الخميس، 1 أكتوبر 2009

الرسل والأنبياء مضيعةٌ للوقت- كما يقول القرآن

الكاتب: كامل النجار
المصدر في الحوار المتمدن

في البدء عندما انتشر الإسلام في يثرب ثم في مكة بعد الفتح، كان أغلب المسلمين أميين، فانبهروا بآيات القرآن وصدقوا كل ما قاله لهم محمد من قرآن وأحاديث، رغم التناقض الواضح في كثير من آيات القرآن ورغم غياب المنطق منه. وفي النصف الثاني من أيام الدولة الأموية ثم في الدولة العباسية ظهر أفراد وحركات شككوا في القرآن وناقشوا الآيات التي تناقض آيات أخرى، وتحدثوا عن الإرادة الإلهية مقابل الإرادة البشرية، وشكك بعضهم في العدل الإلهي الذي يقرر للناس إيمانهم أو كفرهم ثم يحاسبهم على ما فعلوا. وكانت حركة المعتزلة في مقدمة هذه الحركات التي ناقشت الإرادة والعدل الإلهي، رغم إيمانهم المطلق بالإسلام، فلاقوا العنت والذبح من الخلفاء بإيعاز من رجالات الدين
ولكن الدارس للقرآن دراسة علمية محايدة يجد أن القرآن يقول إن الإنسان لا يعتمد على الرسل والأنبياء ليقرر هل يؤمن أم لا، لأن الله هو الذي يختار للإنسان أن يؤمن أو يكفر. ولذا يصبح إرسال الأنبياء للناس مضيعةً للوقت ما دام الله هو الذي يقرر الإيمان والكفر، وكان بإمكان الله أن يستغني عنهم ويقرر باليانصيب مَنْ من الناس سوف يدخل الجنة ومن منهم سوف يدخل النار . ولو فعل ذلك لوفر على نفسه وعلينا إرسال 124 ألف نبي ورسول، كما يقول التراث الإسلامي. ولإيضاح هذا الافتراض نبدأ أولاً بالآيات المكية عندما كان محمد يحاول إقناع قريش بالمنطق، نجده يقول:
(فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يُصعّد في السماء) (الأنعام 125). فالإيمان هنا ليس عملية بشرية وإنما قدر إلهي. من يشرح الله صدره يسلم ومن يجعل صدره ضيقاً لا يسلم.
ويؤكد القرآن هذه الحقيقة في قوله (ولو أنّنا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قُبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله) (الأنعام 111). فليس هناك من شك أن أي إنسان يرى الملائكة ويكلمه الموتى لا بد له أن يقتنع بنبوة محمد لكنه لا يستطيع أن يؤمن إلا أن يشاء الله، فمشيئته هو بنفسه لا تكفي.
ويزيدنا القرآن توكيداً فيقول لنا (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون) (يونس 100). فالإنسان، مهما اقتنع بحديث الأنبياء والرسل، يحتاج الإذن من الله لكي يؤمن.
وكذلك (من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) (الأنعام 39). والصراط المستقيم في القرآن يعني الإسلام، والله هو الذي يختاره للعبد.
(من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا) (الكهف 17). فكيف يهتدي الإنسان وقد أضله الله؟
ويقول القرآن لمحمد (إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل) (النحل 37). فرغم حرص محمد على هداية أعمامه وعماته، فإن الله قد أضلهم وأخبر محمد ألا يضيع جهده في محاولة إقناعهم. ولذلك لم يسلم من أعمامه العشرة غير حمزة والعباس (الذي أسلم قبيل فتح مكة) ولم تسلم من عماته الأربع غير واحدة
ثم يخبره مرة أخرى (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) (القصص 56). فمحمد الذي أرسله الله هدى للناس لا يستطيع أن يهدي أحداً، بل الله يهدي من يشاء، وهو الذي إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.
(ولو شاء الله لجعلكم أمةً واحدةً ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء) (النحل 93). فمسألة الإيمان والهداية عبارة عن "لوتري"، الله يقرر من يهتدي ومن يضل.
(إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون) (يونس 96). فواضح أن الله قد قرر مسبقاً أن هناك أعداداً معينة من البشر قد قال فيهم كلمته قبل أن يخلقهم، وما دامت كلمته قد حقت عليهم فلن يؤمنوا حتى إذا أرسل لهم مليون نبي ورسول..
وقال الله عن القرآن (ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا) (الشورى 52). فما كل من يسمع القرآن سوف يهتدي به، الله يهدي به من يشاء.
ويقول (ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولا فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة) (النحل 36)
(وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) (الأعراف 43). فلا إيمان بدون هداية الله. بل يذهب القرآن أبعد من ذلك ويقول إن الله أخرج ذرية آدم كلها من ظهره قبل أن يُخلقوا وأخذ ميثاقهم ليعترفوا له أنه ربهم وليؤمنوا به (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا). ولا نعلم كيف إخذ الله ذرية آدم من ظهور أبنائه أو من ظهره (باعتبار أنهم حيوانات منوية) وجعلهم يشهدون، فالجنين لا يتكون إلا بعد أن يدخل الحيوان المنوي في البويضة ويلقحها. فهؤلاء الذين أخذهم الله من ظهور آبائهم كانوا أنصاف مخلوقات، ومع ذلك شهدوا بأن الله ربهم. وهذه مهمة مستحيلة حتى على الله، فنصف المخلوق لا يمكن أن يوجد، دع عنك نطقه بالشهادة. ولكن رغم هذه الشهادة قرر الله أن الإيمان بالرسل يخضع لمشيئته هو سواء شهد الحيوان المنوي أم لم يشهد
حتى الأنبياء والرسل لم يكن تحمّلهم الرسالات عن اقتناع وإنما بأمر إلهي، فهاهو يونس يقول (وأُمرت أن أكون من المؤمنين) (يونس 104). وما عليه إلا تنفيذ الأمر الإلهي. وربما لعدم اقتناعه بالرسالة قفز من المركب فابتلعه الحوت.
وحتى محمد لم يسلم من تلقاء نفسه وإنما أُمر بذلك (قل إني أُمرتُ أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين) (الأنعام 14). ويؤكد مرة أخرى (إنما أُمرتُ أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرّمها وله كل شيء وأُمرتُ أن أكون من المسلمين) (النمل 91). فمحمد كان من المحتمل أن يكون مسيحياً مثل معلمه ورقة بن نوفل، ولكنه أُمر أن يكون من المسلمين، فلا خيار له.
وهاهو شعيب يقول لقومه إنه لا يستطيع الرجوع إلى ملتهم إلا إذا شاء الله ذلك (قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم بعد أن نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله) (الأعراف 89). فشعيب ترك ملة قومه ليس عن اقتناع شخصي ولكن لأن الله نجاه منها، ولن يستطيع أن يغير رأيه ويعود لملة قومه، رغم تهديدهم له، إلا إذا شاء الله ذلك
وهناك من قرر الله أنهم لا يستحقون نعمة الإيمان فختم على قلوبهم وأفواههم وأسماعهم، فليس هناك أي أمل في نجاتهم لأنهم لم يعودوا يسمعون ما يُدعون إليه، وبالتالي لا يمكنهم أن يؤمنوا (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأؤلئك هم الغافلون. لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون) (النحل 108-109). وهذه عينه من العدل الإلهي. فهو قد طبع على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وجعلهم يوم القيامة خاسرين.
(وجعلنا على قلوبهم أكنّةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا) (الإسراء 46). فما هي الحكمة من محاولة محمد إقناع قومه إذا كان الله قد ختم على قلوبهم وجعلهم يهربون عند سماع القرآن؟
ولزيادة التوكيد يقول لنا (إنا جعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن تدعوهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً) (الكهف 57). فالله قد قرر أنهم لن يهتدوا أبداً مهما حاول رسوله. فلماذاً إذاً بعث بالرسول؟
ويخبرنا القرآن أن الله قد خلق رجالاً ونساءً، لا ليؤمنوا وإنما ليملأ بهم جهنم (ولقد ذرأنا لجهنم من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أؤلئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) (الأعراف 179). فهؤلاء الناس لا يستطيعون أن يفعلوا إي شيء يدخلهم الجنة لأن الله قد خلقهم للنار وجعلهم كالأنعام لا يفقهون شيئاً. يقول القرطبي في تفسيره (خلق الله للنار أهلاً بعدله). ونعم العدل.
وللتأكيد يقول لنا القرآن (ولو شيئنا لأتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجِنة والناس أجمعين) (السجدة 13). فلو ترك الخيار للناس ربما آمنوا لكنه كان قد أقسم أن يملأ جهنم من الناس والجن ولذلك لا بد أن يمنعهم من الإيمان برسله حتى يبر بقسمه
وعندما هاجر محمد إلى يثرب وازداد عدد المؤمنين به الذين كان الله قد قرر لهم الإيمان، لم يخفف محمد القيود المفروضة على إرادة الإنسان، فقرآن المدينة يخبرنا:
(فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين) (الصف 5). فالذي يخطيء مرة واحدة ويتحول عن الإيمان، يزيغ الله قلبه فلا يهتدي أبداً.
(ختم الله على قلوبهم وعلى أسماعهم وعلى أبصارهم غشاوةً ولهم عذاب عظيم) (البقرة 7). فلم يكتفِ بالختم على القرشيين في مكة إنما ختم كذلك على بعض أهل يثرب وما حولها.
(ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً) (المائدة 41). فحتى الذين آمنوا قد يفتنهم الله فيرتدوا عن إيمانهم، ولذلك نجد موسى يحتج (قال موسى إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء) ( الأعراف 155). ففي النهاية نجد أن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء وليس مهماً أن يكون قد أرسل لهم رسلاً أم لم يرسلهم
(ما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) (التوبة 115). فالله في حكمته وعدله يهدي بعض الناس ثم يبين لهم ما يتقون، ثم يضلهم بعد أن عرفوا، لأنه عادل ولا يحب أن يضلهم قبل أن يعرفوا. والإنسان في كل ذلك كقطعة الشطرنج لا خيار له.
وفي تحدٍ واضح للمنطق، يقول لنا القرآن (وما أرسلنا من رسولٍ إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم) (إبراهيم 4). هل هنالك أي منطق في هذه الآية؟ ما الفائدة من إرسال رسول بلسان قومه ليشرح لهم بلغتهم رسالة السماء ليفهموها حق فهمها ثم بعد ذلك يهدي الله من يشاء ويضل من يشاء؟ أين العقل الذي يحترمه الإسلام؟
وأما الذي يتخذ قراراً غير ما قرره له الله، فسوف يندم على ذلك (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون) (فصلت 17). فكيف تجرؤ ثمود على استحباب شيء غير الهدى الذي اختاره لهم الله؟ فالخيار هو ما اختاره الله فقط. ولذلك نسمع جموع المسلمين يرددون في مناسبات الموت أو الإصابة (الخيرُ في ما اختار الله).
وعندما تحدث القرآن عن بني أسرائيل وقولهم إنهم كفروا وإن قلوبهم غلف، قال القرآن إن الله هو الذي طبع الكفر في قلوبهم ولذلك لن يؤمنوا إلا قليلا (فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) (النساء 155).
وبما أن رسول الإسلام هو أعلم بالقرآن من غيره فقد شرح الإرادة لهم في الحديث (ما منكم من أحدٍ إلا وقد عُلم مقعده من الجنة ومقعده من النار، فقال بعض الصحابة: فيم العمل يارسول الله؟ فقال: إعملوا فكلٌ ميسر لما خُلق له، إما أهل السعادة وإما أهل الشقاوة) (صحيح مسلم). فكل إنسان محكوم عليه أن يعمل ما كُتب له في اللوح المحفوظ حتى إن كان شراً مستطيراً كالكفر بالله فيصبح من أهل النار لأن الله قرر ذلك.
ثم أكد ذلك بحديث آخر (إن الله قد قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء) (صحيح مسلم). فالله قد اختار مسبقاً من منا سوف يؤمن ويدخل الجنة ومن منا سوف يكفر ويُشوى في نار جهنم.
ولكن كعادة القرآن في التناقض نجده يقول:
(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ( الكهف 29). فكيف لنا أن نشاء الإيمان وهو قد ختم على قلوبنا وأبصارنا وأسماعنا وقال لنا لن تشاؤوا إلا أن يشاء الله؟
(من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل إنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) (الإسراء 15). منتهى التناقض والاطراب.
فهل من المعقول أم يكون هناك إله عادل في السماء يقرر للناس قبل أن يخلقهم أنهم لن يؤمنوا، ثم يرسل لهم رسلاً يكلمونهم بلغتهم ليفهموا ما يريده الإله منهم، وهو كان قد قرر مسبقاً أن بعضهم لن يؤمنوا وسوف يملأ بهم جهنم؟ منطق معوج كاعوجاع ذمم رجال الدين، خاصةً المسلمين منهم. لا شك أن العقل هو الإله.

17 تعليق(ات):

إظهار/إخفاء التعليق(ات)

إرسال تعليق

هذه المواضيع لا تمثل بالضرورة رأي ناشرها - أثير العاني

يسمح بإعادة النشر بشرط ذكر الرابط المصدر أو إسم الكاتب