طالعت المقال القيم الموقع ب "ملحد" وعنوانه:"التدليس اللغوي عند دعاة الإعجاز العلمي في القرآن" والمنشور تحت بند "الإسلام" بالصفحة الأم لمنتدى اللادينيين العرب ..ولقد إتبع كاتب المقال منهجا مقبولا لدي إلى حد بعيد ولطالما قلت به في ذهني في صورة سؤال إستنكاري ضد منهج الإعجاز القرآني المزعوم ألا وهو: "لماذا لا يلجأ هؤلاء الإعجازيون إلى طرح معاني الكلمات القرآنية وفقا لفهم أهل زمانها الأقدمين؟"..ألم تكن هذه الكلمات التي يلصق بها الإعجاز المزعوم مفهومة خارج هالات ذلك الإعجاز عند أهل زمانها؟..بل ومفهومة داخل الإطار الثقافي /المعرفي للمجتمع الذي جاءت منه هذه الكلمات في القرن السابع الميلادي وهو يختلف تماما(الإطار المعرفي) عن مثيله الخاص بأهل القرنين العشرين&الحادي والعشرين الميلاديين؟ !! ..هل يمكن نزع أي منتج ثقافي (حتى ولو كان مقدسا عند البعض) عن سياقه التاريخي ووضعه في سياق آخر لاحق له بأكثرمن 14 قرنا؟..الخ .
وللإجابة المنهجية على هذا السؤال بما يضع هذا القرآن في سياقه الثقافي والتاريخي كمنتج ثقافي بشري لا قداسة له ينتمي للقرن السابع الميلادي ولا صلة له بالعلم الحديث.. فلنتذكر سويا ذلك النقد الذي وجهه بعض معاصرو القرآن له من حيث كونه بنظرهم يضم "أساطير الأولين" وكان في طليعة القائلين بهذا النقد رجل يدعى"النضر بن الحارث" ويمكن القول بأنه كان من مثقفي أهل زمانه وفقا لمفهومنا نحن فكان الرجل إذا ما رأى محمدا يحدث الناس بقصصه القرآني تحداه وقلل من شأنه زاعما للناس بأنه يعلم أكثر مما يعلم محمد من قصص الأقدمين كقصص بلاد فارس..الخ وأخذ يحدث الناس بما له من علم بهذا القصص وفي ظني أن القرآن وإن كان قد أورد هذا النقد على لسان مهاجميه وأشهرهم النضر بن الحارث لقصصه (بأنه من أساطير الأولين) فإنه لم يقدم البرهان الدامغ في دفع حجة هؤلاء المهاجمين بل كان كل رد محمد على النضر بن الحارث والذي وقع أسيرا له في غزوة بدر أن قام محمد بقتله في طريق عودته منتصرا إلى يثرب!!! ..بل وأزعم بأن علم الآثار الحديث قد أيد إلى حد بعيد ما قال به أولئك المنتقدون للقرآن المحمدي (وعلى رأسهم النضر بن الحارث) بأنه يحفل ويحتفي بأساطير الأولين!! وليعذرنا قطب الدعاة للإعجاز العلمي في القرآن (أ.د: زغلول النجار) في زعمنا هذا حيث ان لسيادته رأيا آخر في علم الآثار الحديث يزعم بمقتضاه أن علم الآثار قد أيد الإعجاز القرآني المزعوم في صحراء الربع الخالي فيما يتعلق بعاد ..إرم ذات العماد..التي لم يخلق مثلها في البلاد حيث صورت من الجو!!!!!! في باطن الأرض بصحراء الربع الخالي بحسب زعم سيادته أعمدة ضخمة في باطن الأرض لم يعرف لها في ضخامتها مثيلا حتى زمن الفراعنة وكان ذلك كافيا بنظر الدكتور العلامة لينسبها بمنطقه الإعجازي لعاد ..إرم ذات العماد ..التي لم يخلق مثلها في البلاد وليؤكد علم الآثار الحديث( وفقا لمنطق سيادته في فهم طبيعة علم الآثار الحديث وطرقه الكشفية !!! ) على صدق وإعجاز الوحي المحمدي القرآني!!..
فليسمح لي إذا العضو"ملحد" أن أناقش هذا الإعجاز القرآني المزعوم من زاوية ثقافتي البسيطة (والتي أحسبها غير مغلوطة!!! )في بعض مما قال به علم الآثار من أمور أحسب أنها سترد للنضر بن الحارث حقه المهدر وبما يعبر عن إتفاقي الكامل مع السيد العضو في وصفه لذلك المنهج الإعجازي بالتدليس بادئا تلك المناقشة إنطلاقا من أحد الأمثلة المطروحة في مقال السيد العضو ألا وهو ما يزعمه القرآن عن فتق السماء والأرض بعد أن كانتا رتقا( وهو المثال الذي أظهر فيه السيد العضو حجم التدليس اللغوي للقائلين بالإعجاز العلمي فيه) وهذا الزعم القرآني بنظري يعود بأصوله إلى أساطير الأولين الأقدمين عن قصة الخلق ففي مذهب التاسوع بمصر القديمة في مدينة" أون"/هليوبوليس/عين شمس الحالية عن قصة الخلق نجد إله الأرض الذكر "جب" و إلهة السماء الأنثى "نوت" ملتصقان كلا بالآخر بعد أن خلقا من الإله "آتم" ونتج من إلتصاقهما /تزاوجهما أربعة آلهة"أوزير" و"إست"(إيزيس) و "نبت حت"(نفتيس) و "ست" بعدها قام الإله "شو" إله الهواء بالفصل بين الأرض"جب" والسماء"نوت" حيث يبدو "جب" الذكر عاريا وقد رفع "شو" من فوقه أنثاه العارية"نوت" !!..وفي الأساطير السومرية /البابلية تتكرر القصة نفسها بأسماء أخرى حيث يتكفل الإله "إنليل" إله الهواء بالفصل بين أبويه السماء "آن" والأرض "كي" بعد أن كانا شيئا واحدا ويتكرر ذات المعنى في نفس الأساطير الرافدية في الملحمة المسماة "الذي في الأعالي"(إينوما _إيليش) حيث يشق الإله"مردوخ" إلى نصفين إلهة العماء الفوضوي الأول في مرحلة ما قبل الخلق الإلهة"تيامات" إلى شطرين الأعلى صنع منه السماء والأسفل صنع منه الأرض والقصة نفسها تتكرر في الأساطير الإغريقية والتي ذكرت كيف قام الإله "كرونوس" بالفصل بين الأرض الأنثى"جيا" عن زوجها الذكر إله السماء "أورانوس" !!..ليتردد صدى تلك الأساطير لاحقا في عقلية مؤلفي أسفار العهد القديم تارة حين يصنع الإله جلد في وسط مياه الغمر الأولى حينما كانت الأرض خربة ومظلمة ليفصل ما تحت الجلد ويسميه سماءا أو حين يفعل الإله التوراتي ما فعله مردوخ البابلي مع تيامات حين يقوم الإله التوراتي بشق التنين الرهيب" لواياثان " في بداية الخلق إلى نصفين هما السماء والأرض … ولما كان لليهود حضورا مهما في شبه جزيرة العرب بقصصهم التوراتي والذي عرف العرب من خلاله الكثير من المفردات الدينية كالجنة والشيطان وجهنم والملائكة…الخ(كما يحدثنا بذلك الأستاذ أحمد أمين) والذي أمد القرآن بالكثير من قصصه عن فرعون ويوسف وسليمان وموسى..الخ فليس من الصعب أن نفهم في هذه الحالة أن يتبنى القرآن جانبا من قصة الخلق التوراتية المشبعة بأساطير الأولين فيخبرنا بقديم لاجديد فيه عن السماء والأرض اللتين كانتا رتقا ففتقناهما ..وليصبح الحديث القرآني في مكان آخر عن عرش الإله (تبارك وتعالى!) بقوله " وكان عرشه على الماء" هو الترديد ذاته لحديث سفر التكوين التوراتي عن بداية الخلق حين كانت "روح الله ترف على وجه المياه" هذه الروح بذاتها هي الإله السومري البابلي "نمو" والمرموز له بالبحر الأزلي والذي جاءت منه السماء والأرض وهو أيضا المحيط المائي الأزلي "نون" الذي عاش فيه الإله المصري القديم "آتم" ومنه بدأ الخلق!!..وإن كان الحديث عن الماء قد حضر فإن القرآن العظيم قد تبنى (ضمن إقتباسه للقصص التوراتي المشبع بأساطير الأولين) تبنى قصة الطوفان النوحي التوراتية (بشيء من التصرف) تلك القصة التي إقتبسها المقدس التوراتي بشكل شبه حرفي في تفاصيل كثيرة منها من بابل حيث إنحدرت قصة الطوفان السومرية وبطلها "زيوسودرا" إلى البابليين وبطلهم الطوفاني "أوتنابشتيم" وصولا إلى العبرانيين وبطلهم "نوح" في قصة طوفانية تحمل تفاصيل واحدة في مجملها ومنهم(حيث عاش بعضهم بين العرب بعد ذلك) إلى شبه جزيرة العرب ..وربما إلى مثقفها الألمعي( وفقا لمقاييس أهل زمانه) تحديدا أمية بن أبي الصلت والذي ينسب إليه صياغة هذه القصة على النحو الذي عرفته بها العرب قبيل الإسلام..ثم إلى القرآن المحمدي الذي إقتبسها بغير عناء كبير تلك القصة المشبعة بأساطير الطوفان الرافدية حيث نهرا الفرات ودجلة!! … أرأيت صديقي العضو "ملحد" كم هي مرتبطة قصص الخلق الأولى القرآنية بنظريات العلم الحديث لاسيما نظرية الإنفجار العظيم!!!..أسمعك تقول زدني إيمانا بالتدليس العلمي الإعجازي ( إيمان بما قاله النضر بن الحارث بالطبع) ..
حسنا جدا مثال آخر أسوقه مما أورده إمام الدعاة الراحل "محمد متولي الشعراوي" في كتيب صغير له يحمل إسم"الأدلة المادية على وجود الله" في ذات السياق الإعجازي (قبل أن يخلفه بقوة خلفه العظيم د.زغلول النجار) حين زعم بأن العلم قد أثبت تماثلا كبيرا بين عناصر الجسد البشري والعناصر المكونة للأرض بما يدل على إعجاز القرآن في زعمه خلق آدم من طين الأرض!! ولسان حال شيخنا الراحل يقول أن لا علاقة لهذا الزعم القرآني إلا بالعلم الحديث فلم يكن ذلك لاسمح الله قبل ذلك زعما توراتيا إنتقل للعهد القديم من أساطير الأمم السابقة حين نسبت مصر القديمة مثلا للإله"خنم" تشكيله للبشر من طين على دولاب من الفخار أو ما زعمته الأساطير السومرية عن خلق الآلهة للإنسان من طين ثم الأساطير البابلية عن خلقه من طين ودم إله ذبيح!! ..كلا يا سيدي الفاضل خلق الإنسان من طين هو وحي مقدس هبط بشكل عمودي (90درجة بالضبط) على محمد (الذي لايقرأ ولا يكتب ..وربما لم يكلم أحدا أويعرف شيئا) وعليه فهذا الخلق القرآني لآدم من طين هو لنظريات العلم الحديث(لاسيما علم الآثار!!) أقرب و لتأكيد الإعجاز القرآني أقدر!!!..
وليستمر مسلسل التدليس الأعلى صوتا لولا إعتراضات خافتة من عقلاء مثلك (وربما مثلي) نراها واجبة تمليها علينا ضمائرنا..
مع تحياتي
الكاتب: الغريب المنسي
المصدر: شبكة اللادينيين العرب