الاثنين، 22 أبريل 2019

من الإسلام إلى اللادينية، رحلة حسن رضوان

السلام عليكم وأهلا بكم، أنا حسن رضوان، وهذه قصة رحلتي من الإسلام الى اللادينية

ولدت في إنكلترا عام 1959، والدي عزيز رضوان  من مصر ووالدتي ماري ماكسون من إنكلترا. كان والدي مسلماً لكنه لم يكن متديناً جداً، مع ذلك عندما تزوج من والدتي أصر عليها باعتناق الإسلام وتربينا على دين الإسلام. عندما كنا صغارا استأجر والدي شيخا تونسيا لتعليمنا اللغة العربية وحفظ القرآن. لم ألتزم بالإسلام في شبابي حتى اقتربت من سن العشرين حينما بدأ عندي الارتباك حول هويتي وبدأت أسأل نفسي أسئلة مثل من أنا؟ ما هو معنى حياتي؟ ما هو هدفي؟ ثم صادفتني سلسلة من الأحداث جعلتني أستعرض الديانة التي تربيت بها.

أولها الثورة الاسلامية في إيران، أذكر مشاهدة المعارك في شوارع طهران على شاشات التلفزة، وشجاعة الشعب أمام حرس الشاه المدججين بالسلاح، لقد وجدت الصور مثيرة وكنتُ واعيا أيضا أن دين الإسلام لعب دورا مهما في تحفيزهم إلى ذلك.

واجهني مثال آخر من قوة الإيمان عندما عاد صديقي المقرّب من رحلة ليُعلِن أنه وجد يسوع وأصبح مسيحيا ورعا بعد أن كان ملحداً. حاول صديقي إقناعي بالمسيحية، ولكن كلما أوضح عقائده مثل الثالوث والخطيئة الأصلية والكفارة أدركت أنها مفاهيم غير منطقية لا يمكنني الإيمان بها.
ولم يمض زمن طويل حتى جاء حدث آخر في هذه السلسلة، رأيت المغني المشهور "كات ستيفنز" على شاشة التلفاز يعلن أنه اعتنق الإسلام، وغيّر اسمه إلى يوسف إسلام واعتزل صناعة الموسيقى، فدهش الجمهور بإعراضه عن الشهرة والمال من أجل الإسلام ولكنه أثار فضولي وشجّعني على إعادة النظر في ديني.

وكانت الحلقة الأخيرة في هذه السلسلة من الأحداث زيارتي إلى مصر مع والدي. أقمنا بشقة عمي في القاهرة والذي كان متدينا وسرعان ما دخلنا في مناقشات حول الدين وأعطاني نسخة من القرآن والتمس مني الوعد بقراءتها، وفي اليوم التالي جلست أقرأ القرآن كما وعدته بقصد قراءة بضع صفحات فقط ولكني وجدت شيئا من الانجذاب والراحة في قراءته فلم أستطع التوقف عنه.

"اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ"
"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ"
"نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ"
"فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"
"وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ"
"وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا"
"جَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"
"لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى"

أثرت الكلمات في نفسي تأثيرا عاطفيا وشعرت بقوة غريبة في قلبي حتى سالت من عيني الدموع وكنت على يقين أن الله يخاطبني من خلال هذه الصفحات وأني قد اكتشفت معنى حياتي الذي كنت أبحث عنه. عدت إلى إنكلترا مليئأً بالحماس والتصميم على الانغماس في ديني.

عند عودتي إلى إنكلترا درست اللغة العربية والتأريخ الإسلامي في جامعة لندن وكان تخصصي تفسير القرآن والشعر الجاهلي، وقد كان من بين الأساتذة الذين تلقيت دروسًا عنهم الدكتور محمد عبد الحليم صاحب الترجمة الشائعة للقرآن والدكتور "ديفيد كوان" المسلم الإنجليزي الذي كتب كتاباً مشهوراً عن قواعد اللغة العربية والدكتور "جون وانسبرو" مؤلف كتاب "الدراسات القرآنية". كنتُ حريصا على تعلم كل ما بوسعي عن الإسلام وأصبحت مكتبة الجامعة كبيتي الثاني فكنت أسهر للدراسة فيها حتى يطلب أُمناء المكتبة مني الخروج منها وقت الإغلاق. وأصبحت رئيس الجمعية الإسلامية في الجامعة وقمت بإنشاء كشكٍ للكتب الإسلامية وحصلت على موافقة على إستخدام غرفةٍ في الجامعة للصلاةِ اليومية ولصلاةِ الجمعة.

ومن بين جهودي أنني كنت حريصا على دعوة الناس إلى الإسلام وكنت أحضر حلقات إسلامية خارج الجامعة وأصبحت أمير إحدى تلك الحلقات والتي تسمى "جمعية الدعوة".

دعاني أحد الأصدقاء مرة لحضور إجتماع معروف لما يدعى "جماعة التبليغ" وهي حركة تهدف إلى إعادة المسلمين إلى الطريق الصحيح. عقد الاجتماع في مسجد شمال إنكلترا وأقمنا في المسجد لمدة أسبوعين ليلا ونهارا منعزلين عن المجتمع الدنيوي، وقضينا كل يوم في الاستماع إلى محاضرات وفي الصلاة وقراءة القرآن ولم نخرج إلا لندعو بعض سكان المدينة إلى الحضور لاستماع المحاضرات. هذه التجربة أثَّرت فيَّ تأثيرا عميقا وعندما حان الوقت للعودة إلى بيتي أصبح همي كله مركزاً على الآخرة وعبادة الله وإقامة أوامره واجتناب نواهييه، فلم أؤدِّ الفرائض فقط بل بذلت أقصى جهدي لقيام بكل سنة ونافلة أيضا.

تزامنت صحوة إيماني مع صحوة منتشرة بين المسلمين في إنكلترا أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، ومن دوافع تلك الصحوة عدة عوامل مثيرة في العالم الإسلامي حينذاك مثل الثورة الاسلامية في إيران والغزو السوفييتي لأفغانستان والغزو الإسرائيلي للبنان ومذبحةِ صبرا وشاتيلا، ولعل من أهم هذه العوامل تمويل الدعوة الاسلامية من قبل المملكة السعودية، الأمر الذي أدى إلى  انتشار العقيدة السلفية في كل ركن من أركان العالم ونشأت ظاهرة طوائف سياسية مثل حركات الجهاد وأحزاب مثل حزب التحرير.

خلال هذه السنوات تزايد عدد المسلمين الراجعين إلى الإلتزام بدينهم وازدحمت حلقتنا "جمعية الدعوة" وقمنا بتنظيم أنشطة كثيرة منها نشر مجلة إسلامية قمت بتحريرها. خلال تلك الفترة كتب سلمان رشدي كتابه "الآيات الشيطانية" وأحضر أحد أعضائنا مقتطفات من الكتاب إلى الجمعية وبعد قراءتها قررنا أن نكتب رسائل للناشر نطالب بسحب الكتاب من البيع بسبب إساءته للرسول. أصبحت القضية رمزا لمشاعر المسلمين في ذلك الوقت وتبنى العديد سياسات أكثر عدوانية بعدها. وكان من بين الذين حضروا جمعيتَنا "فريد قاسم" المتحدث باسم حزب التحرير والذي كان يعتقد أنَّ الحل الوحيد لمشاكلِنا هو إقامةُ الخلافة الإسلامية وكان له حماسة قوية لدرجة أنه ترك حزب التحرير لينضمُّ إلى حزب أكثر تشددًا يسمى "المهاجرون" مع زميله "عمر بكري".

يحث الإسلام على الزواج فهو يعد نصف الدين فكان يأتيني أحيانا من ينصحني بالزواج ومنهم سيدة مصرية يُطلق عليها "الأخت الشريفة"، والتي كانت دائما في المسجد "ريجنتس بارك" تعمل كوسيطة للزواج حيث كانت تقف عند باب المسجد تسأل كل فتاة عند دخولها "أنتِ متجوزة؟" فإذا أجابت "لا" حاولت "الأخت الشريفة" أن تبحث عن شاب مناسب لها وهكذا جاءت والدي بفتاة صالحة ومناسبة لي فقابلنا أهلها وأعجبنا ببعضنا البعض ولم يمض وقت طويل حتى تزوجنا.

رزقت بخمسة أولاد ولكن توفيت بنتي "هدى" الرضيعة في المستشفى بعد أسبوع من ولادتها، الأمر الذي أصابني بألم شديد ولكن قلت لنفسي أن وراء كل بلاء حكمة ورحمة وربما السبب تقصيري في شيء فعزمت على أن أبذل كل جهدي لأحاول إصلاح عملي وعبادتي.

بعد تخرجي من الجامعة أكملت دراسات عليا في التعليم وحصلت على وظيفة مدرس في المدرسة الإسلامية التي أسسها يوسف إسلام. كنتُ في هذه الأيام في ذروة إيماني وفي أكثر المراحل نشاطا في المجتمع المسلم البريطاني وقضيت خمسة عشر عامًا كمدرس في المدرسة الإسلامية وكتبت خلال ذلك الوقت روايتين للأطفال المسلمين ومجموعتين من المسرحيات الإسلامية مقتطفة من قصص تقليدية إسلامية.


عندما التحقت بالمدرسة الإسلامية لأول مرة، كان الشيخ فيصل هو إمام المدرسة ولكن تبين أن له آراء متعصبة ولذلك طلب منه مدير المدرسة الاستقالة فانتقل إلى مسجد "بريكستون" وألقى خطبا تحثّ على قتل الهندوس والمسيحيين واليهود والأميركيين. واتضح فيما بعد بأنه كان قد أثّر على أحد منفذي تفجيرات لندن وكان قد سجن لمدة أربع سنوات وتم ترحيله بعد ذلك. وقد أصبح بعد ذلك الشيخ أحمد بابكر إمام المدرسة وكان رجلا روحانيا ينتمي لمذهب التصوف كما كان لطيفا ولديه معرفة عميقة بالإسلام وأسلوب تعليمي جذاب.

أحد أصدقائي أصبح سلفيًا متشددًا وتبع شيخا كان يلقي محاضرات في مسجد في "لادبروك غروف" كان قد ادّعى أنه خليفة المسلمين، اسمه أبو عيسى الرفاعي ويدعى أبو همام وقد أمر أتباعه بالهجرة إلى أفغانستان، وأعطاني صديقي بياناً منه وناشدني بالذهاب معه، لكن البيان كان مليئا بآراء متطرفة فرفضته، فرفع صديقي عينيه إلى السماء وقال بصوت يرتجف "اللهم اشهد أني بلغت، اللهم اشهد أني بلغت" ثم سافر إلى أفغانستان ولم أسمع منه حتى عاد أحد أصحابه وأبلغني أن صديقي قد قُتل هناك في الاقتتال الطائفي بين جماعات الجهاد.

أتذكر يوم الحادي عشر من سبتمبر، كنت أدرّس في المدرسة الإسلامية عندما جاءت أخبار الهجمات على أمريكا، تم إغلاق المدرسة مبكراً بسبب تهديدات تلقتها المدرسة. وكان هناك صمت غريب في الشوارع أثناء رجوعي إلى الدار، وسألت نفسي كيف يمكن لأي مسلم أن يرتكب هذه الجريمة الفظيعة باسم الله؟  كيف يمكن للمسلم أن يسيءَ فهمَ الإسلام إلى هذا الحد؟

كان رد فعلي الغريزي أنه ليس هناك أي علاقة بين أفعال هؤلاء الإرهابيين ودين الإسلام إطلاقا وأن الإسلام بريء منهم، إما أن لهم فهما خاطئا أو أنهم يستخدمون الإسلام لأغراضهم الفاسدة فحسب، ولا بد من أن الدافع وراء جريمتِهم هو سياسي أو اقتصادي، أو لعلهم يعانون من مرض نفسي. ولكن كثيرا من زملائي وأصدقائي زعموا أن الذين وراء هذه الجريمة هم الصهاينة وأمريكا.

نحن نحب نظريات المؤامرة ونصدقها بسهولة وبدون دليل، سواء كانت نظرية أن العالم تحت سيطرة المعبد الماسوني أو نظرية أن عبارة "كوكا كولا" عند قلبها تقول "لا محمد لا مكة"، ولكنها في الحقيقة تدل على الشعور بالعجز و عدم السيطرة على حياتنا فإن نظريات المؤامرة تنتشر في أوقات الضعف والخوف وعندما يكون من الصعب مواجهة الواقع، فنلجأ إلى الإيمان بمؤامرات لتهدئة أعصابنا ولحماية معتقداتنا.

ولكن الأمر الذي صدمني حقًا هو أن بعض الأصدقاء حاولوا أن يبرروا ويدافعوا عن هذه الهجمات بحجة أن الضحايا ليسوا أبرياء لأنهم صوتوا للنظام الكافر الذي يقتل المسلمين.

على الرغم من أنني حاولت إبعاد الإسلام عن تصرفات جماعات مثل القاعدة فقد أدركت أن هناك معضلة لا نعترف بها، وهي أن  النصوص الإسلامية نفسها تخضع لتفسيرات مختلفة - متطرفة ومعتدلة -. صحيح أن تفسير هذه الجماعات المتطرفة لا يمثل تفسيرات الأغلبية ولكن ليس من الصحيح نفي علاقتها بالإسلام تماما.

جاء أحد أصدقائي بأدلة من القرآن والسنة لتأييد الهجمات لكني رفضت آرائه بالطبع باعتبارها تحريفًا للإسلام. صديقي هذا رجل عاقل وذكي وقد استغربت من كونه على يقين راسخ وقناعة مطلقة أنه على الحق في الدفاع عن آرائه، وقد جعلني هذا أتساءل عما إذا كنتُ أنا أيضًا مُوقِناً بمعتقدات قد تكون خاطئة؟

كانت هناك أيضًا أحداث في حياتي الشخصية أخرجتني من منطقة الراحة وأجبرتني على مراجعة حياتي ومعتقداتي، بما في ذلك انهيار لعلاقة الزواج، ولكن الضربة الكبرى كانت مرض ابني الأكبر الحبيب، وكان قد خالط بعض الشباب الذين كانوا يدخنون الحشيش وللأسف الشديد أصبح مريضا جدا ويعاني حتى الآن من مرض فصام الشخصية.

قمت كل الليل أصلي وأتوسل إلى الله أن يشفي ولدي - ونور عيني - كما كنت أتوسل إليه أن يشفي ابنتي "هدى" قبل وفاتها ولكن مرة أُخرى كانت السماوات صامتة رغم ما قيل في القرآن "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" و "يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ" فتعزّيت بالتعليلات المعتادة التي نستخدمها في أوقات كهذه، أولها أنه اختبار "ليبلوكم أيكم أحسن عملا" وسوف يجازيك الله على الصبر، وأن الله يعطينا ما نحتاج إليه وليس ما نريد، وفيه حكمة لا تراها والعيب فيّ أنا كما قال سبحانه "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" فلا بد أنني قد أهملت بعض الواجبات وقد جاء البلاء تكفيرا لذنوبي، فليس لي إلا أن أكون صابرا وشاكرا في السراء والضراء.

غير أني أعلم أن القرآن يسخر من المشركين لعبادتهم آلهة لا يجيبون لهم "وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لّا يَسْتَجِيبُ لَهُ" و "قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً"

سألت نفسي هل يجيب الله الدعاء حقا؟ هل يكشف الضُّرّ والمصائب؟ إذا كان المشركون أضلّ الناس بسبب عبادتهم من لا يجيبهم فهل المسلمون أضلّ الناس بسبب عبادتهم من لا يجيبهم؟. لماذا نقبل لعدم إجابة الله أسبابا كثيرة وتعليلاتٍ متنوعة ولا نقبل لعدم إجابة آلهة المشركين غير تعليل واحد هو بطلانها؟

كنت في المدرسة الاسلامية يوم تفجيرات لندن عام 2005 ومرة ​​أُخرى أسرع الجميع الى نظريات المؤامرة أو تبريرات كما يفعلون عند كل هجوم إرهابي، فإنهم ينتهزون أي فرصة لتجنب نسبة الإشكاليات إلى النصوص الإسلامية.

قد كنت حتى ذلك الوقت متأكدا من أن الإسلام هو الدين الحق وأن ما سواه باطل لكنني بدأت أستعرض معتقداته و نصوصه بطريقة نقدية وتحليلية وليس بطريقة التعبد التي لا تنظر إلا من خلال عدسات الإيمان، وتدريجيا رأيت الإسلام في ضوء جديد.

من أكثر الأمور التي أزعجتني هي عذاب جهنم المؤبد. يصور القرآن أنواع التعذيب بصور رهيبة وقاسية لا مثيل لها في الكتب المقدسة عند أهل الأديان الأُخرى.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ
قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ
وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ
سُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ
لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ
وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا

ألا يتناقض هذا العذاب مع الرحمة والعقل والعدالة؟
ما ذنب الكافر الذي لم يقنعه الإسلام؟

تواجه البشر ادعاءات كثيرة من الديانات وليس منها شيء قاطع، فالإيمان يتوقف على عوامل متنوعة مثل الأسرة والبيئة والتعليم والتحيزات الثقافية إلى آخره وليس له علاقة بأخلاق الشخص، فكيف صح إذن تعذيب المرء بما ليس له قدرة كاملة عليه؟

يقول القرآن أن الله أرحم الراحمين وأن رحمته وسعت كل شيء، ولكن أين هذه الرحمة؟
تحيرت من كلمة الرحمة المترددة في القرآن، هل معناها عند الله يختلف عن معناها عند الناس؟

العقوبة لها أهداف، الإصلاح أو العلاج أو التربية، وبالنسبة للذين لا يمكن إصلاحهم يتم إبعادهم عن المجتمع، ولكن ما هو هدف تعذيب الله للكفار بلا نهاية؟
يقال أن الذين مصيرهم جهنم لا يمكن إصلاحهم أبدًا كما في القرآن "وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ"، ولكن أليس اللَّهَ "عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"؟
إذا الله هو أرحم الراحمين حقا لماذا لم يقض عليهم على الأقل؟ ما هي الفائدة من إبقائهم على قيد الحياة لكي يتعذبوا ألى أبد الآباد؟

أذكر أن الشيخ الزنداني قال في إحدى محاضراته أن الكافر يستحق عذابا مؤبدا لأنه مات على نية أنه لو عاش أبدا لكفر بالله أبدا، ولكن مهما كانت نية الإنسان في وقتٍ ما فإنّ النوايا قد تتغير إذا طال أمد الحياة، قد يصبح الكافر مؤمنا وقد يصبح المؤمن كافرا وهذا يدل على أن الجزاء المؤبد ليس بسبب نيته بل بسبب علم الله أن نيته سوف لن تتغير، وقد علم الله ذلك من البداية، فإذا كان علم الله سبب البقاء المؤبد في الجنة والنار وليس سببه أعمالنا المحدودة فما المعنى من هذه الحياة إذن؟ أليس الله بعيدا عن العبث؟

كنت دائما أقول أن أوصاف جهنم في القرآن هي مجرد استعارات ويجب ألا تُفهم حرفيا، ولكن سواء كانت تلك الاوصاف استعارات أو لا فالنتيجة هي نفسها تمامًا: عقاب يتسبب في معاناة مؤبدة سواء كان جسديًا أو عقليًا أو روحيًا.

تكاثرت الأسئلة والشكوك، ومن بينها الآية في سورة النساء "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ"، هل هذا هو كلامُ إلهٍ حكيمٍ عليم؟ هل تأديب الزوجة بالضرب من الأسرار المنزلة من الله؟
يتفق علماء النفس على أن الضرب ليس وسيلة ناجحة لحل مشاكل الزواج وهو يسبب أضرارًا نفسية بالإضافة إلى كونه مهينًا للغاية، وأما القول باستعمال السواك فإنه يُحوِّل مسألة جدية إلى مهزلة سخيفة، تصور المشهد - زوج يقول لزوجته "حبيبتي أنا حاولت الوعظ وحاولت الهجر ولكن بلا فائدة، الآن أريد منك أن تقفي هنا لحظةً بينما أضرب كتفك بهذا السواك"، والله حاولت عدة مرات أن أشرح تلك الآية لكي يطمئن قلبي، لكن لم يكن لدي خيار سوى أن أكون صادقا مع نفسي. لم أستطع أن أصدق أن هذا كلام خالق الكون!

لم يعد بإمكاني أن أتجاهل آيات أخرى كثيرة سببت لي الاضطراب مثل تلك التي تسمح بامتلاك العبيد والجواري ووطئهن أو تنص على عقوبات مثل الجلد وقطع اليد أو تتضمن قصصا تناقض العقل مثل قصة يأجوج ومأجوج المحصورين تحت ردم الى يوم الدين، وسليمان وحيواناته التي تستطيع التحدث والجن الذين لم يكونوا يعلمون أن سليمان قد مات حتى أكلت أَرَضَةٌ عصاه فسقط، والحوت الذي ابتلع يونس، والطيور التي هزمت جيشا بالحجارة، وخلق آدم وحواء الذي يتعارض مع نظرية التطور، وقصة ذو القرنين التي تشبه أساطير إسكندر الملفقة، شعرت كأنني قد استيقظت من نوم طويل!

كان الدليل الأكبر عندي على صدق الإسلام هو إعجاز القرآن، ولكني بدأت أسأل نفسي أين هذه المعجزة؟، ما رأيت إلا كلمات بشرية. القرآن ليس على مستوى واحد، فيه مقاطع جميلة وتعاليم مفيدة وفيها مقاطع ركيكة وتعاليم قبيحة، لم أر شيئا أستطيع أن أقول بكل صدق أنه خارج قدرة البشر.

يقول القرآن" وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ"، نعم أنا في ريبٍ و فعلا لم أستطع على الإتيان بمثل القرآن ولكن هل هذا يعني أنه من عند الله؟ أنا لم أستطع أيضا الإتيان بمثل مسرحيات شكسبير أو شعر هوميروس أو روايات تولستوي، هل هذا دليل بأنها من الله؟
لكل مؤلف أسلوبه الفريد وزمانه المعين وبيئته الخاصة، فإذا كان التحدي هو الإتيان بمؤلفاتهم بالضبط فهذا مستحيل مهما كان الكاتب، أما إذا كان التحدي هو الإتيان بمؤلفات أحسن منها فهذا التحدي مسألة رأي، ويشبه القول: "زوجتي أجمل إمرأة في الدنيا فأتوا بمثلها إن كنتم صادقين"، هو يتوقف على الانحياز التأكيدي والارتباط العاطفي الذي يؤثر في رؤيتنا تأثيرا عميقا.

وحتى في زمان محمد لم تعترف كل العرب بإعجاز القرآن ولم يُسلِموا إلا بعد حروب عنيفة، وأيضا في العصر الذهبي للإسلام كان بعض العلماء والأدباء قد أنكروا إعجاز القرآن مثل الرازي وأبو علاء المعري.

يقول المسلمون دائمًا أنه لا يمكن إنكار إعجاز القرآن بدون علم عميق بالنحو والصرف والبلاغة، ولكن إذا كان هذا صحيحًا فإن العكس صحيح أيضًا فلا يمكن الإيمان بإعجاز القرآن بدون علم عميق بالنحو والصرف والبلاغة، ولكن معظم المسلمين لا يفهمون اللغة العربية ناهيك عن لطائف البلاغة فإيمانهم يعتمد على أقوال علماء الإسلام وليس على معرفتهم الشخصية، ورغم ذلك فكل مسلم مهما كانت لغته أو مستوى تعليمه متيقن بأن القرآن معجزة خارج قدرة البشر.

الحقيقة هي أن الإيمان له تأثير قوي في كيفية معالجة المعلومات، للإنسان ميل للبحث عن المعلومات التي تتوافق مع معتقداته بينما لا يولي انتباهًا مماثلًا للمعلومات المناقضة لها، وتُعرَف هذه الظاهرة ب"الإنحياز التأكيدي".

حين بحثت في ظاهرة الإعجاز العلمي سرعان ما أدركت أنه لم يكن إلا وهما وهراءً وحتى علماء العصر الذهبي للإسلام لم يقدموا مثل هذه الإدعاءات.

في عام 2006 كان إيماني قد ضعف الى درجة أنني سلمت استقالتي إلى المدرسة الإسلامية، وحصلت على وظيفة للتدريس عبر الإنترنت، الأمر الذي أتاح لي القيام برعاية أولادي وأمي العجوز التي كانت تعاني من مرض الزهايمَر.

حاولت أن أنسى كل شكوكي وأن أشغل نفسي بواجباتي اليومية لكني لم أكن ألحظ أن الكآبة أصابتني وأنها تزداد شيئا فشيئا، وبعد ثلاث سنوات ذهبت إلى الطبيبة فوصفت لي حبوبا مضادة للاكتئاب، ولكن تلك الحبوب تسببت لي بمحاولة للانتحار. كانت أسوأ لحظة في حياتي وصدمة لعائلتي التي لم تكن تعرف أنني أمرّ بظروف صعبة إلى هذا الحد فجاؤوا لمساعدتي وللتخفيف من أعبائي التي كنت أحملها بمفردي. تولت أختي رعاية والدتي وتولت زوجتي السابقة رعاية الأطفال وأصر أخي على الإقامة فترة في مزرعته في الريف.

منحتني إقامتي في الريف الفرصة للتفكير والتأمل، وأدركت أن فقدان الإيمان له مراحل أولها الانكار والتصميم العنيد ألّا وجود لأي مشكلة فإن الإسلام هو الدين المثالي الكامل الذي يخلو من أي إشكالية، المرحلة الثانية هي الغضب واللوم، الغضب من منتقدي الإسلام واللوم على الآخرين، المرحلة الثالثة هي الميل إلي حركات الإصلاح الإسلامي التي تدعو إلى فهم جديد عن طريق إعادة تفسير القرآن، المرحلة الرابعة هي الاكتئاب، وهي المعاناة والغم ومشاعر انعدام وجود هدف للحياة، ثم المرحلة الأخيرة، التقبل، وهي قبول الواقع.

لا أعرف الإجابات عن الأسئلة الكبيرة مثل ما معنى الحياة؟ ولا أعرف إذا هناك إله أم لا، ولكن أعرف أنني لم أعد أؤمن بالإسلام ولا بأي دين، في رأيي أن الأديان كلها من صنع الإنسان. هذا لا يعني أنني أكره الإسلام أو الديانات عموما. أعلم أن الديانات تمنح الراحة النفسية للملايين من الناس، وطبعا معظم المؤمنين محبون للسلام والخير والمودة وإنما أدعوا لحرية التفكير والضمير وحق الإنسان في اختيار ما يؤمن به وما لا يؤمن به دون تهديدات أو عقوبات أو ضغط.

منذ صرحت بعدم إيماني بالإسلام جهرا اتهمني الكثير بازدراء الدين والإساءة إلى الله لكنني أسألك بصدق من هو الذي يرتكب الإزدراء والإساءة حقًا؟ الذي يقول أن الإله يعذّب مخلوقاته بلا نهاية؟ أو الذي يقول إذا كان هناك إله فلا بد أن يكون أعلى وأعظم من ذلك.

كتابة: حسن رضوان
تدقيق: أثير العاني

2 تعليق(ات):

إظهار/إخفاء التعليق(ات)

إرسال تعليق

هذه المواضيع لا تمثل بالضرورة رأي ناشرها - أثير العاني

يسمح بإعادة النشر بشرط ذكر الرابط المصدر أو إسم الكاتب