تأريخ جمع القرآن - مختصر من مقالات "تأريخ وماهية القرآن" في موقع الحوار المتمدن
الكاتب: كامل النجار
التاريخ علم له أصوله وقواعده ويخضع للفحص والتمحيص كما تخضع بقية العلوم التطبيقية والنظرية. وكل معلومة تاريخية يجب أن يكون لها سند كتابي أو تصويري أو نحت يُثبت صحتها ويخضع للتحليل العلمي. فنحن عندما نتحدث عن تاريخ الأسر الحاكمة في مصر القديمة لابد أن نستوثق من ذلك التاريخ بالرجوع إلى الكتابات الفرعونية التي عثر عليها الباحثون في مقابر الفراعنة وفي إهرامات مصر العديدة ومكتبات الإسكندرية وغيرها. وكذلك الحال بالنسبة للتاريخ اليوناني القديم والتاريخ الروماني والفارسي وغيره من تاريخ الأمم السابقة.
تاريخ جزيرة العرب في أغلبه غير موثق حتى الآن إلا في اليمن ومنطقة الهلال الخصيب. ففي اليمن لدينا مخطوطات ونقوش حجرية عديدة منذ الألفية الثانية قبل الميلاد تخبرنا عن الدولة المعينية وملوكها وآلهتها ومعابدها، وكذلك عن دولة حضرموت ودولة سبأ وبناء سد مأرب وترميمه بواسطة الحاكم الحبشي أبرهه، وغير ذلك الكثير.
منطقة الحجاز وأواسط الجزيرة العربية لم يعثر الباحثون فيها على أي مخطوطات باللغة العربية للفترة التي سبقت الإسلام، بل عثروا على مقاطع صغيرة تدل على أن اللغة العربية كانت لغة يتحدث بها الناس لكنها كانت تفتقر إلى النقاط وعلامات التنوين وحروف العلة vowels التى تمثل الحروف a, o, e, i في اللغة الإنكليزية، واستعاض عنها أهل العربية بالفتحة، والضمة، والكسرة، والتنوين لاحقاً. وعلامات الترقيم هذه قد أخذها أهل اللغة العربية من اللغة الآرامية أو السريانية بعد ظهور الإسلام. وأقدم مخطوطة عُثر عليها حتى الآن هي مخطوطة "الرقش" أو "الرقشة" ويرجع تاريخها إلى عام 267 ميلادية
المصدر MSM Saifullahm Mohammad Ghoneim & Shibli Zamam
From Alphonse Mingama To Christoph Luxenberg: Arabic Script & the Alleged Syriac Origins of the Quran
إن اللغة العربية لم تكن لغة مكتوبة ومقروءة وإنما لغة تخاطب بين الناس في الغالبية العظمى من الوقت. ويذهب بعض علماء اللغات إلى أن العربية المكتوبة في أيام ظهور القرآن كانت كلمات عربية مكتوبة بالحروف الآرامية أو السريانية لأن اللغتين الآرامية والسريانية كانتا لغة الكتابة السائدة في ذلك العصر.
وعليه نستطيع أن نقول إن التاريخ الإسلامي كله تاريخ شفهي لم يُكتب إلا بعد أن تطورت اللغة العربية وأُدخلت عليها النقاط وعلامات الترقيم في نهاية القرن الأول الهجري ومنتصف القرن الثاني. فتاريخ يعتمد على ذاكرة الرواة على مدى مائة عام أو يزيد، تاريخ لا يمكن الوثوق به إطلاقاً. وفي هذه الحالة لا يمكننا إلا الاعتماد على القرائن فقط.
إن ما زعمه الإسلاميون من أن الشعر الجاهلي كان يُكتب ويُعلق على جدران الكعبة، وسموه المعلقات، إنما هو اقتراع إسلامي لا دليل عليه فعلياً ولا عقلياً، كما قال بذلك الدكتور طه حسين. إذ كيف يُعقل أن يكتب الشعراء معلقاتهم الطويلة واللغة العربية المكتوبة لم تكن قد شبت عن الطوق حينها؟ وعلى ماذا كتبوها قبل أن يعلقوها على جدران الكعبة، إذا كان القرآن الذي جاء بعد فترة الجاهلية كان يُكتب على العظام والجريد؟ كم لوحاً من أكتاف الخراف تحتاجها معلقة أمريء القيس، وكيف علقوها على الكعبة؟
وحتى عندما بدأ محمد دعوته كان الذين يكتبون العربية يعدون على أصابع اليدين، وكانت الحروف غير منقطة ولم يكن التنوين قد عُرف وقتها، وقد ذهب بعض علماء اللغة إلى القول إن العربية كانت تُكتب بحروف آرامية تعلموها من مسيحيي الشام (كما نفعل الآن عندما نرسل رسائل تكست على التلفون الجوال فنكتب alsalamu alaykum بالحروف الإنكليزية. ويزعم المسلمون أن محمداً كان يملي القرآن على كُتاب الوحي من أمثال زيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان الذي لم يسلم إلا بعد فتح مكة في العام الثامن الهجري، أي قبل سنتين من موت محمد، ودخل الإسلام مكرهاً، ولذا لا نستبعد أن يكون قد كتب ما لم يقل به محمد، إذا كان فعلاً كاتباً. يخبرنا الرواة أن محمداً كان يملي عليهم آية ثم يقول لهم ضعوها مع الآيات التي تُذكر فيها البقرة أو النجم. فهل كانت لديهم طريقة آركايف archive يرجعون إليها ليجدوا العظام التي بها البقرة. وماذا يفعل المسلم الذي كان قد حفظ تلك الآيات منذ عدة سنوات ثم أدخلوا عليها آيات جديدة لم يحدد محمد موقعها من السورة؟
ثم زعم المؤرخون المسلمون أو "الإخباريون" كما يسميهم الدكتور جواد علي في كتابه عن تاريخ العرب قبل الإسلام، لأنهم نقلوا الأخبار كما سمعوها دون أي تمحيص، وسموها تاريخاً، زعم هؤلاء الإخباريون أن القرآن كله كان مكتوباً قبل وفاة محمد. ثم زعموا أن أبا بكر جمع تلك الكتابات في مصحف وأودعه عند حفصة بنت عمر، زوجة محمد. ثم أخبرونا أن الخليفة عثمان، وتحت إصرار معاذ بن جبل الذي سمع في العراق روايات عديدة مختلفة للسورة الواحدة من القرآن وخاف على المسلمين من الشقاق بسبب ذلك الخلاف، أوكل جمع القرآن إلى الشاب زيد بن ثابت الذي قال لعثمان "كيف أجمع ما لم يجمعه رسول الله في حياته". فإذا كان أبو بكر قد جمع القرآن، لماذا احتاج عثمان لجمعه مرة أخرى؟ ولماذا أوكل عثمان جمعه للشاب زيد بينما كان هناك فطاحل الصحابة من أمثال أُبي بن كعب الذي قال له محمد "إن ربي قد أمرني أن أقرئك القرآن، فقال: الله سماني لك، قال نعم، فذرفت عيناه" (صحيح البخاري، كتاب التفسير، حديث 4676)، وعبد الله بن مسعود الذي قال عنه أبو موسى الأشعري "لقد رأيتُ رسول الله وما أرى ابن مسعود إلا من أهله". فهذا الرجل الذي كان يصاحب محمد ليلاً ونهاراً وحفظ عنه أكثر من تسعين سورة، لماذا تركهم عثمان واختار الشاب زيد بن ثابت، إذا كان الله قد ذكر أبي بن كعب بالإسم؟
وإذا كان عثمان قد جمع القرآن في مصحف واحد وجعل منه ست نسخ وزعها على الأمصار، كما تقول الروايات، لماذا لم نعثر حتى الآن على أي نسخة من تلك المصاحف؟ هل يُعقل أن يتسابق المسلمون على نخامة محمد وبصاقه وشعر رأسه عندما يقصه الحلاق، ويفرطون في الاحتفاظ بأول مصحف يجمع القرآن في كتاب واحد؟
حقيقة الأمر أن تاريخ جمع القرآن ما هو إلا قصص خيالية ألّفها الإخباريون المسلمون في القرن الثاني الهجري. والمصحف الذي بين أيدينا اليوم مكتوب بالخط الكوفي الذي لم يكتمل في صورته النهائية التي كُتب بها القرآن إلا في نهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني، كما يقول خبراء اللغات (أنظر مارتن لنجس وياسين صفادي)
M Lings & Y H Safadi, The Qur’an: Catalogue of Exhibition of Quranic Manuscripts At The British Library
وإذا علمنا أن الكوفة نفسها لم يتم إنشاؤها إلا في العام السابع عشر من الهجرة بعد موت محمد وأبي بكر، وفي خلافة عمر بن الخطاب، لأيقنا أن الخط الكوفي نشأ بالتدريج وعلى عشرات السنين قبل أن يكتمل ويُعرف بالخط الكوفي تمييزاً له عن الخط الحجازي. وحتى الخط الكوفي لم يكن منقطاً وليس به علامات ترقيم كالتي بالمصحف المسمى "مصحف عثمان".
ونحن نعلم الآن من قصص الإخباريين أن الذين كتبوا القرآن بحياة محمد كانوا عدة أشخاص كان لكلٍ منهم مصحفه الخاص. فماذا حدث لمصحف أبن مسعود ومصحف أبي بن كعب ومصحف على بن أبي طالب ومصحف عائشة؟ لعل اكتشاف المخطوطات القرآنية في اليمن في عام 1965 عندما انهار جزء من الجامع الكبير في صنعاء يثبت لنا أن محاولة ضبط القرآن في مصحف واحد متفق عليه لم تكلل بالنجاح في القرن الأول الهجري. فلو اجتمع المسلمون على مصحف واحد جمعه عثمان، لماذا جعل البناؤون سقفاً إضافياً في مسجد صنعاء وأخفوا فيه مئات المخطوطات القرآنية ثم أحكموا بناء السقف وظلت تلك المخطوطات في حرزها لا يعلم بها أحد حتى انهار جزء من سقف ذلك الجامع في عام 1965؟ إخفاء المخطوطات في سقف الجامع يُثبت أن الذين أخفوها لم يكونوا مقتنعين بأن مصحف عثمان هو القرآن الصحيح، وخوفهم من مصادرة ما يعتبرونه القرآن الصحيح، جعلهم يخفون قرآنهم في سقف الجامع
هذه المخطوطات التي حاولت السلطات الدينية في اليمن التكتم عليها ومنعت الخبراء المستشرقين من الاطلاع عليها إلا بعد جهد جهيد، تثبت لنا الاختلاف في مخطوطات القرآن القديمة. وحتى هذه المخطوطات نفسها يظهر فيها بوضوح المجهود الذي قام به من نسخوها لإزالة بعض الآيات وكتابة آيات أخرى فوقها.
وسأعرض صورة لإحدى تلك المخطوطات في المقال، ولنبدأ بنوعية الكتابة في أيام ولادة محمد بن عبد الله في القرن السادس (النقر لتكبير الصورة)
الكاتب: كامل النجار
التاريخ علم له أصوله وقواعده ويخضع للفحص والتمحيص كما تخضع بقية العلوم التطبيقية والنظرية. وكل معلومة تاريخية يجب أن يكون لها سند كتابي أو تصويري أو نحت يُثبت صحتها ويخضع للتحليل العلمي. فنحن عندما نتحدث عن تاريخ الأسر الحاكمة في مصر القديمة لابد أن نستوثق من ذلك التاريخ بالرجوع إلى الكتابات الفرعونية التي عثر عليها الباحثون في مقابر الفراعنة وفي إهرامات مصر العديدة ومكتبات الإسكندرية وغيرها. وكذلك الحال بالنسبة للتاريخ اليوناني القديم والتاريخ الروماني والفارسي وغيره من تاريخ الأمم السابقة.
تاريخ جزيرة العرب في أغلبه غير موثق حتى الآن إلا في اليمن ومنطقة الهلال الخصيب. ففي اليمن لدينا مخطوطات ونقوش حجرية عديدة منذ الألفية الثانية قبل الميلاد تخبرنا عن الدولة المعينية وملوكها وآلهتها ومعابدها، وكذلك عن دولة حضرموت ودولة سبأ وبناء سد مأرب وترميمه بواسطة الحاكم الحبشي أبرهه، وغير ذلك الكثير.
منطقة الحجاز وأواسط الجزيرة العربية لم يعثر الباحثون فيها على أي مخطوطات باللغة العربية للفترة التي سبقت الإسلام، بل عثروا على مقاطع صغيرة تدل على أن اللغة العربية كانت لغة يتحدث بها الناس لكنها كانت تفتقر إلى النقاط وعلامات التنوين وحروف العلة vowels التى تمثل الحروف a, o, e, i في اللغة الإنكليزية، واستعاض عنها أهل العربية بالفتحة، والضمة، والكسرة، والتنوين لاحقاً. وعلامات الترقيم هذه قد أخذها أهل اللغة العربية من اللغة الآرامية أو السريانية بعد ظهور الإسلام. وأقدم مخطوطة عُثر عليها حتى الآن هي مخطوطة "الرقش" أو "الرقشة" ويرجع تاريخها إلى عام 267 ميلادية
المصدر MSM Saifullahm Mohammad Ghoneim & Shibli Zamam
From Alphonse Mingama To Christoph Luxenberg: Arabic Script & the Alleged Syriac Origins of the Quran
إن اللغة العربية لم تكن لغة مكتوبة ومقروءة وإنما لغة تخاطب بين الناس في الغالبية العظمى من الوقت. ويذهب بعض علماء اللغات إلى أن العربية المكتوبة في أيام ظهور القرآن كانت كلمات عربية مكتوبة بالحروف الآرامية أو السريانية لأن اللغتين الآرامية والسريانية كانتا لغة الكتابة السائدة في ذلك العصر.
وعليه نستطيع أن نقول إن التاريخ الإسلامي كله تاريخ شفهي لم يُكتب إلا بعد أن تطورت اللغة العربية وأُدخلت عليها النقاط وعلامات الترقيم في نهاية القرن الأول الهجري ومنتصف القرن الثاني. فتاريخ يعتمد على ذاكرة الرواة على مدى مائة عام أو يزيد، تاريخ لا يمكن الوثوق به إطلاقاً. وفي هذه الحالة لا يمكننا إلا الاعتماد على القرائن فقط.
إن ما زعمه الإسلاميون من أن الشعر الجاهلي كان يُكتب ويُعلق على جدران الكعبة، وسموه المعلقات، إنما هو اقتراع إسلامي لا دليل عليه فعلياً ولا عقلياً، كما قال بذلك الدكتور طه حسين. إذ كيف يُعقل أن يكتب الشعراء معلقاتهم الطويلة واللغة العربية المكتوبة لم تكن قد شبت عن الطوق حينها؟ وعلى ماذا كتبوها قبل أن يعلقوها على جدران الكعبة، إذا كان القرآن الذي جاء بعد فترة الجاهلية كان يُكتب على العظام والجريد؟ كم لوحاً من أكتاف الخراف تحتاجها معلقة أمريء القيس، وكيف علقوها على الكعبة؟
وحتى عندما بدأ محمد دعوته كان الذين يكتبون العربية يعدون على أصابع اليدين، وكانت الحروف غير منقطة ولم يكن التنوين قد عُرف وقتها، وقد ذهب بعض علماء اللغة إلى القول إن العربية كانت تُكتب بحروف آرامية تعلموها من مسيحيي الشام (كما نفعل الآن عندما نرسل رسائل تكست على التلفون الجوال فنكتب alsalamu alaykum بالحروف الإنكليزية. ويزعم المسلمون أن محمداً كان يملي القرآن على كُتاب الوحي من أمثال زيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان الذي لم يسلم إلا بعد فتح مكة في العام الثامن الهجري، أي قبل سنتين من موت محمد، ودخل الإسلام مكرهاً، ولذا لا نستبعد أن يكون قد كتب ما لم يقل به محمد، إذا كان فعلاً كاتباً. يخبرنا الرواة أن محمداً كان يملي عليهم آية ثم يقول لهم ضعوها مع الآيات التي تُذكر فيها البقرة أو النجم. فهل كانت لديهم طريقة آركايف archive يرجعون إليها ليجدوا العظام التي بها البقرة. وماذا يفعل المسلم الذي كان قد حفظ تلك الآيات منذ عدة سنوات ثم أدخلوا عليها آيات جديدة لم يحدد محمد موقعها من السورة؟
ثم زعم المؤرخون المسلمون أو "الإخباريون" كما يسميهم الدكتور جواد علي في كتابه عن تاريخ العرب قبل الإسلام، لأنهم نقلوا الأخبار كما سمعوها دون أي تمحيص، وسموها تاريخاً، زعم هؤلاء الإخباريون أن القرآن كله كان مكتوباً قبل وفاة محمد. ثم زعموا أن أبا بكر جمع تلك الكتابات في مصحف وأودعه عند حفصة بنت عمر، زوجة محمد. ثم أخبرونا أن الخليفة عثمان، وتحت إصرار معاذ بن جبل الذي سمع في العراق روايات عديدة مختلفة للسورة الواحدة من القرآن وخاف على المسلمين من الشقاق بسبب ذلك الخلاف، أوكل جمع القرآن إلى الشاب زيد بن ثابت الذي قال لعثمان "كيف أجمع ما لم يجمعه رسول الله في حياته". فإذا كان أبو بكر قد جمع القرآن، لماذا احتاج عثمان لجمعه مرة أخرى؟ ولماذا أوكل عثمان جمعه للشاب زيد بينما كان هناك فطاحل الصحابة من أمثال أُبي بن كعب الذي قال له محمد "إن ربي قد أمرني أن أقرئك القرآن، فقال: الله سماني لك، قال نعم، فذرفت عيناه" (صحيح البخاري، كتاب التفسير، حديث 4676)، وعبد الله بن مسعود الذي قال عنه أبو موسى الأشعري "لقد رأيتُ رسول الله وما أرى ابن مسعود إلا من أهله". فهذا الرجل الذي كان يصاحب محمد ليلاً ونهاراً وحفظ عنه أكثر من تسعين سورة، لماذا تركهم عثمان واختار الشاب زيد بن ثابت، إذا كان الله قد ذكر أبي بن كعب بالإسم؟
وإذا كان عثمان قد جمع القرآن في مصحف واحد وجعل منه ست نسخ وزعها على الأمصار، كما تقول الروايات، لماذا لم نعثر حتى الآن على أي نسخة من تلك المصاحف؟ هل يُعقل أن يتسابق المسلمون على نخامة محمد وبصاقه وشعر رأسه عندما يقصه الحلاق، ويفرطون في الاحتفاظ بأول مصحف يجمع القرآن في كتاب واحد؟
حقيقة الأمر أن تاريخ جمع القرآن ما هو إلا قصص خيالية ألّفها الإخباريون المسلمون في القرن الثاني الهجري. والمصحف الذي بين أيدينا اليوم مكتوب بالخط الكوفي الذي لم يكتمل في صورته النهائية التي كُتب بها القرآن إلا في نهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني، كما يقول خبراء اللغات (أنظر مارتن لنجس وياسين صفادي)
M Lings & Y H Safadi, The Qur’an: Catalogue of Exhibition of Quranic Manuscripts At The British Library
وإذا علمنا أن الكوفة نفسها لم يتم إنشاؤها إلا في العام السابع عشر من الهجرة بعد موت محمد وأبي بكر، وفي خلافة عمر بن الخطاب، لأيقنا أن الخط الكوفي نشأ بالتدريج وعلى عشرات السنين قبل أن يكتمل ويُعرف بالخط الكوفي تمييزاً له عن الخط الحجازي. وحتى الخط الكوفي لم يكن منقطاً وليس به علامات ترقيم كالتي بالمصحف المسمى "مصحف عثمان".
ونحن نعلم الآن من قصص الإخباريين أن الذين كتبوا القرآن بحياة محمد كانوا عدة أشخاص كان لكلٍ منهم مصحفه الخاص. فماذا حدث لمصحف أبن مسعود ومصحف أبي بن كعب ومصحف على بن أبي طالب ومصحف عائشة؟ لعل اكتشاف المخطوطات القرآنية في اليمن في عام 1965 عندما انهار جزء من الجامع الكبير في صنعاء يثبت لنا أن محاولة ضبط القرآن في مصحف واحد متفق عليه لم تكلل بالنجاح في القرن الأول الهجري. فلو اجتمع المسلمون على مصحف واحد جمعه عثمان، لماذا جعل البناؤون سقفاً إضافياً في مسجد صنعاء وأخفوا فيه مئات المخطوطات القرآنية ثم أحكموا بناء السقف وظلت تلك المخطوطات في حرزها لا يعلم بها أحد حتى انهار جزء من سقف ذلك الجامع في عام 1965؟ إخفاء المخطوطات في سقف الجامع يُثبت أن الذين أخفوها لم يكونوا مقتنعين بأن مصحف عثمان هو القرآن الصحيح، وخوفهم من مصادرة ما يعتبرونه القرآن الصحيح، جعلهم يخفون قرآنهم في سقف الجامع
هذه المخطوطات التي حاولت السلطات الدينية في اليمن التكتم عليها ومنعت الخبراء المستشرقين من الاطلاع عليها إلا بعد جهد جهيد، تثبت لنا الاختلاف في مخطوطات القرآن القديمة. وحتى هذه المخطوطات نفسها يظهر فيها بوضوح المجهود الذي قام به من نسخوها لإزالة بعض الآيات وكتابة آيات أخرى فوقها.
وسأعرض صورة لإحدى تلك المخطوطات في المقال، ولنبدأ بنوعية الكتابة في أيام ولادة محمد بن عبد الله في القرن السادس (النقر لتكبير الصورة)
هذه المخطوطة العربية أرخها ليتمان Littmann بالقرن السادس الميلادي، ويظهر فيها غياب النقاط وعلامات التنوين، وهي تشبه تماماً ما كانت عليه الكتابة السريانية في ذلك الوقت. وبما أن أغلب الذين كانوا يكتبون في ذلك الوقت هم مسيحيو الشام الذين كانوا يتحدثون السريانية وكتبوا بها الإنجيل وكل الأدعية الدينية التي كان يصعب على القاريء العادي فك رموزها، فقد طلبوا من الأسقف يعقوب من مدينة أديسا في مقاطعة أنطاكية Jacob of Edessa (ت 708م) أن يخترع حروف علة vowels كما في اللغة اليونانية لتسهيل قراءة اللغة، وامتنع أولاً لخوفه من أن ذلك سوف يفسد كل الكتب الدينية التي كُتبت وقتها بدون حروف علة، وأخيراً وصل إلى حل وسط واخترع حروفاً تُكتب فوق السطر أي فوق حروف الكلمة حتى لا تؤثر في كتابة الكلمة نفسها. وقبل ذلك كانت الأصوات المختلفة يُعبر عنها بنقاط ملونة على الحروف لتميزها عن نقاط الحروف نفسها، وهذه الحروف الصغيرة المكتوبة فوق الكلمات هي نفس الطريقة المتبعة في كتابة المصحف بالخط الكوفي، وكذلك النقاط الملونة، فقد كان ناسخو القرآن بالخط الكوفي يضعون نقاط حمراء على يمين الحرف لتدل على الفتحة، وعلى يساره لتدل على الضمة.
ونحن لا نعلم بالضبط من هو الشخص الذي أدخل النقاط في اللغة العربية، ولكنا نعرف أن المؤرخين العرب زعموا أنه أبو الأسود الدؤلي المتوفي عام 69 هجرية. وهذه النقاط لم تنتشر حتى نشرها يحيى بن يعمر المتوفي عام 90 هجرية وناصر بن عاصم الليثي المتوفي عام 100 هجرية. ثم جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفي عام 170 هجرية وأدخل النحو وعلامات التنوين (الفتحة والضمة والكسرة).
وبما أن اللغة العربية لم يكن قد اكتمل تطورها عندما جاء محمد بالقرآن، ولما كان كُتاب الوحي يتناوبون في كتابته حسب وجود بعضهم وغياب البعض الآخر عندما يقول محمد إن جبريل قد زاره وأعطاه آيات من القرآن، فإن ما كتبه بعض الكتاب لم يكتبه الآخرون، ولما كانت الآيات مكتوبة على العظام والجلود كل آية أو آيتين في مكان، ولما كان القرآن قد نزل على فترة ثلاث وعشرين سنةً، فإنه لا محالة أن الذين حاولوا جمعه في مصحف واحد قد لاقوا مشاقاً عظيمه في جمعه وكتابته، إذ أن مستوى القدرة على الكتابة كان مختلفاً بين الكُتاب كما كانت طريقة كتابة كل منهم تختلف عن الآخر. وعندما جاء زيد وأعوانه لكتابة القرآن قرأ كل واحد منهم الكلمات غير المنقطة حسب تخمينه أو حفظة للكلمة. ولا شك أن هذا أدى إلى اختلاف بعض كلمات المصحف الجديد عما كان في المصاحف الأخرى مثل مصحف أبي بن كعب أو ابن مسعود. وللذك جاء اللاحقون من الفقهاء بمقولة القراءات المختلفة وزعموا أن محمد عندما جاءه عمر برجل يقرأ القرآن بغير ما حفظه عمر عن محمد، قال له محمد إن القرآن نزل بسبعة أحرف، فأصبحت القراءات سبع، ثم عشر، ووصلت إلى خمس وعشرين قراءة (النشر في القراءات العشر لابن الجزري، ص 18). وكل ذلك بسبب الحروف غير المنقطة التي تجعل من قراءة الكلمة تخميناً يختلف من شخص لآخر.
فعندما جاؤوا لترتيب سور القرآن، اختلفوا في طول كل منهن وفي عدد الآيات، وفي ما هو قرآن أو دعاء كان يردده محمد. وفي النهاية نجد "مصحف عثمان" خليطاً غير متجانس من الآيات المكية المحشورة في وسط السور المدنية، والعكس كذلك. ثم أن ترتيب السور لم يكن حسب تسلسل النزول وإنما اختار زيد بن ثابت أن يضع السور حسب طولها. وحتى طول السور نفسه حدث به ارتباك كثير واختلف الصحابة فيه. فمثلاً سورة الأحزاب التي تحتوي على ثلاث وسبعين آية في "مصحف عثمان"، أصرّ كلٌ من عائشة وأبي بن كعب وابن مسعود أنها كانت في مثل طول سورة البقرة قبل أن يجمع زيد "مصحف عثمان".
ثم هناك الاختلاف في عدد سور القرآن، إذ أن مصحف عثمان يحتوي على مائة وأربع عشرة سورة، بينما مصحف أبي بن كعب يحتوي على سورتين إضافيتين هما سورة الحفد وسورة الخلع، بينما مصحف ابن مسعود يحتوي على مائة واثنتي عشرة سورة فقط، إذ انه لم يعتبر سورتي المعوذتين من القرآن وإنما كانتا أدعية يرتلها محمد.
وبالنسبة لمقولة نزول القرآن بسبعة أحرف فهي مقولة ابتكرها فقهاء الإسلام للخروج من مأزق الاختلاف الكبير في قراءة سور القرآن لأن محمداً كان ينسى الآيات مع طول الوقت ويقرأ القرآن في الصلاة بطريقة مختلفة حسب ما يتذكره، فيحفظ عنه المسلمون ما سمعوه منه ولذلك حدث الاختلاف بين الصحابة في قراءة القرآن.
وقد سقط من المصحف العثماني كلمات وآيات كثيرة كان المسلمون قد حفظوها، ويظهر لنا ذلك جلياً من بعض المخطوطات التي وجدت بصنعاء، والتي يرجع تاريخها للربع الأول من القرن الثامن الميلادي، كما تقول Annemarie Schimmel (النقر لتكبير الصورة)
ونحن لا نعلم بالضبط من هو الشخص الذي أدخل النقاط في اللغة العربية، ولكنا نعرف أن المؤرخين العرب زعموا أنه أبو الأسود الدؤلي المتوفي عام 69 هجرية. وهذه النقاط لم تنتشر حتى نشرها يحيى بن يعمر المتوفي عام 90 هجرية وناصر بن عاصم الليثي المتوفي عام 100 هجرية. ثم جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفي عام 170 هجرية وأدخل النحو وعلامات التنوين (الفتحة والضمة والكسرة).
وبما أن اللغة العربية لم يكن قد اكتمل تطورها عندما جاء محمد بالقرآن، ولما كان كُتاب الوحي يتناوبون في كتابته حسب وجود بعضهم وغياب البعض الآخر عندما يقول محمد إن جبريل قد زاره وأعطاه آيات من القرآن، فإن ما كتبه بعض الكتاب لم يكتبه الآخرون، ولما كانت الآيات مكتوبة على العظام والجلود كل آية أو آيتين في مكان، ولما كان القرآن قد نزل على فترة ثلاث وعشرين سنةً، فإنه لا محالة أن الذين حاولوا جمعه في مصحف واحد قد لاقوا مشاقاً عظيمه في جمعه وكتابته، إذ أن مستوى القدرة على الكتابة كان مختلفاً بين الكُتاب كما كانت طريقة كتابة كل منهم تختلف عن الآخر. وعندما جاء زيد وأعوانه لكتابة القرآن قرأ كل واحد منهم الكلمات غير المنقطة حسب تخمينه أو حفظة للكلمة. ولا شك أن هذا أدى إلى اختلاف بعض كلمات المصحف الجديد عما كان في المصاحف الأخرى مثل مصحف أبي بن كعب أو ابن مسعود. وللذك جاء اللاحقون من الفقهاء بمقولة القراءات المختلفة وزعموا أن محمد عندما جاءه عمر برجل يقرأ القرآن بغير ما حفظه عمر عن محمد، قال له محمد إن القرآن نزل بسبعة أحرف، فأصبحت القراءات سبع، ثم عشر، ووصلت إلى خمس وعشرين قراءة (النشر في القراءات العشر لابن الجزري، ص 18). وكل ذلك بسبب الحروف غير المنقطة التي تجعل من قراءة الكلمة تخميناً يختلف من شخص لآخر.
فعندما جاؤوا لترتيب سور القرآن، اختلفوا في طول كل منهن وفي عدد الآيات، وفي ما هو قرآن أو دعاء كان يردده محمد. وفي النهاية نجد "مصحف عثمان" خليطاً غير متجانس من الآيات المكية المحشورة في وسط السور المدنية، والعكس كذلك. ثم أن ترتيب السور لم يكن حسب تسلسل النزول وإنما اختار زيد بن ثابت أن يضع السور حسب طولها. وحتى طول السور نفسه حدث به ارتباك كثير واختلف الصحابة فيه. فمثلاً سورة الأحزاب التي تحتوي على ثلاث وسبعين آية في "مصحف عثمان"، أصرّ كلٌ من عائشة وأبي بن كعب وابن مسعود أنها كانت في مثل طول سورة البقرة قبل أن يجمع زيد "مصحف عثمان".
ثم هناك الاختلاف في عدد سور القرآن، إذ أن مصحف عثمان يحتوي على مائة وأربع عشرة سورة، بينما مصحف أبي بن كعب يحتوي على سورتين إضافيتين هما سورة الحفد وسورة الخلع، بينما مصحف ابن مسعود يحتوي على مائة واثنتي عشرة سورة فقط، إذ انه لم يعتبر سورتي المعوذتين من القرآن وإنما كانتا أدعية يرتلها محمد.
وبالنسبة لمقولة نزول القرآن بسبعة أحرف فهي مقولة ابتكرها فقهاء الإسلام للخروج من مأزق الاختلاف الكبير في قراءة سور القرآن لأن محمداً كان ينسى الآيات مع طول الوقت ويقرأ القرآن في الصلاة بطريقة مختلفة حسب ما يتذكره، فيحفظ عنه المسلمون ما سمعوه منه ولذلك حدث الاختلاف بين الصحابة في قراءة القرآن.
وقد سقط من المصحف العثماني كلمات وآيات كثيرة كان المسلمون قد حفظوها، ويظهر لنا ذلك جلياً من بعض المخطوطات التي وجدت بصنعاء، والتي يرجع تاريخها للربع الأول من القرن الثامن الميلادي، كما تقول Annemarie Schimmel (النقر لتكبير الصورة)
ففي هذه المخطوطة اليمنية نجد السطر السابع قد طُمس تماماً، والسطر الثامن بداية سورة البروج التي تقول في المصحف العثماني (بسم الله الرحمن الرحيم. والسماء ذات البروج. واليوم الموعود. وشاهد ومشهود. قٌتل أصحاب الأخدود. النار ذات الوقود. إذ هم عليها قعود. وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد. الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد) بينما في القرآن اليمني غير المنقط نجد في بداية السطر الثامن (بسم الله الرحمن الرحيم. والسماء ذات البروج. واليوم الموعود. وشاهد ومشهود. قُتل أصحاب الأخدود. إلا في كتاب الوفود ( الوقود) إذ هم عليها قعود. وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود.) فشبه الجملة (في كتاب الوفود) ليست بالمصحف العثماني (ونجد "النار ذات الوقود" في المصحف العثماني وليس "إلا في كتاب الوفود": مرسل المقال).
ولأن الناس كانوا يقرؤون القرآن بتخمين الكلمات غير المنقطة، نجد مثلاً في مصحف عثمان (والشمس تجري لمستقر لها) (يس 8)، نجد ابن عباس يقرأ (والشمس تجري لا مستقر لها). ويقول السيوطي في الإتقان في علوم القرآن عن الخليل بن أحمد إن الآية (فجاسوا في الآرض) قد قرأها آخرون (فحاسوا في الأرض). وفي سورة الإسراء (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) قرأ آخرون (وصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا). وفي سورة البقرة (وانظر إلى العظام كيف نُنشزها) قرأ آخرون (وانظر إلى العظام كيف ننشرها). والأمثلة لقراءة التخمين أكثر من أن نحصرها في هذا المقال. ونستنتج من كل هذا أن تاريخ جمع القرآن تاريخ يشوبه الغموض ولا يمكن التحقق منه لمخالفته المنطق ولعدم وجود مخطوطات تُثبت لنا ما يزعمه الإسلاميون.
ملاحظة: عن عدم تواتر القراءات القرآنية راجع موضوع القرآن ليس متواترا