وحياةُ الروحِ فى طاعة الله .. فى ذكر الله .. فى الأنس بالله جلَّ وعَلا .. وهذا سر ما يعانيه الآن الشرق الملحد والغرب الكافر .. هؤلاء قد أعطى أحدهم البَدَنَ كلَّ ما يشتهيه , وبقيتِ الرُّوحُ فى أعماق البدن تصرخ , تبحث عن دواء وعن غِذاء .. ولا يعلمُ دواءَ وغِذاءَ الروحِ إلا خالقها جلَّ وعَلا : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلَاً ) . ثم ثالثاً : نحن نعبدُ اللهَ جلَّ وعَلا طَلَبَاً لِجنَّتِه وخوفاً مِن نارِهِ .. وقد قال بعض الناس : إننا لا نعبدُ اللهَ طمعاً فى جَنَّة ولا خَوْفاً مِن نار .. كما نسبوا ذلك لِرابعة , قالت : اللهمَّ إِنْ كنتُ أعبدك طمعاً فى جنَّتِك فاحرِمنى منها , وإنْ كنتُ أعبدك خَوْفاً مِن نارِك فاحرقنى فيها , وإنْ كنتُ أعبدك لِذاتِك فلا تحرِمنى مِنَ النَّظَرِ إلى وجهك الكريم .. وقالوا بِأنَّ العبدَ الذى يعبدُ اللهَ طَلَبَاً للجَنَّة وخَوْفاً مِنَ النَّار , إنَّما هو كأجير السوء الذى إنْ أخذ الأجرةَ عَمِلَ وإنْ لم يأخذ الأجرةَ تَوَقَّفَ ... وقد جَمَعَ الإمام ابن القيِّم جمعاً دقيقاً بين هذا القول وبين قول علماء السلف الذين قالوا بِأنَّ أعرفَ الناس بالله هم الأنبياء والرسل , ومع ذلك كل الأنبياء والرسل عبدوا الله جلَّ وعَلا وسألوا اللهَ الجنّةَ واستعاذوا بِهِ مِنَ النَّار ... ولكنّ ابن القيِّم – كما ذكرتُ – قد جَمَعَ جمعاً رائعاً عالياً بين هذيْن القوْليْن , فقال : سبب الإشكال أنّ النّاسَ يُخطئون فى مُسَمَّى الجنَّة , فهم يتصوّرون أنّ الجَنَّةَ إنَّما هى الأشجار والأنهار والحور والحرير واللبن والخمر والعسل .. يقول ابن القيِّم : وهذا فهمٌ قاصرٌ لمسمّى الجَنَّة , فإنَّ الجَنَّةَ اسمٌ للنعيم المُطلَق , وأعلى درجات النعيم النَّظَرُ إلى وجه الملِكِ الكريم .. وبهذا يزول الإشكال .. فأنتَ تعبدُ اللهَ جَلَّ وعَلا وأنتَ تسألُ اللهَ الجَنَّةَ وأنتَ على يقينٍ بِأَنَّ أعلى نعيم الجَنَّةِ هو النَّظَرُ إلى وجه اللهِ سبحانه " ..... انتهى كلام الشيخ .
وكما رأيتم فقد أسهَبَ الشيخ " حَسَّان " إسهاباً طويلاً حول إبداع الله وإتقانه فى صنعه ( الإبداع فى صنع العيْن والأنف والأُذُن ... الإبداع فى صنع الإنسان عموماً , وفى صنع الكوْن ) , كعادة الإسلاميين عندما يُطرَح عليهم تساؤلاً يدور حول صفات وحكمة الله , فيُتعِبونَ أنفسهم بالشرح الطويل لتوضيح إبداع الله فى صنعه ... مع أنّ التساؤل المطروح عليهم يناقش قضية أخرى غير قضية إتقان الله لِصُنْعِه التى يُصِرُّون على تناولها بالتفصيل فى كل مناسبة ... ويبدو أنهم لا يجيدون النقاش إلا فيها , ولا الدندنة إلا حولها !! عموماً , لقد بَسَطَ الشيخ " حسَّان " الإجابة عن سؤال : ( لماذا نعبد الله ؟ ) فى ثلاثة أسباب هى : 1- نعبدُ الله لأنّ العبادة حقٌّ للهِ علينا لسببين : أولاً : لأنّ الله قد أحسنَ إلينا , وأغرقنا فى النِعَم , وأول هذه النِعَم هى نعمة الوجود ذاته . ثانياً : لأنّ الله هو الخالق , فقد خَلَقَنَا , وأبدعَ صنعنا , وأبدعَ صُنْعَ الكوْن الفسيح مِن حولنا . 2- نعبدُ اللهَ لنا لا لِرَبِّنا , لأنّ راحتنا وسعادة أرواحنا هى فى عبادة الله . 3- نعبدُ اللهَ طَلَبَاً لِجَنَّتِهِ وخَوْفاً مِنْ نارِهِ . * بالنسبة للنقطة الأولى : فبدايةً أريد أنْ أبدى دهشتى مِنْ التكلُّم بمنطق ( الحقوق ) هذا ! .. هل العلاقة بيننا وبين الله تَحَوَّلَتْ إلى " حَقِّى وحَقَّك " , وكأنّنا تَحَوَّلنا نحنُ و"اللهُ " إلى تُجَّار !! العلاقة بيننا وبين خالقنا لابدّ وأنْ تكون أرقى مِنْ ذلك .. مفهوم ( الحقوق ) هذا يصلح لِأنْ يكون فى تعاملاتنا نحن بنى البشر بين بعضنا البعض , ولكنّه لا يليق بالله أنْ يتعامل به معنا .. لا يليق به كإله أنْ يقول لِمخلوقاته : " لى عندكم حقوق " , وكأنّه قد أَنْزَلَ نفسَه منزلتنا , أو أنّه نَزَلَ إلى مستوانا البشرى , ويطلب مِنَّا حَقَّه , وكأنَّه بشر مثلنا يحتاج إلى تلبية حقوقه !!! ثُمَّ ما هو مفهوم كلمة " الحقّ " أصلاً ؟ يُقال : " يَحِقُّ عليْك أنْ تفعل كذا " .. أى .. " يَجِب عليْك أنْ تفعل كذا " ويُقال : " هو حَقٌّ بِكذا " .. أى .. " هو جدير بِهِ " ( المُعجَم الوجيز ) وأنا أتساءل : لماذا يجب عليْنا أنْ نعبدَ اللهَ ؟ ما الذى جَعَلَ ذلك واجباً ؟ - هل لِمجُرَّد أنّه خَلَقَنا , أصبح له الحقّ فى أنْ يستعبدنا ؟! لا أدرى سرّ هذا الربط العجيب عند المسلمين بين خَلْقِ الله لنا , وبين استحقاقه لعبادتنا له .. فكثيراً ما أسمع المسلمين يقولون فى نقاشاتهم معى : طالما أنّه خلقك , إذن فهو يستحقّ منك أنْ تعبدَه ! لماذا يرتّبون استحقاق العبادة دائماً على خَلْقِ الله لنا ؟ هل هو ما دام خلقنى , فذلك يُسَوِّغ له أنْ يُذِلّ فِىَّ ؟! لو كان أخبَرَنى قبل مجيئى إلى الوجود , بهذا المنطق الغريب , لكنتُ فَضَّلتُ أنْ أكون عدماً على حياة الاستعباد هذه التى يريدها لى .. فالعدم عندى أشرف وأهون مِنْ حياة مهينة بهذا المنظر .. وقد يعترض البعض قائلاً : وهل العبوديّة لله ذلّ ومهانة ؟! .. بل إنّ العبوديّة له شرف كبير .. وأنا أقول لهؤلاء : وهل العبادة أصلاً هى أسمى علاقة تربطنا بالخالق ؟؟؟ المشكلة تكمن فى أنّ المتديّنين جميعاً والمسلمين منهم خصوصاً يعتبرون أنّ الإنسان لا يستطيع أنْ يعيش بدون أنْ يعبد شيئاً – أى شىء – ويعتبرون أنّ الإنسان مفطور على أنْ يعبد أى إله , فيجعلون جُلَّ همّهم أنْ يصرفوا هذه العبادة إلى الإله الذى يستحقّها ... وأنا أقول : ولماذا لابد أنْ تكون هناك عبادة أصلاً ؟؟ فمِنَ الممكن أنْ يعيش الإنسان دون أنْ يكون عبداً لإله! العلاقة بيننا وبين الله يجب أنْ تكون أرقى مِنْ علاقة السيِّد بالعبد .. نعم .. كان الأوْلى بهذا الإله أنْ يقول : ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِأَتَوَدَّدُ إِلَيْهِم ) أو أنْ يقول : ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِأُحِبُّهُم وَيُحِبُّونِى ) أو أنْ يقول : ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِأُحْسِنَ إِلَيْهِم دُونَ انْتِظَارِ الْمُقَابِل ) بدلاً مِنْ أنْ يقول : (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) بدلاً مِنْ أنْ تكون العلاقة بيننا وبينه هى علاقة عبوديّة وذلّ وخوْف وقهر , كان الأوْلى أنْ تكون علاقة ودّ وحبّ وأمْن واحترام مُتَبادَل .. بدلاً مِنْ أنْ يساوِمنا على الجَنَّة , ويجعل دخولنا لها بِمُقابِل تجارى ( يَأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) , كان الأوْلى به أنْ يخلقنا فى الجَنَّة مباشرةً , ويُحسِن إليْنا دون انتظار المُقابِل , باعتباره الربّ الكريم المُنْعِم المُتَفَضِّل على خَلْقِه , الذى لا يحتاج إلى مقابِل لكى يمنحنا إحسانِه .. بدلاً مِنْ أنْ يظلّ يخوّفنا ويقول عن نفسه أنّه شديد العقاب , وأنَّ عذابه أليم , وأنّ بطشه شديد , كان الأفضل ألَّا يجعلنا نخطىء أصلاً , وبالتالى لا نكون مستحقّين لعقابه ولا لِعذابه , ويترتب على ذلك أنْ تكون العلاقة بيننا وبينه كلّها أمْن وطمأنينة , ولكن يبدو أنّه لا يريد لنا هذا الأمْن , ويأبى إلا أنْ يخوِّفنا , إنْ لم يكن فى الدنيا ففى الآخرة , كما جاء فى هذا الحديث : عن أبى هريرة :قال النبىّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم : قال الله عزّ وجلّ " وَعِزَّتِى وَجَلالِى , لا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِى خَوْفَيْنِ وَلا أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ , إِنْ أَمِنَنِى فِى الدُّنْيَا أَخَفْته يَوْمَ القِيَامَةِ , وَإِنْ خَافَنِى فِى الدُّنْيَا , أَمنْته يَوْمَ القِيَامَةِ " ... أخرجه ابن حبَّان ( 2494 ) , وسنده حسن . وهكذا .. فالعلاقة بيننا وبينه كان يمكن أنْ تأخذ أشكالاً أخرى كثيرة أفضل مِنْ علاقة الاستعباد التى ذَكَرَها فى آية الذاريات . - ثُمَّ هذه البشريّة المُعَذبَة .. هل أغرَقَها الله فعلاً بالنِعَم , حتى يُقال أننا لابد أنْ نردّ الجميل له ونعبده ؟؟ هل الله قد أحسَنَ إلينا فِعلاً , حتى نردّ إليه الإحسان ؟؟ فى الحقيقة , الله لم يُحسِنْ إليْنا , بل جَنَى عليْنا كثيراً , وواقع الحياة الدنيا كلُّه يدلّ على هذه الحقيقة ! إنَّ مقدار الآلام النفسيّة والمادّيّة التى يتجرّعها بنو البشر كل يوم فى هذه الدنيا , لهو مقدار يفوق الوصف والخيال !! كيف ذلك ؟ أينما وَجَّهتَ نظرك إلى أى مكان على ظهر البسيطة , لوجدتَّ أمراضاً وعاهات وتشوّهات وكوارث ومصائب ومتاعب وأحزان ومشاكل على كل صنف ولون ! مِنَ رابع المستحيلات أنْ تجد إنساناً فى هذه الحياة لا يُعانى مِنْ متاعب أو مشاكل ... لابدّ وأنْ تجد كل إنسان يعانى مِنْ تعبٍ ما , وإن اختلفت نوعيّة المتاعب مِنْ شخص لِآخر , ولكن فى النهاية البشر كلُّهم يشتركون فى أنّهم يُعانون فى حياتِهم ! ولن أتطرَّق هنا إلى مناقشة نوعيّة هذه الآلام والمتاعب لِأدلِّل على صِحَّة رأيى فى أنَّ الإنسان يعيش فى نَصَب , فهذه حقيقة معروفة للجميع , وليس أَدَلّ على ذلك مِنْ أنَّ الله نفسه اعترف بها فى أحد آيات القرآن , حيث قال : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِى كَبَدٍ ) ( البلد : 4 ) وبالتالى إذا كان هذا الإله يستحقّ شيْئاً مِنَّا , فهو يستحقّ اللوْم والعِتاب , لا العبادة وردّ الجميل كما قال الشيخ " حسَّان " !! وبرغم هذه الآية التى اعترفَ فيها هذا الإله اعترافاً صريحاً بأنّه خَلَقَنَا فى مُعاناة دائمة فى هذه الدنيا , يأتى لِيُناقِض نفسَه ويقول فى نصوص أخرى أنّه قد أنعمَ عليْنا , وأحسَنَ إليْنا , وبالتالى فهو يريد مِنَّا مقابِل هذا الإحسان !!!! ويدلّ على هذا المعنى الأحاديث القدسيّة الآتية : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "إنَّ أوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ النَعِيم أنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَك، وَنَرْوِيْكَ مِن المَاءِ البَارِد؟ " رواه الترمذي والحاكم وقَالَ الألباني: صحيح ( صحيح الجامع ).( صحيح الجامع: 2022 ).. قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "يُؤْتَى بِالعَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: أَلَمْ أَجْعَل لَكَ سَمْعاً وَبَصَراً وَمَالاً وَوَلَداً، وَسَخَّرْتُ لَكَ الأنعَامَ وَالْحَرثَ، وَتَرَكْتُكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ، فكُنْتَ تَظُنُ أَنَكَ مُلاَقِي يَوْمَكَ هَذَا ؟! قال: فَيَقُولُ: لاَ، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: الْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي." رواه الترمذي وقَالَ الألباني: صحيح ( صحيح الجامع ).( صحيح الجامع: 7997 ). وبالإضافة إلى ما فى هذه الأحاديث مِنْ تناقض مع آية سورة البلد , فإنَّ فيها أيضاً مفاهيم مغلوطة يجب أنْ تُصَحَّح .. فمفهوم " النِّعْمَة " فى التصوُّر الإسلامى مفهوم مُشَوَّش وخاطىء ويحتاج إلى تصحيح .. وحتى أقرِّب الصورة الصحيحة التى أعنيها إلى حضراتكم , دعونى أضرب لكم مثالاً بسيطاً : عندما يقرر أحدنا ابتكار اختراع مُعَيَّن , فإنّه يحاول أنْ يبذل قصارى جهده لكى يظهر هذا الإختراع فى أحسن صورة , ويبذل كلّ المُحاولات الممكنة لِإخراجه فى أفضل تقنية .. عندما يقرر شخص ما مثلاً صنع جهاز تسجيل لم يسبقه أحدٌ فى ابتكاره مِنْ قَبْل , فمِنَ الطبيعى أنْ يهيِّىء لهذا الجهاز كل الإمكانات المُتاحة لكى يؤدِّى وظائفه المَرْجُوَّة ويعمل بالصورة المُثلى .. فيُهيِّىء له الوظيفة الأساسيّة وهى إسماع صوْت نقى سواءً عن طريق الإذاعة أو عن طريق تشغيل شريط كاسيت , ثمّ يُهيِّىء له عمل الوظائف الفرعيّة التى تتعلَّق بالوظيفة الأساسيّة , مثل إمكانيّة تقليب محطات الإذاعة , وإمكانيّة تقديم شريط الكاسيت وتأخيره وإيقافه والتسجيل عليه , وإمكانيّة إدخال وإخراج الشريط مِنَ الباب المُخَصَّص له بسهولة , وإمكانيّة الفصل بيْن صوت الإذاعة وبيْن صوت شريط الكاسيت , بالإضافة إلى تهيئة ميزة رفع وخفض الصوت الصادِر مِنْ هذا الجهاز .. إلخ , والذى أريد أنْ أقوله أنَّ كلّ هذه المَزَايا التى وَفَّرَهَا هذا المُبتكِر لجهازه هى شىء طبيعى , وإلَّا انعدمت الفائدة مِنْ وجود هذا الجِهاز وكان مِنَ الأفضل ألَّا يأخذ هذا المخترع قراراً بصنعه مِنَ البداية أصلاً .. هذا هو بالضبط ما أريد توضيحه , ولكن مع إسقاط المثال السابق على عمليّة خَلْقِ الله لِلإنسان , فمِنَ الطبيعى أنْ يهيِّىء لنا الله الوظائف التى تمكِّننا مِنَ الحياة , كالسمع والبَصَر والشمّ والإحساس والتذوّق وخلافه ... إعطاؤه هذه الوظائف لنا هو شىء طبيعى لأنّه ما دام أخذ قراره بصنع الإنسان فلابدّ أنْ يخلقه سويّاً حتى يستطيع أنْ يؤدّى وظيفته فى الحياة دون أنْ يشعر بالعجز , وإلَّا فما كان داعى أصلاً لِخَلْقِه مِنَ البداية .. إذن يتضح لنا مِنَ شرح المثال السابق , أنَّ الأشياء التى يؤكد عليها الإسلاميّون دائماً فى نقاشاتهم على أنّها نِعَم تستحقّ الشكر , ما هى إلّا أشياء منطقيّة جداً لا تستدعى الإمتنان.. فالمنطق يقول : طالما أنّك أردتَّ أنْ تصنع شيْئاً , فالطبيعى أنْ تصنعه سويّاً .. لا غَرَابة فى أنْ يخلق اللهُ الإنسانَ بيديْن يتناول بهما الأشياء , أو برجليْن يمشى بهما , أو بأسنان يقطع بها .. إلخ , إنّما الشىء الذى يستدعى الاستغراب هو عدم إعطاء الإنسان هذه الأشياء المنطقيّة .. التصوّر الإسلامى يقول : أنَّ الله لم يكن مُطالَبَاً عند خَلْقِه لنا بِأنْ يمنحنا هذه الأشياء , فقد كان مِنَ الممكن أنْ يخلقنا صُمَّاً بُكماً عُمياً , ولكن أراد أنْ يعطى هذه الأشياء لبعض الناس , ويحرم البعض الآخر منها , لأنّه يحبُّ أنْ يُشكَر , لذا فالشىء الطبيعى ألّا يمنحنا هذه المزايا ( لأنّه غير مُطالَب بها ) , والشىء الزائد عن الحدّ الطبيعى والذى يستحقّ الشكر عليْه هو أنْ يمنحنا تلك المزايا !!! تصوُّر غريب جداً وفاسد , وتصحيحه كما قلنا : طالما أنّك أردتَّ أنْ تصنع شيْئاً , فالطبيعى أنْ تصنعه سويّاً .. كما أنّ موضوع " يحبُّ أنْ يُشكَر " هذا , إنْ دَلَّ على شىء فهو يدلّ على نرجسيّة هذا الإله ويؤكّد عليْها .. وقد ناقشتُ هذه النقطة ( تصحيح مفهوم النعمة ) مِنْ قَبْل مع أحد المسلمين , وكانت المفاجأة أننى وجدتُّه مؤمِن بنفس رأيى تماماً , وكان مقتنع به قبل أنْ أناقشه فيه أصلاً .. فقلتُ فى نفسى : إذنْ فأنا لستُ وحدى , ولا أقول بدعاً مِنَ القوْل ! ولكن يظلّ بعض المسلمين برغم هذا يتمسّك برأيه قائلاً : حتى لو فرضنا أنَّ رأيك صحيح , وأنَّ كلّ هذه المزايا أشياء منطقية وليست نِعَم كما تقول , فهذا لا يمنع مِنْ أنْ نَعتَبِر الوجود فى حدّ ذاته نعمة كبيرة تستحقّ الشكر .. وقد أوْضَحتُ مِنْ قِبْل أنّ الوجود الذى جئنا إليه بهذه الصورة مِنَ المتاعب والآلام إنّما هو عذاب , وليس نِعمة .. كان يمكننى أنْ أسمِّى الوجود نعمة كبيرة فى حالة واحدة : لو أنَّ الله خَلَقَنا مُباشرةً فى الجَنَّة الخالية مِنْ صُوَر المتاعب والآلام . بَقِيَتْ ملحوظة أخيرة مهمّة يجب توضيحها قبل أنْ أغادر هذه النقطة وهى : أنَّه حتى لو سَلَّمنا أنَّ الله فعلاً قد أنعَمَ عليْنا , وأحسَنَ إليْنا , فهذا لا يعنى أبداً بأىّ حال مِنَ الأحوال أنْ يطلب مِنَّا هذا الإله نظيراً لِإحسانِه , ويعتبِر عبادته حقاً مِنْ حقوقه ... فالذى يليق به كإله أنْ يُحسِن إليْنا دون انتظار المُقابِل – كما سبق وأوْضحتُ – لأنّ أحداً لم يضربْه على يده ويقول له أحسِنْ إليْهِم أصلاً , بل هو الذى اختار ذلك , فتبقى مسألة الشكر وردّ الجميل مجرَّد مسألة ذوْقِيَّة وليست إجباريّة .. فأنا إذا أعطانى أحد أصدقائى مثلاً هديّة , أو أسدى إلىَّ معروفاً , فمِنَ الذوْق أنْ أشكرَه وأردّ إليْه معروفه , ولكن ماذا لو أنّنى لم أشكر هذا الإنسان ؟ هل سيطلب مِنِّى أنْ أشكرَه ؟ هل سيُجبِرنى على أنْ أشكرَه ؟ هل سيقول لى إذا لم تشكرنى على معروفى فسوْف أعذبك ؟ بالطبع لا , لأنّه يعرف أنّ المسألة مسألة ذوْق ليس أكثر , أمّا هذا الإله فينتظر مِنَّا الشكر , بل ويفرضه عليْنا فرضاً , ليس ذلك فقط , بل يعذب مَنْ لم يشكره أو مَنْ لم يعبده بِأشدّ أنواع العذاب !!!!!!! هذا ليس إله , بل شخص مريض نفسياً يحتاج إلى علاج ... لنْ أقول أكثر مِنْ ذلك !!!!! * أمَّا بالنسبة للنقطة الثانية التى عَبَّرَ عنها الشيخ " حسَّان " بِقوْلِه : نعبدُ اللهَ لنا لا لِرَبِّنا , لأنَّ راحتنا وسعادة أرواحنا هى فى عبادة الله .. فهذه نقطة مردود عليْها أيضاً , فكثيرٌ مِنَ النّاس لا يشعر بالسعادة فى العبادة , ويشهد على ذلك حال كثير مِنَ المسلمين المتديّنين , فالعبادة عندهم أصبحت بمرور الوقت مسألة عادة تعوّدوا عليْها , أو أصبحت مجرّد فروض يؤدّونها طمعاً فى الثواب وخوْفاً مِنَ العقاب , ولا يؤدّونها استمتاعاً بها .. وأنا لم آتِ بهذا الكلام مِنْ عندى , بل سألتُ كثيراً منهم وأخبَرَنى بهذه الحقيقة , ولماذا أذهب بعيداً ؟! ها أنا نفسى شاهد على هذه الحقيقة .. نعم , فأنا شخصيّاً قد خُضْتُ تجربة الإلتزام الدينى لمدّة سنتيْن متتاليتيْن مِنْ عمرى .. لقد بدأتُ أحافظ على الصلاة فى المسجد منذ أنْ كنتُ أبلُغ مِنَ العمر 11 سنة , واستمرّيْتُ على هذا الوضع لمدّة أربع سنوات , ولكن فى الواقع هذه الأربع سنوات لم يكن التزامى فيها كاملاً , بل كان مقتصراً على آداء الصلوات الخمس فى المسجد مع التقصير فى ذلك أحياناً , ومع التقصير أيضاً فى بقيّة شعائر الإسلام .. باختصار , كانت هذه الفترة هى مجرّد التزام خفيف لا يتعدّى الآداء الظاهرى للشعائر .. أمَّا الفترة التى كنتُ فيها ما بيْن 15 – 16 سنة , فقد ابتعدتُّ فيها تماماً عن الصلاة , وأصابتنى حالة مِنَ الكسل الرهيب فى هذه الفترة , ولكنى كنتُ أشعر دائماً بتأنيب الضمير , والرغبة فى التوْبة .. حتى جاءت الفترة التى كنتُ فيها ما بيْن 16 – 18سنة , فقد بدأتْ هذه المرحلة بِإِعلان توْبة صادقة وعميقة , وإعلان حالة مِنَ الحماس الشديد والرغبة الجارفة فى الالتزام .. شعرْتُ بالرغبة فى أنْ أقترِب مِنَ الله , وأنْ أمنحه كل إخلاصى وحُبِّى .. وبالفِعل بدأتُ أعود للمحافظة على صلاة الجماعة مِنْ جديد , ولكن هذه المرَّة مع عدم تفويت أى فرض أو تأخيره عن وقته , وفى الحقيقة لم يكن التزامى هذه المرّة مقتصراً على الالتزام بالصلاة فحسب , بل كانت عندى رغبة فى أنْ ألتزم الإسلام كله بجميع حذافيره ابتداءاً مِنَ تعويد نفسى على الصبر والإخلاص فى النيّة لله ومراقبته فى جميع أقوالى وأفعالى , ومروراً بقيام الليْل وصيام النوافِل وبِرّ الوالديْن وصِلَة الأرحام , وانتهاءاً بتعويد نفسى أيضاً على الالتزام بالسُّنَّة جوهراً ومظهراً .. ولم أَنْسَ أخذ نصيب معقول مِنَ العِلم الشرعى عن طريق حضور الدروس الدينيّة فى المساجد , وسماع المحاضرات مِنَ العلماء والدعاة .. وماذا كانت نتيجة كلّ هذا ؟؟؟ كانت النتيجة , هى عدم الشعور بِأىّ متعة ولا لذة ولا انشراح فى الصدر !!! لم أشعر بالسعادة فى العبادة , بل أحسستُ أننى أعبدُ سراباً , وأتقرّبُ مِنْ سراب لا وجود له , أحسستُ أننى أعيش فى وهم كبير .. لقد ظننتُ أننى سأسعد عندما أقترب مِنَ الله , لكن فى الحقيقة كنتُ أشعر باختناق كلَّما ركعتُ وسجدتُّ .. كنتُ أشعر باليأس عندما أدعو الله ولا أرى إجابة .. لقد استنجدتُّ به فى أحلك وأشدّ لحظات حياتى , ولكن لا حياةَ لِمَنْ تنادى .. الشيخ " حسَّان " يؤكّد على أنَّ الحياة بعيداً عن الله شقاء وسراب , وأنا مِنْ خِلال تجربتى الحزينة أؤكِّد على العكس .. أؤكِّد على أنَّ الحياة فى ظل القرب مِنَ الله شقاء وسراب !! نعم , هذا هو ما شعرْتُ به فى خلال هذه الفترة مِنْ حياتى .. وكما قلتُ : لستُ وحدى , فكثير مِنَ المتديّنين شعروا بنفس شعورى البائس .. * أما بالنسبة للنقطة الثالثة التى ناقشها الشيخ " محمد حسَّان " عندما قال : نحن نعبدُ اللهَ طلباً لِجَنَّتِه وخوْفاً مِنْ نارِه , فقد رددتُّ عليْها مِنْ خلال كلامى السابق , ولا أريد أنْ أطيل فيها أكثر مِنْ ذلك , وخلاصة الردّ فى النقاط السريعة الآتية : - كان الأوْلى أنْ يخلقنا الله فى الجَنَّة مُباشرةً على درجة واحدة جميعاً مِنَ الإيمان دون أنْ نرتكب ذنوباً , وهذا بصفته الربّ الكريم المُنعِم المتفضِّل على خِلْقِه . - اللهُ أكرم مِنْ أنْ يساومنا على الجَنَّة فى مقابل أنْ نعبده ونتذلَّل إليْه . - لا يليق بالله أنْ يجعل معاملته معنا معاملة تجاريّة , ويكلّمنا بمنطق " حَقِّى وحَقَّك " وكأنه يعقد معنا صفقة تجارية !!
بقيتْ ملحوظة هامّة أخيرة : قد يقول قائل : " أنت تفهم معنى العبادة فهماً خاطئاً , فالعبادة ليست محصورة فى الصلاة والزكاة والصيام وبقية الشعائر فحسب .. العبادة ليست كلها تذلل .. ليست كلها محصورة فى أنْ تحنى ظهرك وتضع أنفك على التراب لله فحسب .. أنت بذلك تحصر العبادة حصراً ضيّقاً , ولا تفهمها الفهم الصحيح الذى نادى به الإسلام .. فكل عمل مفيد تعمله فى هذه الدنيا مخلصاً فيه النية لله تعالى , فأنت بذلك تعبد الله .. فمساعدة المحتاج , والتصدّق على الفقراء , والتخلّق بالأخلاق الكريمة , وإقامة المشروعات النافعة للناس .. إلخ , كل هذا هو مِنَ العبادة بشرط أنْ تفعله لله أى ابتغاء مرضاته " وأنا أرى أنّ هذا القائل قد أكّدَ عندى فكرة نرجسيّة الله بقوْله هذا مِنْ حيث لا يدرى .. كيف ذلك ؟؟ فلو تأمّلنا إلى قوْل هذا القائل , لوجدناه شَرَطَ شرطاً أساسيّاً لجَعْلِ العمل صالحاً وهو أنْ يكون لله فقط , أى أنَّ الكافر الذى يساعد الناس وينفعهم بأعماله المفيدة مِنْ أجل أنْ يرى السعادة على وجوههم , لنْ يكون ذلك ذا فائدة بالنسبة له , لأنه لا يعمل هذه الأعمال لله , ولا يبغى مِنْ ورائها مرضاة الله .. وبالتالى فذلك يؤكد تصوّرى لله أكثر وأكثر بأنه نرجسى جداً , فهو لا يريد أنْ تتذلل له بالصلاة والشعائر فحسب , إنما يريد منك أنْ تفعل كلّ صغيرة وكبيرة فى الحياة بإسمه ومِنْ أجله فقط ! ويتجلّى هذا المعنى فى الحديث المشهور التالى : عَنْ أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رَضيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. فمَنْ كانت هجرته إِلَى اللَّه ورسوله فهجرته إِلَى اللَّه ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إِلَى ما هاجر إليه" متفق عَلَى صحته . وأخيراً , أريد أنْ ألفت النظر إلى نقطة مهمة جداً : إذا كُنَّا قد عرفنا الغاية مِنْ خَلْقنا نحن البشر , فيا تُرَى ما هو الدافع وراء خلق الملائكة ؟؟ الآيات والأحاديث التالية توضح الإجابة عن هذا السؤال : ( وَلَهُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبّحُونَ الْلّيْلَ وَالنّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ ) ( الأنبياء : 19 , 20 ) ( إِنّ الّذِينَ عِندَ رَبّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ) ( الأعراف : 206 ) ( وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَآفّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ) ( الزمر : 75 ) ( الّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ) ( غافر : 7 ) ( فَإِنِ اسْتَكْبَرُواْ فَالّذِينَ عِندَ رَبّكَ يُسَبّحُونَ لَهُ بِاللّيْلِ وَالنّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ ) ( فصلت : 38 ) ( تَكَادُ السّمَاوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِن فَوْقِهِنّ وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ ) ( الشورى : 5 ) وعن أبى ذرّ , رضى الله عنه , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِنِّى أَرَى مَا لا تَرَوْنَ , وَأَسْمَعُ مَا لا تَسْمَعُونَ , أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ , مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتُهُ سَاجِدَاً للهِ تَعَالَى ... الحديث " رواه الترمذى وقال حديث حسن , وأخرجه أحمد , وابن ماجة . ومعنى الحديث : أنَّ كثرة مَنْ فى السماء مِنَ الملائكة العابدين قد أثقلتها حتى أَطَّتْ . الآيات والأحاديث السابقة تدل على أنّ الله قد خلق الملائكة خصيصاً للعبادة أيضاً , ولكن الفرق بيننا وبين الملائكة أنّ العبادة فى حقنا اختيارية ( ممكن أن نقبلها أو نرفضها بإرادتنا ) , بينما الملائكة قد فطرها الله على الطاعة والعبادة الدائمة بحيث لا تكلّ هذه الملائكة أو تملّ مِنْ هذه العبادة أبداً ... وهذا إنْ دَلَّ على شىء فهو يدلّ ويؤكد بشدة على الغرور والنرجسية التى يتمتع بها الإله الإسلامى , وإلا فما كان هناك داعى لِخَلْق هذه الملائكة لو أنّ الله هذا لا يهمه عبادة العابدين .. ولكن نجده دائماً يريد أنْ يشبع داء العَظَمَة بداخله ويستمتع برؤية مخلوقاته وهى تعبده وتمجده !!!
الصفة الثانية : الحـسـاسـيـة :-
يُعرَف الشخص الحَسَّاس مِنْ خلال عِدَّة مظاهر تبدو عليْه فى تعاملاته اليوْميَّة , فمِنْ هذه المظاهِر مثلاً : - تجده يغضب ( يزعل ) بسرعة ولأتفه سبب . - أقل كلمة يمكن أنْ تتسبب فى جرح مشاعره . - يحتاج إلى معاملة مِنْ نوع خاص حتى نتجنب غضبه ( زعله ) . - لا ينسى الإساءة إلا بعد مدة طويلة , وقد لا ينساها أبداً وتظلّ عالقة بذهنه طوال عمره . - لا يسامح مَنْ أخطأ فى حقه إلا بعدما يكرِّر له الاعتذار عِدَّة مرَّات . - نَفْسُه عزيزة عليه جداً . ومِنْ خلال تحليلى لبعض الآيات والأحاديث , أجد أنَّ الإله الإسلامى يتميَّز ببعض هذه المظاهِر ... وفى الحقيقة , فإنَّ هناك الكثير مِنَ الآيات التى تقرِّر هذه الصفة للإله الإسلامى , ولكن هناك آيتيْن أساسيّتيْن فى سورة النساء توضِّحان هذه الصفة بجلاء : ( إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَىَ إِثْماً عَظِيماً ) ( النساء : 48 ) ( إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً بَعِيداً ) ( النساء : 116 ) الآيتان تقرِّران بوضوح , أنَّ جميع الذنوب التى يمكن أن يرتكبها الإنسان يمكن أنْ يغفرها الله إلا ذنب واحد هو الشرك .. فالقتل والحروب والمجازِر والمذابِح وعمليات التعذيب التى تجرى فى المُعتقلات وجرائم التطهير العِرْقى , والعنف والإفساد فى الأرض .. وجرائم الحرابة ( البلطجة ) والاعتداء على المواطنين الآمنين .. وجرائم الاغتصاب وانتهاك الأعراض .. وجرائم السرقة والنصب والاحتيال والغش والرشوة .. وعقوق الوالديْن والاعتداء عليْهما .. وجميع الآفات الخُلُقيَّة مثل الكذب , والغيبة والنميمة , وشهادة الزور , وأكل مال اليتيم .. وغيرها مِنْ سائر أنواع الجرائم .. كل هذا يمكن أن يتجاوز عنه اللهُ ببساطة شديدة ويغفره لو أنَّ فاعله مِنَ المسلمين , ولا يشرك بالله شيئاَ !!!! عن أنسٍ رضي اللهُ عنه قال : سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول:"قال اللهُ تعالى: يا ابنَ آدَمَ، إنَّكَ ما دَعَوْتَني ورجَوْتَني غَفَرْتُ لَكَ على ما كانَ مِنْكَ ولا أُبالي . يا ابنَ آدَمَ، لَوْ بلغت ذنوبُك عَنَان السماء، ثم استغفرتني غَفَرْتُ لكَ. يا ابن آدَمَ، إنَّك لَو أَتَيْتَني بقُرَاب اْلأَرْضِ خَطَايا، ثُمَّ لَقِيَتني لا تُشْرِكُ بي شَيْئاً، لأتَيْتُكَ بقُرَابِها مَغْفِرَةً". رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح. فالمهم عند هذا الإله هو ألا تشرك به , وتعترف له وحده بالربوبية والألوهية , وتقدّسه معترفاً له بأسمائه وصفاته العُلا .. ثم بعد ذلك لا يهمّ إنْ فعلتَ أىّ شىء مِنَ الجرائم , فطالما أنك مُقِرّ لله بالوحدانيّة , فأنت فى النهاية داخل الجَنَّة داخلها .. لا شكَّ فى ذلك .. أما الجرائم التى ارتكبْتَها فى حق البشر , فهذه أمرها هيِّن عند الله .. إنْ شاء غفرها لك , وإنْ شاء عَذَّبَك عليْها فترة فى النار , ثم يدخلك الجَنَّة بعدها لِتَنعم فيها كأنَّ شيئاَ لم يكن !!!!!!!! أمَّا إذا كنتَ مشركاً بالله , لكنك تتمتع بأنبل وأسمى الأخلاق ولا تقوم بأى إيذاء لأحد , فهذا لنْ يغنى عنك مِنَ الله شيئاً , ولن تنفعك هذه الأخلاق فى النجاة مِنْ العذاب الشديد , بل سيكون مصيرك المؤكد هو الخلود فى جَهَنَّم أبد الآباد !!!!!!! ماذا نستنتج مِنْ هذا ؟؟؟ نستنتج أنَّ الله هذا لا يهمّه إلا نفسه فقط .. يغفر أى إساءة طالما كانت غير مُوَجَّهة إليْه .. أمَّا الإساءة المُوَجَّهة إليْه ( الشرك ) فهذه لا يغفرها أبداً لو مات فاعلها و لم يعتذر عنها أو لم يَتُبْ منها .. نستنتج أنَّ هذا الإله يتميّز بحساسيّة مُفرَطَة .. يغضب بشدة ويزمجر عندما يسىء أحد إليه .. ويعتبِر الإساءة فى حقه شىء عظيم ومهول لا يمكن غفرانه أبداً .. وتؤكد هذه الأحاديث على هذا المعنى : * عن أبى ذرّ حَدَّثَ أنَّ رسول الله صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ قال : " مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكْ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ " قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقْ ؟ قَالَ : " وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقْ " قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقْ ؟ قَالَ : " وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقْ " ثَلاثَاً , ثُمَّ قَالَ فِى الرَّابِعَة : " عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِى ذَرّ " ... الحديث . رواه الإمام أحمد * قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "يُجَاءُ بِالْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَباً أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لَهُ: قدْ كُنْتَ سُئِلْتَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ، فذلك قوله عَزَّ وَجَلَّ: ( إنَّ الَذين كَفَرُوا وماتُوا وهم كفار فلن يُقبَل من أحدهم ملءُ الأرض ذهبا ولو افتدى به) ". رواه البخاري، وروى نحوه أحمد البيهقي. * قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: أَنَا أَغْنَىَ الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِيَ غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ". رواه مسلم وهذا لفظه وروى نحوه ابن ماجه وأبو داود. * قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتعالى لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً: لَوْ كَانَتْ لَكَ الدنْيَا وَمَا فِيهَا، أَكُنْتَ مُفْتَدِياً بِهَا ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أَنْ لا تُشْرِكَ وَلا أُدْخِلَكَ النَارَ، فَأَبَيْتَ إلا الشِّرْكَ." رواه مسلم. * قَرَأَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم هَذِهِ الآيَةَ " هُوَ أَهْلُ التَقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ". فَقَالَ: "قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى، فَلاَ يُجْعَلُ مَعِي إِلهٌ آخَرُ، فَمَنِ اتَقَى أَنْ يَجْعَلَ مَعِي إِلهاً آخَرَ، فَأَنَا أَهْلٌ أَنْ أَغْفِرَ لَهُ." رواه ابن ماجه وهذا لفظه، وروى نحوه أحمد والترمذي والنسائي وقَالَ الألباني: حسن (تحقيق كتاب السنة لابن أبي عاصم ). هذه الأحاديث كلّها تؤكد على أنَّ النجاة مِنَ العذاب الأبدى فى جَهَنَّم , إنَّما يتوقف على شىء واحد فقط , ألا وهو توحيد الله وعدم الشرك به .. وأنا أتساءل : لو أنَّ هذا الرب يتميّز بالكمال والـتَـرَفُّـع فِعلاً , هل سيضيره فى شىء أنْ نوحّده أو نشرك به ؟؟ ما الذى سيضيره لو أنّ الإنسان كَفَرَبِه ؟؟ لماذا يعتبر الشرك به جريمة عظمى , ويعتبره إساءة كبرى مُوَجَّهَة إليه ؟؟ لماذا يأخذ الموضوع بهذه الحساسيّة الشديدة ؟؟!! لماذا يُجبِر مخلوقاته جبراً على أنْ يحترموه ويقدّسوه ؟؟ فالمسألة ليست بالإكراه !! لو أنَّ شخصاً قابلك وقال لك : إمّا أنْ تعرف قيمتى وتحترمنى , وإمّا سأعذبك عذاباً شديداً أبديّاً .. بماذا ستصف هذا الشخص ؟ أنا شخصياً سأصفه بالبلاهة !! لماذا لا يعتبِر هذا الإله أنّ مسألة الإيمان به مسألة اختياريّة متروكة لحرّيتنا الشخصيّة ؟؟ كان الأوْلى به بصفته الربّ الغنىّ الكامِل فى نفسه , أنْ يتغاضى عن الإساءة المُوَجَّهة إليْه , ولا يعير لها انتباهاً , فالمفروض أنّه لكماله لا يتأثر بها ! ثُمَّ مِنْ قال أنَّ الشرك بالله إساءة له أصلاً ؟! كان الأوْلى بهذا الإله أنْ يعتبر الإساءة الحقيقية التى تستحقّ العقاب , هى الإساءة التى يوجهها الإنسان للإنسان , أو التى يوجهها الإنسان للحيوان .. ولا يهتم بعد ذلك بِمَنْ آمَنَ به أو كفر .. بمعنى أنْ يجعل العذاب والعقاب على الإساءات التى تكون فى حقّ الإنسان مِنْ أخيه الإنسان .. أمَّا ما يتعلّق بذاته فلا يهتمّ به أصلاً , لأنه من المفروض ألا يكون له تأثير عليْه , باعتباره ربّ غنىّ عزيز لا يتأثر بمسألة الإيمان أو الكفر به .. ولكن للأمانة العلميّة , ولأنَّ الحقّ لابد أنْ يُقال , فهناك حديث لابد أنْ نذكره يوضّح أنَّ حقوق العباد لنْ تضيع , وأنَّ الله ُسوف يقتص الله لكل مظلوم مِنْ ظالِمِه ... هذا الحديث هو : * عن أنس بن مالك رَضِىَ اللهُ عنه , عن النبىّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم قال : " الظُّلْمُ ثلاثة , فَظُلْمٌ لا يَغْفِرُهُ اللهُ , وَظُلْمٌ يَغْفِرُهُ اللهُ , وَظُلْمٌ لا يَتْرُكُ اللهُ مِنْهُ شَيْئَاً : فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِى لا يَغْفِرُهُ اللهُ فَالشِّرْك , وَقَالَ ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) , وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِى يَغْفِرُهُ اللهُ , فَظُلْمُ العِبَادِ لِأَنْفُسِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ , وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِى لا يَتْرُكُهُ , فَظُلْمُ العِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضَاً حَتَّى يَدِينُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْض " رواه الحافظ أبو بكر البزّار فى مسنده . ولكن ما الفائدة أنْ يأخذ الكافر المظلوم مثلاً حقه مِنْ الشخص المسلِم الذى ظلمه , ثم يُطرَح هذا الكافر فى النار الأبديّة , ويدخل المسلم الظالم الجَنَّة ؟ ماذا استفاد الكافر المظلوم عندئذ ؟ ففى النهاية : هو داخل النار داخلها , والمسلم الظالِِم داخل الجَنَّة داخلها !!! وفى النهاية أيضاً يظلّ أمر الخلود فى الجَنَّة , و النجاة مِنَ الخلود فى النَّار متعلِّقاً بعدم الشرك ! - وتبدو صورة( الله ) الإسلامى أقرب إلى الضعف البشرى فى هذه الأحاديث أيضاً : * عن أبى هريرة , رضى الله عنه , عن النبىّ صلّى الله عليه وسلَّم , قال : " إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَغَارُ , وَغَيْرَةُ اللهِ تَعَالَى , أَنْ يَأْتِىَ الْمَرْءُ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْه " متفق عليه . * قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم: "يَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ: اسْتَقْرَضْتُ عَبْدِي فَلَمْ يُقْرِضْنِي، وَيَشْتُمْنِي عَبْدِي وَهُوَ لا يَدْرِي، يَقُولُ: وَا دَهْرَاه وَا دَهْرَاه وَأنَا الدَّهْر." رواه أحمد وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي. * قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ. يَقُولُ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْر فَلا يَقُولَنَ أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْر فَإِني أَنَا الدَّهْر. أُقَلبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ. فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا". رواه مسلم. * قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم: "قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُ الدَّهْر وَأَنَا الدَّهْر بِيَدِي الأمْرُ أُقَلِبُ اللَيْلَ وَالنَهَارَ." رواه البخاري وهذا لفظه وروى نحوه أحمد وأبو داود والبيهقي. * قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم: "قَالَ اللَهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ: أَنْ يَقُولَ إِنِّي لَنْ أُعِيدَهُ كَمَا بَدَأْتُهُ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ: أَنْ يَقُولَ اتَّخَذَ اللَّه وَلَداً وَأَنَا الصَمَدُ الَذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أولد وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُؤاً أَحَدٌ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤاً أَحَدٌ." رواه البخاري.وهذا لفظه وروى نحوه أحمد والنسائي. فاللهُ فى هذه الأحاديث يغار , وتسبب له بعض الكلمات الإيذاء !!!!!!! هذا إنْ دَلَّ على شىء فإنَّما يدلّ على أنّ هذا الإله يتميّز بنفسيّة حَسَّاسة للغاية !!
الصفة الثالثة : الدكـتـاتـوريّـة :-
لا شكّ أنَّ النظام الدكتاتوري يُعتبَرمِنْ أسوأ الأنظمة التى يمكن أنْ يُحكَم بها أى رعيّة ومِنْ أبرز سمات هذا النظام إعطاء الحاكم الحقّ المُطلَق فى أنْ يفعل ما يشاء دون أنْ يكون لأحد مِنْ رعيّته الحقّ فى أنْ يعترض عليه أو يناقشه فيما يفعل , بحيث لا يكون فى الدولة إلا صوت واحد فقط , هو صوت الحاكِم , ولا صوتَ يعلو فوق صوْته , ولا كلمة غير كلمته , ولا رأى غير رأيه , ولا سلطان ينازع سلطانه .. هذا بعكس النظام الديمُقراطى الذى يؤمِن بالتعدديّة , ويعطى الشعبَ الفرصةَ لكى يعبِّر عن رأيه بحرّيّة , وقد يأخذ الحاكِمُ برأى أحد رعيته إذا رآه صواباً ونافعاً .. ونجد فى هذا النظام أنَّ كل مواطن فى الدولة له مطلق الحقّ فى أنْ يناقش الحاكِم فيما يشرّع , بل ومِنْ حقّه أنْ يعترض عليْه إذا رأى هذا الحاكِم يشرِّع قوانيناً لا تناسب الشعب .. فإذا جئنا لنطبّق هذه المفاهيم على طبيعة الحُكم الذى يريد أنْ يحكمنا به الله .. ماذا نجد ؟؟ نجد أنَّ أبلغ آية تحدّثنا عن طبيعة ذلك الحُكم هى : ( لاَ يُسْأَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) (الأنبياء : 23 ) يقول ابن كثير فى تفسير هذه الآية : " وقوْله : (لاَ يُسْأَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) أى هو الحاكِم الذى لا مُعَقِّبَ لِحُكمِه , ولا يعترض عليْه أحد لِعَظَمَتِه وجلاله وكبريائه وعلمه وحكمته وعدله ولطفه (وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) أى وهو سائلٌ خلقه عمَّا يعملون " ... انتهى كلامه . أى غير مسموح لأى مخلوق أنْ يناقش اللهَ فيما يفعل , أو يبدى عدم موافقة على ما يشرِّع , فسواءاً رضينا أم أبيْنا فنحن مُطالبين فى النهاية أنْ نمتثل أمر الله ونقول " سمعنا وأطعنا " , ويبدو ذلك المعنى واضحاً فى هاتيْن الآيتيْن : ( إِنّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوَاْ إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون َ) ( النور : 51 ) ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) ( الأحزاب : 36 ) وأتساءل بدوْرى : لماذا لا يعطينا الله الحق فى التعبير عن الرأى ؟ لماذا يحجر على آرائنا بهذا الشكل المتسلِّط ؟ أنا لا أجزم بِأنَّ رأينا أصلح مِنَ التشريع الإلهى .. كلا , فأنا أعلم أَنَّ التشريع الإلهى غالباً ما يكون أصلح لنا .. أعلم ذلك , ولكن : هذا لا يمنع مِنْ أنْ يعطينا الله فرصة للتعبير عن آرائنا بحرّيّة , أو أنْ نناقشه : لماذا أبَحْتَ لنا كذا أو حرَّمتَ عليْنا كذا .. وهو بدوْره يجيبنا عن استفساراتنا بصدر رحب , بدلاً مِنْ أنْ يعتبر مناقشته فيما يفعل هى مِنَ الكفر المبين !!! ماذا سيضيره مِنْ أنْ نستفسر منه عن سبب الإباحة والتحريم , لماذا يحجب عنَّا حكمته فى تشريع كثير مِنَ الأشياء ؟؟ ويأتى الجواب الإسلامى : أنَّ الله يحجب عنَّا ًحكمته أحياناً , ليختبر إيماننا به وثقتنا فيه .. وأنا أقول : ليس معنى أننى أطالب بأن أناقش الله فى تشريعه , أننى غير واثق فيه .. ولكن هذه المناقشة تنبع مِنْ رغبتى فى معرفة الحكمة مِنْ وراء الشىء , فلماذا لا يلبِّى اللهُ لى هذه الرغبة البسيطة ؟ وحتى إذا كان الإنسان مؤمن بأنَّ الله لا يفرض عليه شىء أو يحرِّم عليْه شىء إلا إذا كان ذلك فى مصلحته , فهذا لا يعنى أنْ يكون امتثال أمر الله شيْئاً إلزاميّاً .. بمعنى : الله يرى أنَّ الخمر مثلاً مُضِرَّة صحيّاً لنا , ونحن لا نعلم ذلك , فكيف يكون التصرّف الصحيح مِنَ الله فى هذه الحالة ؟؟ التصرّف الذى أراه صحيحاً هو أنْ يبيَن الله لنا خطر الخمر , وبعدها يتركنا لحرّيّتنا فى أنْ نقلع عن الخمر أو أنْ نستمرّ فيها .. بمعنى أنْ ينصحنا ويبيّن لنا أين تكون مصلحتنا , ثُمَّ يتركنا بعد ذلك على راحتنا , أى لا يلزمنا بشىء .. وهذا بدلاً مِنْ أنْ يكون دكتاتوريّاً متسلّطاً يأمر وينهى ولا يريد أحداً أنْ يسأله عمّا يفعل !! ولكن الأمر يختلف فى تحريم السرقة أو القتل مثلاً , لأنّ الخمر يعود ضررها على شاربها فقط , فهو يضرّ نفسه ولا يضرّ غيره بشرب الخمر , لذا فهو حُرّ فى نفسه .. أما السرقة والقتل فضررهما يعود على الغير , لذا فكان مِنَ الواجب تحريمهما وتحريم بقيّة الجرائم التى يعود ضررها على الغير .
الصفة الرابعة : السـاديّـة :-
يعرِّف الطبّ النفسى الشخصية الساديّة كالآتى : " وهو الشخص الذى يستمتع بقهر الآخرين وإذلالهم والتحكم فيهم , وكلما شاهدَ الألم فى عيونهم استراح وانتشى وواصلَ تعذيبهم وقهرهم ليحصل على المزيد مِنَ الراحة والنشوة " .. ( د.محمد المهدى ) أو التعريف التالى : " هى تلك الشخصية التى تستمتع بإيقاع الأذى الجسدى والمعنوى على الغير وهى محطّ متعتها , لذا تجد تلك الشخصية تبحث عن الوظائف التى تجعل أذاها للآخرين عملاً مشروعاً " وبالتالى هذا يدفعنا للقوْل بأنَّ الشخصية الرحيمة هى عكس الشخصية الساديّة , فيا ترى لو بحثنا فى صفات الله فأى شخصية مِنَ الشخصيّتين سنجده ؟؟ هو يقول عن نفسه فى أكثر مِنْ موْضِع أنّه الرحمن الرحيم , فهل هو فى الحقيقة فِعلاً كذلك ؟؟ وحتى نجيب عن هذا السؤال , لابدّ أنْ نقسّم حديثنا إلى قِسميْن : الأول نتحدّث فيه عن كيفيّة المعاملة التى يعاملنا اللهُ بها فى الدنيا .. والثانى نتحدّث فيه عمّا سيعاملنا اللهُ به فى الآخرة ..
أولاً : فـى الدنـيـا :-
سأعيد ذكر آية سورة البلد إذ أنّ هذا هو سياقها الآن , كما أنها تُعتبر أبلغ آية تتحدّث عن نوعيّة الحياة التى كتبها الله عليْنا واختارها لنا فى هذه الدنيا : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِى كَبَدٍ ) ( البلد : 4 ) وتأمَّل هنا : لقد ذَكَرَ " الإنسان " , ولم يقل " الكافر " .. وذلك للدلالة على أنَّ كلّ البشر مؤمنهم وكافرهم مشتركين فى مكابدة الدنيا بكل آلامها وعنائها وأحزانها , ولكن الفرق أنَّ المصيبة فى حقّ المؤمن ابتلاء , وفى حقّ الكافر انتقام .. هذا اختلاف نوْعى , وليس اختلاف كمِّى , بمعنى أنَّ حجم المصيبة مِنَ الممكن أنْ يتساوى فى حالتىْ المؤمن والكافر , ولكن الحكمة مِنْ وقوع هذه المصيبة هو الذى يختلف فى حالة المؤمِن عنه فى حالة الكافِر .. وتتبيّن هذه الحكمة فى هذه الأحاديث : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "قَالَ الله تَعَالَى: إذَا ابتَلَيْتُ عَبْدَاً مِن عِبَادِي مُؤمِنَاً فَحَمِدَنِي وَصَبَرَ عَلَى مَا بَلَيْتُهُ فإنَهُ يَقُومُ مِن مَضْجَعِهِ ذَلِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُه مِنِ الخَطَايَا، وَيَقُولُ الرَبُ عَزَّ وَجَلَّ لِلحَفَظَةِ: إنِي أنَا قَيَّدْتُ عَبْدِي هَذَا وَابْتَلَيْتُهُ، فَأَجْرُوا لَهُ مَا كُنْتُم تُجْرُونَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الأجْرِ وَهُوَ صَحِيح." رواه أحمد والطبراني وعبد الرازق وقَالَ الألباني: صحيح ( صحيح الجامع ).( صحيح الجامع: 4300 ). عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرَاً يُصِبْ مِنْه " رواه البخارى 10 / 94 . وقال النبى صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاءِ , وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوْمَاً ابْتَلاهُمْ , فَمَنْ رَضِىَ فَلَهُ الرِّضَا , وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السّخْطُ " رواه الترمذى , وقال حديث حسن برقم ( 2398 ) . وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَا يَزَالُ البَلاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ تَعَالَى وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ " رواه الترمذى وقال : حديث حسن صحيح ( 2401 ) وسنده حسن . هكذا وكأنَّ اللهُ لا يغفر لفلان إلا بعدما يعذبه بإرسال المصائب عليه مِنْ كل جانب , فكلما زادت المصائب وزادت الأوجاع لهذا الشخص كلما كان ذلك أدعى لِأن يغفر الله له !!! هذا مع أنَّ فلان هذا مؤمِن بالله , وبالرغم مِنْ ذلك لم يشفع له إيمانه عند الله أنْ يعامله برفق ويغفر له دون أنْ يشقّ عليْه بالمصائب والابتلاءات .. ما أريد قوْله أنّه طالما نحن فى الدنيا فسنجد مصائب .. سنجد متاعب .. سنجد هموم .. سنجد آلام .. فهناك المتاعب الجسديّة التى تشمل الأمراض والعاهات والتشوّهات والعيوب الخَلْقيّة , وهناك المتاعب النفسيّة كالاكتئاب والأحزان والهموم وغيرها .. وهناك الكوارث الطبيعية المتمثلة فى الزلازل والبراكين والعواصف والفيضانات وغيرها مما يتسبب فى قتل الكثير مِنَ البشر وإصابة وتشريد الباقى منهم .. والسبب الذى يقف وراء كل هذه المصائب هو الله بالطبع , ولا أحد غيره ! أين رحمة الله فى أنْ يولَد إنسان مصاباً بعيْب خلقى يعيقه عن ممارسة الحياة بشكل طبيعى , كأنْ يولَد مثلاً أصمّا لا يستطيع السماع , أو أبكم لا يستطيع الكلام , أو أعمى لا يستطيع الرؤية .. ما ذنب هذا الإنسان حتى يولَد عاجزاً هكذا ؟؟ أين رحمة الله فى أنْ يولد إنسان بإعاقة ذهنيّة ( الطفل المغولى ) لا تجعله يفكِّر ويستوعب بطريقة طبيعية كبقيّة البشر ؟؟ أين رحمة الله فى الإنسان الذى يولَد مُصاباً بالشلل وعاجزاً عن الحركة أو المشى .. إلخ ؟؟ ما الذى جناه هذا الإنسان حتى يُفعَلْ به هكذا ؟؟ وتُعتبر مشاكل الإعاقة بمختلف أنواعها مِنَ المشاكل الكبيرة التى تواجه البشريّة , ويُعتبر العدد الكبير والمتزايد للمُعاقين فى العالم سبباً فى أنْ يدفع بعض الأساتذة والعلماء للاهتمام بتناول هذا الموضوع , ومحاولة إيجاد حلول لوضع حدّ لمعاناة هؤلاء المُعاقين .. حيث يقول الأستاذ الدكتور " ماهر أبو المعاطى على " فى كتابه " مقدّمة فى الخدمة الاجتماعية " : " الإعاقة مشكلة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والصحية والنفسية الهامّة التى تواجه كافة المجتمعات على السواء , حيث أنها تمسّ ما يقرب من 10- 15 % من أفراد المجتمع , ويترتب عليها العديد من المشاكل التى تتعلّق بتكيّف ورفاهية المُعاق وأسرته ومجتمعه من جهة , وبإنتاجيّة الفرد المُعاق وتحقيق استقلاله الاجتماعى والاقتصادى ومساهمته فى تنمية ورفاهية المجتمع الذى يعيش فيه من جهة أخرى . وتزداد خطورة هذه المشكلة , حيث نجد أنّ نسبة المستفيدين من الخدمات المُقَدَّمَة للمُعاقين هى نسبة متدنّيّة جداً بالقياس إلى أعدادهم وبشكل خاص فى الدول العربية غير النفطية , حيث لا تزيد نسبة المستفيدين مِنَ الخدمات المُتاحة عن 1% مِنْ عدد المُعاقين . ومن المُتوَقَّع أنْ يصل تعداد المُعاقين فى العالم إلى حوالى 600 مليون نسمة فى عام 2000م , ويكون نصف سكان الدول النامية فى مرحلة عمرية أقل من 15 سنة , ويبلغ عدد المُعاقين من هذه الفئة حوالى 150 مليون . " ثُمَّ ينتقل الدكتور " ماهر " إلى تصنيف أنواع الإعاقة عند البشر , فيقول : " لقد تعددتْ وجهات النظر فى تصنيف المُعاقين ومنها :- • من يصنِّف الإعاقة إلى : إعاقة بدنية , إعاقة عقلية , إعاقة نفسية , إعاقة اجتماعية , إعاقة فى السمع , إعاقة فى النطق , إعاقة فى البصر . • ومنهم مَنْ صنَّفَهم إلى عِدَّة أنماط هى :- النمط الأول : المُعاقون جسمانيّاً : مثل :- أ- المُعاقون حركياً : كشلل الأطفال ومبتورى الأطراف . ب- المُصابون بأمراض مزمنة : كأمراض القلب , والسكر , والسرطان , والإيدز . النمط الثانى : المُعاقون حسيّاً : مثل :- أ- المُصابون بكفّ البصر . ب- المُصابون بالصمم , وعيوب واضطرابات الكلام . النمط الثالث : المُعاقون عقلياً : مثل :- أ- المتخلّفون عقلياً , ومن يعانون نقصاً حادَّاً فى الذكاء . ب- المرضى العقليّون كالفصام والذهان . النمط الرابع : المُعاقون انفعالياً ونفسياً : مثل :- أ- المرضى النفسيّون , مثل مرضى الاكتئاب والقلق . ب- المُصابون بالأمراض السيكوباتية . " ........ انتهى كلامه . ومرّة أخرى أقول : أيْن رحمة الله المزعومة فى أنْ يأتى إلى الدنيا كلّ هذا العدد مِنَ المُعاقين , وبهذا الكَمّ الكبير مِنَ الإعاقات المختلفة ؟؟ ما الذى جناه هؤلاء – وأنا منهم – حتى يُكتَبْ عليْهم هذا الشقاء ؟؟ هذا بالنسبة للمُعاقين .. فماذا عن الأشخاص الذين وُلِدوا طبيعيين ثُمَّ أصابتهم الأمراض المختلفة بعد ذلك ؟؟ .. أعتقد أنّ عدداً كبيراً منهم لا يقلّ معاناة عن أولئك المُعاقين .. فزيارة واحدة لمستشفى أمراض السرطان , أو أمراض الفشل الكلوى , أو التليّف الكبدى , أو لمستشفى الأورام , أو للمستشفيات التى تعالج أمراض العظام .. زيارة واحدة لهذه المُستشفيات تكفى لمعرفة مدى المُعاناة الفظيعة والألم الرهيب الذى يشعر به هؤلاء المَرْضَى يومياً .. أما المستشفيات التى تعالج الحروق , فمُعاناة المَرْضَى فيها تفوق الخيال .. تجد الشخص المحروق فيها يصرخ يومياً فى ضماداته بأعلى صوته مِنَ آلام الحرْق التى يشعر بها .. هذا فضلاً عن منظره المُشَوَّه الذى تقشعرّ لِرؤيته الأبدان .. وإذا أردنا الإسهاب أكثر فى توضيح مدى المُعاناة التى يشعر بها كافّة المَرْضَى , فإنَّ الكلام يطول ويطول , وليس أدلّ على ذلك مِنْ جِدَّتِى الراحلة التى ظلت تعانى مِنْ عدد مهول مِنَ الأمراض طيلة سنوات عديدة قبل موْتها , وكانت كمية الأمراض المُصابَة بها كبيرة جداً وعلى كل شكل ولون , مما كان يجعلها تصرخ يومياً على مدار ( 20 ) سنة مِنْ جَرَّاء الألم الذى تشعر به , وكم رأيْتُها تدعو الله متوسلة له أنْ يخفف عنها , ولكنها فى الحقيقة كانت تدعو كائناً ليس فى قلبه رحمة !!!!!!!!! هذا بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية التى تقتل وتصيب وتُشَرِّد الملايين مِنَ البشر بلا تمييز.. وهنا قد يعترض البعض على كلمة " بلا تمييز " , حيث أنهم يروْنَ أنّ هذه الكوارث ليست عشوائيّة بل هى ابتلاء مِنَ الله يصيب كُلاً مِنَ المؤمن والكافر , وكُلاً مِنَ الصالح والفاسد , ثُمَّ يُبعَثون جميعاً على نيّاتِهِم لِيُجَازوا عليها .. وأنا أقول إذا كان كلامهم هذا صحيحاً فما ذنب الأطفال الذين أصيبوا بهذه الكوارث ؟؟ .. لو قام زلزال مثلاً فدمَّرَ مدينة بأكملها وقتل وأصاب كثيراً مِنْ سكانها , فإنَّ الدافع وراء ذلك – حسب وجهة نظر المسلمين – هو ابتلاء المؤمن والانتقام مِنَ الكافر .. وأتساءل أنا : إذا كان الهدف هو ابتلاء المؤمن والانتقام مِنَ الكافر , فما هو الهدف مِنَ إرسال هذا الزلزال على الأطفال الذين لم يفعلوا أى ذنب فى حياتهم ؟؟ ما هو ذنبهم حتى يُصابوا بعاهات أو بتشوّهات مِنْ جرَّاء هذا الزلزال ؟؟ ما هو ذنبهم حتى يشعروا بالألم الرهيب الناتج عن سقوط المبانى فوقهم ؟؟ حتى الأطفال لم يسلموا مِنَ الألم .. فهل بعد هذا ما زلتم أيها المسلمون تصفون إلهكم بأنه الرحمن الرحيم ؟؟!! .. أين رحمته فى هذه الكوارث ؟؟ أمّا عن الآلام والمتاعب النفسية فحدِّث أيضاً ولا حرج , فظروف الحياة الصعبة التى نعيشها الآن تتسبب فى إصابة الكثير مِنَ البشر بالهموم الثقيلة التى قد تتحوَّل إلى اكتئاب قاتل .. فكثير مِنَّا – وأنا منهم – عندهم أزمات نفسيّة كبيرة فى حياتهم .. والجدير بالذكر أنَّ الأطباء النفسيين يؤكدوا على ازدياد نسبة الاكتئاب بشكل كبير فى الآونة الأخيرة , ويؤكدوا على ازدياد نِسَب الانتحار بشكل ملحوظ فى كل دول العالَم .. هل تعلمون ما معنى أنْ ينتحر شخصٍ ما ؟؟ .. هذا معناه أنَّ هذا الإنسان قد وصل إلى أوْج المُعاناة , ووصلتْ مشاكله إلى طريق مسدود تماماً لا يفلح معه أى حلّ .. قرار الانتحار أصعب وأخطر قرار على أى إنسان .. هل تعلمون ما معنى أنْ يُقدِم إنسان على إنهاء حياته بيده ؟؟ .. هذا معناه أنه لم يعد يشعر بأى معنى ولا طعم جميل للحياة , وأنه قد وصل إلى قمة التعاسة والبؤس .. وأَخْذ قرار الانتحار نادراً ما يكون فُجائياً وليد اللحظة , بل غالباً ما يكون نتيجة تراكمات مُعاناة كبيرة يشعر بها الشخص المنتحر طيلة سنوات عديدة قبل انتحاره .. ترى أين كانت رحمة الله بهذا الإنسان طوال هذه السنوات ؟؟ .. ألم يكن مِنَ الأجدر بالله بصفته الرحيم أنْ يشفق على هذا الإنسان , وينظر إليه بعيْن الرحمة , ويرحمه مِنْ هذه المُعاناة ؟؟ ليْتَ شعرى , ما الذى يستفيده الله مِنْ جَعْلنا نتألّم كلّ هذا الألم فى حياتنا ؟؟ .. ليس هناك دافع لِأنْ يفعل اللهُ بنا كل هذا إلا أنْ يكون إلهاً ساديـّـاً يتمتع بتعذيبنا !! وقد يعترض البعض قائلاً : أنت تحكم على الله حكماً خاطئاً لأنك بنيْتَ نظرتك للأمور مِنْ خلال الدنيا فقط , وتناسيْتَ ما أعدّه الله لعباده المؤمنين من نعيم فى جَنَّة الآخِرَة .. ويبدو أنَّ هذا القائل غفل عن هذا الحديث : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "لَمَّا خَلَقَ الله الجَنَّة وَالنَارَ أَرْسَلَ جِبْرَيلَ إِلَى الجَنَّة، فَقَالَ: انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا، قَالَ: فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ الله لأَهْلِهَا فِيهَا، قالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ، قالَ: فَوَعِزَّتِكَ لا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالمَكَارِهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا، قالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالمَكَارِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ، قالَ: اذْهَبْ إِلَى النَّار فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأِهْلِهَا فِيهَا، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضاً، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا فَرَجَعَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أنْ لا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إلا دَخَلَهَا." رواه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وابن حبان وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي وقَالَ الألباني: صحيح ( تخريج الطحاوية ). فالحديث السابق يؤكد على أنَّ الجَنَّة محفوفة بالمكاره , أى أنَّ الله هذا يأبى إلا أنْ يشقّ عليْنا ويعذبنا , ليس هذا فقط , بل أنه جعل النَّار أيضاً محفوفة بالشهوات .. ماذا يعنى هذا ؟؟ .. هذا لا يعنى إلا أنَّ هذا الإله لا يريد راحتنا أبداً , بل يريد أنْ يشقّ عليْنا ويعذبنا بدليل أنّه سَهَّلَ علينا الطريق المؤدية إلى النار ومهدها لنا بالشهوات , وفى المُقابل صَعَّبَ عليْنا الطريق المؤدية إلى جَنَّتِه .. الأمر الذى دفع جبريل إلى الاعتقاد بأنه لا أحد سيدخل الجنة , وأننا كلنا داخلون النار !!!
ثانياً : فـى الآخـرة :-
أمَّا فى الآخرة فالهوْل كبير , والعذاب عظيم ولا يُقارَن بِعذاب الدنيا .. ( لّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَلَعَذَابُ الاَُخِرَةِ أَشَقّ وَمَا لَهُم مّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ ) [ الرعد : 34] ( فَأَذَاقَهُمُ اللّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ) [ الزمر : 26] ( كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ) [ القلم : 33] وكما يعلم الجميع فإنَّ عذاب الآخرة متمثل فى نار جَهَنَّم , فما هى " جَهَنَّم " هذه ؟؟ .. تعالوا لنتعرَّف عليها مِنْ خلال تأمُّلنا فى هذا المشهد المُقتَبَس مِنْ فيلم مأساوى للغاية : فنحن أمام مشهد أشبه بسجن مُغلَق على ضحيّة تنال فيه أقسى وأبشع أنواع التعذيب - التى لم تخطر على قلب بشر - على يد جلاد لا تعرف الرحمة طريقاً أبداً إلى قلبه .. أرى هذا الجلاد وقد بدأ يهيِّىء الجو المناسب للضحيّة عن طريق إشعال النار فى مجموعة مِنَ الحجارة – وتتصف هذه الحجارة بسرعة الإيقاد , ونتن الرائحة , وكثرة الدخان , وشدة الالتصاق بالأبدان , وقوة حَرّها إذا أُحمِيَتْ – تمهيداً لوضع الضحيّة فيها .. وحتى يكون العذاب فوق الوصف , فقد قام هذا الجلاد بالإيقاد على هذه النار لمدة ألف عام كخطوة مبدئيّة حتى يتكوّن فى النار الحد الأدنى مِنْ قوتها الحارقة , ثم قام بالإيقاد عليها ألف عام أخرى كخطوة ثانية زيادةً فى قوة الإحراق , وأخيراً قام بالإيقاد عليها لألف عام أخرى مُتِمّاً بذلك ثلاثة آلاف عام فى إشعال هذه النار وذلك كخطوة نهائية جعلتْ هذه النار تزيد فى قوتها وإحراقها بسبعين ضعف للنار العادية , وبذلك يصبح الألم الناتج عن هذه النار شيئاً يفوق الخيال .. والآن وبعد أنْ هَـيـَّـأَ الجلاد لِضحيّته هذا الجو الرهيب مِنَ التعذيب , جاء دوره ليلقى بالضحيّة فى هذه النار السوداء .. ولكنّ الجلاد قد رأى أنْ يقوم أولاً بإرهاب ضحيّته نفسيّاً قبل الإلقاء بها فى الآتون المتأجج , حتى يكون العذاب نفسيّاً ومادّيـّاً فى آنٍ واحد .. فقد أوقفَ الجلادُ ضحيَّتَـه أمام منظر النار المرعب ينظر إليه مدة خمسين ألف سنة كاملة , ليس هذا فقط .. بل أمَرَ الجلادُ نارَه بأن تكلّم الضحية مهددة إياه ومتوعّداه بالعذاب الشديد , وبِأنْ تُسمعه تغيظها وزفيرها الذى ينم عن مدى الحقد الشديد لهذه النار على الضحية , وأمرها أيضاً بأنْ ترمى مِنْ لهبها وشررها على الضحية وهو واقف أمامها .. وذلك كنوع مِنَ الإرهاب النفسى الذى يهدف الجلادُ مِنْ ورائه إلى إخافة ضحيّته وتحطيمها نفسياً قبل ورود العذاب المادى .. ثُمَّ قرر الجلادُ أنْ يرمى بضحيّته – بعد كلّ هذا العذاب النفسى – فى الأتون المتأجج , لكنه لم يشأ أنْ يرمى بها هكذا بسلاسة , بل أمَرَ زبانيته ( قُساة القلوب ) الذين يزيدون فى عددهم عن سبعين ألف بِأنْ يذهبوا إليه فيأخذوه بعد أنْ يمزّقوه إرباً فى أيديهم لدرجة أنْ يتكسر ظهره فى أيديهم كما يتكسر الحطب , ثُمَّ يبدأون فى إغراقه فى القيود والأغلال بطريقة جدّ بشعة ومهينة , حيث يتسابقون أولاً فى أنْ يضع كلاً منهم الأغلال فى عنقه فيجعلونه كالكلب المُعَلَّق فى رقبته طَوْق ( مع أنَّ حالة الكلب أهون مِنْ حال ضحيّتنا ) , ثُمَّ يأتون بسلسلة طويلة جداً يصل طولها إلى سبعين ذراع , الحلقة الواحدة منها تعدل فى زنتها قدر حديد الدنيا كله , ثُمَّ يبدأون فى أنْ يسلكوا الضحيّة فى هذه السلسلة الضخمة عن طريق إدخال حلقاتها فى فتحة الشرج وإخراجها مِنْ فم الضحية المسكينة .. تماماً كما ينظم الكبابجى اللحم المشوى فى الأسياخ الحديدية !!!!!!!!!! وأخيراً تُطْرَح الضحيّة فى النار طرحاً بعد أنْ تُسحَب على وجهها .. وتبدأ مُعاناة هذا الإنسان المسكين مع هذه النار الملتهبة الرهيبة .. وأنتم تعلمون جميعاً آلام الحرق الفظيعة الناتجة عن النار العادية , فما بالكم بمقاساة هذا المسكين لنار زادت عنها فى حرارتها بسبعين ضعف !!!!! .. نار تلفح اللفحة فتنزع الجلد مِنْ على اللحم .. نار تأكل العظم واللحم والمُخّ .. نار تشوى الضحيّة حتى تقلص شِفَّتَهُ العُلْيَا حَتَّى تَبْلُغ وَسَطْ رَأسهُ , وَتَسْتَرْخِى شِفَّتَهُ السُّفْلَى حَتَّى تَضْرِب سُرَّتَهُ .. إنها حقاً لآلام تفوق كلّ وصف وخيال !!!! ثُمَّ يقوم الجلادُ بمضاعفة العذاب للضحيّة عن طريق إلباسه رداء قماشته عبارة عن نحاس مُذاب مِنْ شدة الغليان ... ولا يكتفى هذا الجلادُ السادى بهذا , بل يبدأ فى إرسال ألوان فظيعة أخرى مِنَ العذاب على ضحيّته المسكينة .. فيبدأ فى أنْ يُسَـلِّط على الضحيَّة أنواع بشعة مِنَ عقارب فى حجم البِغال وحَـيـَّـات فى حجم أعناق الجِمال , تلسعه إحداهنَّ اللسعة فيجد حموتها لأربعين سنة بعدها .. وتطلب الضحيّة طعاماً تُذهِب به جوعها , فيلبِّى الجلادُ الرغبة للضحيّة , حيث يقوم بعمل وجبة متنوعة مِنَ الأطعمة الخبيثة , حيث يقوم بإطعامه فى الوجبة الأولى طعاماً هو عبارة عن عصارة بقية الضحايا مِنْ قيحهم ودمهم وصديدهم , ثُمَّ يقوم بإطعامه فى الوجبة الثانية طعاماً هو عبارة عن ثمار لشجر مُعَيَّن يتميَّز بنتنه وقبح منظره ينزل فى بطن الضحيّة ليغلى فيها , فيستغيث الضحيَّة فيمدّه الجلادُ بطعام آخر وهو عبارة عن ثمار خبيثة شائكة تشبه سلى النخل المدبب , ثُمَّ يُمِدَّه بطعام آخر ينشب بالحلق بحيث يظلّ عالقاً بحلق الضحيّة لا يدخل ولا يخرج , فيستغيث المسكين طالباً شراباً يجيز به هذه الغُصَّة , فيغيثه الجلادُ بشراب أسود منتن غليظ كعكر الزيت قد انتهى حَرُّه , عندما يقرِّب الضحيَّة هذا الشراب مِنْ وجهه يشويه حتى تسقط فروة وجهه فيه , ثُمَّ يأتيه شراب آخر أشدّ حرارة ينزل إلى بطنه يقطّع أحشاءه وأمعاءه ويصهر ما فى بطنه صهراً مِنْ فرط حرارته , وأخيراً يقدِّم له الجلادُ كوكتيلاً مُكَوَّن مِنْ عُصارة صديد الضحايا ليتنوّع العذاب ويضيف إليه القرف والاشمئزاز بجانب الآلام !!!!! .. وإمعاناً فى العذاب يقوم الجلادُ بإخراج أمعاء الضحيَّة خارج جسده , ثُمَّ يجعل الضحيَّة يدور بأمعائه فى النار .. ويصرخ الضحية ويبكى دماً بعد أنْ يبكى الدموع , ويتوسل إلى الجلادُ أنْ يرحمَه , ولكن لا رحمة فى قلب الجلاد أبداً , ويتكرر التوسل والإلحاح , ولكن لا أمل فى الاستجابة ... وأمام هذا اليأس يلجأ الضحيَّة إلى طلب الموت للخلاص مِنْ هذا العذاب المتواصل ... ولكن الجلادُ السادى لا يريد أنْ يميت ضحيّته , بل يريد أنْ يتلذذ بتعذيبها أبد الآباد , وكلما رأى الألم فى عيون الضحيَّة كلما زاد مِنْ تعذيبه ... فيأتى جواب الجلاد للضحيَّة أنْ لا خلاص مِنَ العذاب ولا موت , بل سأظلّ أعذب فيك إلى ما لا نهاية ... وهنا ينقطع أمل الضحيّة المسكينة تماماً فى الخلاص !!!!!! وهــكـــــذا يــــنــــتـــــهـــــى الـــمــــشــــهــــد بــــهـــــذه الــنــــهــــايــــة الـــمأســـاويــــَّـــــة
فأما مكان السجن فهو : جـــَهَـــنــَّــم .. وأمـا السَجَّان ( الجَلاد ) فــهـو : الله .. وأمـا الزبانية فــهــم : " مالِك " ورفاقه .. وأما الضحيـَّــة فـهـى : الإنسان المسكين .. وحتى لا يتهمنى أحد بأننى أتجنّى على الله وزبانيته , فسوف أسوق إليكم الأدلّة على صِحَّة هذا المشهد مِنَ القرآن والسُنَّة : - سـعـة الـنَّـار وكِـبَـر حـجـمـهـا الـخـيـالـى :- عن ابن مسعود , عن النبىّ صلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ , قال : يُؤتَى بِجَهَنَّم يَوْمَئِذ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَام , مَعَ كُلّ زِمَام سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا " رواه مسلم . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - ظُـلْـمـة النـار وشـدة سـوادهـا :- * عن أبى هريرة عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم , قال : " أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ , ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ , ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ , فَهِىَ سَوْدَاءُ كَالليْلِ المُظْلِم " خَرَّجَه ابن ماجة والترمذى وقال : حديث أبى هريرة فى هذا موقوف أَصَحّ , ولا أعلم أحداً رفعه غير يحيى بن أبى كثير عن شريك . وقد ثبت فى الأحاديث الصحيحة أنّ مِنْ عُصاة الموحّدين مَنْ يحترق فى النار حتى يصير فحماً !!! يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - شـدة حـرّهـا :- ( وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرّ قُلْ نَارُ جَهَنّمَ أَشَدّ حَرّاً لّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ) [ التوبة : 81] * وعن أبى هريرة عن النبىّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم , قال : " اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ : يَارَبّ , أَكَلَ بَعْضِى بَعْضَاً فَنَفِّسْنِى , فَأَذِنَ لَهَا فِى نَفَسَيْن , نَفَسٌ فِى الشِّتَاءِ وَنَفَسٌ فِى الصِّيْفِ , فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ سَمُومَهَا , وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْبَرْدِ زَمْهَرِيرَهَا " .. متفق عليه . * وعن أبى هريرة عن النبىّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم , قال : " إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ , فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ , فَإِنَّ شِدَّة َ الْحَرِّ مِنْ فِيْحِ جَهَنَّم " .. متفق عليه . * وعن أبى هريرة عن النبىّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم , قال : " نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِى يُوقِدُ بَنُو آَدَمَ جُزْءٌُ وَاحِدٌ مِنْ سَبْعِين جُزْءاً مِنْ نَارِ جَهَنَّم " قَالُوا : وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَة ! قَالَ : " إِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّين جُزْءاً كُلُّهُنَّ مِثْلَ حَرِّهَا " .. متفق عليه , وخَرَّجَه الإمام أحمد وزاد فيه : " ضُرِبَتْ بِالْبَحْرِ مَرَّتَيْنِ , وَلَوْلا ذَلِكَ مَا جَعَلَ اللهُ فِيهَا مَنْفَعَةً لِأَحَد " . وقال عبد الله بن عُمَيْر : لو أنَّ أهل النار كانوا فى نار الدنيا لقالوا فيها ( أى ناموا فيها – مِنَ القيْلولة ) !!! يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - تـغـيُّـظـهـا وزفـيـرهـا :- ( بَلْ كَذّبُواْ بِالسّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذّبَ بِالسّاعَةِ سَعِيراً * إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيّظاً وَزَفِيراً ) ( الفرقان : 11,12 ) ( وَلِلّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ عَذَابُ جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ) ( المُلك : 6- 8 ) قال الربيع بن أنس : الشهيق فى الصدر , وقال مجاهد فى قوله : ( وَهِيَ تَفُورُ ) , قال : تغلى بهم كما يغلى القدر . وعن وهب بن منبه قال : إذا سُيِّرَت الجبال , فسمعت حسيس النار وتغيُّظها وزفيرها وشهيقها , صرخت الجبال كما تصرخ النساء , ثم يرجع أوائلها على أواخرها يدقّ بعضها بعضاً ..... خَرَّجَه الإمام أحمد . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - مـقـدار عـمـقـهـا :- * عن أبى هريرة قال : كُنَّا عِنْدَ النَّبِىّ صَلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّم يَوْمَاً فَسَمِعْنَا وَجْبَة ( أى : سَقْطَة ) , فقال النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّم : " أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ " فَقُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُه أَعْلَم , قَالَ : " هَذَا حَجَرٌ أُرْسِلَ فِى جَهَنَّم مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفَاً ( سبعين سنة ) , فَالْآنَ انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا " .. أخرجه مسلم وأحمد . * وعن أبى هريرة عن النبىّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم , قال : " إِنَّ الرَّجُلَ لَِيَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ لا يَِرَى بِهَا بَأسَاً , يَهْوى بِهَا فِى النَّارِ سَبْعِين خَرِيفَاً " ... رواه الترمذى وابن ماجة والحاكم – صحيح الجامع . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - دخـانـهـا وشـررهـا ولـهـبـهـا :- ( وَأَصْحَابُ الشّمَالِ مَآ أَصْحَابُ الشّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ ) ( الواقعة : 41- 44 ) ... قال ابن عباس : ظل من دخان . وعن مجاهد قال : ظل من دخان جهنم , وهو السموم .... قال الحسن وقتادة فى قوله ( لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ ) .. لا بارد المدخل , ولا كريم المنظر , والسموم : هو الريح الحارّة . وهذه الآية تضمّنتْ ذِكْر ما يتبرّد به فى الدنيا مِنَ الكرب والحرّ , وهو ثلاثة : الماء والهواء والظل , فهواء جَهَنَّم : السموم , وهو الريح الحارّة الشديدة الحَرّ , وماؤها الحميم الذى قد اشتدَّ حَرُّه , وظلها اليحموم , وهو قطع دخانها .. يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - أوديـتـهـا وجـبـالـهـا وعـيـونـهـا وآبـارهـا :- عن أبى سعيد عن النبىّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم , قال : " وَيْل : وَادٍ فِى جَهَنَّم يَهْوى فِيهِ الْكَافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفَاً قِبْلَ أَنْ يَبْلُغْ قَعْرَهُ " خَرَّجَه الإمام أحمد والترمذى ولفظه " وَادٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ يَهْوى فِيهِ الكَافِرُ سَبْعِين خَرِيفَاً قَبْلَ أَنْ يَبْلُغْ قَعْرَهُ " ... رواه الترمذى – كتاب تفسير القرآن ( 3088 ) وأحمد ( 11287 ) . وقال شفى بن ماتع : إنَّ فى جَهَنَّم قصراً يُقال له : هوى يُرمَى الكافر به مِنْ أعلاه أربعين عاماً قبل أنْ يبلغ أصله ( وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَى ) ( طه : 81 ) . وإنَّ فى جَهَنَّمَ وادياً يُدْعَى أثاماً فيه حيّات وعقارب , فقار إحداهنّ مقدار سبعين قلة سم , والعقرب منهنّ مثل البغلة الموكفة تلدغ الرجل فلا يلهبه ما يجد من حَرّ جَهَنَّم حمو لدغتها , فهوى لمن خلق له , وإنَّ فى جَهَنَّمَ وادياً يُدْعَى غَـيّـاً يسيل قيْحاً ودماً , وإنَّ فى جَهَنَّمَ سبعين داء , كلُّ داء مثل جزء مِنْ أجزاء جَهَنَّم ..... خَرَّجَه ابن أبى الدنيا . وروى يزيد بن درهم عن أنس فى قوْله ( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقَاً ) ( الكهف : 52 ) . قال : هو وادٍ مِنْ قَيْح فى جَهَنَّم , وفى رواية : نهر فى جَهَنَّم مِنْ قَيْح ودم ..... خَرَّجَه عبد الله بن الإمام أحمد . * وروى عمرو بن شعيب عن أبيه , عن جده , عن النبىّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم : " يُحْشَرُ المُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذرّ فِى صُورَةِ النَّاسِ يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَىْء مِنَ الصَّغَار , حَتَّى يَدْخُلُوا سِجْنَاً فِى جَهَنَّم يُقَالُ لَهُ : بولس تَعْلُوهُمْ نَارْ الأَنْيَار يُسْقَوْنَ مِنْ طِينِ الخَبَال عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ " ... رواه أحمد والترمذى عن ابن عمرو , وحَسَّنَه الألبانى فى صحيح الجامع ( 8040 ) . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - سـلاسـل النـار وأغـلالـهـا وأنـكـالـهـا :- ( إِنّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً ً) [ الإنسان : 4] ( وَجَعَلْنَا الأغْلاَلَ فِيَ أَعْنَاقِ الّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) ( سبأ : 33 ) ( إِذِ الأغْلاَلُ فِيَ أَعْنَاقِهِمْ والسّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمّ فِي النّارِ يُسْجَرُونَ ) ( غافر 71 , 72 ) ( خُذُوهُ فَغُلّوهُ * ثُمّ الْجَحِيمَ صَلّوهُ * ثُمّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ ) ( الحاقّة : 30 – 32 ) قال ابن المنكدر : لو جُمِعَ حديد الدنيا كله ما خلا منها وما بقى ما عدل حلقة مِنَ الحِلَق التى ذكر الله فى كتابه تعالى , فقال : (ثُمّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ ) ( الحاقّة : 32 ) .... أخرجه أبو نعيم . قال ابن المُبارك عن سُفيان فى قوْله : ( فَاسْلُكُوهُ ) قال : بلغنا أنَّها تدخل فى دُبُره حتى تخرج منه . وقال ابن جريج : قال ابن عباس : السلسلة تدخل فى إستِه ( دُبُره ) , ثم تخرج مِنْ فيه ( فمه ) , ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد فى العود حتى يشوى .... خَرَّجَه ابن أبى حاتم . قوْله : ( فَيُؤخَذُ بِالنَّوَاصِى وَالأَقْدَامِ ) ( الرحمن : 41 ) ... ذكر الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس , قال : يُؤخَذ بناصيته وقدميْه ويكسر ظهره , كما يكسر الحطب فى التنّور . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! حـجـارة النـار :- ( يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ قُوَاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاّ يَعْصُونَ اللّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ( التحريم : 6 ) .. وأكثر المفسرين على أنَّ المُراد بالحجارة حجارة الكبريت تُوقَد بها النار , ويُقال : إنَّ فيها خمسة أنواع مِنَ العذاب ليس فى غيرها مِنَ الحجارة : سرعة الإيقاد , ونتن الرائحة , وكثرة الدخان , وشدة الالتصاق بالأبدان , وقوة حَرّها إذا أُحمِيَتْ . وقال مجاهد : حجارة مِنْ كبريت أنتن مِنَ الجيفة . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - حيَّـات النـار وعـقـاربـهـا :- عن عبد الله ابن الحارث ابن جزء الزبيدى , قال : قال رسول الله صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم : " إنَّ فِى النَّارِ حَيَّاتٍ كَأَعْنَاقِ البخَاتِى , تَلْسَعُ إِحْدَاهُنَّ اللسْعَةَ فَيَجِدْ حَمْوَتَهَا إِلَى أَرْبَعِينَ خَرِيفَاً , وَإِنَّ فِى النَّارِ عَقَارِبَ كَأَمْثَالِ البِغَالِ المُوكفَةِ , تَلْسَعُ إِحْدَاهُنَّ اللسْعَةَ , فَيَجِدْ حَمْوَتَهَا أَرْبَعِينَ سَنَة " .... رواه الحاكم ( 4/ 593 ) , وأحمد ( 4 / 191 ) بإسناد حسن , إلا أنَّ شطر الحديث الثانى ضعيف . وعن ابن مسعود فى قوله تعالى : ( زِدْنَاهُمْ عَذَابَاً فَوْقَ العَذَابِ ) ( النحل : 88 ) , قال : عقارب لها أنياب , كالنخل الطوال , .... وخَرَّجَه الحاكم , وقال صحيح على شرط الشيْخيْن . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - طـعـام أهـل النَّـار :- الزقُّــوم : ( أَذَلِكَ خَيْرٌ نّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ * إِنّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لّلظّالِمِينَ * إِنّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيَ أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنّهُ رُءُوسُ الشّيَاطِينِ * فَإِنّهُمْ لاَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمّ إِنّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ ) ( الصافات : 62 – 67 ) .. ( إِنّ شَجَرَةَ الزّقّومِ * طَعَامُ الأثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ) ( الدخان : 43- 46 ) .. ( ثُمّ إِنّكُمْ أَيّهَا الضّآلّونَ الْمُكَذّبُونَ * لاَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مّن زَقّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَـَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدّينِ ) ( الواقعة : 51- 56 ) .. وعن ابن عباس أنَّ النبىَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قرأ هذه الآية : ( اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) ( آل عمران : 102 ) , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قَطَرَتْ فِى دَارِ الدُّنْيَا لَأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ , فَكَيْفَ بِمَنْ تَكُونُ طَعَامَهُ ؟ " ... رواه الترمذى , وابن ماجة , وصححه الألبانى فى صحيح الجامع . عن ابن عباس أنَّ شجرة الزقوم ثابتة فى أصل سقر , ورُوِىَ عن الحسن أنَّ أصلها فى قعر جَهَنَّم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها . وقد دَلَّ القرآن على أنهم يأكلون منها حتى تمتلىء منها بطونهم فتغلى فى بطونهم , كما يغلى الحميم , وهو الماء الذى قد انتهى حَرُّه , ثم بعد أكلهم منها يشربون عليه مِنَ الحميم شُرْبَ الهِيم . قال ابن عباس : الهِيم : الإِبِل العطاش . وقال السدى : هو داء يأخذ الإِبِل فلا تُرْوَى أبداً حتى تموت , فكذلك أهل جَهَنَّم لا يروون مِنَ الحميم أبداً . ودَلَّ قوله ( ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْبَاً مِنْ حَمِيمٍ ) ( الصافات : 67 ) على أنَّ الحميم يُشَابُ به ما فى بطونهم مِنَ الزَقُّوم , فيصير شَوْباً له ..... وقال عطاء الخرسانى فى هذه الآية يُقال : يخلط طعامهم ويشاب بالحميم . وقوله ( ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الجَحِيمِ ) ( الصافات : 68 ) ... أى بعد أكل الزقوم وشرب الحميم عليه , ... ويدلّ هذا على أنّ الحميم خارج مِنَ الجحيم , فهم يَرِدُونَه كما تَرِدُ الإبِل الماء , ثم يُرَدُّونَ إلى الجحيم . وقال القرظى فى قوله ( يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ ) ( الرحمن : 44 ) , قال : إنَّ الحميم دون النار , فيُؤخَذ العبد بناصيته فيُجَرّ فى ذلك الحميم حتى يذوب اللحم ويبقى العظم والعينان فى الرأس , وهذا الذى يقول فيه الله ( فِى الحَمِيمِ ثُمَّ فِى النَّارِ يُسْجَرُونَ ) ( غافر : 72 ) . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! الضـريـع والطعام ذا الغُـصَّـة : روى الإمام أحمد بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس فى قوْله ( وَطَعَامَاً ذَا غُصَّةٍ ) , قال : شوك يأخذ بالحَلْق لا يدخل ولا يخرج . وروى علىّ بن أبى طلحة عن ابن عباس فى قوْله : ( لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إلا مِنْ ضَرِيعٍ ) ( الغاشية : 6 ) , قال : شجرٌ فى جَهَنَّم . وعن أبى الحوارى قال : الضريع : السلى شوك النخل . قال عكرمة : وهو شجرة ذات شوك لاطئة بالأرض . وقال سعيد عن قتادة : ( لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إلا مِنْ ضَرِيعٍ ) مِنْ شَرِّ الطعام وأبشعه وأخبثه . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! الغِـسْـلِـيـن : ( فَلَيْسَ لَهُ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إلا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأكُلُهُ إلا الخَاطِئونَ ) ( الحاقّة : 35- 37 ) ... قال شريح بن عبيد , قال كعب : لو دلى مِنْ غسلين دلو واحد فى مطلع الشمس , لَغَلَتْ منه جماجم قوم فى مغربها ... خَرَّجَهُ أبو نعيم . وعن مقاتل , قال : إذا سال القَيح والدم بادروا إلى أكله قبل أن تأكله النَّار . وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس , قال : الغسلين : الدم والماء يسيل مِنْ لحومهم . روى علىّ ابن أبى طلحة عن ابن عباس , قال : الغِسْلِين هو صديد أهل النار . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! شـراب أهـل النَّـار :- الحـمـيـم : ( فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الحَمِيمِ ) ( الواقعة : 54 ) ( وَسُقُوا مَاءاً حَمِيمَاً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ) ( محمد : 15 ) ( لا يَذوقُونَ فِيهَا بَرْدَاً وَلا شَرَابَاً * إلا حَمِيمَاً وَغَسَّاقَاً ) ( النبأ : 24 , 25 ) ( هَذا فَلْيَذوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ ) ( ص : 57 , 58 ) ( يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) ( الرحمن : 44 ) قال شبيب بن عكرمة عن ابن عباس : حَمِيمٍ آنٍ : أى الذى قد انتهى غليه . وقال ابن كثير : ( وَسُقُوا مَاءاً حَمِيمَاً ) أى حارّاً شديد الحرارة لا يُستَطَاع , ( فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ) أى قطَّعَ ما فى بطونهم مِنَ الأمعاء والأحشاء . قال الربيع بن أنس : فأما الحميم فهو الحارّ الذى قد انتهى حَرّه وحمره . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! الـغَـسـَّاق : ( لا يَذوقُونَ فِيهَا بَرْدَاً وَلا شَرَابَاً * إلا حَمِيمَاً وَغَسَّاقَاً ) ( النبأ : 24 , 25 ) ( هَذا فَلْيَذوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ ) ( ص : 57 , 58 ) قال ابن عباس : الغَسَّاق : ما يسيل مِنْ بيْن جلد الكافر ولحمه , وعنه قال : الغَسَّاق : الزمهرير البارد الذى يحرق مِنْ برده . وعن عبد الله بن عمرو , قال : الغساق : القيح الغليظ , لو أنَّ قطرةً منه تهرق فى المغرب لأنتنت أهل المشرق , ولو أهرقت فى المشرق لأنتنت أهل المغرب . وقد صرَّحَ ابن عباس فى رواية عنه ومجاهد بأنَّ الغَسَّاق هاهنا هو البارد الشديد البرد , ويدل عليه قوله : ( لا يَذوقُونَ فِيهَا بَرْدَاً وَلا شَرَابَاً * إلا حَمِيمَاً وَغَسَّاقَاً ) , فاستثنى مِنَ البرد الغَسَّاق , ومِنَ الشراب الحميم . وقال ابن كثير : وأما الغَسَّاق فهو البارد الذى لا يُستَطَاع مِنْ شِدَّة برده المؤلم . وعن أبى سعيد عن النبىّ صلَّى اللهُ عليه وسلم , أنه قال : " لَوْ أَنَّ دَلْوَاً مِنْ غَسَّاقٍ يُهْرَاقُ فِى الدُّنْيَا , لأنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا " ... رواه الإمام أحمد عن أبى سعيد , ورواه الترمذى عن عمرو بن الحارث عن دراج , وقال لا نعرفه إلا مِنْ حديث رشد .. قال وقد تقدَّمَ مِنْ غير حديثه , ورواه ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث . وقال كعب الأحبار : غَسَّاق عَيْنٌ فى جَهَنَّم يسيل إليها حمة كل ذات حمة مِنْ حية وعقرب وغير ذلك , فيستنقع , فيؤتَى بالآدمى فيُغمَس فيها غمسة واحدة , فيخرج وقد سقط جلده ولحمه عن العظام , ويتعلق جلده ولحمه فى كعبيْه وعقبيْه , ويُجَرّ لحمه كله كما يجرّ الرجل ثوبه ... رواه ابن أبى حاتم . وقال الحسن البصرى فى قوْله ( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ ) ألوان مِنَ العذاب , وقال غيره كالزمهرير والسموم وشرب الحميم وأكل الزَقُّوم والصعود والهوى إلى غير ذلك مِنَ الأشياء المختلفة المتضادّة والجميع مما يُعذبون به ويُهانون بسببه . وقال الربيع بن أنس : والغَسَّاق هو ما اجتمع مِنْ صديد أهل النار وعرقهم ودموعهم وجروحهم , فهو بارد لا يُستَطَاع مِنْ برده ولا يُواجَه مِنْ نتنه . وقد قيل : إنَّ الغَسَّاق هو البارد المنتن . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! الـصـديــد : ( مّن وَرَآئِهِ جَهَنّمُ وَيُسْقَىَ مِن مّآءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) ( ابراهيم : 16 , 17 ) قال مجاهد , وعكرمة فى قوله ( وَيُسْقَىَ مِن مّآءٍ صَدِيدٍ ) : يعنى القيح والدم . وقال قتادة : هو ما يسيل من لحمه وجلده , وفى رواية عنه : الصديد ما يخرج مِنْ جَوْف الكافر قد خالط القيح والدم . وعن جابر عن النبىّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم , قال : " إِنَّ عَلَى اللهِ عَهْدَاً لِمَنْ شَرِبَ المُسْكِرَاتِ , لَيُسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ , وَمَا طِينَةُ الخَبَالِ ؟ قَالَ : عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ , أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ " ... أخرجه مسلم عن جابر . وعن أبى أمامة عن النبىّ صلى اللهُ عليه وسلَّم فى قوْله : ( وَيُسْقَىَ مِن مّآءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ ) , قال : يُقَرَّبُ إِلَى فِيهِ ( أىْ إِلَى فَمِه ) فَيَكرعُه , فَإِذا أُدْنِىَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأسِهِ , فَإِذا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ , حَتَّى يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ , يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : ( وَسُقُوا مَاءاً حَمِيمَاً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ) , وَيَقُولُ : ( وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوجُوهَ بِئْسَ الشّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً ) ... رواه أحمد عن أبى أمامة , ورواه الترمذى فى كتابه صفة جَهَنَّم ( 2506 ) . وقوْله ( يَتَجَرَّعُهُ ) : أىْ يتغصصه ويتكرهه , أىْ يشربه قهراً وقسراً لا يضعه فى فمه حتى يضربه المَلَك بمطراق مِنْ حديد كما قال الله ( وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيد ) ( وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ ) أىْ يزدرده لسوء طعمه ولونه وريحه وحرارته أو برده الذى لا يُستَطَاع .. ( تفسير ابن كثير ) . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! الـمـاء الـذى كـالـمُـهْــل : ( وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوجُوهَ ) ( الكهف : 29 ) قال ابن عباس : المُهْل : الماء الغليظ مثل دردى الزيت .. وقال مجاهد : بماءٍ كالمُهْل : مثل القيح والدم أسود كعكر الزيت .. وقال عكرمة : هو الشىء الذى انتهى حَرُّه .. وقال قتادة : أَذابَ ابن مسعود شيئاً مِنَ الذهب فى أخدود فلما انماع وأزبَدَ , قال : هذا أشبه شىء بالمُهْل .. وقال الضحاك : ماء جَهَنَّم أسود , وهى سوداء , وأهلها سود .. وقال آخرون : المُهْل : هو كلّ شىء أُذِيب .. وهذه الأقوال ليس شىء منها ينفى الآخر , فإنَّ المُهْل يجمع هذه الأوصاف الرذيلة كلها , فهو أسود منتن غليظ حارّ , ولهذا قال ( يَشْوِي الْوجُوهَ ) أى مِنْ حَرِّه , إذا أراد الكافر أنْ يشربَه وقَرَّبَهُ مِنْ وجهه شواه حتى تسقط جلدة وجهه , كما جاء فى الحديث المروى عن أبى سعيد الخدرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَاء كَالمُهْلِ – قَالَ – كَعكر الزِّيْتِ , فَإِذَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهَهُ فِيه " ... رواه أحمد , والترمذى فى صفة النار . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - سـرابـيـل أهـل الـنـار :- ( وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مّقَرّنِينَ فِي الأصْفَادِ * سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىَ وُجُوهَهُمْ النّارُ ) ( ابراهيم : 49 , 50 ) يقول ابن كثير : وقوله ( سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ ) أىْ ثيابهم التى يلبسونها مِنْ قطران , وهو الذى تهنأ به الإبِل , أىْ تُطْلَى .. قال قتادة : وهو ألصق شىء بالنار .. وكان ابن عباس يقول : القطران هو النحاس المُذاب , وربما قرأها ( سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ ) أىْ مِنْ نحاس حارّ قد انتهى حَرُّه .. يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - وَمِنْ عذاب أهل النار : الـصَّهــر :- ( فَالّذِينَ كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نّارِ يُصَبّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ) ( الحج : 19 , 20 ) .. قال عطاء الخراسانى : يُذابُ به ما فى بطونهم كما يُذابُ الشحم . - وَمِنْ عذاب أهل النار : سـحـبـهـم عـلـى وجـوهـهـم :- ( إِنّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النّارِ عَلَىَ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسّ سَقَرَ ) ( القمر : 47 , 48 ) .. - وَمِنْ عذابهم : إلقائهم فى مكان ضيّق لا يتمكنون فيه مِنَ الحركة :- ( وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيّقاً مّقَرّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً ) ( الفرقان : 13 ) ... قال كعب : إنَّ فى جَهَنَّم تنانير ضِيقها كضِيق زج رمح أحدكم ثم يطبق على أناس بأعمالهم .. وعن سويد بن غفلة قال : إذا أراد الله أنْ ينسى أهل النار جعل للرجل صندوقاً على قدره مِنَ النار , ولا ينبض عرق إلا فيه مسمار مِنْ نار , ثم تضرم فيه النار , ثم يقفل بقفل من نار , ثم يجعل اللهُ ذلك الصندوق فى صندوق مِنْ نار , ثم تضرم بينهما نار ثم يُقفَل , ثم يُطرَح – أو يُلقَى – فى النار , فذلك قوْله تعالى : ( لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ النّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوّفُ اللّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَعِبَادِ فَاتّقُونِ ) ( الزمر : 16 ) .. وقوْله تعالى : ( لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ ) ( الأنبياء : 100 ) . قال : فما يرى أنَّ فى النار أحداً غيره .... خَرَّجَهُ البيْهقى . - وَمِنْ أهل النار مِنْ يدور فى النار وهو يجرّ أمعاءَه :- عن أسامة بن زيْد عن النبىّ صلّى اللهُ عليْه وسَلَّم , قال : " يُؤتَى بِالرَّجُلِ فَيُلْقَى فِى النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابَهُ ( أمعاءَه ) فِى النَّارِ , فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ , فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ , فَيَقُولُونَ : أَىْ فُلان , مَا شَأنُكَ ؟ أَلَسْتَ كُنْتَ تَأمُرُنَا بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ ؟ قَالَ : بَلَى ,كَنْتُ آمُرُكُمْ بِالمَعْرُوفِ وَلا آتِيه , وَأَنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيه " ... أخرجه البخارى مع الفتح – ومسلم . - فى تفسير قوله : ( تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ) :- عن أبى سعيد , عن النبىّ صلى الله عليه وسلم , قال : ( وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ) , قال : " تَشْوِيهِ النَّارُ فَتقلص شِفَّتَهُ العُلْيَا حَتَّى تَبْلُغ وَسَطْ رَأسهُ , وَتَسْتَرْخِى شِفَّتَهُ السُّفْلَى حَتَّى تَضْرِب سُرَّتَهُ " ... رواه الإمام أحمد عن أبى سعيد ( 11409 ) – والترمذى فى كتاب صفة جَهَنَّم ( 2512 ) . - فى تفسير قوْله : ( الَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ ) :- قال محمد بن كعب القرظى فى قوْله : ( الَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ ) , قال : تأكله النَّار إلى فؤاده , فإذا بلغتْ فؤادَه أُنشِىءَ خَلْقُه . وقال الله : ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِى وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ) ( المدثر : 27- 29 ) ... قال صالح بن حيان عن ابن بريدة فى قوله : ( لا تُبْقِى وَلا تَذَرُ ) , قال : تأكل العظم واللحم والمخ ولا تذره على ذلك . وقال أبو رزين فى قوْله : ( لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ) , قال : تلفح وجهه لفحة تدعه أشد سواداً مِنَ الليْل .. وعن أبى هريرة فى قوْله : ( لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ) , قال : تلقاهم جَهَنَّم يوم القيامة فتلفحهم لفحة , فلا تترك لحماً على عظم إلا وضعتْه على العراقيب . وروى ابن مهاجر عن مجاهد فى قوله : ( نَزَّاعَةً لِلشَّوَى ) : تنزع الجلد , وعنه قال : تنزع اللحم ما دون العظم . - فى تفسير قوْله : ( وَيَأتِيهِ المَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ) :-قال ابراهيم فى قوْله : ( وَيَأتِيهِ المَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ) حتى من تحت كل شعرة فى جسده . وقال الضحاك : حتى مِنْ إبهام رجليْه , والمعنى أنه يأتيه مثل شدة الموت وألمه مِنْ كلّ جزء مِنْ أجزاء بدنه حتى شعره وظفره , وهو مع هذا لا تخرج نفسه فيستريح . قال الأوزاعى عن بلال بن سعد : تنادى النار يوم القيامة : يا نار أحرقى , يا نار اشتَفى , يا نار أنضِجِى , كلى ولا تقتلى . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - بكاء أهل النار وصراخهم وزفيرهم وشهيقهم :-( لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ ) ( الأنبياء : 100 ) ( فَأَمَّا الذِينَ شَقُوا فَفِى النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ) ( هود : 106 ) قال الربيع بن أنس : الزفير فى الحَلْق , والشهيق فى الصدر , وقال معمر عن قتادة : صوت الكافر فى النار مثل صوت الحمار أوله زفير وآخره شهيق .. وعن أنس , عن النبىّ صلى الله عليه وسلم , قال : " يُرْسَلُ البُكَاءُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ فَيَبْكُونَ حَتَّى تَنْقَطِع الدُّمُوعُ , ثُمَّ يَبْكُونَ الدَّم حَتَّى يَصِيرُ فِى وُجُوهِهِم كَهَيْئَةِ الأُخْدُودِ لَوْ أُرْسِلَتْ فِيهِ السُّفُن لَجَرَتْ " ... رواه ابن ماجة عن أنس , وحسنه الألبانى فى صحيح الجامع ( 8083 ) – الصحيحة ( 1679 ) . وروى مالك عن يزيد بن أسلم فى قوْله ( سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ) ( ابراهيم : 21 ) , قال زيد : صبروا مائة عام ثم بكوا مائة عام ثم قالوا : ( سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ) .. ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الّذِي كُـنّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مّا يَتَذَكّرُ فِيهِ مَن تَذَكّرَ وَجَآءَكُمُ النّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظّالِمِينَ مِن نّصِيرٍ ) ( فاطر : 37 ) يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - قـسـوة مـلائـكـة الـنـار :- وصف اللهُ الملائكة الذين على النار بالغلظة والشدة ... قال : ( عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاّ يَعْصُونَ اللّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ( التحريم : 6 ) .. وروى عبد الله بن الإمام أحمد بإسناده عن أبى عمران الجونى قال : بَلَغَنَا أنَّ المَلَك مِنْ خَزَنَة جَهَنَّم ما بيْن منكبيْه مسيرة خريف , فيضرب الرجل مِنْ أهل النار الضربة فيتركه طحيناً مِنْ لدن قرنه إلى قدمه . وفى رواية أخرى له قال : بَلَغَنَا أنَّ خَزَنَة النار تسعة عشر ما بيْن منكبى أحدهم مسيرة خريف , وليس فى قلوبهم رحمة , إنَّما خُلِقُوا للعذاب . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - وصف عام لحال أهل النار :- روى ابن أبى الدنيا بإسناده عن وهب بن منبه , قال : أمّا أهل النار الذين هم أهلها , فهم فى النار لا يهدأون ولا ينامون ولا يموتون , ويمشون على النار , ويجلسون على النار , ويشربون مِنْ صديد أهل النار , ويأكلون مِنْ زَقُّوم النار , فُرُشُهم ولحفهم نار , وقمصهم نار وقطران , وتغشى وجوههم النار , وجميع أهل النار فى سلاسل بأيدى الخزنة أطرافها ... يُجذَبُون مقبلين ومدبرين , فيسيل صديدهم إلى حفر فى النار , فذلك شرابهم . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - أهــون أهــل الــنـَّـار عــذابــاً :- وبعد أن استعرضنا النماذج السابقة فى العذاب , تُرَى ماذا يكون حال أهون أهل النار عذاباً ؟؟؟ ... الإجابة عن هذا السؤال نجده فى الحديث التالى : عن النعمان بن بشير , عن النبىّ صلى الله عليه وسلم , قال : " إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابَاً , رَجُلٌ فِى أَخْمصْ قَدَمَيْه جَمْرَتَان يَــغْــلِــى مِــنْــهُــمُــا دِمـَـاغُــه , كَمَا يَغْلِى المرْجَلْ بِالقُمْقُمْ " ... أخرجه البخارى مع الفتح , وفى لفظ مسلم : " إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابَاً مِنْ لَهُ نَعْلانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ , يَــغْــلِــى مِــنْــهُــمُــا دِمـَـاغُــه , كَمَا يَغْلِى المرْجَلْ , مَا يَرَى أَنَّ أَحَدَاً أَشَدَّ مِنْهُ عَذَابَاً , وَإِنَّهُ لَأَهْوَنْهُمْ عَذَابَاً " .. أهذا هو أهون أهل النار عذاباً ؟؟؟؟؟؟؟ لا تــــعـــــلـــــيـــــق !!!!!!!! - انـقـطـاع أمـل أهـل النـار نـهـائـيـّاً فـى رحـمـة الله :- ( وَقَالَ الّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنّمَ ادْعُواْ رَبّكُمْ يُخَفّفْ عَنّا يَوْماً مّنَ الْعَذَابِ * قَالُوَاْ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيّنَاتِ قَالُواْ بَلَىَ قَالُواْ فَادْعُواْ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلاَلٍ ) ( غافر : 49 , 50 ) .. ( وَنَادَوْاْ يَمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّكَ قَالَ إِنّكُمْ مّاكِثُونَ ) ( الزخرف : 77 ) .. ( وَالّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنّمَ لاَ يُقْضَىَ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلّ كَفُورٍ ) ( فاطر : 36 ) .. ( وَمَنْ خَفّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـَئِكَ الّذِينَ خَسِرُوَاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىَ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذّبُونَ * قَالُواْ رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنّا قَوْماً ضَآلّينَ * رَبّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ ) ( المؤمنون : 103- 108 ) .. روى أبو معشر عن محمد بن كعب القرظى , قال : لأهل النار خمس دعوات يُكَلَّمون فى أربع منها , ويُسكَتْ عنهم فى الخامسة فلا يُكَلَّمون .... يقولون : ( قَالُواْ رَبّنَآ أَمَتّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىَ خُرُوجٍ مّن سَبِيلٍ ) [غافر : 11] .. فيرد عليهم : ( ذَلِكُم بِأَنّهُ إِذَا دُعِيَ اللّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَالْحُكْمُ للّهِ الْعَلِـيّ الْكَبِيرِ) [غافر : 12] .. ثم يقولون : ( رَبّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنّا مُوقِنُونَ ) [ السجدة : 12] .. فيرد عليهم : ( وَلَوْ شِئْنَا لاَتَيْنَا كُلّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـَكِنْ حَقّ الْقَوْلُ مِنّي لأمْلأنّ جَهَنّمَ مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـَذَآ إِنّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [ السجدة : 13,14] .. ثم يقولون : ( رَبّنَآ أَخّرْنَآ إِلَىَ أَجَلٍ قَرِيبٍ نّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتّبِعِ الرّسُلَ ) .. فيرد عليهم : ( أَوَلَمْ تَكُونُوَاْ أَقْسَمْتُمْ مّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ ) [ إبراهيم : 44] .. ثم يقولون : ( رَبّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الّذِي كُـنّا نَعْمَلْ ) .. فيردّ عليهم : ( أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مّا يَتَذَكّرُ فِيهِ مَن تَذَكّرَ وَجَآءَكُمُ النّذِيرُ ) [ فاطر : 37] .. ثم يقولون : ( رَبّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنّا ظَالِمُونَ * رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنّا قَوْماً ضَآلّينَ ) ( المؤمنون : 106 , 107 ) .. فيرد عليهم : ( قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ * إِنّهُ كَانَ فَرِيقٌ مّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبّنَآ آمَنّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ * فَاتّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتّىَ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مّنْهُمْ تَضْحَكُونَ ) ( المؤمنون : 108- 110 ) .. قال : فلا يتكلمون بعد ذلك , ... خَرَّجَهُ آدم بن أبى إياس وابن أبى حاتم . قال ابن مسعود : ليس بعد هذه الآية خروج ( قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ ) . أرأيتم كيف يعاملهم الله ؟؟!! كل هذه المُعاناة التى هم فيها , وكل هذا العذاب , وكل هذه الاستغاثات والتوسلات التى يتوجهون بها إليه لم تحرك في قلبه مشاعر الرحمة ... لماذا لا يرحمهم ؟؟ .. ماذا يستفيد مِنْ تعذيبهم بكل هذا العذاب ؟؟!! ... ويصور الحديث التالى مدى اليأس الذى وصلوا إليه مِنْ أنْ يرحمهم : عن أبى الدرداء , أنَّه قال : " يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الجُوعُ , فَيَعْدِلُ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ العَذَابِ فَيَسْتَغِيثُونَ , فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِى مِنْ جُوعٍ , فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ , فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ ذِى غُصَّةٍ , فَيَذكُرُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُجِيزُونَ الغُصَصَ فِى الدُّنْيَا بِالشَّرَابِ , فَيَسْتَغِيثُونَ بِالشَّرَابِ , فَيُدْفَعُ إِلَيْهِمُ الحَمِيمُ بِكَلالِيبَ الحَدِيدِ , فَإِذَا دَنَتْ مِنْ وُجُوهِهِمْ شَوَتْ وُجُوهَهُمْ , فَإِذَا وَصَلَتْ بُطُونَهُمْ قَطَّعَتْ مَا فِى بُطُونِهِمْ , فَيَطْلُبُونَ إِلَى خَزَنَةِ جَهَنَّم : أَن ( ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمَاً مِنَ العَذَابِ ) , فَيُجِيبُونَهُمْ : ( أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيّنَاتِ قَالُواْ بَلَىَ قَالُواْ فَادْعُواْ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلاَلٍ ) , فَيَقُولُونَ : سَلُوا مَالِكَاً , فَيَقُولُونَ : ( يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) , فَيَقُولُ : ( إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ) .. قال الأعمش : نُبئتُ أنَّ بين دعائهم وبين إجابة مالك لهم ألف عام , قال : فَيَقُولُونَ ( رَبّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنّا ظَالِمُونَ ) , فَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ : ( اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ ) . فَعِنْدَ ذَلِكَ يَيْأسُونَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ , وَيَأخُذونَ فِى الشَّهِيقِ وَالوَيْلِ وَالثُّبورِ . " ... رواه الترمذى وابن أبى شيبة عن أبى الدرداء , وقد رُوِىَ موقوفاً عن أبى الدرداء . وأمام هذا السيل المتدفق مِنَ العذاب , ومع يأس أهل النار مِنَ الخروج منها , لم يعودوا يتمنّون أى شىء إلا الموْت والفناء , فقد أصبح هو الحل والمخرج الوحيد مِنْ المآسى التى يعيشونها , وأصبح العدم عندهم أهون مِنْ هذه حياة النار التى يحيوْنها ... لذا اضطرّوا لأن يسألوا الله الموت , فماذا كان ردّ فعل إلههم أمام طلبهم هذا : عن أبى سعيد عن النبىّ صلى الله عليه وسلم , قال : " يُجَاءُ بِالمَوْتِ يَوْمَ القِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحٌ , فَيُوقَفْ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ , فَيُقَالُ : يَا أَهْلَ الجَنَّةِ , هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ , وَيَقُولُونَ : نَعَمْ هَذَا المَوْتُ , وَيُقَالُ : يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ , فَيَقُولُونَ : نَعَمْ هَذَا المَوْتُ , قَالَ : فَيُؤمَرُ بِهِ فَيُذبَح , ثُمَّ يُقَالُ : يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلا مَوْت , وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْت .. ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) [ مريم : 39] .... أخرجه البخارى مع الفتح , ومُسلِم . حتى الموت .. هذا المطلب البسيط .. يبخل به عليهم , لأنه يعلم أنَّ فيه راحة لهم , وهو لا يريد إلا الإمعان فى تعذيبهم , والتنكيل بهم !!! يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!!
والآن , وبعد هذه الجـوْلـة العـنـيـفـة التى تجوَّلناها فى الكابوس المُسَمَّى بِـجـَهَـنَّم , فإنّه لزاماً علىّ أنْ أعتذر لكم عن إذا كنتُ سبَّبتُ لكم تعباً نفسيّاً مِنْ جَرَّاء هذه الآيات والأحاديث المُرعِبة , فالحقيقة أنّ هذه الآيات والأحاديث السابقة ليست فقط تسبّب تعباً نفسياً للقارىء , بل هى كفيلة أنْ تتسبَّب فى حدوث انهيار عصبى لِمَنْ يتأمل فيها ويتخيّلها , ولكن الذى اضطرّنى لسردها بهذا الشكل التفصيلى هو رغبتى فى أنْ أوضّح الصورة الحقيقية البشعة لهذا الكائن السادى المُسَمَّى " الله " .. ( ومَنْ أراد الاستزادة فعليه بالرجوع لكتاب " التخويف مِنَ النار" لصاحبه " ابن رجب الحنبلى " ) .. هل بعد هذه الجولة , ما زلتم تروْنَ إلهكم رحيماً أيها المسلمون ؟؟؟؟؟؟ أنا مِنْ خلال النصوص السابقة لا أراه إلا أشبه بكائن فى منتهى السـاديـَّـة .. فى منتهى الــقــســوة .. فى منتهى الوحـشـيَّـة .. يتفنن فى تعذيب ضحيّته بأقسى وأبشع الطُرُق .. لقد فاق هذا الإله فى وحشيّته كل التصوّر والخيال .. وأرى أننا لو شبهناه فى ساديّته بساديّة نيرون وهتلر نكون بذلك قد ظلمنا نيرون وهتلر !!!!!!! والغريب أنّه برغم كلّ ما ذكرناه مِنْ أمثلة على قسوة هذا الإله الإسلامى , نجد رسوله يقول عنه فى هذا الحديث : *عن عُمَر بن الخَطَّاب رَضِىَ اللهُ عنه , قال : قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِسَبْىٍْ , فَإِذا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْىِ تَسْعَى , إِذ وَجَدَتْ صَبِيَّاً فِى السَّبْىِ أَخَذتْهُ , فَأَلْزَقَتْهُ بِبَطْنِهَا , فَأَرْضَعَتْهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : " أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِى النَّارِ ؟ " قُلْنَا : لا وَاللهِ . فَقَالَ : " لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا " متفق عليه . لعمرى , إنَّ شرّ البليَّة ما يُضحِك ... هو أرحم بعبده مِنْ أمه به , ويُنزِل به كلّ هذا العذاب الوحشى ؟؟؟ فياترى لو كان قاسى على عبده , ماذا كان يفعل به ؟؟؟!!! أشعر كُلَّما قرأتُ القرآن أننا أمام عذاب ثُمَّ عذاب ثُمَّ عذاب , فالجدير بالذكر أنَّ " النار " ورد ذكرها فى هذا الكتاب 99 مرة , بينما " الجَنَّة " لم تُذكَر سوى 54 مرة فقط , وحتى الداخلين للجَنَّة عددهم قليل جداً مُقارنةً بعدد أهل النار , كما فى هذا الحديث : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، قَالَ: يَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّار ؟ قَالَ: مِنْ كُلِ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، قَالَ: فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَغِيرُ وَتَضَعُ كُلُ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَ عَذَابَ الله شَدِيدٌ ـ قَالَ أبو سعيد رضي الله عنه: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ـ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُنَا ذَلِكَ الرَجُل ؟ فَقَالَ: أَبْشِرُوا، فإِنَّ مِن يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفاً، وَمِنْكُمْ رَجُلٌ، قَالَ: ثُمَ قَالَ: وَالَذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِي لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّة ـ قَالَ أبو سعيد رضي الله عنه: فَحَمِدْنَا الله وَكَبَّرْنَا ـ ثُمَ قَالَ: وَالَذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِني لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّة ـ قَالَ أبو سعيد رضي الله عنه: فَحَمِدْنَا الله وَكَبَّرْنَا ـ ثُمَ قَالَ: وَالَذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِني لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الجَنَّة، إنَّ مَثَلَكُمْ فِي الأُمَمِ كَمَثَلِ الشَعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثُوْرِ الأَسْوَدِ، أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ." رواه مسلم وهذا لفظه وروى نحوه البخاري وأحمد والنسائي . وحتى مَنْ كَتَبَ الله له الجَنَّة , فإنه غالباً ما سيمرّ بفترة يقضيها فى النار أولاً قبل دخوله الجَنَّة .. وبرغم كلّ هذه العوائق الضخمة التى وضعها الله أمام دخول الجنة – يبدو أنه مستخسر يدخل فيها أحد – فإنه حتى مَنْ سَلِمَ مِنْ هذه الأهوال , وكتب الله له دخول الجنة دون عذاب , فإنه حتماً عليه أنْ يمرّ فوق النار أولاً على الصراط .. ( وَإِن مّنكُمْ إِلاّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىَ رَبّكَ حَتْماً مّقْضِيّا ً) ( مريم : 71 ) .. وكأنه لابد أنْ يرعب المُوحّدين أولاً ويتعب نفسيّتهم قبل دخولهم الجَنَّة ... حاجة ذلّ !!!!!! وحتى الذين لم يسمعوا بالإسلام , فإنَّ الله يختبرهم فى الآخرة , عن طريق أنْ يأمرهم بأنْ يلقوا أنفسهم فى النار , فمن وافق فقد نجح فى الاختبار , ومن رفض فقد وجبتْ له النار .. وكأنّ الأصل فى كل شىء هو النار النار النار .. لا شىء غير النار والعذاب !!!!! قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "أرْبَعَةٌ يَحْتَجُّون يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أصَمُ لا يسمعُ شيئاً، ورجلٌ أحمقُ، ورَجُلٌ هَرِم، ورَجُلٌ مَاتَ في فَتْرَةٍ: فأمَّا الأصَمُّ فيقولُ: رَب لقد جاءَ الإسلامُ وما أسمعُ شيئاً، وأما الأحمقُ فيقولُ: رب جاءَ الإسلامُ وما أعقلُ شيئاً والصبيانُ يحذفونني بالبعرِ، وأما الهَرِمُ فيقولُ: رب لقد جاءَ الإسلامُ وما أعقلُ شيئاً، وأما الذي ماتَ في الفَتْرَةِ فيقولُ: رب مَا أتاني لك رَسُولٌ، فيأخذُ مواثيقهم ليُطِيْعَنَّه، فيرسِلُ إليهم: أن ادخُلُوا النَارَ، فَمَنْ دَخَلَها كانت عليه بَرْدَاً وَسَلامَاً، وَمَن لم يدخُلْهَا سُحِبَ إليْهَا." رواه أحمد وابن حبان وقَالَ الألباني: صحيح ( صحيح الجامع ).( صحيح الجامع: 881 ). ونعود مرة أخرى إلى أهل النار مِنَ الكُفار : استغاثات وتوسلات مِنْهم تستمرّ لِآلاف السنين , ثُمَّ يكون الجواب عليهم : ( فَذُوقُواْ فَلَن نّزِيدَكُمْ إِلاّ عَذَاباً ) ( النبأ : 30 ) !! وبدلاً مِنْ أنْ يخفف حتى عنهم العذاب , ويخفف مِنْ جذوة النار , نجده يقول : ( كُلّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ) ( الإسراء : 97 ) !! مُعاناة وآلام ومُقَاساة رهيبة لهم , وبدلاً مِنْ أنْ يرحمهم , نجده يقول عنهم : ( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودَاً غَيْرَهَا لِيَذوقُوا العَذَابَ ) ( النساء : 56 ) !! بماذا نُسَمَّى هذا غير الساديّة ؟؟ فهذه الآية الأخيرة بالذات كافية وحدها لتثبت قمة الوحشيّة التى يتصف بها هذا الإله !! وكلّ هذا العذاب مِنْ أجل ماذا؟؟ مِنَ المؤكد أنَّ أهل النار هؤلاء فعلوا فى حياتهم أفعال فى قِمَّة البشاعة , حتى يلاقوا فى النهاية هذا المصير الرهيب .. فيا ترى ماذا فعلوا ؟؟؟؟؟ هل كُلّ هذا العذاب لأنهم لم يؤمنوا بالله ؟!!!! ومِنَ الممكن جداً أنْ يكون هذا الكافر لم يفعل أى شَرّ فى حياته , وكان إنساناً نبيلاً على أعلى درجة مِنَ الأخلاق , ولكنه فقط لم يقتنع بالإسلام ... وفى النهاية يكون مصيره هذا العذاب الأبدى البشع ؟؟؟ لهذه الدرجة : الله حساس ونرجسى , لذلك يريد أنْ ينتقم لكبريائه وكرامته التى جـُـرِحَتْ ؟؟؟؟ هل هذا الكائن بهذه الصورة الهزيلة يستحقّ أنْ يُطْلَق عليه " إله " ؟؟؟؟؟
عَـــــــــــــــجَــــــــــــــــــبــِـــــــــــــــــــــــى !!!!!!!!!!!!!!!!
انتهتْ الدراسة
____________________________________
المـــراجــــع :
1- تفسير ابن كثير .
2- مُختصر منهاج القاصدين : ابن قُدامة المقدسى .
3- ريـــــاض الـــصــالحيـن : الإمـــام الــنـــووى .
4- فتح المجيد فى شرح كتاب التوحيد : عبد الرحمن بن حسن بن محمد عبد الوَهَّاب .
5- التخويف مِنَ النار : ابن رجــب الـــحـــنـبـلى .
6- مقدمة فى الخدمة الاجتماعية : أ.د. ماهر أبو المعاطى على .
7- المُعجَم الوجيز .
8- عقلى .
الكاتب: بَرَاء
ملاحظة : يذكر الكاتب أنه قد أصبح مسلما، تمنياتنا له بالخير
المصدر: مدونة أشلاء روح براء
كلّما تناقشتُ مع مُسلِم حول عدم مطابقة الذات الإلهية الإسلاميّة( الله ) للكمال , أجده دائماً يهرب إلى إِثبات وجود الله وإبداعه فى صنعه بالأدلة المختلفة , ثم يرتِّب على مسألة وجودِه أنَّه هو الإله العظيم ونحن العبيد لذا فلايُنَاقَشْ فيما يفعل , ثم يَخْلُص مِنْ ذلك أنه لا ينبغى أنْ نفكِّر فى ذاته , وبرغم أنّ مسألة وجود الله لا يمكن الجزم بها عندى ( موقف اللاأدريّة ) إلا أننى أتظاهر لهذا المسلم دائماً بأننى موقن بوجود هذا الإله , لأننى لا أريد أن يخرج مجرى الحوار عن نطاق صفات وأفعال الله , فأنا حتى لو اقتنعتُ مائة بالمائة مِن وجوده , فإنّ المشكلة تبقى عندى قائمة فى عدم اقتناعى بكمال هذا الإله , لذا فإننى أركّز دائماً على هذه القضية عند تحاورى مع أى مسلم , لأنها هى التى تؤرّقنى دائماً أكثر مِن قضية وجود الله , بل إننى أجزم أنّ التفكير فى صفات وذات الله , وما نَجَمَ عن هذا التفكير , كان هو السبب الرئيسى عندى لِتَبنّى موقف اللادينية .
ولا يسعنى كإنسان منصف إلا أن أعترف أنّ هناك صفات إيجابية جميلة لله مذكورة فى القرآن , مثل أنه الحىّ الذى لا يموت كما فى الآية ( اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَىُّ القَيَّوم ) ( البقرة : 255 ) الذى لا يسبق حياته عدم , ولا يلحقها زوال , فهو الأوّل قبل الوجود , والآخِر بعد الخلود , كما فى الآية ( هُوَ الأَوَّلُُ وَالآَخِرُُُ وَ الظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَىءٍ عَلِيم ) ( الحديد : 3 ) فهو الظاهر الذى ليس فوقه شىء , والباطن الذى ليس دونه شىء ... كما أنه البارىء والخالق لكل شىء كما فى الآية ( ذَلِكُمُ اللُهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَىء ) ( الأنعام : 102 ) كما أنه هو المُصوِّر ( هُوَ الّذِى يُصَوِّرُكُمْ فِى الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء ) ( آل عمران : 6 ) وهو الملِك الذى يملِك كل شىء فى الوجود بما فيه الإنسان , فهو المهيمن الذى لا يخرج شىء عن نفوذه وسلطانه , حيث تقول الآيات : ( لَهُ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَ مَا فِى الأَرْضِ ) ( البقرة : 255 ) , ( لِلَّهِ مَا فِى السَّمَوَات وَمَا فِى الأَرْضِ ) ( البقرة : 284 ) , ( وَلَهُ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) ( النحل : 52 ) , ( وَلَهُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُون ) ( الروم : 26 ) , ( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ) ( المائدة : 120 ) كما أنه القادر على كل شىء كما فى الآية ( وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِير ) ( البقرة : 284 ) , والآية ( وَهٌوَ عَلَى كٌلِّ شَىْءٍ قَدِير ) ( المائدة : 120 ) وهو العليم الذى أحاطَ بكل شىءٍ علماً , فهو يعلم كل صغيرة وكبيرة فى الوجود العلم الواسع المحيط بكل شىء حيث تقول الآيات : ( لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرُ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمَاً ) ( الطلاق : 12 ) ( قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّى فِى كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّى وَلَا يَنْسَى ) ( طه : 52 )( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَ يَعْلَمُ مَا فِى البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِى ظُُلٌُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَابٍ مٌبِينٍ ) ( الانعام : 59 ) ( يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَوَات وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تٌسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُدُورِ ) ( التغابن : 4 ) كما أنه السميع الذى يسمع السر والنجوى , والبصير الذى يرى ما خفى وما ظهر , كما فى الآيات : ( وَاللهٌ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) ( المجادلة : 1 ) ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير ) ( الشورى : 11 ) وإذا كان هذا هو جزء من الجانب المشرق لصفات الله , فإنّ هناك جانباً آخر مظلماً جداً – لصفات هذا الإله – لا يفطن إليه كثير من المسلمين ..
فتعالوا معى لنلقِى بعض الضوء على هذا الجانب المظلم لصفات الإله الإسلامى :
الصفة الأولى : الـنـرجـسـيّـة :-
هناك آية فى القرآن كلما مَرَرْتُ عليها أثارت فى نفسى العديد من التساؤلات والخواطر , وحرَّكتْ فِىَّ مشاعر التعجب والدهشة ... هذه الآية هى ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ( الذاريات : 56 ) .. وقبل أن أبثُّ خواطرى حول هذه الآية , لابد أن أتطرَّق أولاً إلى معنى كلمة " العبادة " فى اللغة , وفى الشرع : جاء فى المُعجَم الوجيز : " ( عَبَدَ ) اللهَ – عبادةً , وعبوديَّةً : انقادَ له وخضعَ وذلَّ . فهو عابدٌ . ( ج ) عِبَادٌ , وعَبَدَةٌ , وعُبَّادٌ . ( عَبَّدَهُ ) : ذلَّلَهُ , يُقال : عَبَّدَ الطريقَ . ( تَعَبَّدَ ) : تَقَرَّبَ إلى اللهِ بالعبادة . و – فلاناً : اتَّخَذهُ عَبْدَاً . ( اسْتَعْبَدَهُ ) : اتَّخَذهُ عَبْدَاً . ( العِبَادُ ) – عِبَادُ الله : خَلْقُه . وفى القرآن الكريم : ( إِنَّ اللهَ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ) . ( العِبَادَةُ ) : الخضوع لِلإله على وجه التعظيم . و - : الشعائر الدينية . ( العَبْدُ ) : الرقيق . و - : الإنسانُ حُرَّاً كان أو رقيقاً , لأنّه مربوب لِلَّه عَزَّ وَجَلَّ . ( ج ) عَبيدٌ , وأَعْبُدٌ . ( العبوديَّة ) : خِلاف الحرّيّة . " ... انتهى . وجاء فى " فتح المجيد شرح كتاب التوحيد " فى شرح هذه الآية : " قال شيخ الإسلام ابن تيمية : العبادة هى طاعة الله بامتثال ما أَمَرَ الله به على ألسنة الرسل . وقال أيضاً : العبادة : اسم جامع لكلّ ما يحبُّه الله ويرضاه , مِنَ الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ... إلى أن قال الشارحُ : وقال القرطبى : أصل العبادة : التذلّل والخضوع , وسُمِّيت وظائف الشرع على المكلفين عباداتٍ , لأنهم يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذلِّلين لله تعالى . ومعنى الآية : أنَّ الله تعالى أَخبَرَ أنه ما خَلَقَ الجِنَّ والإنسَ إلا لعبادته , فهذا هو الحكمة فى خلقهم . قلت : وهى الحكمة الشرعية الدينية . قال العماد ابن كثير : وعبادته هى طاعته بِفِعلِ المأمور , وترك المحظور , وذلك هو حقيقة دين الإسلام , لأنّ معنى الإسلام : الاستسلام لله تعالى , المتضمِّن غاية الانقياد والذل والخضوع . وقال أيضاً فى تفسير هذه الآية : ومعنى الآية : أنّ اللهَ خَلَقَ الخلقَ لِيَعبُدُوه وحده لا شريك له , فمن أطاعَه جازاه أتمّ الجزاء , ومَنْ عصاه عَذَّبه أشدَّ العذاب , وأخبَرَ أنه غير محتاج إليهم , بل هم الفقراء إليه فى جميع أحوالهم , وهو خالقهم ورازقهم . وقال علىّ ابن أبى طالب رَضِىَ الله عنه فى الآية : ( إلا لِآمرهم أن يعبدونى وأدعوهم إلى عبادتى ) وقال مجاهد : ( إلا لِآمرهم وأنهاهم ) اختاره الزجاج , وشيخ الإسلام " ... انتهى كلام الشارح . الآية تقول فى وضوح وصراحة – كما وَضَّحَ علماء المسلمين الكِرَام – أنّ الله لم يخلق البشر إلا مِن أجل عبادته فقط , فهو قد خلقهم خصيصاً لتأدية هذا الغرض , ولا شىء غير هذا الغرض.. خلقهم خصيصاً لكى يراهم وهم يوَحِّدونه و يستعينون به , ويلجأُون إليه , ويعتمدون عليه , ويرضون بحُكمِه وقَدَرِه , ويصبرون على مصائبه .. لكى يراهم وهم ينفِّذون أوامرَه ممتثلين لها .. يفعلون ما يُرْضي غروره , ويبتعدون عمّا يُغضِب نفسَه الأبِيَّة .. لم يخلقهم إلا مِن أجل رؤيتهم وهم يَحْنُون ظهورهم له خاضعين , ويضعون جباههم وأنوفهم على الأرض له صاغرين , متوسّلين إليه فى ذِلَّة وانكسار , بل إنه جَعَلَ أكثر الأوضاع التى يكون فيها الإنسان قريباً منه هو الوضع الأكثر إذلالاً للإنسان !! ألا وهو السجود !! كما جاء فى الحديث : عن أبى هريرة أنّ رسول الإسلام قال : (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ , فَأَكْثِرُوا الذُعَاء ) ( رواه مسلم , وأخرجه أبوداود والنسائى ) لم يخلقهم إلا مِن أجل أن يراهم وهم يمدحونه ويمجّدونه ويعظّمونه و يحمدونه ويثنون عليه بمختلف أنواع الحمد والثناء .. حتى أنَّ هذا الإله جعل الثناء عليه شرطاً لدخول العبد عليه قبل أن يدعوه , وشرطاً لاستجابة هذا الدعاء .. تماماً كالملِك الذى يدخل عليه أحد رعيّته مادحاً إيَّاه بالشعر , حتى يستجديَه ويعطيَه ما يرغب مِنْ المال وخلافه !!! كما ركّزَ الإله الإسلامى كثيراً – مِنْ خلال الآيات والأحاديث – على أهمية أنْ تلهج ألسنتنا دائماً بذكره .. ( فَاذكُرُونِى أَذكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِى وَلا تَكْفُرُون ) ( البقرة : 152 ) ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آَمَنُوا اذكُرُوا اللهَ ذِكْرَاً كَثِيرَاً ) ( الأحزاب : 41 ) قال صلى الله عليه وسلم : " مَا جَلَسَ قَوْمٌُ مَجْلِسَاً لَمْ يَذكُرُوا اللهَ فِيهِ , وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ , إِلا كَانَ عَلَيْهِمْ ترة , فَإِنْ شَاءَ عَذبَهُمْ , وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ " انظر صحيح الترمذى 3 / 140 . وكأنّ الله هذا يشعر بالسعادة عندما يرانا جميعاً نذكره ولا ننساه !!!! لم يأتِ هذا الإله بنا إلى هذه الدنيا إلا لكى يرانا ونحن فى فرط خشيتنا منه , وفى قمة خوفنا مِن عذابه وعقابه .. كما فى الآيات : ( وَإِيَّاىَ فَارْهَبُونِ ) ( البقرة : 40 ) ( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ) ( البروج : 12 ) ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ ) ( آل عمران : 28 ) ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان ) ( الرحمن : 46 ) وهكذا , فهو لا يُشبِع كبرِياءَه إلا برؤيتنا وقد ملأتنا مشاعر الخشوع له , والرهبة منه ... يكون فى قمة نشوته عندما يرى الواحد منّا يبكى مِن خشيته ويتململ مِن شدة الخوف منه كالعصفور الضعيف الذى يتململ و يرتعش مِن شدة البرد ( انظر إلى حال المصلِّين وهم يبكون بكاءاً هيستيرِيّاً فى صلاة التراويح فى رمضان ) , والدليل على أنه يستمتع برؤية هذا المشهد , هو عدم محاولته طمأنة هؤلاء الخائفين والتهدئة مِن رَوْعهم بإخبارهم أنّه غَفَرَ لهم , بل هو يفضِّل استمرارهم فى هذا المشهد المأساوى .. وكما يحبُّ هذا الإله أنْ يرانا خائفين منه , فهو يحبُّ أيضاً أن يرانا ونحن رافعين له أكفّ الضراعة راجين ثوابه راغبين فيما عنده مِن نعيم , متوسّلين إليه أن يعطينا هذا النعيم .. فهو لا يكفيه أنْ يرانا نطلب منه الشىء مرة واحدة , بل يحبُّ أنْ يرانا نُلِحّ عليه بطلب هذا الشىء أكثر من مرة ! وربما لا يستجيب لدعائنا إلا بعد رؤيتنا وقد أَلَححنا عليه فى هذا الدعاء لسنوات عديدة , وكأنّ هذا الإله لا يشعر فى داخله بأنّه عظيم و له قيمة ومرغوب فيه إلا عندما يرى مِنْ مخلوقه هذا التوسّل والإلحاح فى الطَلَب !! , كمثال الشخص الذى لا ينجب الذى يدعو الله أن يرزقه الولد , ولا يستجيب الله لدعائه إلا بعد سنوات طويلة مِن توسّله إلى الله و إلحاحه فى هذا الدعاء !! ولا يعطيه هذا الإله مَطْلَبَه إلا بعد أنْ يراه وقد أَجهَدَ نفسَه أشدّ الإجهاد فى الدعاء , وبعد أنْ يستنفذ كل طاقاته فى التوسُّل والتذلُّل إلى هذا الإله !! شىء عجيب !! لماذا لا يعطيه مَطلَبَه مِنْ أول مرّة مباشرةً ؟؟ لماذا يريد هذا الإله أنْ يرى مِنْ مخلوقه كلّ هذا الذلّ والإلحاح ؟؟ هل الله هذا ينتشى بهذا المنظر أم ماذا ؟؟
بل إنَّ هذا الإله تعمَّدَ أن يخلق فينا طبيعة الشر بجانب طبيعة الخير , حتى نخطىء ونرتكب الذنوب فيفرح لِرؤيتنا ونحن نتوب إليه مِن هذه الذنوب منيبين إليه ملتمسين منه الصفح والعفوْ والمغفرة , كما جاء فى الحديث : عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم : ( وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ , لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا , لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ , وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ , فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ تعالى , فَيَغْفِرُ لَهُمْ ) ( رواه مسلم ) والحديث : عن أبى حمزة أنس بن مالكٍ الأنصارى خادم رسول الإسلام, قال : ( لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِه وَقَدْ أَضَلَّهُ فِى أَرْضٍ فَلَاةٍ ) ( متفق عليه ) أىْ أنَّنا لو لم يكن فى طبيعتنا ارتكاب الذنوب , لَمَا كان لنا أى فائدة عند الله ... لماذا ؟؟ لأنّه ببساطة شديدة : عندها لن يجد هذا الإله مَنْ يتذلَّل إليه طالباً منه العفوْ والصفح والمغفرة !!! إله غريب , ويبدو أنّه يعانى مِنْ عقدة نفسيّة تجعله يشعر بالرغبة دائماً فى أَنْ يصبح ذا قيمة ووجاهة عند خَلْقِه , ويغضب إذا لم يجد مِنْ خَلْقِه مَنْ يسأله !!!! .. كما يبدو فى هذا الحديث : روى ابن ماجة فى سننه مِنْ حديث أبى هريرة , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ لَمْ يَسْألِ اللهَ يَغْضَبْ عَلَيْه " الترمذى ( 3373 ) , وابن ماجة ( 3827 ) , والبخارى فى الأدب المُفرَد 658 , وأحمد 2/442 , والحاكم 1/491 . والسؤال الذى يطرح نفسه الآن بقوة هو : لماذا يريد الله أنْ يرى مِنَّا كل هذه المظاهر التعبُّديّة ؟؟؟ لماذا يريد أن يرانا أذِلاء له بهذا الشكل ؟؟؟ هو يقول : (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ... وأنا أطرح عليه السؤال بِبَراءة : لماذا يارب تريد مِنَّا أنْ نعبدك ونتذلَّل لك ؟؟؟ فدائماً يدندن الإسلاميّون فى نقاشاتهم حول اتّصاف الله بالحكمة , فهو قد خلقنا ثمّ خَيَّرَنا بين الطريق المؤدِّى إلى الجنة , وبين الطريق المؤدِّى إلى النار , وكل إنسان يختار مصيره ... فأرد عليهم بقولى : ولماذا لم يخلقنا الله مباشرةً فى الجنّة , فيردّون بقوْلِهم : لقد أراد الله بحكمته أنْ يختَبِرنا فى الدنيا لِيُميِّز الصالح مِنَ الفاسد , فأقول لهم : وما هو المِعيار الذى سَيُميِّز الله على أساسه الصالحَ مِنَ الفاسد ؟ ... فيقولون : هو العبادة , حسب مفهوم الآية ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) , فأقول لهم مندهشاً : معنى هذا أنَّ كل هذه المسرحية الصاخبة التى نعيشها فى هَيْلمان الدنيا هى مِن أجل أنْ نعبد الله !! ... ... كل هذه الكتب التى نَزَلَتْ , نَزَلَتْ لكى تقول لنا يجب أن تفعلوا كل شىء فى حياتكم باسم الله ولله !! ... كل هذه الأديان السماوية التى جاءت , وكل هذه التشريعات التى صِيغَتْ , وكل هذا التناحر والإقتتال والإختلاف بين طوائف المتديّنين هو مِنْ أجل إقامة العبوديّة لله على الأرض ... كل هذا الضجيج الدينى الذى نحياه فى دنيانا , وكل هذه العلوم الشرعية المتخصصة هى مِنْ أجل غاية واحدة هى إقامة العبودية والخضوع لله ... كل هؤلاء الرُسُل الذين أُرْسِلوا جاءوا لكى يقولوا لنا يجب أن تحنوا ظهوركم لله وتضعوا جباهكم على الأرض له !! وهل يحتاج الله العظيم الكامل إلى عبادتنا له ؟؟؟ - لو أنّه يحتاج إلى هذه العبادة , فهو إذن إله نرجسى مغرور , يعانى من عقدة نقص , يستمتع بإذلال مخلوقاته والتحكم فيهم من خلال الأمر والنهى ... تماماً كالشخص الذى يشعر فى داخله بالنقص , فيلجأ إلى الاستعلاء على الآخرين , وإذلالهم , وإخضاعهم لكبريائِه , حتى يشعر بنفسه أنه عظيم ... هذا إذا كان الله قد طَلَبَ مِنَّا عِدَّة أشياء مِن بينها العبادة , فما بالكم أنّه لم يخلقنا إلا لعبادته فقط أصلاً !!!!!!!!!! وقد جاء فى القرآن اعترافاً مِن هذا الإله بأنه متكبّر فى الآية : ( هُوَ اللهُ الذِى لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلَام المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكونَ ) ( الحشر : 23 ) وتصل درجة الغرور والغطرسة بهذا الإله الإسلامى المتكبِّر إلى ذروتها فى هذه الأحاديث القدسيّة : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "يُمَجِّدُ الرَبُّ نَفْسَهُ: أنَا الجَبَّارُ، أنَا المُتَكَبِّرُ، أنَا المَلِكُ، أنَا العَزِيْزُ، أنَا الكَرِيْمُ." رواه أحمد وأبو داود وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبى قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "يَقْبِضُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاء بِيَمِينِهِ، ثُمَ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ." رواه مسلم. قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "إنَّ الله يَقْبِضُ يَوْمَ القِيَامَةِ الأرْضَ، وَتَكُونُ السَمَاوَاتُ بيَمِينِه، ثُمَ يَقُولُ: أنَا المَلِكُ." رواه البخاري. عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال : قال الله تعالى: " الكبرياء ردائي فمن نازعني في ردائي قصمته " صحيح الجامع الصغير ( المجلد الثانى ) لماذا يفتَخِر بنفسه هكذا ؟؟ لماذا يعظِّم نفسه ويمجِّدها هكذا بهذا التكبُّر ؟؟ إله متعجرف ونرجسى ويحب نفسه جداً !!!! لو كان عظيماً حقاً , لمَا تحدّث عن نفسه بهذا الغرور, ولَتَرَك أفعاله لِتتحدث هى عنه مُدَلّلة على عَظَمَتِه , بدلاً مِن أَنْ يظلّ يتكلّم عن نفسه بتعالى وتكبُّر قائلاً : أنا .. أنا .. أنا !!! العظيم حقاً لا يقول عن نفسه أنه عظيم ... العظيم حقاً لا يظلّ يُمَجِّد نفسه هكذا , بل يتواضع ويترك أفعاله النبيلة لِتتحدّث هى عنه ... عندها سيكبر فى نظرى هذا الإله بِنُبْلِه ودماثة أخلاقِه , وسأعترف له وقتها وأُقِرُّ له بالعَظَمَة فِعلاً . - أما لو أنه لا يحتاج لهذه العبادة كما جاء فى هذا الحديث القدسىّ : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "قَالَ الله تعالى: يَا عِبَادِي إِني حَرَّمْتُ الظُلْمَ على نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فَلا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلكُمْ ضَالٌ إلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلكُمْ جَائِعٌ إلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلكُمْ عَارٍ إلا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَيْلِ وَالنَهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُنُوبَ جَمِيعاً، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرُ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا على أَتْقَىَ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَكُمْ، كَانُوا على أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَا عِنْدِي إلا كَمَا يَنْقُصُ الْمَخِيْطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَ أُوَفِّيكُمْ إِيَاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ". أقول لو أنه لا يحتاج إلى هذه العبادة كما أخبرَ فى الحديث السابق , فلماذا طلبها أصلاً , بل إنه لم يخلقنا إلا لها؟؟؟؟ هل هو يريد أن يتسلَّى بمشاهدتنا فى هذه الدنيا ونحن نقاتل بعضنا مِن أجله , وكأننا مصارعين فى حلبة ؟؟؟؟ ألا يُعَدّ هذا ضرباً مِن ضروب العبث ً ؟؟
وقد تَطَرَّق بعض الإسلاميين إلى هذه النقطة , مثل الداعية المصرى الفاضل " محمد حسان " فى خُطبته التى سَمَّاها ( مَنْ نعبد ؟ ) ... حيث قَسَّمَ الخُطبة على أربع عناصر كالآتى : العنصر الأول : ما العبادة ؟ وقال فى هذا العنصر : " العبادة أصلُ معناها فى اللغة الذلّ .. يُقال : طريقٌ مُعَبَّد أى طريقٌ مُذلَّل قد وطأته الأقدام .. ولكن العبادة التى أُمِرْنا بها لابد وأن تقتضى مع الذلِّ الحبَّ , فهى كمال الذلِّ مع كمال الحبِّ لِلَّهِ جَلَّ وعَلا " العنصر الثانى : مَنْ نعبد ؟ وَضَّحَ الشيخ فى هذا العنصر أنَّ الإله المستحقّ للعبادة مِن بين جميع الآلهة هو الإله الإسلامى " الله " . العنصر الثالث : لماذا نعبد ؟ وَضَّحَ الشيخ – حسب وجهة نظره - فى هذا العنصر الأسباب التى مِنْ أجلها أمرنا الله بعبادته .. العنصر الرابع : بِماذا نعبد ؟ وأخيراً ناقَشَ المظاهر التعبّدية التى نستطيع من خلالها إبراز عبوديّتنا لله . والعنصر الثالث الذى تكلَّمَ عنه الشيخ " حسَّان " هو مربط الفرس الذى أتكلم عنه , وسوف أنقل لكم ما قاله الشيخ بالنص فى هذا العنصر , ثم أعلّق أنا عليه بشىء مِنَ التفصيل : يقول الشيخ " حسَّان " : " ... فالله غنىٌّ عن خلقه , لا تنفعه الطاعة , ولا تضرُّه المعصية .. والسؤال الآن : فإذا كان ذلك كذلك .. إذا كان الله غنياً عن خلقه , لا تنفعه الطاعة ولا تضرّه المعصية , فلماذا أمرنا بعبادته ؟ وهذا هو عنصرنا الثالث : لماذا نعبد ؟؟ والجواب أيها الشباب وأيها الأحباب : نعبد الله جل وعلا أولاً لأنّ العبادة حقٌ لِلَّهِ علينا , فمِنَ الجفاء أن يتأثّر الإنسان بإحسان مَنْ أَحْسَنَ إليه مِنَ البشر , وأن ينسى إحسان خالق البشر الذى أغرقه من رأسه إلى قدمه , ومن ميلاده إلى مماته .. قال النبى صلى الله عليه وسلَّم يوماً لمعاذ – والحديث فى الصحيحيْن : يقول معاذ : كنتُ رديف النبى صلى الله عليه وسلَّمَ يوماً فقال المصطفى : يا معاذ , أتدرى ما حقُّ اللهِ على العباد , وما حقُّ العبادِ على الله ؟ قال : الله ورسوله أعلم , فقال المصطفى : حقُّ اللهِ على العباد أنْ يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ... فالعبادة حقٌّ للهِ على عباده , حقٌّ للهِ على خلقه .. بل مِنَ الظلم البَيِّن أنْ ننكر حقَّ الله جلَّ وعلا الذى خَلَقَ .. فلو نَظَرْتَ إلى الكون لَوَجَدتَّ الإنسان غارقاً فى إحسانِ اللهِ وفضله , وَلَوَجَبَ عليه أن يشكرَ الخالق جلَّ وعَلا , وأن يعترف له بالحمد , وذلك لا يكون إلا بامتثال أمره , واجتناب نهيه , والوقوف عند حَدِّهِ جلَّ وعَلا .. انظر إلى الكون لِتتعرّفَ أنَّ حقَّ اللع عزَّ وجلَّ علينا أن نعبده وأن نحمده وأن نشكره .. فَمَنِ الذى خَلَقَ السماءَ وزيَّنَها بالأقمارِ والنجومِ والكواكبِ , ومَنِ الذى خَلَقَ الأرضَ وأَسْكَنَهَا بالجبال وزَيَّنَهَا بالأشجارِ والزهور وزيَّنَهَا بالمحيطات والأنهار والبحار , ومَنِ الذى خَلَقَ الإنسانَ وَأَنْزَلَ له الكتب وأرسلَ له الرُّسُل , بل ومَنِ الذى أكرَمَنَا بالقرآنِ وبِمُحَمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم .. ومِمَّا زادنى فخراً وتــيــــها وكِدتُّ بِأَخمصى أطأ الثُّرَيَّا دخولى تحت قولك ياعبادى وأَنْ أَرْسَلْتَ أحمدَ لى نبــيِّـا ثم انظر إلى نفسك أيها الإنسان .. يا من تعزف عن عبادة الرحمن .. انظر لنفسك لتتعرَّفَ على عَظَمَةِ الله , وعلى حق الله عليك .. انظر إلى هذه العيْن , وإلى هذه الأنف , وإلى هذه الأُذُن , وإلى هذا الفم .. خَلَقَ اللهُ العيْنَ وجعلها فى علبة عظميّة قوية لحمايتها , وأحاطها بالأهداب حتى لا تتساقط الدموع إلى داخل هذه العيْن , وظلَّلَها بالرموش لتعكس الرموش آشعة الشمس فلا تُصاب العيْن بِأذى .. ثم أمدَّها الله بماءٍ مالحٍ , ألا وهو الدموع , لتقتل هذه المياه الأتربة أو الميكروبات التى يتعرّض لها الإنسان فى الجوّ .. وخَلَقَ اللهُ الأنفَ بهذه الصورة العجيبة , وجَعَلَ الماء فى هذا العضو حامضاً لتتعلَّق الميكروبات أو الأتربة التى يتنفسها الإنسان مِن هواء الجوّ المحيط به .. وخَلَقَ اللهُ الفم بهذه الصورة الجميلة البديعة وزيَّنَه بالأسنان وبالقواطع والأنياب والضُّرُوس , وجَعَلَ فيه اللسان , وجَعَلَ فيه اللعاب , وجَعَلَ فيه بوّابةً منيعةً فى آخره تُسَمَّى بلسان المزمار .. هذه البوّابة لو أخطأتْ فى وظيفتها لحظة لَهَلَكْتَ فى التّوِّ واللحظة .. أيها الإنسان المغرور المتكبِّر على عبادة الملِك الغفور .. فوظيفة هذه البوّابة التى تُسمَّى بلسان المزمار أنْ تسدّ البلعوم عند التنفّس , وأنْ تسدّ القصبة الهوائيّة عند البلع , ولو أخطأَ لسان المزمار لحظة فَسَدَّ البلعوم مثلاً أثناء البلع , وجَعَلَ قطعة اللحم تنزل إلى الحنجرة أو إلى المَرِّىء لربَّما هلكتَ فى التّوِّ واللحظة .. فمَنِ الذى عَلَّمَ هذه البوّابة المنيعة هذه الوظيفة الدقيقة التى لو اختَلَّتْ لحظة لَهَلَكتَ .. ثمّ ماء الفم حلو وعذب يختلف عن ماء العيْن وعن ماء الأنف وعن ماء الأُذُن لِيتذوَّق الإنسانُ الطعام الحارَّ والباردَ والطيّبَ والخبيثَ .. وجَعَلَ اللهُ ماءَ الأُذُن مُرَّاً حتى لا تتسرّب الحشرات إلى أُذُنِكَ أيها الإنسان وأنت نائم ... أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ ؟ يستحقُّ أَنْ يُعْبَدَ ؟ .. ثمّ مَنِ الذى خَلَقَ هذه النباتات التى نأكلها , والفاكهةَ التى نراها , وقد لا يلتفت كثيرٌ مِنَّا إلى عَظَمَةِ الله فيها , وإلى قدرةِ الله جلَّ وعَلا الذى أَوْجَدَ لنا هذه النعم ! مَنِ الذى رَصَّ حبَّاتِ الذرة اللؤلؤيّة البيضاء على قَوْلَحَةِ الكوز بهذا الجمال والإتقان والإبداع .. ومَنِ الذى غَلَّفَ حَبَّاتِ القمح بهذه الأغلفة ؟ وجعل فى نهاية كل حبَّة شوْكة طويلة حتى لا تكون حبّات القمح كلها غذاءً للطيْر , لأنَّ اللهَ قد قَدَّرَ أنْ تكون حبّات القمح غذاءً لك أيها الإنسان .. ومَنِ الذى فَصَلَ بين الملح الأجاج والعذب الفرات .. بينهما برزخٌ لا يبغيان .. ومَنِ الذى خَلَقَ الشمسَ والقمرَ , وجَعَلَ لهما مداراً وفَلَكَاً ؟ .. لو تركتِ الشمس مدارها لاحترقَ كلُّ حىٍّ على ظهر الأرض , أو لَتَجَمَّدَ كلُّ حىٍّ على ظهر الأرض , ولو ترك القمر فَلَكَه لغرقَ كل حىٍّ على ظهر الأرض , أو لَهَلَكَ كلُّ حىٍّ على ظهر الأرض عطشاً مِنْ خلال عمليتى المدِّ والجزرِ .. ( وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِى لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُون ) ... إلى أن قال فضيلة الداعية : ألا يستحقُّ هذا الإله أَنْ يُعبَد ؟؟ ألا يستحقُّ هذا الإله العظيم أَنْ يُوَحَّد ؟؟ ألا ييستحقُّ هذا الإله أن نمتثلَ أمرَه , وأن نجتنبَ نهيَه ؟؟ الإله العظيم الذى يستحق أن يُطاعَ وحده هو الله .. امتثِلْ أمرَه , واجتنِبْ نهيَه , وقِفْ عند حَدِّه .. فهذا حق الله عليك . تغضب يا ابن آدم إنْ ضاع حقك عند بنى البشر , والله خالقك لا تفكر لحظة فى آداء حقه .. لا تتجرّأ على معصية أحد إلا على معصية الواحد الأحد . فنحن نعبدُ اللهَ لأنَّ العبادة حقٌ للهِ جَلَّ وعَلا .. ثانياً : نعبدُ اللهَ لِنُغَذِّىَ بالعبادةِ للهِ أرواحَنا .. نعم .. نعم .. وَرَبِّ الكعبةِ إنَّ الحياةَ بعيداً عن الله شقاء , وإنّ الحياةَ بعيداً عن الله سراب .. إخوتى الكرام : لا تظنّوا أنّ السعادةَ فى الأموال فحسب , أو فى الجاه والسلطان فحسب , أو فى الشهرة فحسب .. لا وَاللهِ .. مساكين وَاللهِ أهل الغفلة .. خرجوا مِنَ الدنيا ولم يتذوّقوا أطيبَ ما فيها .. قيل : وما أطيبَ ما فيها ؟ .. قال : ذِكْرُ اللهِ والأُنْسُ به .. لا أُنْسَ إلا مع الله , ولا لذة ولا انشراح ولا سعادة إلا مع الله .. شتَّانَ شتَّانَ حبيبى فى الله بين لحظاتٍ تقوم فيها فى جوف الليل بين يدى الله , وبين لحظاتٍ يغلبُك فيها شيطانك فتبارز ربك بالمعصية .. شتّانَ شتّانَ .. فنحن نعبدُ اللهَ لنا لا لِرَبِّنا .. لِنُغَذىَ الروح َ , لأنّ الإنسان بدن وروح .. البدن يأكل ويشرب ويأتى أحدنا بِبَدنه امرأَتَه فى الحلال الطيّب .. لكن تبقى الروح فى أعماق أعماق هذا البدن تريد دواءاً وتريد غذاءاً وتريد شراباً وتريد أن تحيا , وحياةُ الروحِ فى طاعة الله .. فى ذكر الله .. فى الأنس بالله جلَّ وعَلا .. وهذا سر ما يعانيه الآن الشرق الملحد والغرب الكافر .. هؤلاء قد أعطى أحدهم البَدَنَ كلَّ ما يشتهيه , وبقيتِ الرُّوحُ فى أعماق البدن تصرخ , تبحث عن دواء وعن غِذاء .. ولا يعلمُ دواءَ وغِذاءَ الروحِ إلا خالقها جلَّ وعَلا : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلَاً ) . ثم ثالثاً : نحن نعبدُ اللهَ جلَّ وعَلا طَلَبَاً لِجنَّتِه وخوفاً مِن نارِهِ .. وقد قال بعض الناس : إننا لا نعبدُ اللهَ طمعاً فى جَنَّة ولا خَوْفاً مِن نار .. كما نسبوا ذلك لِرابعة , قالت : اللهمَّ إِنْ كنتُ أعبدك طمعاً فى جنَّتِك فاحرِمنى منها , وإنْ كنتُ أعبدك خَوْفاً مِن نارِك فاحرقنى فيها , وإنْ كنتُ أعبدك لِذاتِك فلا تحرِمنى مِنَ النَّظَرِ إلى وجهك الكريم .. وقالوا بِأنَّ العبدَ الذى يعبدُ اللهَ طَلَبَاً للجَنَّة وخَوْفاً مِنَ النَّار , إنَّما هو كأجير السوء الذى إنْ أخذ الأجرةَ عَمِلَ وإنْ لم يأخذ الأجرةَ تَوَقَّفَ ... وقد جَمَعَ الإمام ابن القيِّم جمعاً دقيقاً بين هذا القول وبين قول علماء السلف الذين قالوا بِأنَّ أعرفَ الناس بالله هم الأنبياء والرسل , ومع ذلك كل الأنبياء والرسل عبدوا الله جلَّ وعَلا وسألوا اللهَ الجنّةَ واستعاذوا بِهِ مِنَ النَّار ... ولكنّ ابن القيِّم – كما ذكرتُ – قد جَمَعَ جمعاً رائعاً عالياً بين هذيْن القوْليْن , فقال : سبب الإشكال أنّ النّاسَ يُخطئون فى مُسَمَّى الجنَّة , فهم يتصوّرون أنّ الجَنَّةَ إنَّما هى الأشجار والأنهار والحور والحرير واللبن والخمر والعسل .. يقول ابن القيِّم : وهذا فهمٌ قاصرٌ لمسمّى الجَنَّة , فإنَّ الجَنَّةَ اسمٌ للنعيم المُطلَق , وأعلى درجات النعيم النَّظَرُ إلى وجه الملِكِ الكريم .. وبهذا يزول الإشكال .. فأنتَ تعبدُ اللهَ جَلَّ وعَلا وأنتَ تسألُ اللهَ الجَنَّةَ وأنتَ على يقينٍ بِأَنَّ أعلى نعيم الجَنَّةِ هو النَّظَرُ إلى وجه اللهِ سبحانه " ..... انتهى كلام الشيخ .
وكما رأيتم فقد أسهَبَ الشيخ " حَسَّان " إسهاباً طويلاً حول إبداع الله وإتقانه فى صنعه ( الإبداع فى صنع العيْن والأنف والأُذُن ... الإبداع فى صنع الإنسان عموماً , وفى صنع الكوْن ) , كعادة الإسلاميين عندما يُطرَح عليهم تساؤلاً يدور حول صفات وحكمة الله , فيُتعِبونَ أنفسهم بالشرح الطويل لتوضيح إبداع الله فى صنعه ... مع أنّ التساؤل المطروح عليهم يناقش قضية أخرى غير قضية إتقان الله لِصُنْعِه التى يُصِرُّون على تناولها بالتفصيل فى كل مناسبة ... ويبدو أنهم لا يجيدون النقاش إلا فيها , ولا الدندنة إلا حولها !! عموماً , لقد بَسَطَ الشيخ " حسَّان " الإجابة عن سؤال : ( لماذا نعبد الله ؟ ) فى ثلاثة أسباب هى : 1- نعبدُ الله لأنّ العبادة حقٌّ للهِ علينا لسببين : أولاً : لأنّ الله قد أحسنَ إلينا , وأغرقنا فى النِعَم , وأول هذه النِعَم هى نعمة الوجود ذاته . ثانياً : لأنّ الله هو الخالق , فقد خَلَقَنَا , وأبدعَ صنعنا , وأبدعَ صُنْعَ الكوْن الفسيح مِن حولنا . 2- نعبدُ اللهَ لنا لا لِرَبِّنا , لأنّ راحتنا وسعادة أرواحنا هى فى عبادة الله . 3- نعبدُ اللهَ طَلَبَاً لِجَنَّتِهِ وخَوْفاً مِنْ نارِهِ . * بالنسبة للنقطة الأولى : فبدايةً أريد أنْ أبدى دهشتى مِنْ التكلُّم بمنطق ( الحقوق ) هذا ! .. هل العلاقة بيننا وبين الله تَحَوَّلَتْ إلى " حَقِّى وحَقَّك " , وكأنّنا تَحَوَّلنا نحنُ و"اللهُ " إلى تُجَّار !! العلاقة بيننا وبين خالقنا لابدّ وأنْ تكون أرقى مِنْ ذلك .. مفهوم ( الحقوق ) هذا يصلح لِأنْ يكون فى تعاملاتنا نحن بنى البشر بين بعضنا البعض , ولكنّه لا يليق بالله أنْ يتعامل به معنا .. لا يليق به كإله أنْ يقول لِمخلوقاته : " لى عندكم حقوق " , وكأنّه قد أَنْزَلَ نفسَه منزلتنا , أو أنّه نَزَلَ إلى مستوانا البشرى , ويطلب مِنَّا حَقَّه , وكأنَّه بشر مثلنا يحتاج إلى تلبية حقوقه !!! ثُمَّ ما هو مفهوم كلمة " الحقّ " أصلاً ؟ يُقال : " يَحِقُّ عليْك أنْ تفعل كذا " .. أى .. " يَجِب عليْك أنْ تفعل كذا " ويُقال : " هو حَقٌّ بِكذا " .. أى .. " هو جدير بِهِ " ( المُعجَم الوجيز ) وأنا أتساءل : لماذا يجب عليْنا أنْ نعبدَ اللهَ ؟ ما الذى جَعَلَ ذلك واجباً ؟ - هل لِمجُرَّد أنّه خَلَقَنا , أصبح له الحقّ فى أنْ يستعبدنا ؟! لا أدرى سرّ هذا الربط العجيب عند المسلمين بين خَلْقِ الله لنا , وبين استحقاقه لعبادتنا له .. فكثيراً ما أسمع المسلمين يقولون فى نقاشاتهم معى : طالما أنّه خلقك , إذن فهو يستحقّ منك أنْ تعبدَه ! لماذا يرتّبون استحقاق العبادة دائماً على خَلْقِ الله لنا ؟ هل هو ما دام خلقنى , فذلك يُسَوِّغ له أنْ يُذِلّ فِىَّ ؟! لو كان أخبَرَنى قبل مجيئى إلى الوجود , بهذا المنطق الغريب , لكنتُ فَضَّلتُ أنْ أكون عدماً على حياة الاستعباد هذه التى يريدها لى .. فالعدم عندى أشرف وأهون مِنْ حياة مهينة بهذا المنظر .. وقد يعترض البعض قائلاً : وهل العبوديّة لله ذلّ ومهانة ؟! .. بل إنّ العبوديّة له شرف كبير .. وأنا أقول لهؤلاء : وهل العبادة أصلاً هى أسمى علاقة تربطنا بالخالق ؟؟؟ المشكلة تكمن فى أنّ المتديّنين جميعاً والمسلمين منهم خصوصاً يعتبرون أنّ الإنسان لا يستطيع أنْ يعيش بدون أنْ يعبد شيئاً – أى شىء – ويعتبرون أنّ الإنسان مفطور على أنْ يعبد أى إله , فيجعلون جُلَّ همّهم أنْ يصرفوا هذه العبادة إلى الإله الذى يستحقّها ... وأنا أقول : ولماذا لابد أنْ تكون هناك عبادة أصلاً ؟؟ فمِنَ الممكن أنْ يعيش الإنسان دون أنْ يكون عبداً لإله! العلاقة بيننا وبين الله يجب أنْ تكون أرقى مِنْ علاقة السيِّد بالعبد .. نعم .. كان الأوْلى بهذا الإله أنْ يقول : ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِأَتَوَدَّدُ إِلَيْهِم ) أو أنْ يقول : ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِأُحِبُّهُم وَيُحِبُّونِى ) أو أنْ يقول : ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِأُحْسِنَ إِلَيْهِم دُونَ انْتِظَارِ الْمُقَابِل ) بدلاً مِنْ أنْ يقول : (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) بدلاً مِنْ أنْ تكون العلاقة بيننا وبينه هى علاقة عبوديّة وذلّ وخوْف وقهر , كان الأوْلى أنْ تكون علاقة ودّ وحبّ وأمْن واحترام مُتَبادَل .. بدلاً مِنْ أنْ يساوِمنا على الجَنَّة , ويجعل دخولنا لها بِمُقابِل تجارى ( يَأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) , كان الأوْلى به أنْ يخلقنا فى الجَنَّة مباشرةً , ويُحسِن إليْنا دون انتظار المُقابِل , باعتباره الربّ الكريم المُنْعِم المُتَفَضِّل على خَلْقِه , الذى لا يحتاج إلى مقابِل لكى يمنحنا إحسانِه .. بدلاً مِنْ أنْ يظلّ يخوّفنا ويقول عن نفسه أنّه شديد العقاب , وأنَّ عذابه أليم , وأنّ بطشه شديد , كان الأفضل ألَّا يجعلنا نخطىء أصلاً , وبالتالى لا نكون مستحقّين لعقابه ولا لِعذابه , ويترتب على ذلك أنْ تكون العلاقة بيننا وبينه كلّها أمْن وطمأنينة , ولكن يبدو أنّه لا يريد لنا هذا الأمْن , ويأبى إلا أنْ يخوِّفنا , إنْ لم يكن فى الدنيا ففى الآخرة , كما جاء فى هذا الحديث : عن أبى هريرة :قال النبىّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم : قال الله عزّ وجلّ " وَعِزَّتِى وَجَلالِى , لا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِى خَوْفَيْنِ وَلا أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ , إِنْ أَمِنَنِى فِى الدُّنْيَا أَخَفْته يَوْمَ القِيَامَةِ , وَإِنْ خَافَنِى فِى الدُّنْيَا , أَمنْته يَوْمَ القِيَامَةِ " ... أخرجه ابن حبَّان ( 2494 ) , وسنده حسن . وهكذا .. فالعلاقة بيننا وبينه كان يمكن أنْ تأخذ أشكالاً أخرى كثيرة أفضل مِنْ علاقة الاستعباد التى ذَكَرَها فى آية الذاريات . - ثُمَّ هذه البشريّة المُعَذبَة .. هل أغرَقَها الله فعلاً بالنِعَم , حتى يُقال أننا لابد أنْ نردّ الجميل له ونعبده ؟؟ هل الله قد أحسَنَ إلينا فِعلاً , حتى نردّ إليه الإحسان ؟؟ فى الحقيقة , الله لم يُحسِنْ إليْنا , بل جَنَى عليْنا كثيراً , وواقع الحياة الدنيا كلُّه يدلّ على هذه الحقيقة ! إنَّ مقدار الآلام النفسيّة والمادّيّة التى يتجرّعها بنو البشر كل يوم فى هذه الدنيا , لهو مقدار يفوق الوصف والخيال !! كيف ذلك ؟ أينما وَجَّهتَ نظرك إلى أى مكان على ظهر البسيطة , لوجدتَّ أمراضاً وعاهات وتشوّهات وكوارث ومصائب ومتاعب وأحزان ومشاكل على كل صنف ولون ! مِنَ رابع المستحيلات أنْ تجد إنساناً فى هذه الحياة لا يُعانى مِنْ متاعب أو مشاكل ... لابدّ وأنْ تجد كل إنسان يعانى مِنْ تعبٍ ما , وإن اختلفت نوعيّة المتاعب مِنْ شخص لِآخر , ولكن فى النهاية البشر كلُّهم يشتركون فى أنّهم يُعانون فى حياتِهم ! ولن أتطرَّق هنا إلى مناقشة نوعيّة هذه الآلام والمتاعب لِأدلِّل على صِحَّة رأيى فى أنَّ الإنسان يعيش فى نَصَب , فهذه حقيقة معروفة للجميع , وليس أَدَلّ على ذلك مِنْ أنَّ الله نفسه اعترف بها فى أحد آيات القرآن , حيث قال : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِى كَبَدٍ ) ( البلد : 4 ) وبالتالى إذا كان هذا الإله يستحقّ شيْئاً مِنَّا , فهو يستحقّ اللوْم والعِتاب , لا العبادة وردّ الجميل كما قال الشيخ " حسَّان " !! وبرغم هذه الآية التى اعترفَ فيها هذا الإله اعترافاً صريحاً بأنّه خَلَقَنَا فى مُعاناة دائمة فى هذه الدنيا , يأتى لِيُناقِض نفسَه ويقول فى نصوص أخرى أنّه قد أنعمَ عليْنا , وأحسَنَ إليْنا , وبالتالى فهو يريد مِنَّا مقابِل هذا الإحسان !!!! ويدلّ على هذا المعنى الأحاديث القدسيّة الآتية : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "إنَّ أوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ النَعِيم أنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَك، وَنَرْوِيْكَ مِن المَاءِ البَارِد؟ " رواه الترمذي والحاكم وقَالَ الألباني: صحيح ( صحيح الجامع ).( صحيح الجامع: 2022 ).. قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "يُؤْتَى بِالعَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: أَلَمْ أَجْعَل لَكَ سَمْعاً وَبَصَراً وَمَالاً وَوَلَداً، وَسَخَّرْتُ لَكَ الأنعَامَ وَالْحَرثَ، وَتَرَكْتُكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ، فكُنْتَ تَظُنُ أَنَكَ مُلاَقِي يَوْمَكَ هَذَا ؟! قال: فَيَقُولُ: لاَ، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: الْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي." رواه الترمذي وقَالَ الألباني: صحيح ( صحيح الجامع ).( صحيح الجامع: 7997 ). وبالإضافة إلى ما فى هذه الأحاديث مِنْ تناقض مع آية سورة البلد , فإنَّ فيها أيضاً مفاهيم مغلوطة يجب أنْ تُصَحَّح .. فمفهوم " النِّعْمَة " فى التصوُّر الإسلامى مفهوم مُشَوَّش وخاطىء ويحتاج إلى تصحيح .. وحتى أقرِّب الصورة الصحيحة التى أعنيها إلى حضراتكم , دعونى أضرب لكم مثالاً بسيطاً : عندما يقرر أحدنا ابتكار اختراع مُعَيَّن , فإنّه يحاول أنْ يبذل قصارى جهده لكى يظهر هذا الإختراع فى أحسن صورة , ويبذل كلّ المُحاولات الممكنة لِإخراجه فى أفضل تقنية .. عندما يقرر شخص ما مثلاً صنع جهاز تسجيل لم يسبقه أحدٌ فى ابتكاره مِنْ قَبْل , فمِنَ الطبيعى أنْ يهيِّىء لهذا الجهاز كل الإمكانات المُتاحة لكى يؤدِّى وظائفه المَرْجُوَّة ويعمل بالصورة المُثلى .. فيُهيِّىء له الوظيفة الأساسيّة وهى إسماع صوْت نقى سواءً عن طريق الإذاعة أو عن طريق تشغيل شريط كاسيت , ثمّ يُهيِّىء له عمل الوظائف الفرعيّة التى تتعلَّق بالوظيفة الأساسيّة , مثل إمكانيّة تقليب محطات الإذاعة , وإمكانيّة تقديم شريط الكاسيت وتأخيره وإيقافه والتسجيل عليه , وإمكانيّة إدخال وإخراج الشريط مِنَ الباب المُخَصَّص له بسهولة , وإمكانيّة الفصل بيْن صوت الإذاعة وبيْن صوت شريط الكاسيت , بالإضافة إلى تهيئة ميزة رفع وخفض الصوت الصادِر مِنْ هذا الجهاز .. إلخ , والذى أريد أنْ أقوله أنَّ كلّ هذه المَزَايا التى وَفَّرَهَا هذا المُبتكِر لجهازه هى شىء طبيعى , وإلَّا انعدمت الفائدة مِنْ وجود هذا الجِهاز وكان مِنَ الأفضل ألَّا يأخذ هذا المخترع قراراً بصنعه مِنَ البداية أصلاً .. هذا هو بالضبط ما أريد توضيحه , ولكن مع إسقاط المثال السابق على عمليّة خَلْقِ الله لِلإنسان , فمِنَ الطبيعى أنْ يهيِّىء لنا الله الوظائف التى تمكِّننا مِنَ الحياة , كالسمع والبَصَر والشمّ والإحساس والتذوّق وخلافه ... إعطاؤه هذه الوظائف لنا هو شىء طبيعى لأنّه ما دام أخذ قراره بصنع الإنسان فلابدّ أنْ يخلقه سويّاً حتى يستطيع أنْ يؤدّى وظيفته فى الحياة دون أنْ يشعر بالعجز , وإلَّا فما كان داعى أصلاً لِخَلْقِه مِنَ البداية .. إذن يتضح لنا مِنَ شرح المثال السابق , أنَّ الأشياء التى يؤكد عليها الإسلاميّون دائماً فى نقاشاتهم على أنّها نِعَم تستحقّ الشكر , ما هى إلّا أشياء منطقيّة جداً لا تستدعى الإمتنان.. فالمنطق يقول : طالما أنّك أردتَّ أنْ تصنع شيْئاً , فالطبيعى أنْ تصنعه سويّاً .. لا غَرَابة فى أنْ يخلق اللهُ الإنسانَ بيديْن يتناول بهما الأشياء , أو برجليْن يمشى بهما , أو بأسنان يقطع بها .. إلخ , إنّما الشىء الذى يستدعى الاستغراب هو عدم إعطاء الإنسان هذه الأشياء المنطقيّة .. التصوّر الإسلامى يقول : أنَّ الله لم يكن مُطالَبَاً عند خَلْقِه لنا بِأنْ يمنحنا هذه الأشياء , فقد كان مِنَ الممكن أنْ يخلقنا صُمَّاً بُكماً عُمياً , ولكن أراد أنْ يعطى هذه الأشياء لبعض الناس , ويحرم البعض الآخر منها , لأنّه يحبُّ أنْ يُشكَر , لذا فالشىء الطبيعى ألّا يمنحنا هذه المزايا ( لأنّه غير مُطالَب بها ) , والشىء الزائد عن الحدّ الطبيعى والذى يستحقّ الشكر عليْه هو أنْ يمنحنا تلك المزايا !!! تصوُّر غريب جداً وفاسد , وتصحيحه كما قلنا : طالما أنّك أردتَّ أنْ تصنع شيْئاً , فالطبيعى أنْ تصنعه سويّاً .. كما أنّ موضوع " يحبُّ أنْ يُشكَر " هذا , إنْ دَلَّ على شىء فهو يدلّ على نرجسيّة هذا الإله ويؤكّد عليْها .. وقد ناقشتُ هذه النقطة ( تصحيح مفهوم النعمة ) مِنْ قَبْل مع أحد المسلمين , وكانت المفاجأة أننى وجدتُّه مؤمِن بنفس رأيى تماماً , وكان مقتنع به قبل أنْ أناقشه فيه أصلاً .. فقلتُ فى نفسى : إذنْ فأنا لستُ وحدى , ولا أقول بدعاً مِنَ القوْل ! ولكن يظلّ بعض المسلمين برغم هذا يتمسّك برأيه قائلاً : حتى لو فرضنا أنَّ رأيك صحيح , وأنَّ كلّ هذه المزايا أشياء منطقية وليست نِعَم كما تقول , فهذا لا يمنع مِنْ أنْ نَعتَبِر الوجود فى حدّ ذاته نعمة كبيرة تستحقّ الشكر .. وقد أوْضَحتُ مِنْ قِبْل أنّ الوجود الذى جئنا إليه بهذه الصورة مِنَ المتاعب والآلام إنّما هو عذاب , وليس نِعمة .. كان يمكننى أنْ أسمِّى الوجود نعمة كبيرة فى حالة واحدة : لو أنَّ الله خَلَقَنا مُباشرةً فى الجَنَّة الخالية مِنْ صُوَر المتاعب والآلام . بَقِيَتْ ملحوظة أخيرة مهمّة يجب توضيحها قبل أنْ أغادر هذه النقطة وهى : أنَّه حتى لو سَلَّمنا أنَّ الله فعلاً قد أنعَمَ عليْنا , وأحسَنَ إليْنا , فهذا لا يعنى أبداً بأىّ حال مِنَ الأحوال أنْ يطلب مِنَّا هذا الإله نظيراً لِإحسانِه , ويعتبِر عبادته حقاً مِنْ حقوقه ... فالذى يليق به كإله أنْ يُحسِن إليْنا دون انتظار المُقابِل – كما سبق وأوْضحتُ – لأنّ أحداً لم يضربْه على يده ويقول له أحسِنْ إليْهِم أصلاً , بل هو الذى اختار ذلك , فتبقى مسألة الشكر وردّ الجميل مجرَّد مسألة ذوْقِيَّة وليست إجباريّة .. فأنا إذا أعطانى أحد أصدقائى مثلاً هديّة , أو أسدى إلىَّ معروفاً , فمِنَ الذوْق أنْ أشكرَه وأردّ إليْه معروفه , ولكن ماذا لو أنّنى لم أشكر هذا الإنسان ؟ هل سيطلب مِنِّى أنْ أشكرَه ؟ هل سيُجبِرنى على أنْ أشكرَه ؟ هل سيقول لى إذا لم تشكرنى على معروفى فسوْف أعذبك ؟ بالطبع لا , لأنّه يعرف أنّ المسألة مسألة ذوْق ليس أكثر , أمّا هذا الإله فينتظر مِنَّا الشكر , بل ويفرضه عليْنا فرضاً , ليس ذلك فقط , بل يعذب مَنْ لم يشكره أو مَنْ لم يعبده بِأشدّ أنواع العذاب !!!!!!! هذا ليس إله , بل شخص مريض نفسياً يحتاج إلى علاج ... لنْ أقول أكثر مِنْ ذلك !!!!! * أمَّا بالنسبة للنقطة الثانية التى عَبَّرَ عنها الشيخ " حسَّان " بِقوْلِه : نعبدُ اللهَ لنا لا لِرَبِّنا , لأنَّ راحتنا وسعادة أرواحنا هى فى عبادة الله .. فهذه نقطة مردود عليْها أيضاً , فكثيرٌ مِنَ النّاس لا يشعر بالسعادة فى العبادة , ويشهد على ذلك حال كثير مِنَ المسلمين المتديّنين , فالعبادة عندهم أصبحت بمرور الوقت مسألة عادة تعوّدوا عليْها , أو أصبحت مجرّد فروض يؤدّونها طمعاً فى الثواب وخوْفاً مِنَ العقاب , ولا يؤدّونها استمتاعاً بها .. وأنا لم آتِ بهذا الكلام مِنْ عندى , بل سألتُ كثيراً منهم وأخبَرَنى بهذه الحقيقة , ولماذا أذهب بعيداً ؟! ها أنا نفسى شاهد على هذه الحقيقة .. نعم , فأنا شخصيّاً قد خُضْتُ تجربة الإلتزام الدينى لمدّة سنتيْن متتاليتيْن مِنْ عمرى .. لقد بدأتُ أحافظ على الصلاة فى المسجد منذ أنْ كنتُ أبلُغ مِنَ العمر 11 سنة , واستمرّيْتُ على هذا الوضع لمدّة أربع سنوات , ولكن فى الواقع هذه الأربع سنوات لم يكن التزامى فيها كاملاً , بل كان مقتصراً على آداء الصلوات الخمس فى المسجد مع التقصير فى ذلك أحياناً , ومع التقصير أيضاً فى بقيّة شعائر الإسلام .. باختصار , كانت هذه الفترة هى مجرّد التزام خفيف لا يتعدّى الآداء الظاهرى للشعائر .. أمَّا الفترة التى كنتُ فيها ما بيْن 15 – 16 سنة , فقد ابتعدتُّ فيها تماماً عن الصلاة , وأصابتنى حالة مِنَ الكسل الرهيب فى هذه الفترة , ولكنى كنتُ أشعر دائماً بتأنيب الضمير , والرغبة فى التوْبة .. حتى جاءت الفترة التى كنتُ فيها ما بيْن 16 – 18سنة , فقد بدأتْ هذه المرحلة بِإِعلان توْبة صادقة وعميقة , وإعلان حالة مِنَ الحماس الشديد والرغبة الجارفة فى الالتزام .. شعرْتُ بالرغبة فى أنْ أقترِب مِنَ الله , وأنْ أمنحه كل إخلاصى وحُبِّى .. وبالفِعل بدأتُ أعود للمحافظة على صلاة الجماعة مِنْ جديد , ولكن هذه المرَّة مع عدم تفويت أى فرض أو تأخيره عن وقته , وفى الحقيقة لم يكن التزامى هذه المرّة مقتصراً على الالتزام بالصلاة فحسب , بل كانت عندى رغبة فى أنْ ألتزم الإسلام كله بجميع حذافيره ابتداءاً مِنَ تعويد نفسى على الصبر والإخلاص فى النيّة لله ومراقبته فى جميع أقوالى وأفعالى , ومروراً بقيام الليْل وصيام النوافِل وبِرّ الوالديْن وصِلَة الأرحام , وانتهاءاً بتعويد نفسى أيضاً على الالتزام بالسُّنَّة جوهراً ومظهراً .. ولم أَنْسَ أخذ نصيب معقول مِنَ العِلم الشرعى عن طريق حضور الدروس الدينيّة فى المساجد , وسماع المحاضرات مِنَ العلماء والدعاة .. وماذا كانت نتيجة كلّ هذا ؟؟؟ كانت النتيجة , هى عدم الشعور بِأىّ متعة ولا لذة ولا انشراح فى الصدر !!! لم أشعر بالسعادة فى العبادة , بل أحسستُ أننى أعبدُ سراباً , وأتقرّبُ مِنْ سراب لا وجود له , أحسستُ أننى أعيش فى وهم كبير .. لقد ظننتُ أننى سأسعد عندما أقترب مِنَ الله , لكن فى الحقيقة كنتُ أشعر باختناق كلَّما ركعتُ وسجدتُّ .. كنتُ أشعر باليأس عندما أدعو الله ولا أرى إجابة .. لقد استنجدتُّ به فى أحلك وأشدّ لحظات حياتى , ولكن لا حياةَ لِمَنْ تنادى .. الشيخ " حسَّان " يؤكّد على أنَّ الحياة بعيداً عن الله شقاء وسراب , وأنا مِنْ خِلال تجربتى الحزينة أؤكِّد على العكس .. أؤكِّد على أنَّ الحياة فى ظل القرب مِنَ الله شقاء وسراب !! نعم , هذا هو ما شعرْتُ به فى خلال هذه الفترة مِنْ حياتى .. وكما قلتُ : لستُ وحدى , فكثير مِنَ المتديّنين شعروا بنفس شعورى البائس .. * أما بالنسبة للنقطة الثالثة التى ناقشها الشيخ " محمد حسَّان " عندما قال : نحن نعبدُ اللهَ طلباً لِجَنَّتِه وخوْفاً مِنْ نارِه , فقد رددتُّ عليْها مِنْ خلال كلامى السابق , ولا أريد أنْ أطيل فيها أكثر مِنْ ذلك , وخلاصة الردّ فى النقاط السريعة الآتية : - كان الأوْلى أنْ يخلقنا الله فى الجَنَّة مُباشرةً على درجة واحدة جميعاً مِنَ الإيمان دون أنْ نرتكب ذنوباً , وهذا بصفته الربّ الكريم المُنعِم المتفضِّل على خِلْقِه . - اللهُ أكرم مِنْ أنْ يساومنا على الجَنَّة فى مقابل أنْ نعبده ونتذلَّل إليْه . - لا يليق بالله أنْ يجعل معاملته معنا معاملة تجاريّة , ويكلّمنا بمنطق " حَقِّى وحَقَّك " وكأنه يعقد معنا صفقة تجارية !!
بقيتْ ملحوظة هامّة أخيرة : قد يقول قائل : " أنت تفهم معنى العبادة فهماً خاطئاً , فالعبادة ليست محصورة فى الصلاة والزكاة والصيام وبقية الشعائر فحسب .. العبادة ليست كلها تذلل .. ليست كلها محصورة فى أنْ تحنى ظهرك وتضع أنفك على التراب لله فحسب .. أنت بذلك تحصر العبادة حصراً ضيّقاً , ولا تفهمها الفهم الصحيح الذى نادى به الإسلام .. فكل عمل مفيد تعمله فى هذه الدنيا مخلصاً فيه النية لله تعالى , فأنت بذلك تعبد الله .. فمساعدة المحتاج , والتصدّق على الفقراء , والتخلّق بالأخلاق الكريمة , وإقامة المشروعات النافعة للناس .. إلخ , كل هذا هو مِنَ العبادة بشرط أنْ تفعله لله أى ابتغاء مرضاته " وأنا أرى أنّ هذا القائل قد أكّدَ عندى فكرة نرجسيّة الله بقوْله هذا مِنْ حيث لا يدرى .. كيف ذلك ؟؟ فلو تأمّلنا إلى قوْل هذا القائل , لوجدناه شَرَطَ شرطاً أساسيّاً لجَعْلِ العمل صالحاً وهو أنْ يكون لله فقط , أى أنَّ الكافر الذى يساعد الناس وينفعهم بأعماله المفيدة مِنْ أجل أنْ يرى السعادة على وجوههم , لنْ يكون ذلك ذا فائدة بالنسبة له , لأنه لا يعمل هذه الأعمال لله , ولا يبغى مِنْ ورائها مرضاة الله .. وبالتالى فذلك يؤكد تصوّرى لله أكثر وأكثر بأنه نرجسى جداً , فهو لا يريد أنْ تتذلل له بالصلاة والشعائر فحسب , إنما يريد منك أنْ تفعل كلّ صغيرة وكبيرة فى الحياة بإسمه ومِنْ أجله فقط ! ويتجلّى هذا المعنى فى الحديث المشهور التالى : عَنْ أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رَضيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. فمَنْ كانت هجرته إِلَى اللَّه ورسوله فهجرته إِلَى اللَّه ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إِلَى ما هاجر إليه" متفق عَلَى صحته . وأخيراً , أريد أنْ ألفت النظر إلى نقطة مهمة جداً : إذا كُنَّا قد عرفنا الغاية مِنْ خَلْقنا نحن البشر , فيا تُرَى ما هو الدافع وراء خلق الملائكة ؟؟ الآيات والأحاديث التالية توضح الإجابة عن هذا السؤال : ( وَلَهُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبّحُونَ الْلّيْلَ وَالنّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ ) ( الأنبياء : 19 , 20 ) ( إِنّ الّذِينَ عِندَ رَبّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ) ( الأعراف : 206 ) ( وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَآفّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ) ( الزمر : 75 ) ( الّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ) ( غافر : 7 ) ( فَإِنِ اسْتَكْبَرُواْ فَالّذِينَ عِندَ رَبّكَ يُسَبّحُونَ لَهُ بِاللّيْلِ وَالنّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ ) ( فصلت : 38 ) ( تَكَادُ السّمَاوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِن فَوْقِهِنّ وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ ) ( الشورى : 5 ) وعن أبى ذرّ , رضى الله عنه , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِنِّى أَرَى مَا لا تَرَوْنَ , وَأَسْمَعُ مَا لا تَسْمَعُونَ , أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ , مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتُهُ سَاجِدَاً للهِ تَعَالَى ... الحديث " رواه الترمذى وقال حديث حسن , وأخرجه أحمد , وابن ماجة . ومعنى الحديث : أنَّ كثرة مَنْ فى السماء مِنَ الملائكة العابدين قد أثقلتها حتى أَطَّتْ . الآيات والأحاديث السابقة تدل على أنّ الله قد خلق الملائكة خصيصاً للعبادة أيضاً , ولكن الفرق بيننا وبين الملائكة أنّ العبادة فى حقنا اختيارية ( ممكن أن نقبلها أو نرفضها بإرادتنا ) , بينما الملائكة قد فطرها الله على الطاعة والعبادة الدائمة بحيث لا تكلّ هذه الملائكة أو تملّ مِنْ هذه العبادة أبداً ... وهذا إنْ دَلَّ على شىء فهو يدلّ ويؤكد بشدة على الغرور والنرجسية التى يتمتع بها الإله الإسلامى , وإلا فما كان هناك داعى لِخَلْق هذه الملائكة لو أنّ الله هذا لا يهمه عبادة العابدين .. ولكن نجده دائماً يريد أنْ يشبع داء العَظَمَة بداخله ويستمتع برؤية مخلوقاته وهى تعبده وتمجده !!!
الصفة الثانية : الحـسـاسـيـة :-
يُعرَف الشخص الحَسَّاس مِنْ خلال عِدَّة مظاهر تبدو عليْه فى تعاملاته اليوْميَّة , فمِنْ هذه المظاهِر مثلاً : - تجده يغضب ( يزعل ) بسرعة ولأتفه سبب . - أقل كلمة يمكن أنْ تتسبب فى جرح مشاعره . - يحتاج إلى معاملة مِنْ نوع خاص حتى نتجنب غضبه ( زعله ) . - لا ينسى الإساءة إلا بعد مدة طويلة , وقد لا ينساها أبداً وتظلّ عالقة بذهنه طوال عمره . - لا يسامح مَنْ أخطأ فى حقه إلا بعدما يكرِّر له الاعتذار عِدَّة مرَّات . - نَفْسُه عزيزة عليه جداً . ومِنْ خلال تحليلى لبعض الآيات والأحاديث , أجد أنَّ الإله الإسلامى يتميَّز ببعض هذه المظاهِر ... وفى الحقيقة , فإنَّ هناك الكثير مِنَ الآيات التى تقرِّر هذه الصفة للإله الإسلامى , ولكن هناك آيتيْن أساسيّتيْن فى سورة النساء توضِّحان هذه الصفة بجلاء : ( إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَىَ إِثْماً عَظِيماً ) ( النساء : 48 ) ( إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً بَعِيداً ) ( النساء : 116 ) الآيتان تقرِّران بوضوح , أنَّ جميع الذنوب التى يمكن أن يرتكبها الإنسان يمكن أنْ يغفرها الله إلا ذنب واحد هو الشرك .. فالقتل والحروب والمجازِر والمذابِح وعمليات التعذيب التى تجرى فى المُعتقلات وجرائم التطهير العِرْقى , والعنف والإفساد فى الأرض .. وجرائم الحرابة ( البلطجة ) والاعتداء على المواطنين الآمنين .. وجرائم الاغتصاب وانتهاك الأعراض .. وجرائم السرقة والنصب والاحتيال والغش والرشوة .. وعقوق الوالديْن والاعتداء عليْهما .. وجميع الآفات الخُلُقيَّة مثل الكذب , والغيبة والنميمة , وشهادة الزور , وأكل مال اليتيم .. وغيرها مِنْ سائر أنواع الجرائم .. كل هذا يمكن أن يتجاوز عنه اللهُ ببساطة شديدة ويغفره لو أنَّ فاعله مِنَ المسلمين , ولا يشرك بالله شيئاَ !!!! عن أنسٍ رضي اللهُ عنه قال : سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول:"قال اللهُ تعالى: يا ابنَ آدَمَ، إنَّكَ ما دَعَوْتَني ورجَوْتَني غَفَرْتُ لَكَ على ما كانَ مِنْكَ ولا أُبالي . يا ابنَ آدَمَ، لَوْ بلغت ذنوبُك عَنَان السماء، ثم استغفرتني غَفَرْتُ لكَ. يا ابن آدَمَ، إنَّك لَو أَتَيْتَني بقُرَاب اْلأَرْضِ خَطَايا، ثُمَّ لَقِيَتني لا تُشْرِكُ بي شَيْئاً، لأتَيْتُكَ بقُرَابِها مَغْفِرَةً". رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح. فالمهم عند هذا الإله هو ألا تشرك به , وتعترف له وحده بالربوبية والألوهية , وتقدّسه معترفاً له بأسمائه وصفاته العُلا .. ثم بعد ذلك لا يهمّ إنْ فعلتَ أىّ شىء مِنَ الجرائم , فطالما أنك مُقِرّ لله بالوحدانيّة , فأنت فى النهاية داخل الجَنَّة داخلها .. لا شكَّ فى ذلك .. أما الجرائم التى ارتكبْتَها فى حق البشر , فهذه أمرها هيِّن عند الله .. إنْ شاء غفرها لك , وإنْ شاء عَذَّبَك عليْها فترة فى النار , ثم يدخلك الجَنَّة بعدها لِتَنعم فيها كأنَّ شيئاَ لم يكن !!!!!!!! أمَّا إذا كنتَ مشركاً بالله , لكنك تتمتع بأنبل وأسمى الأخلاق ولا تقوم بأى إيذاء لأحد , فهذا لنْ يغنى عنك مِنَ الله شيئاً , ولن تنفعك هذه الأخلاق فى النجاة مِنْ العذاب الشديد , بل سيكون مصيرك المؤكد هو الخلود فى جَهَنَّم أبد الآباد !!!!!!! ماذا نستنتج مِنْ هذا ؟؟؟ نستنتج أنَّ الله هذا لا يهمّه إلا نفسه فقط .. يغفر أى إساءة طالما كانت غير مُوَجَّهة إليْه .. أمَّا الإساءة المُوَجَّهة إليْه ( الشرك ) فهذه لا يغفرها أبداً لو مات فاعلها و لم يعتذر عنها أو لم يَتُبْ منها .. نستنتج أنَّ هذا الإله يتميّز بحساسيّة مُفرَطَة .. يغضب بشدة ويزمجر عندما يسىء أحد إليه .. ويعتبِر الإساءة فى حقه شىء عظيم ومهول لا يمكن غفرانه أبداً .. وتؤكد هذه الأحاديث على هذا المعنى : * عن أبى ذرّ حَدَّثَ أنَّ رسول الله صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ قال : " مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكْ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ " قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقْ ؟ قَالَ : " وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقْ " قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقْ ؟ قَالَ : " وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقْ " ثَلاثَاً , ثُمَّ قَالَ فِى الرَّابِعَة : " عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِى ذَرّ " ... الحديث . رواه الإمام أحمد * قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "يُجَاءُ بِالْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَباً أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لَهُ: قدْ كُنْتَ سُئِلْتَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ، فذلك قوله عَزَّ وَجَلَّ: ( إنَّ الَذين كَفَرُوا وماتُوا وهم كفار فلن يُقبَل من أحدهم ملءُ الأرض ذهبا ولو افتدى به) ". رواه البخاري، وروى نحوه أحمد البيهقي. * قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: أَنَا أَغْنَىَ الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِيَ غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ". رواه مسلم وهذا لفظه وروى نحوه ابن ماجه وأبو داود. * قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتعالى لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً: لَوْ كَانَتْ لَكَ الدنْيَا وَمَا فِيهَا، أَكُنْتَ مُفْتَدِياً بِهَا ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أَنْ لا تُشْرِكَ وَلا أُدْخِلَكَ النَارَ، فَأَبَيْتَ إلا الشِّرْكَ." رواه مسلم. * قَرَأَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم هَذِهِ الآيَةَ " هُوَ أَهْلُ التَقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ". فَقَالَ: "قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى، فَلاَ يُجْعَلُ مَعِي إِلهٌ آخَرُ، فَمَنِ اتَقَى أَنْ يَجْعَلَ مَعِي إِلهاً آخَرَ، فَأَنَا أَهْلٌ أَنْ أَغْفِرَ لَهُ." رواه ابن ماجه وهذا لفظه، وروى نحوه أحمد والترمذي والنسائي وقَالَ الألباني: حسن (تحقيق كتاب السنة لابن أبي عاصم ). هذه الأحاديث كلّها تؤكد على أنَّ النجاة مِنَ العذاب الأبدى فى جَهَنَّم , إنَّما يتوقف على شىء واحد فقط , ألا وهو توحيد الله وعدم الشرك به .. وأنا أتساءل : لو أنَّ هذا الرب يتميّز بالكمال والـتَـرَفُّـع فِعلاً , هل سيضيره فى شىء أنْ نوحّده أو نشرك به ؟؟ ما الذى سيضيره لو أنّ الإنسان كَفَرَبِه ؟؟ لماذا يعتبر الشرك به جريمة عظمى , ويعتبره إساءة كبرى مُوَجَّهَة إليه ؟؟ لماذا يأخذ الموضوع بهذه الحساسيّة الشديدة ؟؟!! لماذا يُجبِر مخلوقاته جبراً على أنْ يحترموه ويقدّسوه ؟؟ فالمسألة ليست بالإكراه !! لو أنَّ شخصاً قابلك وقال لك : إمّا أنْ تعرف قيمتى وتحترمنى , وإمّا سأعذبك عذاباً شديداً أبديّاً .. بماذا ستصف هذا الشخص ؟ أنا شخصياً سأصفه بالبلاهة !! لماذا لا يعتبِر هذا الإله أنّ مسألة الإيمان به مسألة اختياريّة متروكة لحرّيتنا الشخصيّة ؟؟ كان الأوْلى به بصفته الربّ الغنىّ الكامِل فى نفسه , أنْ يتغاضى عن الإساءة المُوَجَّهة إليْه , ولا يعير لها انتباهاً , فالمفروض أنّه لكماله لا يتأثر بها ! ثُمَّ مِنْ قال أنَّ الشرك بالله إساءة له أصلاً ؟! كان الأوْلى بهذا الإله أنْ يعتبر الإساءة الحقيقية التى تستحقّ العقاب , هى الإساءة التى يوجهها الإنسان للإنسان , أو التى يوجهها الإنسان للحيوان .. ولا يهتم بعد ذلك بِمَنْ آمَنَ به أو كفر .. بمعنى أنْ يجعل العذاب والعقاب على الإساءات التى تكون فى حقّ الإنسان مِنْ أخيه الإنسان .. أمَّا ما يتعلّق بذاته فلا يهتمّ به أصلاً , لأنه من المفروض ألا يكون له تأثير عليْه , باعتباره ربّ غنىّ عزيز لا يتأثر بمسألة الإيمان أو الكفر به .. ولكن للأمانة العلميّة , ولأنَّ الحقّ لابد أنْ يُقال , فهناك حديث لابد أنْ نذكره يوضّح أنَّ حقوق العباد لنْ تضيع , وأنَّ الله ُسوف يقتص الله لكل مظلوم مِنْ ظالِمِه ... هذا الحديث هو : * عن أنس بن مالك رَضِىَ اللهُ عنه , عن النبىّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم قال : " الظُّلْمُ ثلاثة , فَظُلْمٌ لا يَغْفِرُهُ اللهُ , وَظُلْمٌ يَغْفِرُهُ اللهُ , وَظُلْمٌ لا يَتْرُكُ اللهُ مِنْهُ شَيْئَاً : فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِى لا يَغْفِرُهُ اللهُ فَالشِّرْك , وَقَالَ ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) , وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِى يَغْفِرُهُ اللهُ , فَظُلْمُ العِبَادِ لِأَنْفُسِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ , وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِى لا يَتْرُكُهُ , فَظُلْمُ العِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضَاً حَتَّى يَدِينُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْض " رواه الحافظ أبو بكر البزّار فى مسنده . ولكن ما الفائدة أنْ يأخذ الكافر المظلوم مثلاً حقه مِنْ الشخص المسلِم الذى ظلمه , ثم يُطرَح هذا الكافر فى النار الأبديّة , ويدخل المسلم الظالم الجَنَّة ؟ ماذا استفاد الكافر المظلوم عندئذ ؟ ففى النهاية : هو داخل النار داخلها , والمسلم الظالِِم داخل الجَنَّة داخلها !!! وفى النهاية أيضاً يظلّ أمر الخلود فى الجَنَّة , و النجاة مِنَ الخلود فى النَّار متعلِّقاً بعدم الشرك ! - وتبدو صورة( الله ) الإسلامى أقرب إلى الضعف البشرى فى هذه الأحاديث أيضاً : * عن أبى هريرة , رضى الله عنه , عن النبىّ صلّى الله عليه وسلَّم , قال : " إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَغَارُ , وَغَيْرَةُ اللهِ تَعَالَى , أَنْ يَأْتِىَ الْمَرْءُ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْه " متفق عليه . * قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم: "يَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ: اسْتَقْرَضْتُ عَبْدِي فَلَمْ يُقْرِضْنِي، وَيَشْتُمْنِي عَبْدِي وَهُوَ لا يَدْرِي، يَقُولُ: وَا دَهْرَاه وَا دَهْرَاه وَأنَا الدَّهْر." رواه أحمد وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي. * قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ. يَقُولُ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْر فَلا يَقُولَنَ أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْر فَإِني أَنَا الدَّهْر. أُقَلبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ. فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا". رواه مسلم. * قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم: "قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُ الدَّهْر وَأَنَا الدَّهْر بِيَدِي الأمْرُ أُقَلِبُ اللَيْلَ وَالنَهَارَ." رواه البخاري وهذا لفظه وروى نحوه أحمد وأبو داود والبيهقي. * قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم: "قَالَ اللَهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ: أَنْ يَقُولَ إِنِّي لَنْ أُعِيدَهُ كَمَا بَدَأْتُهُ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ: أَنْ يَقُولَ اتَّخَذَ اللَّه وَلَداً وَأَنَا الصَمَدُ الَذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أولد وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُؤاً أَحَدٌ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤاً أَحَدٌ." رواه البخاري.وهذا لفظه وروى نحوه أحمد والنسائي. فاللهُ فى هذه الأحاديث يغار , وتسبب له بعض الكلمات الإيذاء !!!!!!! هذا إنْ دَلَّ على شىء فإنَّما يدلّ على أنّ هذا الإله يتميّز بنفسيّة حَسَّاسة للغاية !!
الصفة الثالثة : الدكـتـاتـوريّـة :-
لا شكّ أنَّ النظام الدكتاتوري يُعتبَرمِنْ أسوأ الأنظمة التى يمكن أنْ يُحكَم بها أى رعيّة ومِنْ أبرز سمات هذا النظام إعطاء الحاكم الحقّ المُطلَق فى أنْ يفعل ما يشاء دون أنْ يكون لأحد مِنْ رعيّته الحقّ فى أنْ يعترض عليه أو يناقشه فيما يفعل , بحيث لا يكون فى الدولة إلا صوت واحد فقط , هو صوت الحاكِم , ولا صوتَ يعلو فوق صوْته , ولا كلمة غير كلمته , ولا رأى غير رأيه , ولا سلطان ينازع سلطانه .. هذا بعكس النظام الديمُقراطى الذى يؤمِن بالتعدديّة , ويعطى الشعبَ الفرصةَ لكى يعبِّر عن رأيه بحرّيّة , وقد يأخذ الحاكِمُ برأى أحد رعيته إذا رآه صواباً ونافعاً .. ونجد فى هذا النظام أنَّ كل مواطن فى الدولة له مطلق الحقّ فى أنْ يناقش الحاكِم فيما يشرّع , بل ومِنْ حقّه أنْ يعترض عليْه إذا رأى هذا الحاكِم يشرِّع قوانيناً لا تناسب الشعب .. فإذا جئنا لنطبّق هذه المفاهيم على طبيعة الحُكم الذى يريد أنْ يحكمنا به الله .. ماذا نجد ؟؟ نجد أنَّ أبلغ آية تحدّثنا عن طبيعة ذلك الحُكم هى : ( لاَ يُسْأَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) (الأنبياء : 23 ) يقول ابن كثير فى تفسير هذه الآية : " وقوْله : (لاَ يُسْأَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) أى هو الحاكِم الذى لا مُعَقِّبَ لِحُكمِه , ولا يعترض عليْه أحد لِعَظَمَتِه وجلاله وكبريائه وعلمه وحكمته وعدله ولطفه (وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) أى وهو سائلٌ خلقه عمَّا يعملون " ... انتهى كلامه . أى غير مسموح لأى مخلوق أنْ يناقش اللهَ فيما يفعل , أو يبدى عدم موافقة على ما يشرِّع , فسواءاً رضينا أم أبيْنا فنحن مُطالبين فى النهاية أنْ نمتثل أمر الله ونقول " سمعنا وأطعنا " , ويبدو ذلك المعنى واضحاً فى هاتيْن الآيتيْن : ( إِنّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوَاْ إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون َ) ( النور : 51 ) ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) ( الأحزاب : 36 ) وأتساءل بدوْرى : لماذا لا يعطينا الله الحق فى التعبير عن الرأى ؟ لماذا يحجر على آرائنا بهذا الشكل المتسلِّط ؟ أنا لا أجزم بِأنَّ رأينا أصلح مِنَ التشريع الإلهى .. كلا , فأنا أعلم أَنَّ التشريع الإلهى غالباً ما يكون أصلح لنا .. أعلم ذلك , ولكن : هذا لا يمنع مِنْ أنْ يعطينا الله فرصة للتعبير عن آرائنا بحرّيّة , أو أنْ نناقشه : لماذا أبَحْتَ لنا كذا أو حرَّمتَ عليْنا كذا .. وهو بدوْره يجيبنا عن استفساراتنا بصدر رحب , بدلاً مِنْ أنْ يعتبر مناقشته فيما يفعل هى مِنَ الكفر المبين !!! ماذا سيضيره مِنْ أنْ نستفسر منه عن سبب الإباحة والتحريم , لماذا يحجب عنَّا حكمته فى تشريع كثير مِنَ الأشياء ؟؟ ويأتى الجواب الإسلامى : أنَّ الله يحجب عنَّا ًحكمته أحياناً , ليختبر إيماننا به وثقتنا فيه .. وأنا أقول : ليس معنى أننى أطالب بأن أناقش الله فى تشريعه , أننى غير واثق فيه .. ولكن هذه المناقشة تنبع مِنْ رغبتى فى معرفة الحكمة مِنْ وراء الشىء , فلماذا لا يلبِّى اللهُ لى هذه الرغبة البسيطة ؟ وحتى إذا كان الإنسان مؤمن بأنَّ الله لا يفرض عليه شىء أو يحرِّم عليْه شىء إلا إذا كان ذلك فى مصلحته , فهذا لا يعنى أنْ يكون امتثال أمر الله شيْئاً إلزاميّاً .. بمعنى : الله يرى أنَّ الخمر مثلاً مُضِرَّة صحيّاً لنا , ونحن لا نعلم ذلك , فكيف يكون التصرّف الصحيح مِنَ الله فى هذه الحالة ؟؟ التصرّف الذى أراه صحيحاً هو أنْ يبيَن الله لنا خطر الخمر , وبعدها يتركنا لحرّيّتنا فى أنْ نقلع عن الخمر أو أنْ نستمرّ فيها .. بمعنى أنْ ينصحنا ويبيّن لنا أين تكون مصلحتنا , ثُمَّ يتركنا بعد ذلك على راحتنا , أى لا يلزمنا بشىء .. وهذا بدلاً مِنْ أنْ يكون دكتاتوريّاً متسلّطاً يأمر وينهى ولا يريد أحداً أنْ يسأله عمّا يفعل !! ولكن الأمر يختلف فى تحريم السرقة أو القتل مثلاً , لأنّ الخمر يعود ضررها على شاربها فقط , فهو يضرّ نفسه ولا يضرّ غيره بشرب الخمر , لذا فهو حُرّ فى نفسه .. أما السرقة والقتل فضررهما يعود على الغير , لذا فكان مِنَ الواجب تحريمهما وتحريم بقيّة الجرائم التى يعود ضررها على الغير .
الصفة الرابعة : السـاديّـة :-
يعرِّف الطبّ النفسى الشخصية الساديّة كالآتى : " وهو الشخص الذى يستمتع بقهر الآخرين وإذلالهم والتحكم فيهم , وكلما شاهدَ الألم فى عيونهم استراح وانتشى وواصلَ تعذيبهم وقهرهم ليحصل على المزيد مِنَ الراحة والنشوة " .. ( د.محمد المهدى ) أو التعريف التالى : " هى تلك الشخصية التى تستمتع بإيقاع الأذى الجسدى والمعنوى على الغير وهى محطّ متعتها , لذا تجد تلك الشخصية تبحث عن الوظائف التى تجعل أذاها للآخرين عملاً مشروعاً " وبالتالى هذا يدفعنا للقوْل بأنَّ الشخصية الرحيمة هى عكس الشخصية الساديّة , فيا ترى لو بحثنا فى صفات الله فأى شخصية مِنَ الشخصيّتين سنجده ؟؟ هو يقول عن نفسه فى أكثر مِنْ موْضِع أنّه الرحمن الرحيم , فهل هو فى الحقيقة فِعلاً كذلك ؟؟ وحتى نجيب عن هذا السؤال , لابدّ أنْ نقسّم حديثنا إلى قِسميْن : الأول نتحدّث فيه عن كيفيّة المعاملة التى يعاملنا اللهُ بها فى الدنيا .. والثانى نتحدّث فيه عمّا سيعاملنا اللهُ به فى الآخرة ..
أولاً : فـى الدنـيـا :-
سأعيد ذكر آية سورة البلد إذ أنّ هذا هو سياقها الآن , كما أنها تُعتبر أبلغ آية تتحدّث عن نوعيّة الحياة التى كتبها الله عليْنا واختارها لنا فى هذه الدنيا : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِى كَبَدٍ ) ( البلد : 4 ) وتأمَّل هنا : لقد ذَكَرَ " الإنسان " , ولم يقل " الكافر " .. وذلك للدلالة على أنَّ كلّ البشر مؤمنهم وكافرهم مشتركين فى مكابدة الدنيا بكل آلامها وعنائها وأحزانها , ولكن الفرق أنَّ المصيبة فى حقّ المؤمن ابتلاء , وفى حقّ الكافر انتقام .. هذا اختلاف نوْعى , وليس اختلاف كمِّى , بمعنى أنَّ حجم المصيبة مِنَ الممكن أنْ يتساوى فى حالتىْ المؤمن والكافر , ولكن الحكمة مِنْ وقوع هذه المصيبة هو الذى يختلف فى حالة المؤمِن عنه فى حالة الكافِر .. وتتبيّن هذه الحكمة فى هذه الأحاديث : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "قَالَ الله تَعَالَى: إذَا ابتَلَيْتُ عَبْدَاً مِن عِبَادِي مُؤمِنَاً فَحَمِدَنِي وَصَبَرَ عَلَى مَا بَلَيْتُهُ فإنَهُ يَقُومُ مِن مَضْجَعِهِ ذَلِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُه مِنِ الخَطَايَا، وَيَقُولُ الرَبُ عَزَّ وَجَلَّ لِلحَفَظَةِ: إنِي أنَا قَيَّدْتُ عَبْدِي هَذَا وَابْتَلَيْتُهُ، فَأَجْرُوا لَهُ مَا كُنْتُم تُجْرُونَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الأجْرِ وَهُوَ صَحِيح." رواه أحمد والطبراني وعبد الرازق وقَالَ الألباني: صحيح ( صحيح الجامع ).( صحيح الجامع: 4300 ). عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرَاً يُصِبْ مِنْه " رواه البخارى 10 / 94 . وقال النبى صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاءِ , وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوْمَاً ابْتَلاهُمْ , فَمَنْ رَضِىَ فَلَهُ الرِّضَا , وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السّخْطُ " رواه الترمذى , وقال حديث حسن برقم ( 2398 ) . وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَا يَزَالُ البَلاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ تَعَالَى وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ " رواه الترمذى وقال : حديث حسن صحيح ( 2401 ) وسنده حسن . هكذا وكأنَّ اللهُ لا يغفر لفلان إلا بعدما يعذبه بإرسال المصائب عليه مِنْ كل جانب , فكلما زادت المصائب وزادت الأوجاع لهذا الشخص كلما كان ذلك أدعى لِأن يغفر الله له !!! هذا مع أنَّ فلان هذا مؤمِن بالله , وبالرغم مِنْ ذلك لم يشفع له إيمانه عند الله أنْ يعامله برفق ويغفر له دون أنْ يشقّ عليْه بالمصائب والابتلاءات .. ما أريد قوْله أنّه طالما نحن فى الدنيا فسنجد مصائب .. سنجد متاعب .. سنجد هموم .. سنجد آلام .. فهناك المتاعب الجسديّة التى تشمل الأمراض والعاهات والتشوّهات والعيوب الخَلْقيّة , وهناك المتاعب النفسيّة كالاكتئاب والأحزان والهموم وغيرها .. وهناك الكوارث الطبيعية المتمثلة فى الزلازل والبراكين والعواصف والفيضانات وغيرها مما يتسبب فى قتل الكثير مِنَ البشر وإصابة وتشريد الباقى منهم .. والسبب الذى يقف وراء كل هذه المصائب هو الله بالطبع , ولا أحد غيره ! أين رحمة الله فى أنْ يولَد إنسان مصاباً بعيْب خلقى يعيقه عن ممارسة الحياة بشكل طبيعى , كأنْ يولَد مثلاً أصمّا لا يستطيع السماع , أو أبكم لا يستطيع الكلام , أو أعمى لا يستطيع الرؤية .. ما ذنب هذا الإنسان حتى يولَد عاجزاً هكذا ؟؟ أين رحمة الله فى أنْ يولد إنسان بإعاقة ذهنيّة ( الطفل المغولى ) لا تجعله يفكِّر ويستوعب بطريقة طبيعية كبقيّة البشر ؟؟ أين رحمة الله فى الإنسان الذى يولَد مُصاباً بالشلل وعاجزاً عن الحركة أو المشى .. إلخ ؟؟ ما الذى جناه هذا الإنسان حتى يُفعَلْ به هكذا ؟؟ وتُعتبر مشاكل الإعاقة بمختلف أنواعها مِنَ المشاكل الكبيرة التى تواجه البشريّة , ويُعتبر العدد الكبير والمتزايد للمُعاقين فى العالم سبباً فى أنْ يدفع بعض الأساتذة والعلماء للاهتمام بتناول هذا الموضوع , ومحاولة إيجاد حلول لوضع حدّ لمعاناة هؤلاء المُعاقين .. حيث يقول الأستاذ الدكتور " ماهر أبو المعاطى على " فى كتابه " مقدّمة فى الخدمة الاجتماعية " : " الإعاقة مشكلة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والصحية والنفسية الهامّة التى تواجه كافة المجتمعات على السواء , حيث أنها تمسّ ما يقرب من 10- 15 % من أفراد المجتمع , ويترتب عليها العديد من المشاكل التى تتعلّق بتكيّف ورفاهية المُعاق وأسرته ومجتمعه من جهة , وبإنتاجيّة الفرد المُعاق وتحقيق استقلاله الاجتماعى والاقتصادى ومساهمته فى تنمية ورفاهية المجتمع الذى يعيش فيه من جهة أخرى . وتزداد خطورة هذه المشكلة , حيث نجد أنّ نسبة المستفيدين من الخدمات المُقَدَّمَة للمُعاقين هى نسبة متدنّيّة جداً بالقياس إلى أعدادهم وبشكل خاص فى الدول العربية غير النفطية , حيث لا تزيد نسبة المستفيدين مِنَ الخدمات المُتاحة عن 1% مِنْ عدد المُعاقين . ومن المُتوَقَّع أنْ يصل تعداد المُعاقين فى العالم إلى حوالى 600 مليون نسمة فى عام 2000م , ويكون نصف سكان الدول النامية فى مرحلة عمرية أقل من 15 سنة , ويبلغ عدد المُعاقين من هذه الفئة حوالى 150 مليون . " ثُمَّ ينتقل الدكتور " ماهر " إلى تصنيف أنواع الإعاقة عند البشر , فيقول : " لقد تعددتْ وجهات النظر فى تصنيف المُعاقين ومنها :- • من يصنِّف الإعاقة إلى : إعاقة بدنية , إعاقة عقلية , إعاقة نفسية , إعاقة اجتماعية , إعاقة فى السمع , إعاقة فى النطق , إعاقة فى البصر . • ومنهم مَنْ صنَّفَهم إلى عِدَّة أنماط هى :- النمط الأول : المُعاقون جسمانيّاً : مثل :- أ- المُعاقون حركياً : كشلل الأطفال ومبتورى الأطراف . ب- المُصابون بأمراض مزمنة : كأمراض القلب , والسكر , والسرطان , والإيدز . النمط الثانى : المُعاقون حسيّاً : مثل :- أ- المُصابون بكفّ البصر . ب- المُصابون بالصمم , وعيوب واضطرابات الكلام . النمط الثالث : المُعاقون عقلياً : مثل :- أ- المتخلّفون عقلياً , ومن يعانون نقصاً حادَّاً فى الذكاء . ب- المرضى العقليّون كالفصام والذهان . النمط الرابع : المُعاقون انفعالياً ونفسياً : مثل :- أ- المرضى النفسيّون , مثل مرضى الاكتئاب والقلق . ب- المُصابون بالأمراض السيكوباتية . " ........ انتهى كلامه . ومرّة أخرى أقول : أيْن رحمة الله المزعومة فى أنْ يأتى إلى الدنيا كلّ هذا العدد مِنَ المُعاقين , وبهذا الكَمّ الكبير مِنَ الإعاقات المختلفة ؟؟ ما الذى جناه هؤلاء – وأنا منهم – حتى يُكتَبْ عليْهم هذا الشقاء ؟؟ هذا بالنسبة للمُعاقين .. فماذا عن الأشخاص الذين وُلِدوا طبيعيين ثُمَّ أصابتهم الأمراض المختلفة بعد ذلك ؟؟ .. أعتقد أنّ عدداً كبيراً منهم لا يقلّ معاناة عن أولئك المُعاقين .. فزيارة واحدة لمستشفى أمراض السرطان , أو أمراض الفشل الكلوى , أو التليّف الكبدى , أو لمستشفى الأورام , أو للمستشفيات التى تعالج أمراض العظام .. زيارة واحدة لهذه المُستشفيات تكفى لمعرفة مدى المُعاناة الفظيعة والألم الرهيب الذى يشعر به هؤلاء المَرْضَى يومياً .. أما المستشفيات التى تعالج الحروق , فمُعاناة المَرْضَى فيها تفوق الخيال .. تجد الشخص المحروق فيها يصرخ يومياً فى ضماداته بأعلى صوته مِنَ آلام الحرْق التى يشعر بها .. هذا فضلاً عن منظره المُشَوَّه الذى تقشعرّ لِرؤيته الأبدان .. وإذا أردنا الإسهاب أكثر فى توضيح مدى المُعاناة التى يشعر بها كافّة المَرْضَى , فإنَّ الكلام يطول ويطول , وليس أدلّ على ذلك مِنْ جِدَّتِى الراحلة التى ظلت تعانى مِنْ عدد مهول مِنَ الأمراض طيلة سنوات عديدة قبل موْتها , وكانت كمية الأمراض المُصابَة بها كبيرة جداً وعلى كل شكل ولون , مما كان يجعلها تصرخ يومياً على مدار ( 20 ) سنة مِنْ جَرَّاء الألم الذى تشعر به , وكم رأيْتُها تدعو الله متوسلة له أنْ يخفف عنها , ولكنها فى الحقيقة كانت تدعو كائناً ليس فى قلبه رحمة !!!!!!!!! هذا بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية التى تقتل وتصيب وتُشَرِّد الملايين مِنَ البشر بلا تمييز.. وهنا قد يعترض البعض على كلمة " بلا تمييز " , حيث أنهم يروْنَ أنّ هذه الكوارث ليست عشوائيّة بل هى ابتلاء مِنَ الله يصيب كُلاً مِنَ المؤمن والكافر , وكُلاً مِنَ الصالح والفاسد , ثُمَّ يُبعَثون جميعاً على نيّاتِهِم لِيُجَازوا عليها .. وأنا أقول إذا كان كلامهم هذا صحيحاً فما ذنب الأطفال الذين أصيبوا بهذه الكوارث ؟؟ .. لو قام زلزال مثلاً فدمَّرَ مدينة بأكملها وقتل وأصاب كثيراً مِنْ سكانها , فإنَّ الدافع وراء ذلك – حسب وجهة نظر المسلمين – هو ابتلاء المؤمن والانتقام مِنَ الكافر .. وأتساءل أنا : إذا كان الهدف هو ابتلاء المؤمن والانتقام مِنَ الكافر , فما هو الهدف مِنَ إرسال هذا الزلزال على الأطفال الذين لم يفعلوا أى ذنب فى حياتهم ؟؟ ما هو ذنبهم حتى يُصابوا بعاهات أو بتشوّهات مِنْ جرَّاء هذا الزلزال ؟؟ ما هو ذنبهم حتى يشعروا بالألم الرهيب الناتج عن سقوط المبانى فوقهم ؟؟ حتى الأطفال لم يسلموا مِنَ الألم .. فهل بعد هذا ما زلتم أيها المسلمون تصفون إلهكم بأنه الرحمن الرحيم ؟؟!! .. أين رحمته فى هذه الكوارث ؟؟ أمّا عن الآلام والمتاعب النفسية فحدِّث أيضاً ولا حرج , فظروف الحياة الصعبة التى نعيشها الآن تتسبب فى إصابة الكثير مِنَ البشر بالهموم الثقيلة التى قد تتحوَّل إلى اكتئاب قاتل .. فكثير مِنَّا – وأنا منهم – عندهم أزمات نفسيّة كبيرة فى حياتهم .. والجدير بالذكر أنَّ الأطباء النفسيين يؤكدوا على ازدياد نسبة الاكتئاب بشكل كبير فى الآونة الأخيرة , ويؤكدوا على ازدياد نِسَب الانتحار بشكل ملحوظ فى كل دول العالَم .. هل تعلمون ما معنى أنْ ينتحر شخصٍ ما ؟؟ .. هذا معناه أنَّ هذا الإنسان قد وصل إلى أوْج المُعاناة , ووصلتْ مشاكله إلى طريق مسدود تماماً لا يفلح معه أى حلّ .. قرار الانتحار أصعب وأخطر قرار على أى إنسان .. هل تعلمون ما معنى أنْ يُقدِم إنسان على إنهاء حياته بيده ؟؟ .. هذا معناه أنه لم يعد يشعر بأى معنى ولا طعم جميل للحياة , وأنه قد وصل إلى قمة التعاسة والبؤس .. وأَخْذ قرار الانتحار نادراً ما يكون فُجائياً وليد اللحظة , بل غالباً ما يكون نتيجة تراكمات مُعاناة كبيرة يشعر بها الشخص المنتحر طيلة سنوات عديدة قبل انتحاره .. ترى أين كانت رحمة الله بهذا الإنسان طوال هذه السنوات ؟؟ .. ألم يكن مِنَ الأجدر بالله بصفته الرحيم أنْ يشفق على هذا الإنسان , وينظر إليه بعيْن الرحمة , ويرحمه مِنْ هذه المُعاناة ؟؟ ليْتَ شعرى , ما الذى يستفيده الله مِنْ جَعْلنا نتألّم كلّ هذا الألم فى حياتنا ؟؟ .. ليس هناك دافع لِأنْ يفعل اللهُ بنا كل هذا إلا أنْ يكون إلهاً ساديـّـاً يتمتع بتعذيبنا !! وقد يعترض البعض قائلاً : أنت تحكم على الله حكماً خاطئاً لأنك بنيْتَ نظرتك للأمور مِنْ خلال الدنيا فقط , وتناسيْتَ ما أعدّه الله لعباده المؤمنين من نعيم فى جَنَّة الآخِرَة .. ويبدو أنَّ هذا القائل غفل عن هذا الحديث : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "لَمَّا خَلَقَ الله الجَنَّة وَالنَارَ أَرْسَلَ جِبْرَيلَ إِلَى الجَنَّة، فَقَالَ: انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا، قَالَ: فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ الله لأَهْلِهَا فِيهَا، قالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ، قالَ: فَوَعِزَّتِكَ لا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالمَكَارِهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا، قالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالمَكَارِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ، قالَ: اذْهَبْ إِلَى النَّار فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأِهْلِهَا فِيهَا، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضاً، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا فَرَجَعَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أنْ لا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إلا دَخَلَهَا." رواه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وابن حبان وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي وقَالَ الألباني: صحيح ( تخريج الطحاوية ). فالحديث السابق يؤكد على أنَّ الجَنَّة محفوفة بالمكاره , أى أنَّ الله هذا يأبى إلا أنْ يشقّ عليْنا ويعذبنا , ليس هذا فقط , بل أنه جعل النَّار أيضاً محفوفة بالشهوات .. ماذا يعنى هذا ؟؟ .. هذا لا يعنى إلا أنَّ هذا الإله لا يريد راحتنا أبداً , بل يريد أنْ يشقّ عليْنا ويعذبنا بدليل أنّه سَهَّلَ علينا الطريق المؤدية إلى النار ومهدها لنا بالشهوات , وفى المُقابل صَعَّبَ عليْنا الطريق المؤدية إلى جَنَّتِه .. الأمر الذى دفع جبريل إلى الاعتقاد بأنه لا أحد سيدخل الجنة , وأننا كلنا داخلون النار !!!
ثانياً : فـى الآخـرة :-
أمَّا فى الآخرة فالهوْل كبير , والعذاب عظيم ولا يُقارَن بِعذاب الدنيا .. ( لّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَلَعَذَابُ الاَُخِرَةِ أَشَقّ وَمَا لَهُم مّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ ) [ الرعد : 34] ( فَأَذَاقَهُمُ اللّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ) [ الزمر : 26] ( كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ) [ القلم : 33] وكما يعلم الجميع فإنَّ عذاب الآخرة متمثل فى نار جَهَنَّم , فما هى " جَهَنَّم " هذه ؟؟ .. تعالوا لنتعرَّف عليها مِنْ خلال تأمُّلنا فى هذا المشهد المُقتَبَس مِنْ فيلم مأساوى للغاية : فنحن أمام مشهد أشبه بسجن مُغلَق على ضحيّة تنال فيه أقسى وأبشع أنواع التعذيب - التى لم تخطر على قلب بشر - على يد جلاد لا تعرف الرحمة طريقاً أبداً إلى قلبه .. أرى هذا الجلاد وقد بدأ يهيِّىء الجو المناسب للضحيّة عن طريق إشعال النار فى مجموعة مِنَ الحجارة – وتتصف هذه الحجارة بسرعة الإيقاد , ونتن الرائحة , وكثرة الدخان , وشدة الالتصاق بالأبدان , وقوة حَرّها إذا أُحمِيَتْ – تمهيداً لوضع الضحيّة فيها .. وحتى يكون العذاب فوق الوصف , فقد قام هذا الجلاد بالإيقاد على هذه النار لمدة ألف عام كخطوة مبدئيّة حتى يتكوّن فى النار الحد الأدنى مِنْ قوتها الحارقة , ثم قام بالإيقاد عليها ألف عام أخرى كخطوة ثانية زيادةً فى قوة الإحراق , وأخيراً قام بالإيقاد عليها لألف عام أخرى مُتِمّاً بذلك ثلاثة آلاف عام فى إشعال هذه النار وذلك كخطوة نهائية جعلتْ هذه النار تزيد فى قوتها وإحراقها بسبعين ضعف للنار العادية , وبذلك يصبح الألم الناتج عن هذه النار شيئاً يفوق الخيال .. والآن وبعد أنْ هَـيـَّـأَ الجلاد لِضحيّته هذا الجو الرهيب مِنَ التعذيب , جاء دوره ليلقى بالضحيّة فى هذه النار السوداء .. ولكنّ الجلاد قد رأى أنْ يقوم أولاً بإرهاب ضحيّته نفسيّاً قبل الإلقاء بها فى الآتون المتأجج , حتى يكون العذاب نفسيّاً ومادّيـّاً فى آنٍ واحد .. فقد أوقفَ الجلادُ ضحيَّتَـه أمام منظر النار المرعب ينظر إليه مدة خمسين ألف سنة كاملة , ليس هذا فقط .. بل أمَرَ الجلادُ نارَه بأن تكلّم الضحية مهددة إياه ومتوعّداه بالعذاب الشديد , وبِأنْ تُسمعه تغيظها وزفيرها الذى ينم عن مدى الحقد الشديد لهذه النار على الضحية , وأمرها أيضاً بأنْ ترمى مِنْ لهبها وشررها على الضحية وهو واقف أمامها .. وذلك كنوع مِنَ الإرهاب النفسى الذى يهدف الجلادُ مِنْ ورائه إلى إخافة ضحيّته وتحطيمها نفسياً قبل ورود العذاب المادى .. ثُمَّ قرر الجلادُ أنْ يرمى بضحيّته – بعد كلّ هذا العذاب النفسى – فى الأتون المتأجج , لكنه لم يشأ أنْ يرمى بها هكذا بسلاسة , بل أمَرَ زبانيته ( قُساة القلوب ) الذين يزيدون فى عددهم عن سبعين ألف بِأنْ يذهبوا إليه فيأخذوه بعد أنْ يمزّقوه إرباً فى أيديهم لدرجة أنْ يتكسر ظهره فى أيديهم كما يتكسر الحطب , ثُمَّ يبدأون فى إغراقه فى القيود والأغلال بطريقة جدّ بشعة ومهينة , حيث يتسابقون أولاً فى أنْ يضع كلاً منهم الأغلال فى عنقه فيجعلونه كالكلب المُعَلَّق فى رقبته طَوْق ( مع أنَّ حالة الكلب أهون مِنْ حال ضحيّتنا ) , ثُمَّ يأتون بسلسلة طويلة جداً يصل طولها إلى سبعين ذراع , الحلقة الواحدة منها تعدل فى زنتها قدر حديد الدنيا كله , ثُمَّ يبدأون فى أنْ يسلكوا الضحيّة فى هذه السلسلة الضخمة عن طريق إدخال حلقاتها فى فتحة الشرج وإخراجها مِنْ فم الضحية المسكينة .. تماماً كما ينظم الكبابجى اللحم المشوى فى الأسياخ الحديدية !!!!!!!!!! وأخيراً تُطْرَح الضحيّة فى النار طرحاً بعد أنْ تُسحَب على وجهها .. وتبدأ مُعاناة هذا الإنسان المسكين مع هذه النار الملتهبة الرهيبة .. وأنتم تعلمون جميعاً آلام الحرق الفظيعة الناتجة عن النار العادية , فما بالكم بمقاساة هذا المسكين لنار زادت عنها فى حرارتها بسبعين ضعف !!!!! .. نار تلفح اللفحة فتنزع الجلد مِنْ على اللحم .. نار تأكل العظم واللحم والمُخّ .. نار تشوى الضحيّة حتى تقلص شِفَّتَهُ العُلْيَا حَتَّى تَبْلُغ وَسَطْ رَأسهُ , وَتَسْتَرْخِى شِفَّتَهُ السُّفْلَى حَتَّى تَضْرِب سُرَّتَهُ .. إنها حقاً لآلام تفوق كلّ وصف وخيال !!!! ثُمَّ يقوم الجلادُ بمضاعفة العذاب للضحيّة عن طريق إلباسه رداء قماشته عبارة عن نحاس مُذاب مِنْ شدة الغليان ... ولا يكتفى هذا الجلادُ السادى بهذا , بل يبدأ فى إرسال ألوان فظيعة أخرى مِنَ العذاب على ضحيّته المسكينة .. فيبدأ فى أنْ يُسَـلِّط على الضحيَّة أنواع بشعة مِنَ عقارب فى حجم البِغال وحَـيـَّـات فى حجم أعناق الجِمال , تلسعه إحداهنَّ اللسعة فيجد حموتها لأربعين سنة بعدها .. وتطلب الضحيّة طعاماً تُذهِب به جوعها , فيلبِّى الجلادُ الرغبة للضحيّة , حيث يقوم بعمل وجبة متنوعة مِنَ الأطعمة الخبيثة , حيث يقوم بإطعامه فى الوجبة الأولى طعاماً هو عبارة عن عصارة بقية الضحايا مِنْ قيحهم ودمهم وصديدهم , ثُمَّ يقوم بإطعامه فى الوجبة الثانية طعاماً هو عبارة عن ثمار لشجر مُعَيَّن يتميَّز بنتنه وقبح منظره ينزل فى بطن الضحيّة ليغلى فيها , فيستغيث الضحيَّة فيمدّه الجلادُ بطعام آخر وهو عبارة عن ثمار خبيثة شائكة تشبه سلى النخل المدبب , ثُمَّ يُمِدَّه بطعام آخر ينشب بالحلق بحيث يظلّ عالقاً بحلق الضحيّة لا يدخل ولا يخرج , فيستغيث المسكين طالباً شراباً يجيز به هذه الغُصَّة , فيغيثه الجلادُ بشراب أسود منتن غليظ كعكر الزيت قد انتهى حَرُّه , عندما يقرِّب الضحيَّة هذا الشراب مِنْ وجهه يشويه حتى تسقط فروة وجهه فيه , ثُمَّ يأتيه شراب آخر أشدّ حرارة ينزل إلى بطنه يقطّع أحشاءه وأمعاءه ويصهر ما فى بطنه صهراً مِنْ فرط حرارته , وأخيراً يقدِّم له الجلادُ كوكتيلاً مُكَوَّن مِنْ عُصارة صديد الضحايا ليتنوّع العذاب ويضيف إليه القرف والاشمئزاز بجانب الآلام !!!!! .. وإمعاناً فى العذاب يقوم الجلادُ بإخراج أمعاء الضحيَّة خارج جسده , ثُمَّ يجعل الضحيَّة يدور بأمعائه فى النار .. ويصرخ الضحية ويبكى دماً بعد أنْ يبكى الدموع , ويتوسل إلى الجلادُ أنْ يرحمَه , ولكن لا رحمة فى قلب الجلاد أبداً , ويتكرر التوسل والإلحاح , ولكن لا أمل فى الاستجابة ... وأمام هذا اليأس يلجأ الضحيَّة إلى طلب الموت للخلاص مِنْ هذا العذاب المتواصل ... ولكن الجلادُ السادى لا يريد أنْ يميت ضحيّته , بل يريد أنْ يتلذذ بتعذيبها أبد الآباد , وكلما رأى الألم فى عيون الضحيَّة كلما زاد مِنْ تعذيبه ... فيأتى جواب الجلاد للضحيَّة أنْ لا خلاص مِنَ العذاب ولا موت , بل سأظلّ أعذب فيك إلى ما لا نهاية ... وهنا ينقطع أمل الضحيّة المسكينة تماماً فى الخلاص !!!!!! وهــكـــــذا يــــنــــتـــــهـــــى الـــمــــشــــهــــد بــــهـــــذه الــنــــهــــايــــة الـــمأســـاويــــَّـــــة
فأما مكان السجن فهو : جـــَهَـــنــَّــم .. وأمـا السَجَّان ( الجَلاد ) فــهـو : الله .. وأمـا الزبانية فــهــم : " مالِك " ورفاقه .. وأما الضحيـَّــة فـهـى : الإنسان المسكين .. وحتى لا يتهمنى أحد بأننى أتجنّى على الله وزبانيته , فسوف أسوق إليكم الأدلّة على صِحَّة هذا المشهد مِنَ القرآن والسُنَّة : - سـعـة الـنَّـار وكِـبَـر حـجـمـهـا الـخـيـالـى :- عن ابن مسعود , عن النبىّ صلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ , قال : يُؤتَى بِجَهَنَّم يَوْمَئِذ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَام , مَعَ كُلّ زِمَام سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا " رواه مسلم . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - ظُـلْـمـة النـار وشـدة سـوادهـا :- * عن أبى هريرة عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم , قال : " أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ , ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ , ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ , فَهِىَ سَوْدَاءُ كَالليْلِ المُظْلِم " خَرَّجَه ابن ماجة والترمذى وقال : حديث أبى هريرة فى هذا موقوف أَصَحّ , ولا أعلم أحداً رفعه غير يحيى بن أبى كثير عن شريك . وقد ثبت فى الأحاديث الصحيحة أنّ مِنْ عُصاة الموحّدين مَنْ يحترق فى النار حتى يصير فحماً !!! يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - شـدة حـرّهـا :- ( وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرّ قُلْ نَارُ جَهَنّمَ أَشَدّ حَرّاً لّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ) [ التوبة : 81] * وعن أبى هريرة عن النبىّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم , قال : " اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ : يَارَبّ , أَكَلَ بَعْضِى بَعْضَاً فَنَفِّسْنِى , فَأَذِنَ لَهَا فِى نَفَسَيْن , نَفَسٌ فِى الشِّتَاءِ وَنَفَسٌ فِى الصِّيْفِ , فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ سَمُومَهَا , وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْبَرْدِ زَمْهَرِيرَهَا " .. متفق عليه . * وعن أبى هريرة عن النبىّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم , قال : " إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ , فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ , فَإِنَّ شِدَّة َ الْحَرِّ مِنْ فِيْحِ جَهَنَّم " .. متفق عليه . * وعن أبى هريرة عن النبىّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم , قال : " نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِى يُوقِدُ بَنُو آَدَمَ جُزْءٌُ وَاحِدٌ مِنْ سَبْعِين جُزْءاً مِنْ نَارِ جَهَنَّم " قَالُوا : وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَة ! قَالَ : " إِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّين جُزْءاً كُلُّهُنَّ مِثْلَ حَرِّهَا " .. متفق عليه , وخَرَّجَه الإمام أحمد وزاد فيه : " ضُرِبَتْ بِالْبَحْرِ مَرَّتَيْنِ , وَلَوْلا ذَلِكَ مَا جَعَلَ اللهُ فِيهَا مَنْفَعَةً لِأَحَد " . وقال عبد الله بن عُمَيْر : لو أنَّ أهل النار كانوا فى نار الدنيا لقالوا فيها ( أى ناموا فيها – مِنَ القيْلولة ) !!! يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - تـغـيُّـظـهـا وزفـيـرهـا :- ( بَلْ كَذّبُواْ بِالسّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذّبَ بِالسّاعَةِ سَعِيراً * إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيّظاً وَزَفِيراً ) ( الفرقان : 11,12 ) ( وَلِلّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ عَذَابُ جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ) ( المُلك : 6- 8 ) قال الربيع بن أنس : الشهيق فى الصدر , وقال مجاهد فى قوله : ( وَهِيَ تَفُورُ ) , قال : تغلى بهم كما يغلى القدر . وعن وهب بن منبه قال : إذا سُيِّرَت الجبال , فسمعت حسيس النار وتغيُّظها وزفيرها وشهيقها , صرخت الجبال كما تصرخ النساء , ثم يرجع أوائلها على أواخرها يدقّ بعضها بعضاً ..... خَرَّجَه الإمام أحمد . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - مـقـدار عـمـقـهـا :- * عن أبى هريرة قال : كُنَّا عِنْدَ النَّبِىّ صَلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّم يَوْمَاً فَسَمِعْنَا وَجْبَة ( أى : سَقْطَة ) , فقال النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّم : " أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ " فَقُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُه أَعْلَم , قَالَ : " هَذَا حَجَرٌ أُرْسِلَ فِى جَهَنَّم مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفَاً ( سبعين سنة ) , فَالْآنَ انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا " .. أخرجه مسلم وأحمد . * وعن أبى هريرة عن النبىّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم , قال : " إِنَّ الرَّجُلَ لَِيَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ لا يَِرَى بِهَا بَأسَاً , يَهْوى بِهَا فِى النَّارِ سَبْعِين خَرِيفَاً " ... رواه الترمذى وابن ماجة والحاكم – صحيح الجامع . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - دخـانـهـا وشـررهـا ولـهـبـهـا :- ( وَأَصْحَابُ الشّمَالِ مَآ أَصْحَابُ الشّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ ) ( الواقعة : 41- 44 ) ... قال ابن عباس : ظل من دخان . وعن مجاهد قال : ظل من دخان جهنم , وهو السموم .... قال الحسن وقتادة فى قوله ( لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ ) .. لا بارد المدخل , ولا كريم المنظر , والسموم : هو الريح الحارّة . وهذه الآية تضمّنتْ ذِكْر ما يتبرّد به فى الدنيا مِنَ الكرب والحرّ , وهو ثلاثة : الماء والهواء والظل , فهواء جَهَنَّم : السموم , وهو الريح الحارّة الشديدة الحَرّ , وماؤها الحميم الذى قد اشتدَّ حَرُّه , وظلها اليحموم , وهو قطع دخانها .. يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - أوديـتـهـا وجـبـالـهـا وعـيـونـهـا وآبـارهـا :- عن أبى سعيد عن النبىّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم , قال : " وَيْل : وَادٍ فِى جَهَنَّم يَهْوى فِيهِ الْكَافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفَاً قِبْلَ أَنْ يَبْلُغْ قَعْرَهُ " خَرَّجَه الإمام أحمد والترمذى ولفظه " وَادٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ يَهْوى فِيهِ الكَافِرُ سَبْعِين خَرِيفَاً قَبْلَ أَنْ يَبْلُغْ قَعْرَهُ " ... رواه الترمذى – كتاب تفسير القرآن ( 3088 ) وأحمد ( 11287 ) . وقال شفى بن ماتع : إنَّ فى جَهَنَّم قصراً يُقال له : هوى يُرمَى الكافر به مِنْ أعلاه أربعين عاماً قبل أنْ يبلغ أصله ( وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَى ) ( طه : 81 ) . وإنَّ فى جَهَنَّمَ وادياً يُدْعَى أثاماً فيه حيّات وعقارب , فقار إحداهنّ مقدار سبعين قلة سم , والعقرب منهنّ مثل البغلة الموكفة تلدغ الرجل فلا يلهبه ما يجد من حَرّ جَهَنَّم حمو لدغتها , فهوى لمن خلق له , وإنَّ فى جَهَنَّمَ وادياً يُدْعَى غَـيّـاً يسيل قيْحاً ودماً , وإنَّ فى جَهَنَّمَ سبعين داء , كلُّ داء مثل جزء مِنْ أجزاء جَهَنَّم ..... خَرَّجَه ابن أبى الدنيا . وروى يزيد بن درهم عن أنس فى قوْله ( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقَاً ) ( الكهف : 52 ) . قال : هو وادٍ مِنْ قَيْح فى جَهَنَّم , وفى رواية : نهر فى جَهَنَّم مِنْ قَيْح ودم ..... خَرَّجَه عبد الله بن الإمام أحمد . * وروى عمرو بن شعيب عن أبيه , عن جده , عن النبىّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم : " يُحْشَرُ المُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذرّ فِى صُورَةِ النَّاسِ يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَىْء مِنَ الصَّغَار , حَتَّى يَدْخُلُوا سِجْنَاً فِى جَهَنَّم يُقَالُ لَهُ : بولس تَعْلُوهُمْ نَارْ الأَنْيَار يُسْقَوْنَ مِنْ طِينِ الخَبَال عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ " ... رواه أحمد والترمذى عن ابن عمرو , وحَسَّنَه الألبانى فى صحيح الجامع ( 8040 ) . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - سـلاسـل النـار وأغـلالـهـا وأنـكـالـهـا :- ( إِنّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً ً) [ الإنسان : 4] ( وَجَعَلْنَا الأغْلاَلَ فِيَ أَعْنَاقِ الّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) ( سبأ : 33 ) ( إِذِ الأغْلاَلُ فِيَ أَعْنَاقِهِمْ والسّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمّ فِي النّارِ يُسْجَرُونَ ) ( غافر 71 , 72 ) ( خُذُوهُ فَغُلّوهُ * ثُمّ الْجَحِيمَ صَلّوهُ * ثُمّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ ) ( الحاقّة : 30 – 32 ) قال ابن المنكدر : لو جُمِعَ حديد الدنيا كله ما خلا منها وما بقى ما عدل حلقة مِنَ الحِلَق التى ذكر الله فى كتابه تعالى , فقال : (ثُمّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ ) ( الحاقّة : 32 ) .... أخرجه أبو نعيم . قال ابن المُبارك عن سُفيان فى قوْله : ( فَاسْلُكُوهُ ) قال : بلغنا أنَّها تدخل فى دُبُره حتى تخرج منه . وقال ابن جريج : قال ابن عباس : السلسلة تدخل فى إستِه ( دُبُره ) , ثم تخرج مِنْ فيه ( فمه ) , ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد فى العود حتى يشوى .... خَرَّجَه ابن أبى حاتم . قوْله : ( فَيُؤخَذُ بِالنَّوَاصِى وَالأَقْدَامِ ) ( الرحمن : 41 ) ... ذكر الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس , قال : يُؤخَذ بناصيته وقدميْه ويكسر ظهره , كما يكسر الحطب فى التنّور . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! حـجـارة النـار :- ( يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ قُوَاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاّ يَعْصُونَ اللّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ( التحريم : 6 ) .. وأكثر المفسرين على أنَّ المُراد بالحجارة حجارة الكبريت تُوقَد بها النار , ويُقال : إنَّ فيها خمسة أنواع مِنَ العذاب ليس فى غيرها مِنَ الحجارة : سرعة الإيقاد , ونتن الرائحة , وكثرة الدخان , وشدة الالتصاق بالأبدان , وقوة حَرّها إذا أُحمِيَتْ . وقال مجاهد : حجارة مِنْ كبريت أنتن مِنَ الجيفة . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - حيَّـات النـار وعـقـاربـهـا :- عن عبد الله ابن الحارث ابن جزء الزبيدى , قال : قال رسول الله صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم : " إنَّ فِى النَّارِ حَيَّاتٍ كَأَعْنَاقِ البخَاتِى , تَلْسَعُ إِحْدَاهُنَّ اللسْعَةَ فَيَجِدْ حَمْوَتَهَا إِلَى أَرْبَعِينَ خَرِيفَاً , وَإِنَّ فِى النَّارِ عَقَارِبَ كَأَمْثَالِ البِغَالِ المُوكفَةِ , تَلْسَعُ إِحْدَاهُنَّ اللسْعَةَ , فَيَجِدْ حَمْوَتَهَا أَرْبَعِينَ سَنَة " .... رواه الحاكم ( 4/ 593 ) , وأحمد ( 4 / 191 ) بإسناد حسن , إلا أنَّ شطر الحديث الثانى ضعيف . وعن ابن مسعود فى قوله تعالى : ( زِدْنَاهُمْ عَذَابَاً فَوْقَ العَذَابِ ) ( النحل : 88 ) , قال : عقارب لها أنياب , كالنخل الطوال , .... وخَرَّجَه الحاكم , وقال صحيح على شرط الشيْخيْن . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - طـعـام أهـل النَّـار :- الزقُّــوم : ( أَذَلِكَ خَيْرٌ نّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ * إِنّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لّلظّالِمِينَ * إِنّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيَ أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنّهُ رُءُوسُ الشّيَاطِينِ * فَإِنّهُمْ لاَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمّ إِنّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ ) ( الصافات : 62 – 67 ) .. ( إِنّ شَجَرَةَ الزّقّومِ * طَعَامُ الأثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ) ( الدخان : 43- 46 ) .. ( ثُمّ إِنّكُمْ أَيّهَا الضّآلّونَ الْمُكَذّبُونَ * لاَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مّن زَقّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَـَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدّينِ ) ( الواقعة : 51- 56 ) .. وعن ابن عباس أنَّ النبىَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قرأ هذه الآية : ( اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) ( آل عمران : 102 ) , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قَطَرَتْ فِى دَارِ الدُّنْيَا لَأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ , فَكَيْفَ بِمَنْ تَكُونُ طَعَامَهُ ؟ " ... رواه الترمذى , وابن ماجة , وصححه الألبانى فى صحيح الجامع . عن ابن عباس أنَّ شجرة الزقوم ثابتة فى أصل سقر , ورُوِىَ عن الحسن أنَّ أصلها فى قعر جَهَنَّم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها . وقد دَلَّ القرآن على أنهم يأكلون منها حتى تمتلىء منها بطونهم فتغلى فى بطونهم , كما يغلى الحميم , وهو الماء الذى قد انتهى حَرُّه , ثم بعد أكلهم منها يشربون عليه مِنَ الحميم شُرْبَ الهِيم . قال ابن عباس : الهِيم : الإِبِل العطاش . وقال السدى : هو داء يأخذ الإِبِل فلا تُرْوَى أبداً حتى تموت , فكذلك أهل جَهَنَّم لا يروون مِنَ الحميم أبداً . ودَلَّ قوله ( ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْبَاً مِنْ حَمِيمٍ ) ( الصافات : 67 ) على أنَّ الحميم يُشَابُ به ما فى بطونهم مِنَ الزَقُّوم , فيصير شَوْباً له ..... وقال عطاء الخرسانى فى هذه الآية يُقال : يخلط طعامهم ويشاب بالحميم . وقوله ( ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الجَحِيمِ ) ( الصافات : 68 ) ... أى بعد أكل الزقوم وشرب الحميم عليه , ... ويدلّ هذا على أنّ الحميم خارج مِنَ الجحيم , فهم يَرِدُونَه كما تَرِدُ الإبِل الماء , ثم يُرَدُّونَ إلى الجحيم . وقال القرظى فى قوله ( يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ ) ( الرحمن : 44 ) , قال : إنَّ الحميم دون النار , فيُؤخَذ العبد بناصيته فيُجَرّ فى ذلك الحميم حتى يذوب اللحم ويبقى العظم والعينان فى الرأس , وهذا الذى يقول فيه الله ( فِى الحَمِيمِ ثُمَّ فِى النَّارِ يُسْجَرُونَ ) ( غافر : 72 ) . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! الضـريـع والطعام ذا الغُـصَّـة : روى الإمام أحمد بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس فى قوْله ( وَطَعَامَاً ذَا غُصَّةٍ ) , قال : شوك يأخذ بالحَلْق لا يدخل ولا يخرج . وروى علىّ بن أبى طلحة عن ابن عباس فى قوْله : ( لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إلا مِنْ ضَرِيعٍ ) ( الغاشية : 6 ) , قال : شجرٌ فى جَهَنَّم . وعن أبى الحوارى قال : الضريع : السلى شوك النخل . قال عكرمة : وهو شجرة ذات شوك لاطئة بالأرض . وقال سعيد عن قتادة : ( لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إلا مِنْ ضَرِيعٍ ) مِنْ شَرِّ الطعام وأبشعه وأخبثه . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! الغِـسْـلِـيـن : ( فَلَيْسَ لَهُ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إلا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأكُلُهُ إلا الخَاطِئونَ ) ( الحاقّة : 35- 37 ) ... قال شريح بن عبيد , قال كعب : لو دلى مِنْ غسلين دلو واحد فى مطلع الشمس , لَغَلَتْ منه جماجم قوم فى مغربها ... خَرَّجَهُ أبو نعيم . وعن مقاتل , قال : إذا سال القَيح والدم بادروا إلى أكله قبل أن تأكله النَّار . وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس , قال : الغسلين : الدم والماء يسيل مِنْ لحومهم . روى علىّ ابن أبى طلحة عن ابن عباس , قال : الغِسْلِين هو صديد أهل النار . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! شـراب أهـل النَّـار :- الحـمـيـم : ( فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الحَمِيمِ ) ( الواقعة : 54 ) ( وَسُقُوا مَاءاً حَمِيمَاً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ) ( محمد : 15 ) ( لا يَذوقُونَ فِيهَا بَرْدَاً وَلا شَرَابَاً * إلا حَمِيمَاً وَغَسَّاقَاً ) ( النبأ : 24 , 25 ) ( هَذا فَلْيَذوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ ) ( ص : 57 , 58 ) ( يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) ( الرحمن : 44 ) قال شبيب بن عكرمة عن ابن عباس : حَمِيمٍ آنٍ : أى الذى قد انتهى غليه . وقال ابن كثير : ( وَسُقُوا مَاءاً حَمِيمَاً ) أى حارّاً شديد الحرارة لا يُستَطَاع , ( فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ) أى قطَّعَ ما فى بطونهم مِنَ الأمعاء والأحشاء . قال الربيع بن أنس : فأما الحميم فهو الحارّ الذى قد انتهى حَرّه وحمره . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! الـغَـسـَّاق : ( لا يَذوقُونَ فِيهَا بَرْدَاً وَلا شَرَابَاً * إلا حَمِيمَاً وَغَسَّاقَاً ) ( النبأ : 24 , 25 ) ( هَذا فَلْيَذوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ ) ( ص : 57 , 58 ) قال ابن عباس : الغَسَّاق : ما يسيل مِنْ بيْن جلد الكافر ولحمه , وعنه قال : الغَسَّاق : الزمهرير البارد الذى يحرق مِنْ برده . وعن عبد الله بن عمرو , قال : الغساق : القيح الغليظ , لو أنَّ قطرةً منه تهرق فى المغرب لأنتنت أهل المشرق , ولو أهرقت فى المشرق لأنتنت أهل المغرب . وقد صرَّحَ ابن عباس فى رواية عنه ومجاهد بأنَّ الغَسَّاق هاهنا هو البارد الشديد البرد , ويدل عليه قوله : ( لا يَذوقُونَ فِيهَا بَرْدَاً وَلا شَرَابَاً * إلا حَمِيمَاً وَغَسَّاقَاً ) , فاستثنى مِنَ البرد الغَسَّاق , ومِنَ الشراب الحميم . وقال ابن كثير : وأما الغَسَّاق فهو البارد الذى لا يُستَطَاع مِنْ شِدَّة برده المؤلم . وعن أبى سعيد عن النبىّ صلَّى اللهُ عليه وسلم , أنه قال : " لَوْ أَنَّ دَلْوَاً مِنْ غَسَّاقٍ يُهْرَاقُ فِى الدُّنْيَا , لأنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا " ... رواه الإمام أحمد عن أبى سعيد , ورواه الترمذى عن عمرو بن الحارث عن دراج , وقال لا نعرفه إلا مِنْ حديث رشد .. قال وقد تقدَّمَ مِنْ غير حديثه , ورواه ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث . وقال كعب الأحبار : غَسَّاق عَيْنٌ فى جَهَنَّم يسيل إليها حمة كل ذات حمة مِنْ حية وعقرب وغير ذلك , فيستنقع , فيؤتَى بالآدمى فيُغمَس فيها غمسة واحدة , فيخرج وقد سقط جلده ولحمه عن العظام , ويتعلق جلده ولحمه فى كعبيْه وعقبيْه , ويُجَرّ لحمه كله كما يجرّ الرجل ثوبه ... رواه ابن أبى حاتم . وقال الحسن البصرى فى قوْله ( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ ) ألوان مِنَ العذاب , وقال غيره كالزمهرير والسموم وشرب الحميم وأكل الزَقُّوم والصعود والهوى إلى غير ذلك مِنَ الأشياء المختلفة المتضادّة والجميع مما يُعذبون به ويُهانون بسببه . وقال الربيع بن أنس : والغَسَّاق هو ما اجتمع مِنْ صديد أهل النار وعرقهم ودموعهم وجروحهم , فهو بارد لا يُستَطَاع مِنْ برده ولا يُواجَه مِنْ نتنه . وقد قيل : إنَّ الغَسَّاق هو البارد المنتن . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! الـصـديــد : ( مّن وَرَآئِهِ جَهَنّمُ وَيُسْقَىَ مِن مّآءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) ( ابراهيم : 16 , 17 ) قال مجاهد , وعكرمة فى قوله ( وَيُسْقَىَ مِن مّآءٍ صَدِيدٍ ) : يعنى القيح والدم . وقال قتادة : هو ما يسيل من لحمه وجلده , وفى رواية عنه : الصديد ما يخرج مِنْ جَوْف الكافر قد خالط القيح والدم . وعن جابر عن النبىّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم , قال : " إِنَّ عَلَى اللهِ عَهْدَاً لِمَنْ شَرِبَ المُسْكِرَاتِ , لَيُسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ , وَمَا طِينَةُ الخَبَالِ ؟ قَالَ : عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ , أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ " ... أخرجه مسلم عن جابر . وعن أبى أمامة عن النبىّ صلى اللهُ عليه وسلَّم فى قوْله : ( وَيُسْقَىَ مِن مّآءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ ) , قال : يُقَرَّبُ إِلَى فِيهِ ( أىْ إِلَى فَمِه ) فَيَكرعُه , فَإِذا أُدْنِىَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأسِهِ , فَإِذا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ , حَتَّى يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ , يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : ( وَسُقُوا مَاءاً حَمِيمَاً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ) , وَيَقُولُ : ( وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوجُوهَ بِئْسَ الشّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً ) ... رواه أحمد عن أبى أمامة , ورواه الترمذى فى كتابه صفة جَهَنَّم ( 2506 ) . وقوْله ( يَتَجَرَّعُهُ ) : أىْ يتغصصه ويتكرهه , أىْ يشربه قهراً وقسراً لا يضعه فى فمه حتى يضربه المَلَك بمطراق مِنْ حديد كما قال الله ( وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيد ) ( وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ ) أىْ يزدرده لسوء طعمه ولونه وريحه وحرارته أو برده الذى لا يُستَطَاع .. ( تفسير ابن كثير ) . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! الـمـاء الـذى كـالـمُـهْــل : ( وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوجُوهَ ) ( الكهف : 29 ) قال ابن عباس : المُهْل : الماء الغليظ مثل دردى الزيت .. وقال مجاهد : بماءٍ كالمُهْل : مثل القيح والدم أسود كعكر الزيت .. وقال عكرمة : هو الشىء الذى انتهى حَرُّه .. وقال قتادة : أَذابَ ابن مسعود شيئاً مِنَ الذهب فى أخدود فلما انماع وأزبَدَ , قال : هذا أشبه شىء بالمُهْل .. وقال الضحاك : ماء جَهَنَّم أسود , وهى سوداء , وأهلها سود .. وقال آخرون : المُهْل : هو كلّ شىء أُذِيب .. وهذه الأقوال ليس شىء منها ينفى الآخر , فإنَّ المُهْل يجمع هذه الأوصاف الرذيلة كلها , فهو أسود منتن غليظ حارّ , ولهذا قال ( يَشْوِي الْوجُوهَ ) أى مِنْ حَرِّه , إذا أراد الكافر أنْ يشربَه وقَرَّبَهُ مِنْ وجهه شواه حتى تسقط جلدة وجهه , كما جاء فى الحديث المروى عن أبى سعيد الخدرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَاء كَالمُهْلِ – قَالَ – كَعكر الزِّيْتِ , فَإِذَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهَهُ فِيه " ... رواه أحمد , والترمذى فى صفة النار . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - سـرابـيـل أهـل الـنـار :- ( وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مّقَرّنِينَ فِي الأصْفَادِ * سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىَ وُجُوهَهُمْ النّارُ ) ( ابراهيم : 49 , 50 ) يقول ابن كثير : وقوله ( سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ ) أىْ ثيابهم التى يلبسونها مِنْ قطران , وهو الذى تهنأ به الإبِل , أىْ تُطْلَى .. قال قتادة : وهو ألصق شىء بالنار .. وكان ابن عباس يقول : القطران هو النحاس المُذاب , وربما قرأها ( سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ ) أىْ مِنْ نحاس حارّ قد انتهى حَرُّه .. يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - وَمِنْ عذاب أهل النار : الـصَّهــر :- ( فَالّذِينَ كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نّارِ يُصَبّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ) ( الحج : 19 , 20 ) .. قال عطاء الخراسانى : يُذابُ به ما فى بطونهم كما يُذابُ الشحم . - وَمِنْ عذاب أهل النار : سـحـبـهـم عـلـى وجـوهـهـم :- ( إِنّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النّارِ عَلَىَ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسّ سَقَرَ ) ( القمر : 47 , 48 ) .. - وَمِنْ عذابهم : إلقائهم فى مكان ضيّق لا يتمكنون فيه مِنَ الحركة :- ( وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيّقاً مّقَرّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً ) ( الفرقان : 13 ) ... قال كعب : إنَّ فى جَهَنَّم تنانير ضِيقها كضِيق زج رمح أحدكم ثم يطبق على أناس بأعمالهم .. وعن سويد بن غفلة قال : إذا أراد الله أنْ ينسى أهل النار جعل للرجل صندوقاً على قدره مِنَ النار , ولا ينبض عرق إلا فيه مسمار مِنْ نار , ثم تضرم فيه النار , ثم يقفل بقفل من نار , ثم يجعل اللهُ ذلك الصندوق فى صندوق مِنْ نار , ثم تضرم بينهما نار ثم يُقفَل , ثم يُطرَح – أو يُلقَى – فى النار , فذلك قوْله تعالى : ( لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ النّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوّفُ اللّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَعِبَادِ فَاتّقُونِ ) ( الزمر : 16 ) .. وقوْله تعالى : ( لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ ) ( الأنبياء : 100 ) . قال : فما يرى أنَّ فى النار أحداً غيره .... خَرَّجَهُ البيْهقى . - وَمِنْ أهل النار مِنْ يدور فى النار وهو يجرّ أمعاءَه :- عن أسامة بن زيْد عن النبىّ صلّى اللهُ عليْه وسَلَّم , قال : " يُؤتَى بِالرَّجُلِ فَيُلْقَى فِى النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابَهُ ( أمعاءَه ) فِى النَّارِ , فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ , فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ , فَيَقُولُونَ : أَىْ فُلان , مَا شَأنُكَ ؟ أَلَسْتَ كُنْتَ تَأمُرُنَا بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ ؟ قَالَ : بَلَى ,كَنْتُ آمُرُكُمْ بِالمَعْرُوفِ وَلا آتِيه , وَأَنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيه " ... أخرجه البخارى مع الفتح – ومسلم . - فى تفسير قوله : ( تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ) :- عن أبى سعيد , عن النبىّ صلى الله عليه وسلم , قال : ( وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ) , قال : " تَشْوِيهِ النَّارُ فَتقلص شِفَّتَهُ العُلْيَا حَتَّى تَبْلُغ وَسَطْ رَأسهُ , وَتَسْتَرْخِى شِفَّتَهُ السُّفْلَى حَتَّى تَضْرِب سُرَّتَهُ " ... رواه الإمام أحمد عن أبى سعيد ( 11409 ) – والترمذى فى كتاب صفة جَهَنَّم ( 2512 ) . - فى تفسير قوْله : ( الَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ ) :- قال محمد بن كعب القرظى فى قوْله : ( الَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ ) , قال : تأكله النَّار إلى فؤاده , فإذا بلغتْ فؤادَه أُنشِىءَ خَلْقُه . وقال الله : ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِى وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ) ( المدثر : 27- 29 ) ... قال صالح بن حيان عن ابن بريدة فى قوله : ( لا تُبْقِى وَلا تَذَرُ ) , قال : تأكل العظم واللحم والمخ ولا تذره على ذلك . وقال أبو رزين فى قوْله : ( لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ) , قال : تلفح وجهه لفحة تدعه أشد سواداً مِنَ الليْل .. وعن أبى هريرة فى قوْله : ( لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ) , قال : تلقاهم جَهَنَّم يوم القيامة فتلفحهم لفحة , فلا تترك لحماً على عظم إلا وضعتْه على العراقيب . وروى ابن مهاجر عن مجاهد فى قوله : ( نَزَّاعَةً لِلشَّوَى ) : تنزع الجلد , وعنه قال : تنزع اللحم ما دون العظم . - فى تفسير قوْله : ( وَيَأتِيهِ المَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ) :-قال ابراهيم فى قوْله : ( وَيَأتِيهِ المَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ) حتى من تحت كل شعرة فى جسده . وقال الضحاك : حتى مِنْ إبهام رجليْه , والمعنى أنه يأتيه مثل شدة الموت وألمه مِنْ كلّ جزء مِنْ أجزاء بدنه حتى شعره وظفره , وهو مع هذا لا تخرج نفسه فيستريح . قال الأوزاعى عن بلال بن سعد : تنادى النار يوم القيامة : يا نار أحرقى , يا نار اشتَفى , يا نار أنضِجِى , كلى ولا تقتلى . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - بكاء أهل النار وصراخهم وزفيرهم وشهيقهم :-( لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ ) ( الأنبياء : 100 ) ( فَأَمَّا الذِينَ شَقُوا فَفِى النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ) ( هود : 106 ) قال الربيع بن أنس : الزفير فى الحَلْق , والشهيق فى الصدر , وقال معمر عن قتادة : صوت الكافر فى النار مثل صوت الحمار أوله زفير وآخره شهيق .. وعن أنس , عن النبىّ صلى الله عليه وسلم , قال : " يُرْسَلُ البُكَاءُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ فَيَبْكُونَ حَتَّى تَنْقَطِع الدُّمُوعُ , ثُمَّ يَبْكُونَ الدَّم حَتَّى يَصِيرُ فِى وُجُوهِهِم كَهَيْئَةِ الأُخْدُودِ لَوْ أُرْسِلَتْ فِيهِ السُّفُن لَجَرَتْ " ... رواه ابن ماجة عن أنس , وحسنه الألبانى فى صحيح الجامع ( 8083 ) – الصحيحة ( 1679 ) . وروى مالك عن يزيد بن أسلم فى قوْله ( سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ) ( ابراهيم : 21 ) , قال زيد : صبروا مائة عام ثم بكوا مائة عام ثم قالوا : ( سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ) .. ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الّذِي كُـنّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مّا يَتَذَكّرُ فِيهِ مَن تَذَكّرَ وَجَآءَكُمُ النّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظّالِمِينَ مِن نّصِيرٍ ) ( فاطر : 37 ) يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - قـسـوة مـلائـكـة الـنـار :- وصف اللهُ الملائكة الذين على النار بالغلظة والشدة ... قال : ( عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاّ يَعْصُونَ اللّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ( التحريم : 6 ) .. وروى عبد الله بن الإمام أحمد بإسناده عن أبى عمران الجونى قال : بَلَغَنَا أنَّ المَلَك مِنْ خَزَنَة جَهَنَّم ما بيْن منكبيْه مسيرة خريف , فيضرب الرجل مِنْ أهل النار الضربة فيتركه طحيناً مِنْ لدن قرنه إلى قدمه . وفى رواية أخرى له قال : بَلَغَنَا أنَّ خَزَنَة النار تسعة عشر ما بيْن منكبى أحدهم مسيرة خريف , وليس فى قلوبهم رحمة , إنَّما خُلِقُوا للعذاب . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - وصف عام لحال أهل النار :- روى ابن أبى الدنيا بإسناده عن وهب بن منبه , قال : أمّا أهل النار الذين هم أهلها , فهم فى النار لا يهدأون ولا ينامون ولا يموتون , ويمشون على النار , ويجلسون على النار , ويشربون مِنْ صديد أهل النار , ويأكلون مِنْ زَقُّوم النار , فُرُشُهم ولحفهم نار , وقمصهم نار وقطران , وتغشى وجوههم النار , وجميع أهل النار فى سلاسل بأيدى الخزنة أطرافها ... يُجذَبُون مقبلين ومدبرين , فيسيل صديدهم إلى حفر فى النار , فذلك شرابهم . يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!! - أهــون أهــل الــنـَّـار عــذابــاً :- وبعد أن استعرضنا النماذج السابقة فى العذاب , تُرَى ماذا يكون حال أهون أهل النار عذاباً ؟؟؟ ... الإجابة عن هذا السؤال نجده فى الحديث التالى : عن النعمان بن بشير , عن النبىّ صلى الله عليه وسلم , قال : " إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابَاً , رَجُلٌ فِى أَخْمصْ قَدَمَيْه جَمْرَتَان يَــغْــلِــى مِــنْــهُــمُــا دِمـَـاغُــه , كَمَا يَغْلِى المرْجَلْ بِالقُمْقُمْ " ... أخرجه البخارى مع الفتح , وفى لفظ مسلم : " إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابَاً مِنْ لَهُ نَعْلانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ , يَــغْــلِــى مِــنْــهُــمُــا دِمـَـاغُــه , كَمَا يَغْلِى المرْجَلْ , مَا يَرَى أَنَّ أَحَدَاً أَشَدَّ مِنْهُ عَذَابَاً , وَإِنَّهُ لَأَهْوَنْهُمْ عَذَابَاً " .. أهذا هو أهون أهل النار عذاباً ؟؟؟؟؟؟؟ لا تــــعـــــلـــــيـــــق !!!!!!!! - انـقـطـاع أمـل أهـل النـار نـهـائـيـّاً فـى رحـمـة الله :- ( وَقَالَ الّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنّمَ ادْعُواْ رَبّكُمْ يُخَفّفْ عَنّا يَوْماً مّنَ الْعَذَابِ * قَالُوَاْ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيّنَاتِ قَالُواْ بَلَىَ قَالُواْ فَادْعُواْ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلاَلٍ ) ( غافر : 49 , 50 ) .. ( وَنَادَوْاْ يَمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّكَ قَالَ إِنّكُمْ مّاكِثُونَ ) ( الزخرف : 77 ) .. ( وَالّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنّمَ لاَ يُقْضَىَ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلّ كَفُورٍ ) ( فاطر : 36 ) .. ( وَمَنْ خَفّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـَئِكَ الّذِينَ خَسِرُوَاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىَ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذّبُونَ * قَالُواْ رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنّا قَوْماً ضَآلّينَ * رَبّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ ) ( المؤمنون : 103- 108 ) .. روى أبو معشر عن محمد بن كعب القرظى , قال : لأهل النار خمس دعوات يُكَلَّمون فى أربع منها , ويُسكَتْ عنهم فى الخامسة فلا يُكَلَّمون .... يقولون : ( قَالُواْ رَبّنَآ أَمَتّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىَ خُرُوجٍ مّن سَبِيلٍ ) [غافر : 11] .. فيرد عليهم : ( ذَلِكُم بِأَنّهُ إِذَا دُعِيَ اللّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَالْحُكْمُ للّهِ الْعَلِـيّ الْكَبِيرِ) [غافر : 12] .. ثم يقولون : ( رَبّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنّا مُوقِنُونَ ) [ السجدة : 12] .. فيرد عليهم : ( وَلَوْ شِئْنَا لاَتَيْنَا كُلّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـَكِنْ حَقّ الْقَوْلُ مِنّي لأمْلأنّ جَهَنّمَ مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـَذَآ إِنّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [ السجدة : 13,14] .. ثم يقولون : ( رَبّنَآ أَخّرْنَآ إِلَىَ أَجَلٍ قَرِيبٍ نّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتّبِعِ الرّسُلَ ) .. فيرد عليهم : ( أَوَلَمْ تَكُونُوَاْ أَقْسَمْتُمْ مّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ ) [ إبراهيم : 44] .. ثم يقولون : ( رَبّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الّذِي كُـنّا نَعْمَلْ ) .. فيردّ عليهم : ( أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مّا يَتَذَكّرُ فِيهِ مَن تَذَكّرَ وَجَآءَكُمُ النّذِيرُ ) [ فاطر : 37] .. ثم يقولون : ( رَبّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنّا ظَالِمُونَ * رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنّا قَوْماً ضَآلّينَ ) ( المؤمنون : 106 , 107 ) .. فيرد عليهم : ( قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ * إِنّهُ كَانَ فَرِيقٌ مّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبّنَآ آمَنّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ * فَاتّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتّىَ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مّنْهُمْ تَضْحَكُونَ ) ( المؤمنون : 108- 110 ) .. قال : فلا يتكلمون بعد ذلك , ... خَرَّجَهُ آدم بن أبى إياس وابن أبى حاتم . قال ابن مسعود : ليس بعد هذه الآية خروج ( قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ ) . أرأيتم كيف يعاملهم الله ؟؟!! كل هذه المُعاناة التى هم فيها , وكل هذا العذاب , وكل هذه الاستغاثات والتوسلات التى يتوجهون بها إليه لم تحرك في قلبه مشاعر الرحمة ... لماذا لا يرحمهم ؟؟ .. ماذا يستفيد مِنْ تعذيبهم بكل هذا العذاب ؟؟!! ... ويصور الحديث التالى مدى اليأس الذى وصلوا إليه مِنْ أنْ يرحمهم : عن أبى الدرداء , أنَّه قال : " يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الجُوعُ , فَيَعْدِلُ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ العَذَابِ فَيَسْتَغِيثُونَ , فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِى مِنْ جُوعٍ , فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ , فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ ذِى غُصَّةٍ , فَيَذكُرُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُجِيزُونَ الغُصَصَ فِى الدُّنْيَا بِالشَّرَابِ , فَيَسْتَغِيثُونَ بِالشَّرَابِ , فَيُدْفَعُ إِلَيْهِمُ الحَمِيمُ بِكَلالِيبَ الحَدِيدِ , فَإِذَا دَنَتْ مِنْ وُجُوهِهِمْ شَوَتْ وُجُوهَهُمْ , فَإِذَا وَصَلَتْ بُطُونَهُمْ قَطَّعَتْ مَا فِى بُطُونِهِمْ , فَيَطْلُبُونَ إِلَى خَزَنَةِ جَهَنَّم : أَن ( ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمَاً مِنَ العَذَابِ ) , فَيُجِيبُونَهُمْ : ( أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيّنَاتِ قَالُواْ بَلَىَ قَالُواْ فَادْعُواْ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلاَلٍ ) , فَيَقُولُونَ : سَلُوا مَالِكَاً , فَيَقُولُونَ : ( يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) , فَيَقُولُ : ( إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ) .. قال الأعمش : نُبئتُ أنَّ بين دعائهم وبين إجابة مالك لهم ألف عام , قال : فَيَقُولُونَ ( رَبّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنّا ظَالِمُونَ ) , فَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ : ( اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ ) . فَعِنْدَ ذَلِكَ يَيْأسُونَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ , وَيَأخُذونَ فِى الشَّهِيقِ وَالوَيْلِ وَالثُّبورِ . " ... رواه الترمذى وابن أبى شيبة عن أبى الدرداء , وقد رُوِىَ موقوفاً عن أبى الدرداء . وأمام هذا السيل المتدفق مِنَ العذاب , ومع يأس أهل النار مِنَ الخروج منها , لم يعودوا يتمنّون أى شىء إلا الموْت والفناء , فقد أصبح هو الحل والمخرج الوحيد مِنْ المآسى التى يعيشونها , وأصبح العدم عندهم أهون مِنْ هذه حياة النار التى يحيوْنها ... لذا اضطرّوا لأن يسألوا الله الموت , فماذا كان ردّ فعل إلههم أمام طلبهم هذا : عن أبى سعيد عن النبىّ صلى الله عليه وسلم , قال : " يُجَاءُ بِالمَوْتِ يَوْمَ القِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحٌ , فَيُوقَفْ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ , فَيُقَالُ : يَا أَهْلَ الجَنَّةِ , هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ , وَيَقُولُونَ : نَعَمْ هَذَا المَوْتُ , وَيُقَالُ : يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ , فَيَقُولُونَ : نَعَمْ هَذَا المَوْتُ , قَالَ : فَيُؤمَرُ بِهِ فَيُذبَح , ثُمَّ يُقَالُ : يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلا مَوْت , وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْت .. ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) [ مريم : 39] .... أخرجه البخارى مع الفتح , ومُسلِم . حتى الموت .. هذا المطلب البسيط .. يبخل به عليهم , لأنه يعلم أنَّ فيه راحة لهم , وهو لا يريد إلا الإمعان فى تعذيبهم , والتنكيل بهم !!! يــــــــــــا لــــــــه مِــــنْ إلـــــــــه رحـــــيـــــم جـــــداً !!!!!!!!!
والآن , وبعد هذه الجـوْلـة العـنـيـفـة التى تجوَّلناها فى الكابوس المُسَمَّى بِـجـَهَـنَّم , فإنّه لزاماً علىّ أنْ أعتذر لكم عن إذا كنتُ سبَّبتُ لكم تعباً نفسيّاً مِنْ جَرَّاء هذه الآيات والأحاديث المُرعِبة , فالحقيقة أنّ هذه الآيات والأحاديث السابقة ليست فقط تسبّب تعباً نفسياً للقارىء , بل هى كفيلة أنْ تتسبَّب فى حدوث انهيار عصبى لِمَنْ يتأمل فيها ويتخيّلها , ولكن الذى اضطرّنى لسردها بهذا الشكل التفصيلى هو رغبتى فى أنْ أوضّح الصورة الحقيقية البشعة لهذا الكائن السادى المُسَمَّى " الله " .. ( ومَنْ أراد الاستزادة فعليه بالرجوع لكتاب " التخويف مِنَ النار" لصاحبه " ابن رجب الحنبلى " ) .. هل بعد هذه الجولة , ما زلتم تروْنَ إلهكم رحيماً أيها المسلمون ؟؟؟؟؟؟ أنا مِنْ خلال النصوص السابقة لا أراه إلا أشبه بكائن فى منتهى السـاديـَّـة .. فى منتهى الــقــســوة .. فى منتهى الوحـشـيَّـة .. يتفنن فى تعذيب ضحيّته بأقسى وأبشع الطُرُق .. لقد فاق هذا الإله فى وحشيّته كل التصوّر والخيال .. وأرى أننا لو شبهناه فى ساديّته بساديّة نيرون وهتلر نكون بذلك قد ظلمنا نيرون وهتلر !!!!!!! والغريب أنّه برغم كلّ ما ذكرناه مِنْ أمثلة على قسوة هذا الإله الإسلامى , نجد رسوله يقول عنه فى هذا الحديث : *عن عُمَر بن الخَطَّاب رَضِىَ اللهُ عنه , قال : قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِسَبْىٍْ , فَإِذا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْىِ تَسْعَى , إِذ وَجَدَتْ صَبِيَّاً فِى السَّبْىِ أَخَذتْهُ , فَأَلْزَقَتْهُ بِبَطْنِهَا , فَأَرْضَعَتْهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : " أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِى النَّارِ ؟ " قُلْنَا : لا وَاللهِ . فَقَالَ : " لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا " متفق عليه . لعمرى , إنَّ شرّ البليَّة ما يُضحِك ... هو أرحم بعبده مِنْ أمه به , ويُنزِل به كلّ هذا العذاب الوحشى ؟؟؟ فياترى لو كان قاسى على عبده , ماذا كان يفعل به ؟؟؟!!! أشعر كُلَّما قرأتُ القرآن أننا أمام عذاب ثُمَّ عذاب ثُمَّ عذاب , فالجدير بالذكر أنَّ " النار " ورد ذكرها فى هذا الكتاب 99 مرة , بينما " الجَنَّة " لم تُذكَر سوى 54 مرة فقط , وحتى الداخلين للجَنَّة عددهم قليل جداً مُقارنةً بعدد أهل النار , كما فى هذا الحديث : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، قَالَ: يَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّار ؟ قَالَ: مِنْ كُلِ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، قَالَ: فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَغِيرُ وَتَضَعُ كُلُ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَ عَذَابَ الله شَدِيدٌ ـ قَالَ أبو سعيد رضي الله عنه: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ـ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُنَا ذَلِكَ الرَجُل ؟ فَقَالَ: أَبْشِرُوا، فإِنَّ مِن يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفاً، وَمِنْكُمْ رَجُلٌ، قَالَ: ثُمَ قَالَ: وَالَذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِي لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّة ـ قَالَ أبو سعيد رضي الله عنه: فَحَمِدْنَا الله وَكَبَّرْنَا ـ ثُمَ قَالَ: وَالَذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِني لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّة ـ قَالَ أبو سعيد رضي الله عنه: فَحَمِدْنَا الله وَكَبَّرْنَا ـ ثُمَ قَالَ: وَالَذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِني لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الجَنَّة، إنَّ مَثَلَكُمْ فِي الأُمَمِ كَمَثَلِ الشَعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثُوْرِ الأَسْوَدِ، أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ." رواه مسلم وهذا لفظه وروى نحوه البخاري وأحمد والنسائي . وحتى مَنْ كَتَبَ الله له الجَنَّة , فإنه غالباً ما سيمرّ بفترة يقضيها فى النار أولاً قبل دخوله الجَنَّة .. وبرغم كلّ هذه العوائق الضخمة التى وضعها الله أمام دخول الجنة – يبدو أنه مستخسر يدخل فيها أحد – فإنه حتى مَنْ سَلِمَ مِنْ هذه الأهوال , وكتب الله له دخول الجنة دون عذاب , فإنه حتماً عليه أنْ يمرّ فوق النار أولاً على الصراط .. ( وَإِن مّنكُمْ إِلاّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىَ رَبّكَ حَتْماً مّقْضِيّا ً) ( مريم : 71 ) .. وكأنه لابد أنْ يرعب المُوحّدين أولاً ويتعب نفسيّتهم قبل دخولهم الجَنَّة ... حاجة ذلّ !!!!!! وحتى الذين لم يسمعوا بالإسلام , فإنَّ الله يختبرهم فى الآخرة , عن طريق أنْ يأمرهم بأنْ يلقوا أنفسهم فى النار , فمن وافق فقد نجح فى الاختبار , ومن رفض فقد وجبتْ له النار .. وكأنّ الأصل فى كل شىء هو النار النار النار .. لا شىء غير النار والعذاب !!!!! قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "أرْبَعَةٌ يَحْتَجُّون يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أصَمُ لا يسمعُ شيئاً، ورجلٌ أحمقُ، ورَجُلٌ هَرِم، ورَجُلٌ مَاتَ في فَتْرَةٍ: فأمَّا الأصَمُّ فيقولُ: رَب لقد جاءَ الإسلامُ وما أسمعُ شيئاً، وأما الأحمقُ فيقولُ: رب جاءَ الإسلامُ وما أعقلُ شيئاً والصبيانُ يحذفونني بالبعرِ، وأما الهَرِمُ فيقولُ: رب لقد جاءَ الإسلامُ وما أعقلُ شيئاً، وأما الذي ماتَ في الفَتْرَةِ فيقولُ: رب مَا أتاني لك رَسُولٌ، فيأخذُ مواثيقهم ليُطِيْعَنَّه، فيرسِلُ إليهم: أن ادخُلُوا النَارَ، فَمَنْ دَخَلَها كانت عليه بَرْدَاً وَسَلامَاً، وَمَن لم يدخُلْهَا سُحِبَ إليْهَا." رواه أحمد وابن حبان وقَالَ الألباني: صحيح ( صحيح الجامع ).( صحيح الجامع: 881 ). ونعود مرة أخرى إلى أهل النار مِنَ الكُفار : استغاثات وتوسلات مِنْهم تستمرّ لِآلاف السنين , ثُمَّ يكون الجواب عليهم : ( فَذُوقُواْ فَلَن نّزِيدَكُمْ إِلاّ عَذَاباً ) ( النبأ : 30 ) !! وبدلاً مِنْ أنْ يخفف حتى عنهم العذاب , ويخفف مِنْ جذوة النار , نجده يقول : ( كُلّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ) ( الإسراء : 97 ) !! مُعاناة وآلام ومُقَاساة رهيبة لهم , وبدلاً مِنْ أنْ يرحمهم , نجده يقول عنهم : ( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودَاً غَيْرَهَا لِيَذوقُوا العَذَابَ ) ( النساء : 56 ) !! بماذا نُسَمَّى هذا غير الساديّة ؟؟ فهذه الآية الأخيرة بالذات كافية وحدها لتثبت قمة الوحشيّة التى يتصف بها هذا الإله !! وكلّ هذا العذاب مِنْ أجل ماذا؟؟ مِنَ المؤكد أنَّ أهل النار هؤلاء فعلوا فى حياتهم أفعال فى قِمَّة البشاعة , حتى يلاقوا فى النهاية هذا المصير الرهيب .. فيا ترى ماذا فعلوا ؟؟؟؟؟ هل كُلّ هذا العذاب لأنهم لم يؤمنوا بالله ؟!!!! ومِنَ الممكن جداً أنْ يكون هذا الكافر لم يفعل أى شَرّ فى حياته , وكان إنساناً نبيلاً على أعلى درجة مِنَ الأخلاق , ولكنه فقط لم يقتنع بالإسلام ... وفى النهاية يكون مصيره هذا العذاب الأبدى البشع ؟؟؟ لهذه الدرجة : الله حساس ونرجسى , لذلك يريد أنْ ينتقم لكبريائه وكرامته التى جـُـرِحَتْ ؟؟؟؟ هل هذا الكائن بهذه الصورة الهزيلة يستحقّ أنْ يُطْلَق عليه " إله " ؟؟؟؟؟
عَـــــــــــــــجَــــــــــــــــــبــِـــــــــــــــــــــــى !!!!!!!!!!!!!!!!
انتهتْ الدراسة
____________________________________
المـــراجــــع :
1- تفسير ابن كثير .
2- مُختصر منهاج القاصدين : ابن قُدامة المقدسى .
3- ريـــــاض الـــصــالحيـن : الإمـــام الــنـــووى .
4- فتح المجيد فى شرح كتاب التوحيد : عبد الرحمن بن حسن بن محمد عبد الوَهَّاب .
5- التخويف مِنَ النار : ابن رجــب الـــحـــنـبـلى .
6- مقدمة فى الخدمة الاجتماعية : أ.د. ماهر أبو المعاطى على .
7- المُعجَم الوجيز .
8- عقلى .
الكاتب: بَرَاء
ملاحظة : يذكر الكاتب أنه قد أصبح مسلما، تمنياتنا له بالخير
المصدر: مدونة أشلاء روح براء