الخميس، 7 أكتوبر 2010

أيّ ملّة عند الله هي الملّة الناجية؟

الكاتب: عهد صوفان
المصدر في الحوار المتمدن

أيّ ملّة عند الله هي الملّة الناجية؟؟

الدين كان وسيبقى المؤثر الأكبر في حياة الإنسان, لازمه وأثّر فيه خلال رحلةٍ طويلة فيها الألم والفرح, فيها الموت والحياة..
حاول الدين أن يقدم الغيبي كحقيقة, فارتفع إلى السماء للبحث عن إله هناك وأحياناً دخل الأرض باحثا عن إله يسكن الأعماق.أو عن إله يسكن بيننا.. تعددت آلهة الإنسان أسماءً وعملاً وأهدافاً. وتطورت رسائلها إلينا مع الزمن, وأحياناً تبدلت المضامين وتغيرت الأهداف..

قصص الآلهة وعلاقتها بنا ومنذ ظهور الكتابة البدائية , كانت قصصاً كثيرة وأحياناً غامضة تسكنها الهواجس التي سيطرت علينا وأخذتنا إلى حيث يريد الإله..
أدياننا تعددت وكثيراً ما تعارضت وكلُّها قالت أنَّها الوحيدة المعبرة عن حقيقة الإله.. كلُّها اتهمت بعضها بالتحريف والتزوير.
فالقرآن اتّهم التوراة والإنجيل بالتحريف لأنهما لم يكتبا عنه كرسولٍ قادمٍ ليختم الرسالات. واليهودية بكتابها التلمود وصفت المسيحية بأنها وثنية تعبد شخصاً وليس مسيح الرب الذي ينتظرونه, كما وصفت المسلمين بأولاد نوح الخطاة , وهو تعبير تلمودي يشير إلى الخطاة الذين يحلُّ قتلهم, وكذلك المسيحية فهي رفضت اليهودية وأبدلت وصاياها بأخرى جديدة وقالت إن المسيح هو الإله الذي وعد بفداء البشر وكل من يأتي بعده هم أنبياء كذبة, فلا تسمعوا لهم..

ولكن ماذا حدث حتى ينقسم الدين الواحد إلى أديان وملل كثيرة؟؟, كلٌّ منها قال عن نفسه : هو الملة الناجية التي أحبها الله وميزها عن بقية الفرق.
الأديان السماوية هي بيت القصيد تحديداً لأنها تخصّ العدد الأكبر من البشر, ولأنها هي بالتحديد جلبت أكبر كمٍّ من الحروب والغزوات والدمار, وسفكت دماءً غزيرة في صراعها مع بعضها البعض دفاعاً عن الله الذي وحسب قولها يحتاج من يدافع عنه ويحميه ويفرض رسالته التي أرسلها..

هذه الأديان السماوية ابتدأ كلُّ مها برسالة واحدة وانتهى برسالات وملايين الكتب والعادات والطقوس والعبادات. فانشقّ الدين الواحد إلى عشرات الأديان والمذاهب وأحياناً مئات المذاهب.. كلُّ مذهب كفّر الآخرين من نفس الدين واعتبرهم في ضلالٍ وانحراف, وكلٌّ منهم كالَ التهم وكتبَ وفسّر واجتهد مدعياً الاقترابَ من الله , وأن الآخرين بعيدون..
فاليهودية هي أول الديانات السماوية (( مع العلم أن معظم الديانات سماوية المنشأ, لأن معظم الآلهة في السماء )) انقسمت إلى فرق وملل كثيرة واختلف الجميع حول كلّ شيء. وأهم هذه الفرق:

القراؤون – الربانيون – السامريون – الدونمة – الفلاشا – الكوتشين – الإصلاحيون – المحافظون – الماصورتي – الربانيون الأشكنازيم – الأرثوذكس المحدثون – جماعة إعادة البناء – جماعة ناطوراي – قارتا – الحسديين – القباليين. وملل أخرى كثيرة..
هؤلاء جميعاً مختلفون حول أسباب جوهرية في اليهودية ومنها:

*** القراؤون لا يؤمنون بالتلمود نهائياً.
*** الكوتشين الهنود لا يعرفون التلمود أصلاً.
*** السامريون لا يعترفون إلاّ بأسفار التوراة الخمسة الأولى ويرفضون بقية التوراة.
*** المحافظون لا يعتبرون التلمود نصّاً مقدساً ولكنه نصّ فيه اجتهاد جيد.
*** جماعة نطوراي لا يؤمنون بقيام دولة اسرائيل تفسيراً لآيات التوراة حسب رأيهم.
*** الربانيون الأرثوذكس يتمسكون بالتلمود كنصّ إلهي مقدّس.

فإذا كانت اليهودية دين الله الموثق والمرسل عبر الأنبياء, كيف انقسم المؤمنون؟ ولماذا لم يحفظ الله شعبه وكتابه وشريعته؟؟..
إذاً اليهودية انقسمت على ذاتها, وأتباعها اختلفوا فيما بينهم, بحيث أصبحت مساحة الاختلاف كبيرة ومتناقضة..ومَنْ من هذه المذاهب يمتلك الحقيقة؟؟؟.

أما المسيحية, وهي الدين القادم من عمق اليهودية. فقد قدمت رسالة جديدة منسوبة إلى الله نفسه, إله موسى وابراهيم ويعقوب وو.. عدَّلت الكثير حتى أنها ألغت القديم نهائياً وأحلّت جديداً بدلاً عنه. هذه الرسالة انقسم أتباعها مباشرة بعد موت معلمهم المسيح إلى كنيسة الأمم التي قادها بولس الرسول وكنيسة أورشليم والتي كان معظم أتباعها وقتها هم من اليهود المتنصرين.هاتان الكنيستان كانتا على خلاف في الكثير من المبادئ الدينية . ومن كنيسة أورشليم جاء النصارى الذين انتشروا في شمال الجزيرة العربية والذين لا يؤمنون بألوهية المسيح. بل هو بشر ولد بمعجزة من الله فقط. وحمل رسالة إلى البشر كما بقية الرسل...
وبعدها توالت الانشقاقات الكنسية ومنها:

** انشقاق الكنيسة الآشورية التي رفضت أن مريم والدة الإله.
** انشقاق الكنائس الأرثوذكسية: منها الكنيسة القبطية والكنيسة الحبشية والكنيسة السريانية والكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية..
** وبعدها انشقاق الكنيسة الكاثوليكية: والتي انضم لها الكنيسة المارونية – الأرمن الكاثوليك – الكلدان الكاثوليك – الروم الكاثوليك ( الملكيون ) – الأقباط الكاثوليك.
** بعدها انشقاق الكنيسة البروتستانتية.
** الكنيسة المعمدانية.
وفي العصر الحديث استمرّ مسلسل الانقسام لتظهر:
** كنيسة شهود يهوه.
** الأدفنتست السبتيون.
** المورمون.
** المتجددون.
** الكاريزماتيك.

بالإضافة إلى انقسام اسقفيات كثيرة في أوروبا وتشكيلها كنائس جديدة..
علما أنه جاء في أفسس 1: 10 قبل تأسيس العالم اختار الله أن يؤسس كنيسة واحدة تجمع كل شيء في المسيح ما في السموات وما في الأرض.. فإذا اختار الله فأين اختياره على أرض الواقع؟ ولماذا اختيار البشر هو السائد المنتشر؟؟ واختيار الله سقط بعيداً. وهو القائل: رعية واحدة لراعٍ واحد..
هذه الكنائس مختلفة في أحيان كثيرة حول أصول العقيدة المسيحية وليس حول أمور صغيرة. بعضها يعتبر أن المسيح هو الله المتجسد, وبعضها يعتبره إلها فقط وبمرتبة أقل من الله الخالق, والآخر يعتبره رسولاً بشريا مثل بقية الأنبياء.
اختلفوا حول المعمودية وحول الزواج والطلاق وحول الصلاة وحول موت المسيح وقيامته وحول فكره هل نقض القديم أم كمّله....لم يتركوا شيئاً لم يختلفوا عليه. فقط احتفظوا بالإنجيل على رفوف مكتباتهم كتراث من الزمن الماضي!!!!...

أما في الإسلام فالأمر كما في السابق, دين واحد ورسالة واحدة انقسمت إلى فرق ومذاهب فقهية كثيرة منها:

المذهب المالكي..المذهب الحنفي..المذهب الشافعي..المذهب الحنبلي..المذهب الظاهري..المذهب الجعفري..المذهب الزيدي..المذهب الإباضي.
هذه المذاهب الفقهية اختلفت فيما بينها في الكثير الكثير. وهذا الاختلاف امتدّ ليتحول إلى فرقٍ إسلامية جديدة, بعضها يحمل اختلافات جذرية في العقيدة ومنها:

الظاهرية – المعتزلة – الخوارج – الشيعة الإمامية – الزيدية – الاسماعيلية – الوهابية – الدروز – النصيرية – الشيخية – السلفية – القاديانية – الأشاعرة – الماتريدية – المرجئة – القدرية – الجهمية – المجسمة – الكرامية...
وهذه الفرق تعتمد مراجع فقهية محددة لها فالشيعة الإمامية تعتمد المذهب الجعفري. والزيدية تعتمد المذهب الزيدي. حتى أن كتب الأحاديث والتفسير تختلف فيما بينهم ولا يتفقون على معظمها.أما العقائد فاختلافها كبير جدا ولدرجة انك تشعر أمام دين آخر...

ومثل بقية الديانات انقسم الإسلام إلى ملل وفرق جميعها في النار إلاّ واحدة, حيث جاء في سنن الدارمي الحديث 2518:
- اخبرنا أبو المغيرة ثنا صفوان حدثني أزهر ابن عبد الله الحرازي عن ابي عامر عن عبدالله بن الحي الهورني عن معاوية بن أبي سفيان أن رسول الله قام فينا فقال ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا اثنتين وسبعين ملة وان هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة..
أي أن كل المؤمنين ذاهبون إلى النار الآكلة ما عدا مجموعة واحدة ولا أحد يعرفها...

وهكذا نجد أن كل الديانات السماوية أتت متعارضة فيما بينها ومكفرة لبعضها. تمزقت هي نفسها إلى فرق وملل ادعت جميعها أنَّها رسالة السماء النقية. رسالة الخالق. وأنَّها تملك الطريق المؤدي إلى جنة الله التي اختلفوا عليها وعلى صفاتها ونسائها وأنهارها...
إذا كان المؤمنون بالله لم يتفقوا على ماهية الخالق وعلى رسالته وعلى رسله وأنبيائه, فكيف يطلبون من الآخرين الإيمان؟ وبأي إيمان؟ وكيف لعاقل أن يختار مذهباً من بين مئات المذاهب المتنافرة فيما بينها؟ وعلى أي أساس سيكون الاختيار؟؟

كلُّ مؤمن يثق أنه وجد الإيمان المستقيم المؤدي إلى الحياة ودون أن يقدّم دليلاً واحداً على ثقته, وكيف اختار هذا وميّزه عن ذاك..المؤمنون اختاروا مذاهب آبائهم. ورثوا الدين كما يرثون الأثاث والعقار والمال...ومع هذه المذاهب والفرق المدعية امتلاك الحقيقة , نشبت الصراعات والحروب وسفك دمٌ كثير, وعمّ الخراب أرجاء الأرض التي تئنّ بويلات أبنائها. صار الدين كابوساً ومصدراً للألم والشقاء. صار مصدرا للعنصرية وحروبها ومروجاً للكره والضغينة بين البشر. هل هذه هي رسالة السماء؟؟؟.. هل هذه هي محبة السماء؟؟؟..
وإليكم هذه الأبيات الشعرية التي تعبر عن مضمون المقال آملاً أن تنال القبول والرضى:

سـأبدأ القول بالنداءِ
هل الحبُّ من السماءِ؟
وهل المعاصي تزولُ؟
بالصلاةِ بعدَ الدعـاءِ..

فخـالقُ الكونِ إلهٌ..
خلقَ الوجودَ من الفناءِ
فكيفَ نفسّرُ الخلقَ؟!!
وفيه تضاربُ الآراءِ..

فكلُّ آلهةِ الوجـودِ..
خلقتْ ذاتَ الفضاءِ
فمنْ نُصـدّقُ منها؟
نحنُ معشـرَ القرّاءِ..

الكلُّ دوّنَ الأسفارَ..
وسطّرَ كاملَ الأسماءِ..
الكلّ قال: أنا الوحيدُ.
أنا خـالقُ الأرجـاءِ.

أنا بادئٌ سـفرَ الحياةِ..
بجبلِ الطّين بالمــاءِ..
الكلُّ قالَ: شـريعتي.
هي أبدّيةُ الإنشـاءِ!!..

كلُّ الشـرائعِ تدَّعي.
صلاحَ كاملِ الأشياءِ
فهلْ نُطيعُ شــريعةً
فيها قسوةُ الصحراءِ؟؟.

فيها الرجالُ سـلطةٌ.
تجزي المريدَ من النساء
تبيحُ قتلَ مســالمٍ!!..
طفـلٍ بحجّةِ الإغواءِ!.
هذي الشرائعُ كلُّها..
قاموسُ أسفار البلاءِ..

0 تعليق(ات):

إرسال تعليق

هذه المواضيع لا تمثل بالضرورة رأي ناشرها - أثير العاني

يسمح بإعادة النشر بشرط ذكر الرابط المصدر أو إسم الكاتب