الكاتب : كامل النجار
المصدر في الحوار المتمدن
كل الحفريات التي أجراها علماء "علم الإنسان" Anthropology وكل الهياكل العظمية التي تم اكتشافها حتى الآن، والآلات التي وُجدت مع الهياكل العظمية، تثبت لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن الإنسان كان يمشي على أربعة أطراف وكان يتسلق الأشجار ويعيش على النباتات، تماماً كما تفعل ال anthropoid apes أي القرود شبيهة الإنسان والشمبانزي الذي نشترك معه في ثمان وتسعين بالمئة من الجينات الوراثية. وطبعاً فترة تطور الإنسان من الشمبانزي إلى ما هو عليه الآن مرت بمراحل عديدة استغرقت ملايين السنين. وأقدم هيكل عظمي للإنسان وجدوه حتى الآن كان في صحراء تشاد، وسموه Sahelanthropus tchadensis وقدروا عمره بسبعة ملايين من السنين.
ولكن القرآن، مثله مثل العهد القديم، يقول إن خلق الإنسان بدأ بآدم، الإنسان الأول الذي عاش في الجنة ثم أخرجه الله منها. العهد القديم يقول إن الله خلق آدم من غبار الأرض dust of the earth، ثم خلق حواء من ضلعة وملأ مكان الضلع لحماً. والله خلق آدم في صورته، أي صورة الله، ونفخ فيه من روحه.
وجاء القرآن ليجدد الأديان القديمة، كما يزعم أتباعه، فأتى بمزيج مضطرب من قصة الخلق، سواء أكان خلق الأرض والسموات والحيوانات أو خلق الإنسان. يتفق القرآن مع العهد القديم في أن خلق الإنسان بدأ بآدم في الجنة، ولكنه عندما يتحدث عن المرأة يقول "خلق لكم من أنفسكم أزواجاً"، فهو لا يصرّح بأن زوجة آدم خُلقت من ضلعه، ولكن أحاديث محمد وشرح مفسري القرآن يقول كما قال العهد القديم بأنها خُلقت من ضلعه الأعوج. وبما أن الكنيسة الكاثوليكية تقول إن بداية العالم كانت في العام 4004 قبل الميلاد، فإن خلق آدم كان في ذلك التاريخ، أي قبل حوالي ستة آلاف عام. وقد وافق فقهاء الإسلام الكنيسة في تاريخ بداية الخلق وحددوا عمر العالم بسبعة آلاف سنة، ينتهي بعدها العالم ويطوي الله الأرض بيمينه، ولذلك قال القرآن (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) (الأنبياء 1) وهذا الطرح بعيد كل البعد عما يقول به العلم الحديث.
ولنبدأ بخلق آدم في القرآن. يقول القرآن: (إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) (آل عمران 59). فإذا تغاضينا عن الخطأ اللغوي في كلمة "فيكون" بدل "كان"، نجد أن المفسرين قالوا إن الله أرسل جبريل إلى الأرض فجمع له كمية من التراب من عدة مواضع مختلفة الألوان، فخلق من ذلك التراب جسد آدم ثم نفخ فيه من روحه، فقام آدم إنساناً سوياً له لغة يتحدث بها مع الله وعلّمه الله أسماء الحيوانات التي كانت قد خُلقت قبله (لا بد أنها كذلك خُلقت من تراب). فإذاً آدم خُلق من تراب ومن غير أب أو أم، وخُلق في صورة الله. ولكن المشكلة في الآية المذكورة أن الله قال (إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم) مع أن عيسى كانت له أم ورث منها نصف جيناته ولابد أنه ورث النصف الآخر من روح الله التي نفخها في فرجها، عندما قال (ومريم أبنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا) (التحريم 12). فإذاً هناك فرق شاسع بين خلق آدم وخلق عيسى. وبما أن جبريل جمع كمية من التراب من مواضع مختلفة مما أدى إلى تنوع ألوان التربة التي جمعها، جاء بنو آدم على ألوان كثيرة متباينة، كما يقول المفسرون الذين لم يسمعوا بمادة "الميلالين" التي تلوّن الجلد وتزداد كميتها بازدياد أشعة الشمس.
ولتوكيد أن الإنسان خُلق من تراب، يقول لنا القرآن (ومنها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى) (طه 55) وهو يتحدث عن الأرض. ولن نتحدث هنا عن الاستثناءات الكثيرة لهذه الآية في موضوع خروج الموتى من الأرض. المهم أن القرآن يصر على أن الإنسان خُلق من الأرض أي التراب.
ثم زاد القرآن تفصيلاً في نوع المادة التي خلق منها آدم، فقال (ولقد خلقنا الإنسان من صلصالٍ من حمأٍ مسنون) (الحجر 26). وبما أن عرب مكة لم يكونوا حرفيين ولم يعرفوا صناعة الفخار، اختلف المفسرون فيما عناه الله بالصلصال المسنون، فقالوا إن الصلصال طين يابس. (وقال ابن عباس: هو الطين الحر خُلط بالرمل فصار يتصلصل إذا جف، فإذا طُبخ بالنار فهو الفخار. وقال مجاهد: هو الطين المنتن، واختاره الكسائي. تقول العرب: أصِلَ اللحم إذا أنتن، مطبوخاً كان أو نيئاً. وطين صلصال أي يصّوت إذا نقرته كما يصّوت الحديد. كان أولاً تراباً أي متفرق الأجزاء ثم بُلّ فصار طيناً ثم تُرك حتى أنتن فصار حمأ مسنوناً أي متغير ثم يبس فصار صلصالاً، على قول الجمهور.) (تفسير القرطبي للآية). فإذاً الله خلق آدم من طين يابس، ولا نعلم لماذا اختار أن يصنعه من طين يابس بدل الطين اللين الذي يسهل تشكيله.
وفي قول مجاهد أضاف الله الماء إلى التراب فجعله طيناً وتركه حتى أنتن أي تعفّن وصارت رائحته نتنة، ثم جفّ فصار صلصالاً له صوت، فخلق منه آدم. وربما أختار مجاهد هذا التفسير لأن الإنسان عندما يموت ينتن وتصير رائحته كريهة.
ثم يخبرنا القرآن بنوع آخر من الطين خلق الله منه الإنسان، فيقول (إنّا خلقناهم من طينٍ لازب) (الصافات 11). يقول القرطبي (طين لازب أي لاصق، وقال بذلك ابن عباس. أما الماوردي فقال: الفرق بين اللاصق واللازب أنّ اللاصق هو الذي قد لصق بعضه ببعض، واللازب هو الذي يلتزق بما أصابه. وقال عكرمة: "لازب" لزج. قال سعيد بن جبير: أي جيدٌ حرٌ يلصق باليد. وقال مجاهد: "لازب" لازم.) إذاُ بدل الصلصال الجاف الذي يصوت كالحديد، خلق الله آدم من طين لزج يلصق باليد. وربما يكون هذا النوع من الطين قد سبب بعض المشاكل لأن الله يقول (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيديً) (ص 75). فالله قد خلق أدم بيديه من ذلك الطين الذي يلصق باليدين.
وينتقل القرآن بعد آدم إلى خلق الإنسان العادي، فيقول (الذين يجتنبون كبائر الإثم إلا اللمم إن ربك واسع المغفرةِ وهو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) (النجم 32). فالقرآن هنا انتقل بنا بدون تفصيل من خلقنا من الأرض إلى كوننا أجنة في بطون أمهاتنا. ثم بدأ يفصل لنا كيف انتقلنا من الطين إلى أن أصبحنا أجنة في بطون أمهاتنا، فيقول (يا أيها الناس إنْ كنتم في ريب من البعث فإنّا خلقناكم من ترابٍ ثم من نطفةٍ ثم من علقةٍ ثم من مضغةٍ مخلّقةٍ وغير مخلّقةٍ لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً) (الحج 5).
ثم يقول (هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفةٍ ثم من علقةٍ ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً ) (غافر 67). فبعد خلق آدم من تراب أصبح خلق الإنسان من نظفةٍ أي من المني الذي يتغير إلى علقة. وطبعاً هذا الطرح لا يمكن أن يكون قد أتى من إله عالمٍ لأن المني وحده لا يخلق مضغةً، ولكن لأن محمد كان يرى مني الرجل فقط ولم يكن يعرف أن المرأة تفرز البويضة التي تحمل نصف الكروموسومات التى تكوّن خلايا الجنين كما يحمل الحيوان المنوي النصف الآخر، اعتقد أن العلقة ناتجة من المني فقط. ويستمر القرآن في نفس الخطأ، فيقول (والله الذي خلقكم من تراب ثم من نطفةٍ ثم جعلكم أزواجاً) (فاطر 11).
ثم يدخل القرآن في تفاصيل أدق، فيقول (لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه في قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) (المؤمنون12- 14). وقد شرحت بإسهاب خطأ هذه الآيات في كتابي "قراءة منهجية للإسلام" وبينت كيف أن العظام لا تُخلق أولاً ثم يكسوها اللحم، بل العكس تماماً يحدث فيتكون اللحم ثم تنبت العظام في داخله.
وفي تطور غريب جداً يقول لنا القرآن (الذي أحسن كل شيء خَلًقَه وبدأ خلق الإنسان من طين. ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين. ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) (السجدة 7-9). ومن الغريب أن يصف الله المني بأنه "مهين" وهو الذي يحمل نصف مكونات خلايا الإنسان. وهذا يعني أن الإنسان خُلق من ماء مهين، فهو إذا مهين لأن الفرع يتبع الأصل. وكيف ينفخ الله من روحه في جسم مهين خُلق من ماء مهين؟ وقد اجتهد المفسرون في شرح هذه الآية وقالوا إن المني ماء مهين لأنه يخرج من نفس المجرى الذي يخرج منه البول. ويدخل هذا المني إلى الرحم ليكوّن العلقة عن طريق المهبل الذي هو مجرى دم الحيض، وهو مهين كذلك. فإذاً الإنسان يتكون من ماء مهين، ويدخل الرحم ويخرج منه عن طريق ممرٍ مهين. ومع ذلك يقول الله (قليلاً ما تشكرون). كيف نشكره على خلقنا من كل هذه المهانة. وكيف يقول الله إنه أحسن كل شيء خلقه؟ أين الحسن هنا؟ وإذا كان الله قد أحسن كل شيء خلقه، كيف يقول (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين)؟ فكيف يكون أسفل السافلين جزءاً من الحسن؟ ويقول عن الإنسان الذي أحسن خلقه (وخُلق الإنسان ضعيفا) (النساء 28) وكذلك (وكان الإنسان عجولا) (الإسراء 11) و (خُلق الإنسان في عجل) (الأنبياء 3) لماذا خلق الله الإنسان في عجل وجعله عجولاً وضعيفاً؟ لماذ لم يتقن الله ما صنعه؟
ولزيادة التوضيخ في خلق الإنسان يقول لنا القرآن (فلينظر الإنسان مما خُلق. خُلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب) (الطارق 6-7). فالماء المهين أصبح ماءً دافق يخرج من بين الصلب والترائب. والترئب هي عظام الترقوة، والصلب معروف. فبالنسبة لمحمد فإن الماء الدافق، أي المني يأتي من بين الترقوة والصلب (من الظهر). وهو قطعاً لا يأتي من هذا الموضع. فالحيوانات المنوية تتكون في الخصية وتنتقل إلى الأكياس المنوية seminal vesicles بجوار البروستاتة، حيث تنتظر اللحظة المواتية لتخرج في الماء الدافق. مرة أخرى تثبت لنا هذه الآيات أن القرآن لايمكن أن يكون من عند إله عالم.
ويصر القرآن على الخطأ فيقول (أيحسب الإنسان أن يُترك سدى. ألم يك نطفةً من مني يُمنى ثم كان علقة فخلق فسوى) (القيامة 36-37). مرة أخرى يتجاهل القرآن دور البويضة التي تكوّن نصف الإنسان ويكتفي بالماء الدافق الذي يراه الناس بالعين المجردة؟
والقرآن قد ذكر حقيقة علمية مهمة، كان قد لاحظها الناس منذ القدم[1]، عندما قال (وجعلنا من الماء كل شيء حيّ أفلا يؤمنون) (الأنبياء 30). فكل الخلايا الحية يكوّن الماء فيها نسبة كبيرة جداً، فحوالي سبعين بالمائة من جسم الإنسان هو ماء. ولكن نلاحظ هنا أن القرآن قال "وجعلنا من الماء" ولم يقل "وخلقنا من الماء" لأنه سبق أن قال "وخلقناكم من تراب". ولكن القرآن يناقض هذه الآية بقوله (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) (الحجر 27). ويقول كذلك (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. فسجد الملائكة كلهم أجمعون. إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين. قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ أستكبرت أم كنت من العالين. قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. قال فاخرج منها إنك رجيم. ,ان عليك لعنتي إلى يوم الدين (ص 71-78). وكما نعلم فإن الجان أو الشيطان أو إبليس في المفهوم القرآني مخلوق حيّ يتزوج ويعاشر نساءه وحتى نساء المسلمين الذين لا يذكرون اسم الله قبل الجماع. وهذه المخلوقات الحية مخلوقة من النار وليس من الماء. إذاً القرآن أخطأ عندما قال (وجعلنا من الماء كل شيء حيّ). وآدم نفسه لم يُخلق من ماء بل من طين ناشف أي صلصال.
وفي تعارض تام مع العلم يقول لنا القرآن (قل هل أنبئكم بشرٍ من ذلك مثوبةً عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير) (المائدة 60). فالقرود إذاً أتت من بعض الناس الذين غضب عليهم الله فمسخهم قروداً، وليس العكس كما تقول نظرية دارون، وكما أثبت العلم الحديث.
وكل هذا التخبط في قصة خلق الإنسان يجعلنا نوقن أن القرآن من سجع محمد وليس من عند إله في السماء.
--------------------
[1] ربما تكون كلمة "ذكرها" أنسب من "لاحظها" في هذا الموضع إذا كان الكاتب يريد الإشارة إلى الأساطير القديمة التي ذكرت المياه الأزلية.
المصدر في الحوار المتمدن
كل الحفريات التي أجراها علماء "علم الإنسان" Anthropology وكل الهياكل العظمية التي تم اكتشافها حتى الآن، والآلات التي وُجدت مع الهياكل العظمية، تثبت لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن الإنسان كان يمشي على أربعة أطراف وكان يتسلق الأشجار ويعيش على النباتات، تماماً كما تفعل ال anthropoid apes أي القرود شبيهة الإنسان والشمبانزي الذي نشترك معه في ثمان وتسعين بالمئة من الجينات الوراثية. وطبعاً فترة تطور الإنسان من الشمبانزي إلى ما هو عليه الآن مرت بمراحل عديدة استغرقت ملايين السنين. وأقدم هيكل عظمي للإنسان وجدوه حتى الآن كان في صحراء تشاد، وسموه Sahelanthropus tchadensis وقدروا عمره بسبعة ملايين من السنين.
ولكن القرآن، مثله مثل العهد القديم، يقول إن خلق الإنسان بدأ بآدم، الإنسان الأول الذي عاش في الجنة ثم أخرجه الله منها. العهد القديم يقول إن الله خلق آدم من غبار الأرض dust of the earth، ثم خلق حواء من ضلعة وملأ مكان الضلع لحماً. والله خلق آدم في صورته، أي صورة الله، ونفخ فيه من روحه.
وجاء القرآن ليجدد الأديان القديمة، كما يزعم أتباعه، فأتى بمزيج مضطرب من قصة الخلق، سواء أكان خلق الأرض والسموات والحيوانات أو خلق الإنسان. يتفق القرآن مع العهد القديم في أن خلق الإنسان بدأ بآدم في الجنة، ولكنه عندما يتحدث عن المرأة يقول "خلق لكم من أنفسكم أزواجاً"، فهو لا يصرّح بأن زوجة آدم خُلقت من ضلعه، ولكن أحاديث محمد وشرح مفسري القرآن يقول كما قال العهد القديم بأنها خُلقت من ضلعه الأعوج. وبما أن الكنيسة الكاثوليكية تقول إن بداية العالم كانت في العام 4004 قبل الميلاد، فإن خلق آدم كان في ذلك التاريخ، أي قبل حوالي ستة آلاف عام. وقد وافق فقهاء الإسلام الكنيسة في تاريخ بداية الخلق وحددوا عمر العالم بسبعة آلاف سنة، ينتهي بعدها العالم ويطوي الله الأرض بيمينه، ولذلك قال القرآن (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) (الأنبياء 1) وهذا الطرح بعيد كل البعد عما يقول به العلم الحديث.
ولنبدأ بخلق آدم في القرآن. يقول القرآن: (إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) (آل عمران 59). فإذا تغاضينا عن الخطأ اللغوي في كلمة "فيكون" بدل "كان"، نجد أن المفسرين قالوا إن الله أرسل جبريل إلى الأرض فجمع له كمية من التراب من عدة مواضع مختلفة الألوان، فخلق من ذلك التراب جسد آدم ثم نفخ فيه من روحه، فقام آدم إنساناً سوياً له لغة يتحدث بها مع الله وعلّمه الله أسماء الحيوانات التي كانت قد خُلقت قبله (لا بد أنها كذلك خُلقت من تراب). فإذاً آدم خُلق من تراب ومن غير أب أو أم، وخُلق في صورة الله. ولكن المشكلة في الآية المذكورة أن الله قال (إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم) مع أن عيسى كانت له أم ورث منها نصف جيناته ولابد أنه ورث النصف الآخر من روح الله التي نفخها في فرجها، عندما قال (ومريم أبنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا) (التحريم 12). فإذاً هناك فرق شاسع بين خلق آدم وخلق عيسى. وبما أن جبريل جمع كمية من التراب من مواضع مختلفة مما أدى إلى تنوع ألوان التربة التي جمعها، جاء بنو آدم على ألوان كثيرة متباينة، كما يقول المفسرون الذين لم يسمعوا بمادة "الميلالين" التي تلوّن الجلد وتزداد كميتها بازدياد أشعة الشمس.
ولتوكيد أن الإنسان خُلق من تراب، يقول لنا القرآن (ومنها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى) (طه 55) وهو يتحدث عن الأرض. ولن نتحدث هنا عن الاستثناءات الكثيرة لهذه الآية في موضوع خروج الموتى من الأرض. المهم أن القرآن يصر على أن الإنسان خُلق من الأرض أي التراب.
ثم زاد القرآن تفصيلاً في نوع المادة التي خلق منها آدم، فقال (ولقد خلقنا الإنسان من صلصالٍ من حمأٍ مسنون) (الحجر 26). وبما أن عرب مكة لم يكونوا حرفيين ولم يعرفوا صناعة الفخار، اختلف المفسرون فيما عناه الله بالصلصال المسنون، فقالوا إن الصلصال طين يابس. (وقال ابن عباس: هو الطين الحر خُلط بالرمل فصار يتصلصل إذا جف، فإذا طُبخ بالنار فهو الفخار. وقال مجاهد: هو الطين المنتن، واختاره الكسائي. تقول العرب: أصِلَ اللحم إذا أنتن، مطبوخاً كان أو نيئاً. وطين صلصال أي يصّوت إذا نقرته كما يصّوت الحديد. كان أولاً تراباً أي متفرق الأجزاء ثم بُلّ فصار طيناً ثم تُرك حتى أنتن فصار حمأ مسنوناً أي متغير ثم يبس فصار صلصالاً، على قول الجمهور.) (تفسير القرطبي للآية). فإذاً الله خلق آدم من طين يابس، ولا نعلم لماذا اختار أن يصنعه من طين يابس بدل الطين اللين الذي يسهل تشكيله.
وفي قول مجاهد أضاف الله الماء إلى التراب فجعله طيناً وتركه حتى أنتن أي تعفّن وصارت رائحته نتنة، ثم جفّ فصار صلصالاً له صوت، فخلق منه آدم. وربما أختار مجاهد هذا التفسير لأن الإنسان عندما يموت ينتن وتصير رائحته كريهة.
ثم يخبرنا القرآن بنوع آخر من الطين خلق الله منه الإنسان، فيقول (إنّا خلقناهم من طينٍ لازب) (الصافات 11). يقول القرطبي (طين لازب أي لاصق، وقال بذلك ابن عباس. أما الماوردي فقال: الفرق بين اللاصق واللازب أنّ اللاصق هو الذي قد لصق بعضه ببعض، واللازب هو الذي يلتزق بما أصابه. وقال عكرمة: "لازب" لزج. قال سعيد بن جبير: أي جيدٌ حرٌ يلصق باليد. وقال مجاهد: "لازب" لازم.) إذاُ بدل الصلصال الجاف الذي يصوت كالحديد، خلق الله آدم من طين لزج يلصق باليد. وربما يكون هذا النوع من الطين قد سبب بعض المشاكل لأن الله يقول (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيديً) (ص 75). فالله قد خلق أدم بيديه من ذلك الطين الذي يلصق باليدين.
وينتقل القرآن بعد آدم إلى خلق الإنسان العادي، فيقول (الذين يجتنبون كبائر الإثم إلا اللمم إن ربك واسع المغفرةِ وهو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) (النجم 32). فالقرآن هنا انتقل بنا بدون تفصيل من خلقنا من الأرض إلى كوننا أجنة في بطون أمهاتنا. ثم بدأ يفصل لنا كيف انتقلنا من الطين إلى أن أصبحنا أجنة في بطون أمهاتنا، فيقول (يا أيها الناس إنْ كنتم في ريب من البعث فإنّا خلقناكم من ترابٍ ثم من نطفةٍ ثم من علقةٍ ثم من مضغةٍ مخلّقةٍ وغير مخلّقةٍ لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً) (الحج 5).
ثم يقول (هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفةٍ ثم من علقةٍ ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً ) (غافر 67). فبعد خلق آدم من تراب أصبح خلق الإنسان من نظفةٍ أي من المني الذي يتغير إلى علقة. وطبعاً هذا الطرح لا يمكن أن يكون قد أتى من إله عالمٍ لأن المني وحده لا يخلق مضغةً، ولكن لأن محمد كان يرى مني الرجل فقط ولم يكن يعرف أن المرأة تفرز البويضة التي تحمل نصف الكروموسومات التى تكوّن خلايا الجنين كما يحمل الحيوان المنوي النصف الآخر، اعتقد أن العلقة ناتجة من المني فقط. ويستمر القرآن في نفس الخطأ، فيقول (والله الذي خلقكم من تراب ثم من نطفةٍ ثم جعلكم أزواجاً) (فاطر 11).
ثم يدخل القرآن في تفاصيل أدق، فيقول (لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه في قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) (المؤمنون12- 14). وقد شرحت بإسهاب خطأ هذه الآيات في كتابي "قراءة منهجية للإسلام" وبينت كيف أن العظام لا تُخلق أولاً ثم يكسوها اللحم، بل العكس تماماً يحدث فيتكون اللحم ثم تنبت العظام في داخله.
وفي تطور غريب جداً يقول لنا القرآن (الذي أحسن كل شيء خَلًقَه وبدأ خلق الإنسان من طين. ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين. ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) (السجدة 7-9). ومن الغريب أن يصف الله المني بأنه "مهين" وهو الذي يحمل نصف مكونات خلايا الإنسان. وهذا يعني أن الإنسان خُلق من ماء مهين، فهو إذا مهين لأن الفرع يتبع الأصل. وكيف ينفخ الله من روحه في جسم مهين خُلق من ماء مهين؟ وقد اجتهد المفسرون في شرح هذه الآية وقالوا إن المني ماء مهين لأنه يخرج من نفس المجرى الذي يخرج منه البول. ويدخل هذا المني إلى الرحم ليكوّن العلقة عن طريق المهبل الذي هو مجرى دم الحيض، وهو مهين كذلك. فإذاً الإنسان يتكون من ماء مهين، ويدخل الرحم ويخرج منه عن طريق ممرٍ مهين. ومع ذلك يقول الله (قليلاً ما تشكرون). كيف نشكره على خلقنا من كل هذه المهانة. وكيف يقول الله إنه أحسن كل شيء خلقه؟ أين الحسن هنا؟ وإذا كان الله قد أحسن كل شيء خلقه، كيف يقول (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين)؟ فكيف يكون أسفل السافلين جزءاً من الحسن؟ ويقول عن الإنسان الذي أحسن خلقه (وخُلق الإنسان ضعيفا) (النساء 28) وكذلك (وكان الإنسان عجولا) (الإسراء 11) و (خُلق الإنسان في عجل) (الأنبياء 3) لماذا خلق الله الإنسان في عجل وجعله عجولاً وضعيفاً؟ لماذ لم يتقن الله ما صنعه؟
ولزيادة التوضيخ في خلق الإنسان يقول لنا القرآن (فلينظر الإنسان مما خُلق. خُلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب) (الطارق 6-7). فالماء المهين أصبح ماءً دافق يخرج من بين الصلب والترائب. والترئب هي عظام الترقوة، والصلب معروف. فبالنسبة لمحمد فإن الماء الدافق، أي المني يأتي من بين الترقوة والصلب (من الظهر). وهو قطعاً لا يأتي من هذا الموضع. فالحيوانات المنوية تتكون في الخصية وتنتقل إلى الأكياس المنوية seminal vesicles بجوار البروستاتة، حيث تنتظر اللحظة المواتية لتخرج في الماء الدافق. مرة أخرى تثبت لنا هذه الآيات أن القرآن لايمكن أن يكون من عند إله عالم.
ويصر القرآن على الخطأ فيقول (أيحسب الإنسان أن يُترك سدى. ألم يك نطفةً من مني يُمنى ثم كان علقة فخلق فسوى) (القيامة 36-37). مرة أخرى يتجاهل القرآن دور البويضة التي تكوّن نصف الإنسان ويكتفي بالماء الدافق الذي يراه الناس بالعين المجردة؟
والقرآن قد ذكر حقيقة علمية مهمة، كان قد لاحظها الناس منذ القدم[1]، عندما قال (وجعلنا من الماء كل شيء حيّ أفلا يؤمنون) (الأنبياء 30). فكل الخلايا الحية يكوّن الماء فيها نسبة كبيرة جداً، فحوالي سبعين بالمائة من جسم الإنسان هو ماء. ولكن نلاحظ هنا أن القرآن قال "وجعلنا من الماء" ولم يقل "وخلقنا من الماء" لأنه سبق أن قال "وخلقناكم من تراب". ولكن القرآن يناقض هذه الآية بقوله (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) (الحجر 27). ويقول كذلك (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. فسجد الملائكة كلهم أجمعون. إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين. قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ أستكبرت أم كنت من العالين. قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. قال فاخرج منها إنك رجيم. ,ان عليك لعنتي إلى يوم الدين (ص 71-78). وكما نعلم فإن الجان أو الشيطان أو إبليس في المفهوم القرآني مخلوق حيّ يتزوج ويعاشر نساءه وحتى نساء المسلمين الذين لا يذكرون اسم الله قبل الجماع. وهذه المخلوقات الحية مخلوقة من النار وليس من الماء. إذاً القرآن أخطأ عندما قال (وجعلنا من الماء كل شيء حيّ). وآدم نفسه لم يُخلق من ماء بل من طين ناشف أي صلصال.
وفي تعارض تام مع العلم يقول لنا القرآن (قل هل أنبئكم بشرٍ من ذلك مثوبةً عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير) (المائدة 60). فالقرود إذاً أتت من بعض الناس الذين غضب عليهم الله فمسخهم قروداً، وليس العكس كما تقول نظرية دارون، وكما أثبت العلم الحديث.
وكل هذا التخبط في قصة خلق الإنسان يجعلنا نوقن أن القرآن من سجع محمد وليس من عند إله في السماء.
--------------------
[1] ربما تكون كلمة "ذكرها" أنسب من "لاحظها" في هذا الموضع إذا كان الكاتب يريد الإشارة إلى الأساطير القديمة التي ذكرت المياه الأزلية.