بادىء ذي بدء , عليَّ أن أنوه إلى أن الهدف من سرد قصتي مع الإلحاد , وهو أن هذه القصة ليست مكتوبة بهدف الترويج أو الإشارة أو حتى التعريف بفكر من الأفكار , ولكنها مجرد قصة .. كأي قصة .. عن كفاح الإنسان وصبره وتعاليه ضد البطش والقمع والاستبداد , قصة كأي قصة .. لسجين يهرب ويفر وينتهي به الحال في صحراء بلا أبعاد , ومراد هذه القصة إنساني بحت , بعيد عن المناوشات الساذجة , أو التحديات المذهبية , التي تشيع وتكثر في العالم البائس .
في سن الطفولة يحتضن الأب ابنه ويتمنى له أن يكون شيئاً عظيماً .. شيئاً خارقاً ومحبباً لذات الأب وللناس وللمجتمع .. وحين يكون معيار هذا المجتمع هو التمسك بالدين , فإن الأب يسعى لأن يرتقي بعائلته وأبناءه إلى مصاف العلو التي يرسمها ويتخيلها المجتمع وذلك من خلال التدين وشد القبضة ضد كل ما يخالف الدين , ولكل مجتمع حقه طبعاً في رسم وتكوين صورته على هيئته التي يريد , لكن الأمر يشطح ويصل لدرجة فظيعة من الراديكالية أحياناً , والبعد عن كل ما هو إنساني وإظهار النكران له , ويصل لمستوى أن يكون الإنسان عبداً للوهم , عبداً يطأطىء رأسه أمام أية أوامر يلقيها له سيده , تتغير صورة السيد من الأب إلى رجل الدين إلى رئيسك بالعمل إلى ربك , لكنك تظل عبداً وإن تغير أسيادك , لأنك في وسط عبودي لا يقيم لك وزناً ولا ثقلاً .
ومادام أن الوالد كان متديناً .. والمجتمع متدين .. والعائلة متدينة .. كانت الحياة عبارة عن دين وصلاة طويلة , صلاة أزلية لا تنتهي , نهايتها تكون مواراتك الثرى وموتك , لهذا كان الدين هو الكل بالكل في وسطي , فالمعيار لا يتغير ولا يتزحزح عن مكانه بل يثبت مع مرور الوقت ويزداد رسوخاً .
كان الحال هو كما قال الشاعر الزير :
أنادي بركب الموت للموت غلسوا ... فإن تلاع الموت بالموت درتُ
ومادام أن السيد الأكبر هو مستر ( دين ) فإنك ملزم بطاعته , ملزم بحذو حذوه , واقتفاء جرته , والتماهي معه , وتمسيح جبته , والتبرك بفضلاته , والتلذذ بلسعات سوطه , الدين هو سيدك الأكبر وسيظل , ويجب أن لا تفكر – لمجرد التفكير حتى – أن تعصيه وتتمرد عليه أو على أوامره , ولا مفر من الإقرار بهذه الحقيقة المؤلمة , الدين يحاصرك ويباغتك ويغتصبك , ولا مهرب من الانبطاح أمامه , هذا هو حالي , وحال الآلاف المؤلفة من المساكين المستعبدين , الذين يفهمون الدين على أنه موت مؤقت , تتحشرج روحك في صدرك وتنتظر لحظة الفكاك , حتى تنفجر خارج جسدك وتهرب إلى أقرب فضاء .
كان الوالد يركب الموجة , والجميع حقيقةً يركبون الموجة , يحلقون في البحر ويستقبلون رذاذه , كي يصيبهم ببعض الانتعاش أو الانتشاء , أو يغرقهم البحر ويخدعون أنفسهم ويقولون "شهداء" , فالكل شهيد , القاتل والمقتول , الكل يتساوى وتنكسر أجنحته وكبريائه وغروره أمام عظمة المستر ( دين ) !
جاء مولدي , ورمتني الصدفة السعيدة في وسط الصحراء المجدبة , الصحراء العربية وسط السعودية .. شأني شأن الكثيرين .. كلنا بدو وسط الصحراء لكنه النفط أبدل أرض القحط مدناً وعمائر تتطاول بنيانها وتتوسط الإسفلت والطرق السريعة , تغيرت الحياة وحولت البدو إلى سادة , لكن العقول هي ذاتها , تغط في سبات قرني غويط , قرون طويلة من التخلف والتعب , ومازال الحال على نفسه , وربما لم نصل لنقطة المنتصف بعد , فلو وصلنا المنتصف لبدأنا بالميلان إلى كفة أخرى , لكن الظاهر أننا نحتاج قروناً طوال كي نصل لهذه النقطة .
وقد تربيت كأي طفل مسلم من عائلة مهووسة بالمحافظة ورثت دينها كما ترث لبوسها ومشلحها وعباءتها وزربالها , حياة شعارها الأول والأخير : ( التكرار , العادة , الملل ) وبطعم رملي تتدحرج حباته الصلدة على لسانك فتصيبه بالخشونة , فتجد نفسك مجبراً على إخراج لسانك كي تسقط منه حبات الرمل , إنه طعم ومذاق لا يعرفه إلا من سكن في أرض القحط التي تحدث عنها عبدالرحمن منيف في رواية النهايات , الأرض التي مات بها البطل عساف مطموراً بالرمل والنسور تحلق فوق رأسه تريد الانقضاض على جسده الميت .
الفرق الوحيد بيني وبين عساف في رواية النهايات , أن عسافاً مات والكلب يحرس جسده ولم تصب جثته بالأضرار , أما أنا فقد تناوبت النسور في نهش جثتي , المجتمع , العائلة , الدين , العادات والتقاليد , الحكومة , حتى بقيت هيكلاً متآكلاً يضربه هواء الصحراء , فلا تسمع إلا صفير الرياح في العظام .
دخلت المدرسة الإعدادية بعد أن سجلني والدي , كان يريد لابنه أن يكون فذاً في كل شيء مثل الحسن بن سينا , كان والدي بدوياً جداً , حتى أنه لا يعرف ماهو التخصص وماهو التدقيق في مجالات العلوم , كسائر العرب الذين يخلطون زيد بعبيد , فتكون النتيجة فشل في فشل ووقوع الطوام والكوارث والأخبار الغير سعيدة .
بعد التحاقي بالابتدائية , تفوقت على بقية أقراني في الابتدائية , وكنت من الأوائل في الدراسة وبتقدير امتياز , حتى الإخوة العرب في الصف , والمشهورين بتفوقهم , أتذكر أنهم ينقلون مني بعض الأسئلة ويتهافتون على استشارتي عندما تقترب الامتحانات السنوية .
لكن منذ الطفولة لم أغفل عن مراعاة الله والحذر من عقابه , كان الله بالنسبة لي شيئاً جباراً يراقبني إذا اختليت بيني وبين نفسي , شيئاً مهماً وقوياً ملتصق بي ولا أقدر على التخلص منه ومن رقابته , والفضل في غرس هذه الفكرة في دماغي يعود للبيئة التي تقود أهلي ووالدي ومجتمعي للإيمان بالله والتضحية بحياتهم وحريتهم له , هو الله الواحد الأحد القوي , لكن قوته لم تمنحه العفة بأن يتركنا في حال سبيلنا .
اجتهادي بالدراسة أيام الابتدائية لم يمنعني من أداء الفروض الدينية كاملة , فقد كنت أصحو الصبح وأصلي الفجر مع والدي في جماعة المسجد , والويل كل الويل لو عصيته وإلا فالخيزرانة بانتظاري , ولكي أكون صادقاً .. لم يكن هناك ألعن من لحظة إفاقة والدي لي كي أصلي الصبح .. ولا أنسى مقولته التي ظل يرددها كل فجر ولسنوات طويلة : ( استعن بالله .. توكل على الله .. والعن إبليس وقم صل ) .. هذه العبارة كم تشاءمت منها في طفولتي , ولم أجرؤ على التصريح بكرهي لها ولو حتى بيني وبين نفسي , لأنني جبان جداً أيام التدين , لكم كرهت صلاة الفجر وأبغضتها بسبب أو بدون سبب , كانت تسرق لذة النوم من عيني , وتبعثر حلماً طفولياً أحلمه عن العصافير أو الألعاب أو كرة القدم , أو غيرهذا مما يفكر فيه الصبية الصغار ويحلمون به ببراءة .
مرت السنون .. وتطورت الأوضاع .. ومازلت أحتفظ بإيماني يوماً بعد يوم وأستقوي به , أتحصَّن به أمام عواصف الشك والتفكير , كان العقل هو عدوي اللدود , وكان السؤال هو جسر العبور لجهنم والخلود فيها كما كنت أعتقد بسذاجة , أو كما لقنني المدرسين في المراحل الدراسية , لا تسأل ولا تفكر ولا تنظر للمحرمات ولاتقرأ غير القرآن ولا تحتفظ بالصور ولا تلبس ملابس الغرب ولا تقبل الورود , لا تفعل أي شيء ببساطة , فقط كن ميتاً , كن عابساًَ , كن غبياً كن ساذجاً كن عبداً , كن متطرفاً دينياً ولو بالقوة والغصب وإلا فجهنم مصيرك وسوء السبيل .
مات والدي وأنا في المتوسطة , ولكنه قبل موته نسي أن يغسل أفكاري الملوثة وينقيها ويعيدها إلى طبيعتها , نسي أن يحذرني من الوقوع في فخ التطرف والإرهاب الفكري والمادي , نسي أن يقول لي يا إبني إنني ربيتك على أن تكون مجرماً لا أن تكون بشراً , نسي أن يقول لي أنت ضحيتي وضحية هذا المجتمع المتعفن المنافق والحضارة الكاذبة والفضيلة المرذولة , لقد مات أبي وارتاح , ارتاح وانبسط في قبره ظناً منه أنه سيواعد حورية جميلة , أو سيبيت في روضة أو جناح خمس نجوم تحت الأرض , أو سيشرب نخب الفردوس باكراً حتى يسكر في القبر , مات وخلف وراءه ابنه تائهاً شريداً يترنح في صحراء العدم والقحط ينتظر حتفه , مات وهرب إلى الجنة وتركني وحيداً أقاتل عالم الأوهام لوحدي .
في المدرسة المتوسطة وبعد فقدان والدي شعرت بأنني يجب أن أزيد من جرعة التدين , لأن الموت غدار , ويمكن أن يغدر بي ويأخذني في أي لحظة , فيجب أن أتقي الله وأشخص ببصري نحوه , يجب أن أحذر من الفتن وشرور الدنيا , لم أكن أعرف أن الشر عينه هو أن أقمع نفسي لهذه الدرجة وأتلذذ بعذابي بإسم الدين والله وغيره من الشعارات السخيفة , بل كنت أمسح هذه الفكرة من رأسي كلما لمعت بذهني , أمسح وأمسح وأمسح من الأفكار والشكيات والتساؤلات , فلا يبقى غير الوهم متوهجاً بعقلي محتفلاً بانتصاره على ذكائي وفطرتي المتشككة والمفكرة كإنسان عاقل وذكي وطبيعي .
بعد أن وصلت مرحلة خطيرة ومتقدمة من الإدمان الديني , لدرجة إمضاء الوقت المديد في حلقات الذكر , وممارسة السنن والنوافل في المساجد بتكرار ممل ورتابة مبالغ بها , حتى أنني أخشع في السجود لدقائق طوال تصل للخمس والعشر دقائق ولايخلو الأمر من البكاء والعويط وسكب الدموع , كنت أتلذذ وأسعد وأرضى حين تنهمر الدموع على وجهي , كسحابة شتاء حبلى بالمطر فضربت الأرض بالهطول , كان وجهي مثل الأرض الطينية التي أمطرتها السماء أياماً وأيام فصارت وحلاً رغواً , هكذا كان حالي حين أبكي خشوعاً بين يدي الله , كما توهمت , وكما ظننت , وكما علموني وأوهموني .
بدأ الدين يأخذ مني الوقت والجهد على حساب الدراسة , تفوقي وتقدمي بالدراسة الابتدائية عاد لموازنتي بين الفروض الدينية والفروض الدراسية , لكن ما أن بدأت أرجح الآخرة على الدنيا , حتى انقلبت المعادلة وتبدلت السطور , فصار الدين هو كل شيء , وصارت المدرسة مكاناً موبوءاً عندي , ففي المدرسة نتعلم اللغة الإنجليزية ( لغة الكفار ) وندرس أسماء العلماء الغربيين مثل لافوازييه ورذرفورد وآينشتاين ومندل ونيوتن , وهؤلاء كفار وهالكون وفي الدرك الأسفل من النار كما تعلمت , وكل شيء يأتي منهم يجب أن يُرد ولا يُعمل به مهما كان مهماً ونفسياً , ياللسخف , رجال يضحون بأموالهم وحياتهم وصحتهم لخدمتنا ونقول عنهم هلكة كفرة , بأي منطق , وبأي حق !
تخرجت من الدراسة الإعدادية أو المتوسطة كما نسميها بتقدير جيد جداً , أي أقل من معدلي في الابتدائية بكثير , بسبب تقديمي للفروض الدينية على الفروض المدرسية , ولكن المصيبة لم تتوقف عند هذا الحد , بل تطورت إلى حالة أعقد وأشد , وهي مرحلة العزلة عن البشر ورفض الواقع جملة وتفصيلاً , بحجة الكفر المتفشي والفساد الأخلاقي والانحلال والعهر وخفوت شمعة الدين .
عند دخولي الثانوية أمضيت السنوات الثلاث فيها وأنا شبه منعزل عن البشر , حتى المتدينين الذين أراهم بجانبي في الصف – وما أكثرهم – كنت أراهم على أنهم مقصرين بالدين , وأن القاعدة العامة بالدين هي الشدة والغلظة الدائمة وإيثار الله على كل متعة دنيوية زائلة , الله يأمرني وأنا لابد ممتثل , الله يراقبني وأنا لابد خاشع , الله هو السيد , وأنا هو العبد , ولايجوز أن نقفز فوق رغبة السيد بتاتاً مهما كانت الأعذار جدية .
ردود فعل الأهل كانت باردة تجاهي , فمن الواضح أنني متدين , لهذا الكل فرحان ومبسوط , يشاهدونني أحتفظ بالفتاوى والكتب والسير والكاسيتات والمنشورات الجهادية , لكنهم يظنون أنني شجرة انغرست بالجنة منذ الآن وتستقي مائها وشرابها من العمل الصالح والصلاة والدعاء والإقبال على الله , كم هو متدين , كم هو رائع , كم هو محافظ على السنة والصراط القويم , هكذا كانوا يقولون ويصرحون .
تخرجت من الثانوية أخيراً وبمعدل متدني , رغم عبقريتي في الطفولة والابتدائية , لكن انتهى بي المسار أن أنال شهادتي الثانوية بمستوى مخيب لآمالي .
وقفت وقفة صادقة وحازمة , حاولت أن أتفهم الأسباب المفضية لتراجعي الدراسي , لكن ما أن أتذكر أنني مجاهد , وأنني أسمع قرع نعال الصحابة في السماء , وأتذكر وعد الله القاطع لي بالجنة , حتى أتوقف عن نقد نفسي , وأتوقف عن محاسبة نفسي على أخطائها وزلاتها , وأبدأ باختلاق الأعذار لنفسي , بحجة أنني مرابط على ثغر من الثغور وهو ثغر النفس وجهادها ضد إغواءات الشيطان , أنا قابض على جمرة الدين , في زمن الفساد والعهر وذل الرسالة .. كما كنت أعتقد .
لم تتوقف سذاجتي وسطحيتي عند هذا الحد .. بل أصريت على استكمال الجرعة الدينية حتى آخر قطرة , كنت أحلم أن أذهب إلى أفغانستان لأجاهد في سبيل الله , لكن شيئاً ما منعني من الذهاب إلى هناك مع أن موضة المتدينين السلفيين في السعودية هي التسلل من حدود الصحراء إلى حدود الكهوف الأفغانية , لم أعرف حتى الآن ماذا كان يمنعني من الذهاب إلى هناك ونيل الشهادة والتيكيت المجاني للجنة , هل هو حب الحياة والوجود المنغرس داخل نفسي والذي لم أكتشفه إلا متأخراً , أم هو شيء آخر لا أعرفه ولا أعيه وعياً كاملاً , لا أعرف حقيقة , لكن كل ما أعرفه أنني معجب بالجهاد حتى أنني أفضله على الصلاة في بعض الأحيان .
كنت أكره كلمة الحرية لأنها تذكرني بالانحلال والجحيم والبرزخ والأجساد المكومة في النار والتي يقطر عرقها وتقيحها وصديدها ثم تشربه عقاباً من الله .
كنت أكره العلمانية لأنها تمزق الأمة وتنشر الحرية المغضوب عليها وترمي ببذور الخيانة في الأرض فتثمر زقوماً وشجراً خبيثاً .
كنت أكره الغرب وأمريكا لأنهم يتآمرون لدهس بيضة الإسلام وحرق حظيرة الإيمان وإلغاء شريعة الجهاد التي شرعها الله من سمائه السابعة !
كنت أحب الإسلام ومستعد لأن أقطع جسدي إرباً وأفتته وأطحنه وأخبزه وأقدمه قرباناً إلى الله لكسب مغفرته وحوز غفرانه .
لقد رضعت الإسلام , وتنفست الإسلام , وحييت الإسلام , كما لم يعشه أحد من قبل .
لكنني لم أجنح نحو التكفير , ولم أمل ميلانه , فقد توسمت الخير في الأمة وتفائلت بمستقبلها الديني , ورأيت أن الله لايضيع جهد من اجتهد وصلى وأقام سنة نبيه على الأرض , وإن الله لناصر عباده يوم الامتحان , فتهان رؤوس الكفار وتشمخ رؤوس المؤمنين بما عملوا من صالحات وما قدموا من حسنات .
نقطة التحول الجذري بدأت من الجامعة ..
دخولي إلى الجامعة كان متزامناً مع أحداث 11 سبتمبر , فبعد تسجيلي لقسم أصول الدين والعقيدة , واتخاذي منها تخصصاً دراسياً وعلمياً , أخذت بالتوسع في دراسة مصطلحات العقيدة , والتعمق أكثر بالألوهيات والربوبيات , والتحقيق الديني عن مؤلفات الشيخ النجدي ( محمد عبد الوهاب ) الذي كانت مؤلفاته هي الأبرز في مجال دراسة العقيدة الإسلامية في المناهج السعودية , لأن عقيدته الأكثر صفاء والأوضح سبيلاً والأنقى مخبراً كما يشاع لدينا .
وبالرغم من تشدد محمد عبد الوهاب وتكفيره لثلاثة أرباع المسلمين إن لم يكن جميعهم , لكنه لم يكن مجرد رجل دين منغلق كما نراه , بل هو بطل قومي وبطل ديني ومجدد إسلامي ونسخة جديدة من العلامة الشامي إبن تيمية الحراني الذي حارب وجاهد وأغلظ ضد خصومه ومعارضيه , وهذا ما جعل وجه الشبه بين محمد عبد الوهاب وإبن تيمية كبيراً , فكلاهما سلفيان غليظان متطرفان لايريان أبعد من لحيتيهما , وهذا ما يطربنا كسلفيين فيهم , فكلما ضاقت أبواب التسامح , لمع بريق الدين , وصرنا مختارين من الله ومصطفَينِ من قبله , وهذا كافي لإشعارنا بالامتياز , لأننا الفرقة الناجية حسب أوهامنا وأحلامنا الغبية .
وفي يوم الثلاثاء الأغبر , الموافق للحادي عشر سبتمبر , ضربت طيور بن لادن أبراج المال الأمريكية , صادف حينها أنني كنت أتفرج على التلفزيون فرأيت بأم عيني أمريكا تحترق , كنت على عهد السلفية والوهابية الربانية باق , فأحسست بالشماتة والفرح ورحت أتصل على من أعرف ومن لا أعرف أبشره بمصاب أمريكا العظيم , وأنا واثق وجازم أنني لم أكن الأحمق الوحيد في ذلك النهار ممن كانوا قد فرحوا واستبشروا خيراً بضربة بن لادن الغبية لأمريكا , فبعدها بأيام قليلة قامت مظاهرات في مصر والعراق وفلسطين ترفع صور بن لادن ويصرخ فيها العرب شامتين ومتحدين لأمريكا وقوتها ظانِّين أنهم بهذا قد فعلوا شيئاً لدينهم ودنياهم .
إلا أنني في داخلي غير مقتنع بقتل المدنيين .. كنت أقرأ القرآن والأحاديث وأحفظها عن ظهر قلب منذ الطفولة .. وأقرأ أن الإسلام يدعو للتسامح في بعض نصوصه .. لكن في نصوص أخرى يدعو للحرب والقتال .. لهذا فإنني ومعظم السلفيين نرجح الشدة على الرخاء .. لأن الشدة في زمن الذل الإسلامي تنفع والتسامح أو التساهل لا ينفع مع أعداء الإسلام .. وهذا يفسر سبب تمسك السلفيين بتطرفهم حتى اللحظة .
كانت الشكوك دائماً تحوم .. حتى في وسط الصلاة .. لكنني أستعيذ من إبليس وأبصق على يساري وأواصل الدعاء والاستجداء والتضرع إلى رب العالمين .. لقد قمعت المارد الذي يغلي ويرفس بأقدامه داخل صدري يريد الخروج , مارد الإلحاد , مارد الشكوك والهواجس الغير مطمئنة والمتسائلة .
لم يدم قمعي للإلحاد والقلق طويلاً .. شيئاً فشيئاً بدأ الإلحاد يتغلغل في أعطاف عقلي .. وأخذت حمى الإلحاد والشك تصيبني وتضربتي بمقتل تلو مقتل .
ويقال أن الإنسان يحتاج ثانية واحدة مختلفة , ثانية صغيرة فقط , تجعله يعيد ترتيب أوراقه وأفكاره , فيتحول من أقصى اليمين إلى اليسار أو العكس , لقد تأخرت لحظة تحولي وتغيُّري , بيد أنها حلت أخيراً ..
حلَّت وجاءت لتنهي معاناة , وتبدأ بمعاناة جديدة !
قال لي أحد الزملاء في قسم الشريعة أنني قادر على التحويل إلى قسم الإنجليزية شريطة أن أحصل على معدل عال , ومن المعروف أن قسم اللغة الإنجليزية مستقبله أفضل بكثير من الشريعة وآفاقه المستقبلية أوسع وأفسح , فاستطعت أن أحصل على معدل جيد يؤهلني للانتقال لقسم اللغة الإنجليزية .
وبعد انتقالي للقسم الجديد وجدت نفسي أمام مادة جديدة وعبارات مختلفة وثقافة مغايرة عمَّا عهدته , وجدت أن اللغة الإنجليزية هي عالم آخر خفي عني وأغمضت عيني عنه , وأمام لغة متميزة , لا يوجد فيها نصب وجر ورفع وقواعد صارمة تضيع من الوقت على حساب المعنى , وجدتها لغة قوية وشابة وحيوية ومندفعة ونسبية وغير قطعية إطلاقاً كما هو حال لغتي العجوز التي تعيش وتقتات على أفكار أبو الأسود منذ القرون الحجرية .
تأثرت بشكل كبير بدراستي الجديدة , وأخذ اهتمامي القديم بالدراسة يعود بالتدريج على حساب تديني الصلب , وبدأ الذبول يصيب زهرة الدين التي حفظتها في كأس من زجاج ورويتها ماءً من عطر .
وفي يوم من أيام الدراسة خرجت من الجامعة باتجاه البيت , وبعد أن هممت بتشغيل السيارة انطلقت مسرعاً نحو البيت , وبينما أنا في منتصف الطريق تفاجأت بخروج أحد الشاحنات التي توسَّطت الطريق فجأة فلم أستطع تفادي الاصطدام بها , بعدها لم أتذكر ما وقع لي بالضبط , كل ما أتذكره هو ضوضاء وأصوات مزعجة ورائحة دماء جسدي المضرجة .
رقدت على السرير الأبيض شهرين كاملين , بسبب إصابتي بكسور متفرقة في الساق وكدمة بسيطة في الرأس , لكن المفارقة أن الشهرين هذه كانت هي نقطة التغيير الإيجابي الذي أصابني , إنني أتغير , ومازلت أتغير وأتفاعل وأتجانس وأتطور , منذ تلك الحادثة التي غيرت مجرى حياتي إلى الأبد .
أيام الترقيد في المستشفى قضيتها دون أن أصلي صلاة واحدة , إنني بترت الدين من حياتي في المشفى وقررت أن تكون فترة نقاهة من الدين , لأنه متعب وثقيل على النفس , ولأنني مريض ولنفسي عليَّ حق كما أمر الإسلام , كان جل وقتي أقضيه في التفكير والتفكير فقط , كانت أفكاري تتحرر فكرة تلو فكرة , كخيول محبوسة في اسطبل فانفتح أمامها الباب وأخذت تنتهز الفرص كي تركض وتتزاحم على الهروب فرساً تلو الأخرى , كان عقلي محبوساً في قنينة جعة قديمة فتعفن داخلها , فأرخيت له غطاء العلبة وأخذ الهواء يصفقه ويشعره بالإنعاش والبرودة , يالها من شهرين , وياله من انفجار داخل مخيخي .
تسببت الإصابة والترقيد بأن أنسحب مؤقتاً من الجامعة وأؤجل دراستي , وبعد أن صرح الطبيب بخروجي أخيراً قررت أن أعود للدراسة , لكن تجري الرياح بما لاتشتهي السفن كما قال الحكيم المتنبي .
بعد خروجي من المشفى وجدت أن الفصل الدراسي الثاني قد ذهب منه 5 أسابيع وهي مدة غير كافية للدراسة واللحاق بما فات من المحاضرات , فاضطررت أن أؤجل دراستي مرة أخرى , وأن انتظر 6 أشهر لغاية انتهاء السنة والإجازة الصيفية بعدها .
خلال هذه الفترة من البطالة والعطالة وقعت في شراك خطير , سببه الانفلات من قبضة الدين والشعور بنشوة التحرر التي لم أذق طعمها اللذيذ في حياتي البائسة .
كان الأهل يلاحظون هذا التغيير الطارىء , ويعزونه للمرض أو لأشياء لا يعلمونها , إنهم يشاهدون جسدي يتحلل , وتتساقط قطع اللحم وتنمو بدلاً منها عصباًَ وعضلات جديدة , لقد كان ولدهم المتدين يتبدل من حال إلى حال دون أن يشعروا بذلك .
وفي عهد البطالة المؤقتة التي أصابتني , تعرفت على أحد رفاق السوء ذات مرة وقد عمل على إقناعي بتعاطي المخدرات ( الحشيش ) , ويتم تعاطيه عن طريق لفافات التبغ , جربت أول مرة سيجارة واحدة على سبيل المزاح والاستهبال , لكن مرة تلو مرة , بدأت أحب هذا المخدر الجميل , وبدأت أضلعي وعظامي وعضلاتي تشتاق إليه وتحن إلى رائحته , وإلى شعور التبنيج والخدر يسري في الدم , وهكذا انزلقت إلى وحل المخدرات بسلاسة وبرغبة أكيدة .
تمرغت حتى شبعت بوحل المخدرات , وأخذت أتنوع وأشكِّل في الأصناف والأنواع , وإذا أعجزني إيجاد المال أقوم باستلافه واقتراضه من الأصدقاء , حتى أجد غايتي من الصنف والكيف , وآخذ الدماغ المطلوب , وأسد كفايتي من النشوة والإدمان .
بعد مرور فترة طويلة من التحشيش والإدمان كنت قد تعرفت على فتاة إسمها ( ريما ) عن طريق الجوال وبالصدفة , وأقمت معها علاقة عاطفية عابرة ومؤقتة سرعان ما انتهت ..
هذه هي أول مرة أتعرف فيها على فتاة , كيف تتكلم , كيف تعيش , ياله من عالم لعين , لا تعرف عالم أمك وأختك وحبيبتك وصديقتك , عالم من الشذوذ والغرابة هو عالمنا .
النساء عندنا مكفنَّات وهنَّ حيَّات , يتشحن سواداً فوق سواد الحياة , ويلبسن خياماً سوداء من الحزن والكمد والضيق , حجاب ونقاب وحراب , و حياة قبورية مرَّة , وموت مبكر عن موعده , يا ترى كم مرة تموت فيه النساء عندنا ؟
أتذكر أنني أبعث لحبيبتي ريما الأشعار يومياً عن طريق الهاتف الجوال , ولا أفتأ من إرسال النكت والأشعار وحتى الكلام العادي لها , جربت الحب أخيراً بعد سنين الفقر والقحط والإجداب , وهتكت التابو الذي لم أجرؤ على مساسه وهو إقامة علاقة حب مع الجنس الآخر ..
في نفس الوقت كان الأهل يلاحظون بوادر التحرر ..
يشاهدونني أحلق دقني الذي ربيته سنيناً حتى صار كثيفا كمكنسة الشارع ..
ووصلت بي الجرأة أن أزلط الشنب بالموس وهو من التابوات التي يحرمها مجتمعي , مجتمع الشكليات والنفاق والكذب ..
وبدأوا يشاهدونني أرتدي بعض الملابس الغربية مثل الجينز والكاب وهي الملابس التي كنت في وقت من الأوقات أحرمها وأجرمها وأصف من يلبسها بالدياثة والخكرنة وعدم الرجولة , شاهدوني أكفر وأرتد وأنسلخ عن كل شيء تعودت عليه في الماضي .
بعد أن ضربت بكل شيء عرض الحائط , وبعد أن خنت كل ما مضى وكل ما أقسمت على الوفاء له والاستشهاد لأجله , قررت أن أثبت وجودي , وإثبات الوجود يجب أن يكون ضحيته هو الدين هذه المرة , لأن الدين ضد الفرد , والدين هنا هو الإسلام والفرد هنا هو أنا , فقمت بنحر الدين كما ينحر القصاب الشياه , اختفى الدين الآن من حياتي ومازلت أشعر بنشوة لذيذة قد لا أفيق من سكرتها حتى الموت !
وقررت أن أهزم نفسي .. لأن هزيمة النفس مقدمة على هزيمة الآخر , ونقد الذات هو بداية التنوير الحقيقي , كل تنزيه للنفس يعني بداية السقوط والانحدار والهبوط أسفل القاع , وما ضياع العالم العربي إلا بسبب تنزيهه لنفسه واتخاذه من الإسلاموية والقومية والفاشية سبيلاً وطريقاً أعوج للسير .
انشغلت بإصلاح نفسي أولاً .. وتصحيح أوضاعي , وجدت أن الكتب الصفراء لم تعطني حقاً ماصبوت إليه وماسعيت لأجله , فكل عمري ضاع في الدين وبرفقه عبد الوهاب وإبن تيمية وإبن القيم وإبن حزم وإبن حجر وإبن حنبل والحافظ بن كثير وغيرهم الكثير , ضاعت طفولتي ومراهقتي لم أعشها ولم أحيها , كنت مشغولاً بمطاردة أبو لهب كل يوم ولعنه عبر قراءة سورة المسد , ومشغول باستحضار صور الصحابة وهم يجاهدون في سبيل نشر الإسلام والرباط لأجله أياماً وشهوراً في حصار الخندق , ومشغول بالدفاع عن عائشة وعن عفَّتها وترديد آية الإفك , لم أسأل نفسي ولو لحظة واحدة .. ما شأني وشأن هؤلاء الأعراب البدائيين الذين عاشوا وماتوا في زمن غير زمني وظروف غير ظروفي , فليذهبوا في ألف داهية !
تبين لي أن الدين مصاغ .. وبدرجة كبيرة من الذكاء .. على عادة كل شعب .. كل أمة تجد دينها متناغماً مع متطلباتها .. وهو بالضرورة مستوحى أخلاقياً من ماضي هذه الشعوب .. الإسلام لا ينفصل قيد أنملة عن العروبة .. مهما أدعى المؤرخون غير هذا .. أينما تجد العروبة ستجد الإسلام .. وهذا ليس نقداً دينياً بل هو وصف لحالة مرض نرفض أن نقرَّها ونعترف بوجودها .
قررت أخيراً أن أعلن إلحادي على الأقل في دائرة صداقاتي , ظننت أن تعاطيهم للمخدرات سيعفيهم من التدقيق والتركيز على معتقداتي المتحررة والثورية , لكن ما حدث كان مفاجئاً بالنسبة لي , فبينما كنت " ألف " أحد السجائر مع صديق لي , استدرجته في حوار ديني حول حجاب المرأة , فقلت له أن الحجاب مسألة غير ضرورية لإثبات شرفها أو إنسانيتها , هو شيء ثانوي وأقرب إلى السطحية والسخف , فما كان منه إلا أن دخَّن سيجارته على مضض , وبعد أن أنهاها حاول أن يجد عذراً كي ينصرف , ولم أرَ وجهه بعد تلك الساعة , بل إنه أسوأ من بعض السلفيين الذين عرفتهم وجادلتهم .. لأن السلفيين على الأقل يبدون استعداداًَ للنقاش لأنهم تعودوا عليه في الدعوة , أما رجل الشارع العادي فهو أخطر من رجال الدين لأنه غبي وجاهل وأمي وغير مطَّلع على الحوارات والمناظرات كما هو حال رجال الدين الذين يبدون – أحياناً – أكثر ثقافة من العوام السذج , وعلى هذا أقيس كل صداقاتي باستثناء أصدقاء أعدهم على أصابع اليد الواحدة , ومازالوا يجهلون الحقيقة , فإن عرفوا حقيقتي فلابد من هجري , فلا أحد شجاع ومغامر لمعاشرة صديق كافر !
صممت على أن أتثقف وأبحث في الكتب اللادينية , بعد أن أمضيت عمراً مديداً في التجول في كهوف وسراديب الليل الديني .
وفي نفس الوقت استكملت دراستي الإنجليزية , وعدت لمقاعد الجامعة أخيراً , ومازلت أستكمل الدراسة إلى هذه الساعة .
وصححت وضعي الآن , أجد نفسي أكثر راحة من ذي قبل , تركت الدين , وتركت المخدرات !
نعم .. الدين والمخدرات شيء واحد , إدمان في إدمان وهلوسة لا علاج لها إلا بإعلان القطيعة .
حياتي أصبحت أفضل بعد هجر الدين ونكرانه , أقيس أشيائي بواقعية وعقلانية وحياد , وهذا يصيبني بالقلق , لكنه قلق مشروع .. الإنسان الحر هو الإنسان المفكر والقلق .. والإنسان العبد هو الذي يسلم مفاتيح عقله لغيره ويرتاح من وجع الراس , كي يعفيه عناء التفكُّر والتأمل .
إن صفحة واحدة من مسرحيات شكسبير , أهم من كل الأديان والعقائد والأقوال التراثية . لأن الإنسان يتوسط الخطاب الشكسبيري , ولايتوسطه الدين ولا القومية ولا الرباط القبلي . إن الرباط الإنساني العام أسمى من كل مسمى وكل مصطلح وكل وصف , يقتحم أغوار عقلك بدون وسيط وبدون مفسر وبدون علامَّة رباني يدعي العصمة والمنحة الإلهية والقدرة الإعجازية على فهم كل الحقائق !
إن صفحة واحدة من أي كتاب كتبه بول سارتر أو جان جاك روسو أو فولتير أو القصيمي أو المنيف أو صادق العظم أو دستويفسكي أو شكسبير لهي أهم من كل كتب الدين مجتمعة .
إن كلمة واحدة من فمٍ يدعو للتسامح والتعايش والقبول بين الآراء لهي أهم من كل قصاصة وسفر ومجلد ديني يفقد قيمته ومصداقيته عندما ينشر الكراهية والبغضاء بين بني الإنسان .
إن الإنسان الحقيقي هو الذي تلتقي نبضات قلبه مع نبضات كل البشر دون تمييز .
إن الإنسان يجب أن يكون هو محور الوجود ومركز الاهتمام وليس الدين أو القومية أو الطبقية أو أي شعار فارغ يستهدف الإنسان لحساب جماعة أو طائفة تسلبه حق الاختيار وتقرير المصير .
إن الدين عندما يتطرف يكون أخطر هذه المجموعات التي تعمل لحساب سحق الإنسان وتهميشه واحتقاره والنيل من قدراته وتوظيفه كخادم وعبد وحيوان بلا عقل لصالح الكلمة الدينية العليا , إن التطرف والهوس الديني علاجه أصعب من السرطان والملاريا والطاعون فهو يستفحل في خبايا النفس وثناياها , وأولوية علاجه توازي في أهميتها أهمية تطعيم الأطفال ضد الشلل والحصبا وحمى السعار .
لا مناص , أو مهرب , أو بُد , من بتر ما كان آيلاً للسقوط , واختبار ما يمكن الاحتفاظ فيه من الموروث "بدقة" هذا إن كان هناك ما يستحق أن نحافظ عليه فعلاً , فمعظم تراثنا لم يركز على غير المسميات والألفاظ الكبرى كالدين والأمة والعشيرة وتناسى أن هناك ما هو أهم وأرقى منها وهو الإنسان .. والإنسان .. والإنسان .. فقط !
حتى وقت قريب لم أكن أعي أن العالم يلف ويدور حول رغباتنا وشهواتنا وغرائزنا وجرائمنا .. لقد تعودت أن أنسب كل شيء إلى القوة الربانية دون أن آخذ بالأسباب حقاً .. وإن كان الشريف الهاشمي الذي احترم ذكاءه كثيراً يقول خذوا بالأسباب , اعقلوها وتوكلوا .. لكن أتباعه من المسلمين الذين شارفوا المليار وتخطوه لم يعملوا بشيء من هذا .. بل إنهم عبَّاد كهنوت .. وعبَّاد جشع واستغلال وإقطاع ونصب واحتيال .. وعبَّأد دنيا قبل أن يعبدوا الآخرة .. إن رجال الدين هم المسئولون أمام هذه الأشياء وإن كانت الخرافة قد تغوطت في عقولهم وضيَّعت بوصلتها لا من أمام ولا من خلف .
إلى هنا أقف ..
وتقف معاناة إنسان وجد نفسه في محيط تسكنه الأعاصير والحوادث المتلاحقة , فلا يملك غير الدوران والدخول فيها , علَّه أخيراً يجد غايته في عاصفة تأخذه وتأخذ ما وراءه وما أمامه , أو يذهب بعيداً في أرضٍ المهجر التي لا تعرف الجشع والطمع , أو يموت وحيداًَ في الصحراء معاقراً كأساً مرَّة من الآلام والتحديات والمصاعب فيجد نفسه قد نجا بعد أن ابتلع السم .
إنه الفرد يصرخ ويقاتل ضد الطغيان والاستبداد الذي يلقاه من جماعته , وكل إنسان في هذا الكون مسؤول أن يقاتل لنيل حريته وممارستها وتطبيقها واقعاً ونظراً .
إنه الوجود الإنساني يحفزنا للنجاة .. والحياة .. ولا شيء غيره أبداً .
الكاتب: زمكان
التاريخ 29 / 10 / 2005
المصدر: شبكة اللادينيين العرب
10 تعليق(ات):
احييك زميلي العزيز وابارك لك حرية عقلك...
كأنني اقرأ عن نفسي في بداية القصة فكلانا كان متفوقا في دراسته واثر الدين بمستوانا الدراسي حتى اغلق العديد من ابواب المستقبل. الا انني اعيش في الجانب الشرقي من مملكة الرمال الكبرى.
كما قلت هي ثانية واحدة يزيل فيها الانسان هالة القدسية عن الاسلام فينهار تماما
ن سلوكيات المؤسسة الدينية فى العالم الاسلامى سبب مباشر للنفور من الكهنوت الدينى الذى يعيش من وراء مصادرة حقنا فى التفكير والتامل فى واقعنا الاجتماعى والياسى والاقتصادى ان المؤسسة الدينية لاتعيش الا فى ظل غياب الحرية الفكرية
بداية اهنئك لانك اكتشفت الحقيقة مبكرا , بالنسبة رغم تفوقى العلمى فى مراحل التعليم الا اننى لكن ابدا من محترفى تعاطى الدين .عشت فترة فى احد البلدان الشيوعية ولم اتاثر باى افكار معارضة للدين و لكن من سخرية القدر عد مرور 10 سنوات على عودتى للوطن والجو الدينى الكئيب ادمنت قراءة كتب الفلسفة وتاريخ الحضارات .
وعندها تم نسف كل المسلمات التى كنت لا اشك فيها ,لقد اصبحت اشعر اننى اكثر انسانية , كم شعرتن بالقرف من كل ما هو مسطور فى كتب السيرة ,
لم يتبق فى العمر الكثير الا ان الحرية لها قيمتها حتى ليوم واحد
ان كنت مقتنعا بالحادك هدا فلماذا لم تعلن عنه و تشهر به بين كل محيطك لماذا دائما اجد انه الملحدين يلجأون الى النت للتعبير عن ارائهم الوهميه و ادعاءاتهم الكاذبه عن عدميه وجود الله يا معشر الملحدين لما تخفون الحادكم بين الناس و تزرعون افكاركم السامه عن طريق الغير المباشر او عن طريق النت
فانت يا سيد من عرضت قصتك لو كنت تحب دينك و مقتنع فيه من البدايه لما تخليت عنه في اول فرصة تسنت لك انت كنت تصلي و تعبد الله فقط لأن ابوك او مجتمعك قد فرض عليك هذا سواء بالاكراه او بالرغبه لو لم يكن الله يحبنا لما ارسل لنا رسلا يهدوننا الى دينه
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ) 11 الحج
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
توبة المغني البريطاني المشهور (كات ستيفنز )-(الجزء الاول)
رفض كل مغريات الدنيا بكل شهرتها وشهواتها، هرب من هجير هذا العالم إلى وهج الإيمان، فوجد فيه الهناء والطمأنينة… إنها قصة الفنان البريطاني الذي ضربت شهرته الآفاق، (كات ستيفنـز)، الذي أصبح اسمه فيما بعد (يوسف إسلام). ها هو يرويها بنفسه في هذه السطو البليغة التعبير، البالغ التأثير فيقول:
(ولدتُ في لندن قلب العالم الغربي...
ولدتُ في عصر التلفزيون وارتياد الفضاء..
ولدتُ في عصر وصلتْ فيه التكنولوجيا إلى القمة في بلد معروف بحضارته في بريطانيا.. ترعرعتْ في هذا المجتمع، وتعلمت في مدرسة (كاثوليكية)، حيث علمتنْي المفهوم المسيحي (النصراني)، للحياة والعقيدة، وعرفت ما يفترض أن أعرفه عن الله، وعن المسيح (عليه السلام)، والقدر والخير والشر.
حدثوني كثيراً عن الله، وقليلاً عن المسيح، وأقلّ من ذلك عن الروح القدس.
كانت الحياة حولي ماديّة تنصبُّ من كل أجهزة الإعلام، حيث كانوا يعلموننا بأن الغنى هو الثروة الحقيقية، والفقر هو الضياع الحقيقي، وأن الأمريكي هو المثل للغنى، والعالم الثالث هو المثل للفقر والمجاعة والجهل والضياع!!
ولذلك لابدّ أن أختار طريق الغنى، وأسلك مسلكه، لأعيش حياة سعيدة، وأفوز بنعيم الحياة، ولهذا فقد بنيت فلسفة الحياة على ألا علاقة لها بالدين، وانتهجت هذه الفلسفة، لأدرك سعادة النفس.
وبدأت أنظر إلى وسائل النجاح، وكانت أسهل طريقة أن أشتري (جيتاراً)، وأؤلف بعض الأغاني، وألحنها، وأنطلق بين الناس، وهذا ما فعلته بالفعل باسم (كات ستيفنـز).
وخلال فترة قصيرة حيث كنت في الثامنة عشرة من عمري، كان لي ثمانية شرائط مسجلة، وبدأت أقدم الكثير من العروض، وأجمع الكثير من المال حتى وصلت إلى القمة!!
وعندما كنتُ في القمة، كنت أنظر إلى أسفل، خوفاً من السقوط!! وبدأ القلق ينتابني، وبدأت أشرب زجاجة كاملة في كل يوم، لأستجمع الشجاعة كي أغني، كنت أشعر أن الناس حولي يلبسون أقنعة، ولا أحد يكشف عن وجهه القناع -قناع الحقيقة!!
كان لابدّ من النفاق، حتى تبيع وتكسب -وحتى تعيش!!
وشعرت أن هذا ضلال، وبدأت أكره حياتي واعتزلت الناس وأصابني المرض، فنقلتُ إلى المستشفى مريضاً بالسل، وكانت فترة المستشفى خيراً لي حيث إنها قادتني إلى التفكير.
كان عندي إيمان بالله، ولكن الكنيسة لم تعرّفني ما هو الإله، وعجزت عن إيصال حقيقة هذا الإله الذي تتحدث عنه!!
كانت الفكرة غامضة وبدأت أفكر في طريقي إلى حياة جديدة، وكان معي كتب عن العقيدة والشرق، وكنت أبحث عن السلام والحقيقة، وانتابني شعور أن أتجه إلى غاية مّا، ولكن لا أدرك كنهها ولا مفهومها.. ولم أقتنع أن أظل جالساً خالي الذهن، بل بدأت أفكر وأبحث عن السعادة التي لم أجدها في الغنى، ولا في الشهرة، ولا في القمة، ولا في الكنيسة، فطرقت باب (البوذية والفلسفة الصينية)، فدرستها، وظننت أن السعادة هي أن تتنبأ بما يحدث في الغد حتى تتجنب شروره، فصرت قدريّاً، وآمنت بالنجوم، والتنبؤ بالطالع، ولكنني وجدت ذلك كله هُراء.
ثم انتقلت إلى الشيوعية، ظنّاً مني أن الخير هو أن نقسم ثروات هذا العالم على كل الناس، ولكنني شعرت أن الشيوعية لا تتفق مع الفطرة، فالعدل أن تحصل على عائد مجهودك، ولا يعود إلى جيب شخص آخر.
ثم اتجهت إلى تعاطي العقاقير المهدئة، لأقطع هذه السلسلة القاسية من التفكير والحيرة.
وبعد فترة أدركت أنه ليست هناك عقيدة تعطيني الإجابة، وتوضح لي الحقيقة التي أبحث عنها، ويئست حيث لم أكن آنذاك أعرف شيئاً عن الإسلام، فبقيت على معتقدي، وفهمي الأول، الذي تعلمته من الكنيسة حيث أيقنت أن هذه المعتقدات هراء، وأن الكنيسة قليلاً منها.
عدت إليها ثانيةً وعكفت من جديد على تأليف الموسيقي، وشعرت أنها هي ديني، ولا دين لي سواها!!
وحاولت الإخلاص لهذا الدين، حيث حاولت إيجاد التأليف الموسيقي، وانطلاقاً من الفكر الغربي المستمد من تعاليم الكنيسة الذي يوحي للإنسان أنه قد يكون كاملاً كالإله إذا أتقن عمله أو أخلص له وأحبه!!
وفي عام 1975م حدثت المعجزة، بعد أن قدّم لي شقيقي الأكبر نسخة من القرآن الكريم هدية، وبقيت معي هذه النسخة حتى زرت القدس في فلسطين، ومن تلك الزيارة بدأت أهتم بذلك الكتاب الذي أهدانيه أخي، والذي لا أعرف ما بداخله وماذا يتحدث عنه، ثم بحثت عن ترجمة للقرآن الكريم بعد زيارتي للقدس، وكان المرة الأولى التي أفكر فيها عن الإسلام، فالإسلام في نظر الغرب يُعتبر عنصريا عرقياً والمسلمون أغراب أجانب سواء كانوا عرباً أو أتراكاً، ووالديّ كانا من أصل يوناني، واليوناني يكره التركي المسلم، لذلك كان المفروض أن أكره القرآن الذي يدين به الأتراك بدافع الوراثة، ولكني رأيت أن أطلع عليه -أي على ترجمته- فلا مانع من أن أرى ما فيه.
توبة المغني البريطاني المشهور (كات ستيفنز)-(الجزء الثاني)
ومن أول وهلة شعرت أن القرآن يبدأ بـ (بسم الله) وليس باسم غير الله، وعبارة (بسم الله الرحمن الرحيم) كانت مؤثرة في نفسي، ثم تستمر فاتحة الكتاب: (الحمد لله رب العالمين،) كل الحمد لله خالق العالمين، ورب المخلوقات.
وحتى ذلك الوقت كانت فكرتي ضئيلة عن الإله، حيث كانوا يقولون لي: إن الله الواحد، مقسم إلى ثلاثة، كيف؟!! لا أدري.
وكانوا يقولون لي إن إلهنا ليس إله اليهود...!!
أما القرآن الكريم، فقد بدأ بعبادة الله الواحد رب العالمين جميعاً، مؤكداً وحدانية الخالق، فليس له شريك يقتسم معه القوة، وهذا أيضاً مفهوم جديد، ثم كنت أفهم قبل معرفتي بالقرآن الكريم، أن هناك مفهوم الملائمة والقوى القادرة على المعجزات، أما الآن فبمفهوم الإسلام، الله وحده هو القادر على كل شيء.
واقترن ذلك بالإيمان باليوم الآخر وأن الحياة الآخرة خالدة، فالإنسان ليس كتلة من اللحم تتحول يوماً ما إلى رماد كما يقول علماء الحياة.. بل ما تفعله في هذه الحياة يحدد الحالة التي ستكون عليها في الحياة الآخرة.
القرآن هو الذي دعاني للإسلام، فأجبت دعوته، أما الكنسية التي حطمتني وجلبتْ لي التعاسة والعناء فهي التي أرسلتْني لهذا القرآن، عندما عجزت عن الإجابة على تساؤلات النفس والروح.
ولقد لاحظت في القرآن، شيئاً غريباً، هو أنه لا يشبه باقي الكتب، ولا يتكوّن من مقاطع وأوصاف تتوافر في الكتب الدينية التي قرأتها، ولم يكن على غلاف القرآن الكريم اسم مؤلف، ولهذا أيقنت بمفهوم الوحي الذي أوحى الله به إلى هذا النبي المرسل.
لقد تبين لي الفارق بينه وبين الإنجيل الذي كتب على أيدي مؤلفين مختلفين من قصص متعددة.
حاولت أن أبحث عن أخطاء في القرآن الكريم، ولكني لم أجد، كان كله منسجماً مع فكرة الوحدانية الخالصة .
وبدأت أعرف ما هو الإسلام.
لم يكن القرآن رسالة واحدة، بل وجدت فيه كل أسماء الأنبياء الذين شرفهم وكرمهم الله ولم يفرق بين أحد منهم، وكان هذا المفهوم منطقياً، فلو أنك آمنت بنبي دون آخر فإنك تكون قد دمرت وحدة الرسالات.
ومن ذلك الحين فهمتُ كيف تسلسلت الرسالات منذ بدء الخليفة، وأن الناس على مدى التاريخ كانوا صنفين: إما مؤمن، وإما كافر.
لقد أجاب القرآن على كل تساؤلاتي، وبذلك شعرت بالسعادة، سعادة العثور على الحقيقة.
وبعد قراءة القرآن الكريم كله، خلال عام كامل، بدأت أطبق الأفكار التي قرأتها فيه، فشعرت في ذلك الوقت أنني المسلم الوحيد في العالم.
ثم فكرتُّ كيف أكون مسلماً حقيقياً؟ فاتجهت إلى مسجد لندن، وأشهرت إسلامي، وقلت (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله).
حين ذلك أيقنت أن الإسلام الذي اعتنقته رسالة ثقيلة، وليس عملاً سهلاً ينتهي بالنطق بالشهادتين.
لقد ولدتُّ من جديد! وعرفتُ إلى أين أسير مع إخواني من عباد الله المسلمين، ولم أقابل أحداً منهم من قبل، ولو قابلت مسلماً يُحاول أن يدعوني للإسلام لرفضت دعوته بسبب أحوال المسلمين المزرية، وما تشوهه أجهزة إعلامنا في الغرب، بل حتى أجهزة الإعلام الإسلامية كثيراً ما تشوه الحقائق الإسلامية، وكثيراً ما تقف وتؤيد افتراءات أعداء الإسلام، العاجزين عن إصلاح شعوبهم التي تدمرها الآن الأمراض الأخلاقية، والاجتماعية وغيرها!!
لقد اتجهتُ للإسلام من أفضل مصادره، وهو القرآن الكريم، ثم بدأت أدرس سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف أنه بسلوكه وسننه، علّم المسلمين الإسلام، فأدركت الثروة الهائلة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسننه، لقد نسيت الموسيقى، وسألت إخواني: هل أستمر؟ فنصحوني بالتوقف، فالموسيقى تشغل عن ذكر الله، وهذا خطر عظيم.
لقد رأيت شاباً يهجرون أهلهم، ويعيشون في جو الأغاني والموسيقى، وهذا لا يرضاه الإسلام، الذي يحث على بناء الرجال.
أما الملايين التي كسبتها من عملي السابق (وهو الغناء) فوهبتها كلها للدعوة الإسلامية). هذه هي قصة المغني البريطاني المشهور، كات ستيفنز (يوسف إسلام) الذي رفض الشهرة والملايين، بعد أن هداه الله إلى طريق الحق، نهديها إلى جميع الفنانين والمغنين في عالمنا العربي والإسلامي، بل في العالم أجمع، لعلها تكون عبرة للمعتبرين، وذكرى للذاكرين.
والله فاجاتني و ادهشتني من خلال ما سردته واقول اللهم اني اعود بك من الحور بعد الكور ويا اخي راجع حسابتك حقا فانك الان وان مت اللحظة وعلى هدا المنهج فاني اضمن لك مقعدا في جهنم وسائت سبيلا..........
اقول ان تحررك من اي شيء تحررت من اسم الاله ام من الدين ام من الاخلاق اذا كنت لاتؤمن بدين ولاشيء اذن افعل ماشئت واذا لم تفعل ماشئت اذن اكنت خسران لابد من تمتع حياتك الادينيه بكل الطرق قتل نهب سلب فساد وغيره اذا قلت لالا لها حدود لماذا قلت لها حدود من يحاسب على ذالك ضميرك ماهو الضمير ومن صنعه تقول ذاتي من صنعها ولماذا لاتردعها لانك لاتؤمن بمثل هذه الخرافات لانك لاديني واما الي يؤمن بها هم اصحاب الدين اذا من لادين له الحريه له ان يزني بامه واخته وخالته وابيه واذا قلت نفسي لاتطاوعني من امرها ان لاتطاوعك اقتها وافعل ما حلالك لانه لاشيء تحاسب عليه ابدا كما تقول خذ من الحياة ماتريد بكل طريقه ووسيله لانك تموت وتصبح حجارة ليس الا استغل فرصتك لنهب وسلب وقتل وكل شيء تحبه افعلها لانه بنظرك كله حسن وليس قبيح واذا تقول قبيح فرجال الدين عندهم القبيح كيف تطبق مقالتهم فانتم الملحدين اتحدوا وقلبوا الدنيا عاليها سافلها لانها لاشيء واذا قلتم لانحن مثقفون اذا انتم خاسرون
إرسال تعليق