تم دحض النبوءة المتعلقة بمكان المعركة الذي يزعم الإعجازيون أن القرآن قد أشار إليه في موضوع أدنى ليس معناها أخفض إلا في معجم زغلول النجار
أما هذا الموضوع فهو يعرض تفسيرا جديدا لقراءة مقترحة لهذا النص القرآني معتمدا على إشكالية تفسير القراءة المعتمدة إسلاميا وتفنيد الإعجاز المزعوم وبيان تفسيرات القراءة المقترحة لهذا النص وتقديم سبب معقول لعدم تبني المسلمين لهذه القراءة وبصورة تتفق مع الأحداث التأريخية اللاحقة
النص القرآني:
غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء
بيان إشكالية قراءة نص النبوءة ومزاعم إعجازها
(أي زعم التنبؤ بهزيمة الفرس على يد الروم في بضع سنين)
لكي يصح ادعاء الإعجاز للنبوءة المفترضة يجب أن تتحقق ثلاثة شروط لم يتحقق منها ولا واحد كما سنرى:
أولا: أن تكون النبوءة واضحة ولا يحتمل نصها قراءات أو تفسيرات اُخرى
ثانيا: عدم وجود إشكالية بالتفسير الاعجازي للنبوءة
ثالثا: إثبات أن التنبؤ معجزة (أي أمر خارق لقوانين الطبيعة) وليس أمرا محتملا
الاشكال (1): عدم وضوح النبوءة واحتمال نصها قراءات وتفسيرات اُخرى
الإشكال (1-1) عدم إمكان تحديد زمن النزول المفترض للنص
خذ هذا المثال لتوضيح الفكرة أعلاه:
سأزعم أنني ألفت النص أدناه عام 1996 متنبأ بإعدام صدام حسين بتأريخ 30 ديسمبر، 2006.
"يَحكُمُ صَدّام (1) وَمَصيره بعد حُكمِهِ الإعدام (2) في عشرة أعوام (3) في يومٍ قَبلَ الأخيرِ مِن العام (4)"
أليس عليّ أن أثبت أني قد كتبت هذا النص عام 1996 وليس بعد إعدامه لكي تصدق النبوؤة؟
نص "النبوؤة" القرآنية لا يحدد يوما ولا شهرا ولا حتى عاما بل وقتا مجهولا خلال سبع سنوات فكلمة "بضع" تعني ما بين الثلاثة والعشرة.
من لسان العرب:
ملاحظة حول روايات المعجزات المفترضة
وبالنسبة لرواية الترمذي رهان أبي بكر للمشركين بتحقيق الروم نصرا على الفرس فإن الترمذي نفسه روى حديثا آخر ناقض الحديث الأول حيث أخبر أن النص القرآني قد نزل بعد نصر الروم وليس قبله وحَكَمَ الترمذي على الحديثين بنفس الحُكم، لكن لو افترضنا جدلا صحة رواية النبوءة عند أهل الحديث سندا وضعف الاُخرى فإن المعجزة لا يمكن أن تكون حجة على الناس بخبر آحاد ظني الثبوت فمدار الإعجاز على الدليل القطعي (اليقيني) ولا حجة على المرء في عدم التصديق بما دونه، وهذا باب كبير تدخل فيه كل الروايات التي تدعي معجزات حسية لنبي الإسلام من نبع الماء من أصابعه وحنين الجذع له وتكثيره للطعام وشقه للقمر ولا قيمة لمزاعم "التواتر المعنوي" لتلك الروايات فإنه لا مشترك بين تفاصيل الأحداث التي تزعم وقوع معجزة حسية لنبي الإسلام رغم أن القرآن نفسه يقول بأن الله قد منعه من إرسال الآيات "أن كذّب بها الأولون"(الإسراء: 59) وهذا نص على عدم وجود معجزات حسية لنبي الإسلام، ونقل القرآن أوثق من الروايات التي دوّنت بعد ذلك، فروايات الكتب الستة لم تدوّن إلا ابتداءا من القرن الثالث الهجري مما يجعل من اليسير جدا اختراع روايات عن قدرة نبي الإسلام على إحداث معجزات!
وكذلك لا حجة لمزاعم حدوث المعجزات الحسية الخارقة للطبيعة على يد موسى مثل شق البحر أو المسيح مثل القيامة بعد الموت وغيرها من الروايات التي قد يُزعم لها الثبوت بالتواتر.
الإشكال (1-2) قراءات وتفسيرات اُخرى للنبوءة المفترضة
في النص القرآني قراءتان، قراءة المبني للمجهول بضم الغين وكسر اللام "غـُلِبت الروم" وهي القراءة التي يعتقد أكثر المسلمين اليوم بتواترها وقراءة المبني للمعلوم بفتح الغين واللام "غـَلـَبت الروم" وهي القراءة التي رواها الترمذي بسند حسن غريب.
القراءة الثانية شاذة والشذوذ في مصطلح قراءات القرآن ليس كالشذوذ في مصطلح الحديث فالشذوذ حين يطلق على القراءة يراد به عند جمهور الاصوليين لا سيما المتأخرين منهم أي قراءة غير متواترة أما الشذوذ في مصطلح الحديث فهو يشير إلى ضعفه.
اقتباس:
مثال
إن بعض القراءات السبعة يقرأ "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنيأ فتبينوا" بينما تـُقرأ في قراءات اُخرى فتثبتوا
وإن نظرنا محاولين ايجاد اي تفسير لهذا الاختلاف يتفق مع تواتر هذه القراءات لن نجد، ولن يمكننا تفسير ذلك منطقيا الا كنتيجة لعدم شكل ونقط المصحف في عهد عثمان
في الواقع نستطيع أن نستنتج من اختلافات قراءات القرآن أن ما يسميه المسلمون "قراءات" هي في الواقع قرائين متعددة بسبب عدم وجود نقط ولا شكل في المصاحف القديمة (والعثمانية حسب زعمهم) والمختلفة فيما بينها فقالوا أنه قد اضيف حرف "مِن" في المصحف المكي بخلاف المصاحف الاخرى في سورة التوبة وذلك في قوله "تجري مِن تحتِها الأنهار" وهي قراءة ابن كثير المكي بخلاف جميع القراءات الاُخرى التي تقرأ "تجري تحتـَها الأنهار" !.
ببساطة هذه هي النصوص القرآنية التي يعتقد أكثر المسلمين بإعجازها..
عن اشكاليات جمع القرآن يمكنكم مراجعة تأريخ جمع القرآن وعن نقد مزاعم تواتر القراءات القرآنية مراجعة القرآن ليس متواترا.
الاشكال (2): إشكالية القراءة السائدة (القرآن يقرّ المؤمنين على الفرح بنصر الروم!)
كيف يمكن أن يبشـّر القرآن المؤمنين المسلمين بالفرح بانتصار الروم الذي أسماه "نصر الله" وهم من سيقتلون فيما بعد رسول محمد اليهم ثم يقتلون من قادة المسلمين ابن عم النبي جعفر بن ابي طالب وحب النبي اسامة بن زيد وكذلك ابن رواحة وغيرهم من المسلمين في معركة مؤتة عام 629 ميلادية؟!
لو فرضنا جدلا صحة هذه القراءة المعتمدة لدى المسلمين فإننا لن نجد تفسيرا لهذا الفرح بانتصار الروم إلا أنّ محمدا كان يجهل وقتها ما سيجري بين المسلمين وبين الروم في المستقبل لكن هذا التفسير يقدح بالنبوة ولن ينفع مخرجا للقرآن هو الآخر!
إن القرآن يقول "لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم" ويقول "لقد كفر الذي قالوا ان الله ثالث ثلاثة" فكيف يمكن للقرآن أن يقرّ فرح المؤمنين المسلمين بنصر الكافرين بدين الإسلام والذين سيدخلون فيما بعد معارك ضد المسلمين يسفك بعضهم دماء بعض سواء في مؤتة أو اليرموك أو غيرها من المعارك؟!
أدناه حديث رواه البخاري ومسلم يشير الى حزن المسلمين على قتلاهم الذين سقطوا في معركة مؤتة عام 629 على يد الروم:
اذن لا بد ان نقول ان النص القرآني يعني بنصر الله نصر المؤمنين (أي نصر المسلمين) على الروم وليس نصر الروم على الفرس وبذلك يكون وقت النص القرآني هو بعد غلبة الروم وأن القراءة الصحيحة هي غـَلـَبت الروم بفتح الغين واللام
الإشكال (3): التنبؤ ليس معجزة (أي أمر خارق لقوانين الطبيعة) بل أمر محتمل
لو فرضنا جدلا أن نبوءة ما قد تحققت فهذا ليس أمرا خارقا لقوانين الطبيعة بل إن أي نبوءة ممكنة هي قابلة للتحقق، يمكنكم مراجعة موضوع التنبؤ النبوي وتنبؤات دافنتشي ونوستراداموس، أيهما الإعجاز، وكذلك موضوع أبيقور أم محمد، أيهما الإعجاز
إن احتمال تحقق نصر المسلمين على الروم أو نصر الروم على الفرس احتمال وارد كما يجب أن ننظر إلى الجانب الآخر من الموضوع وهو أن عدم تحقق النبوءة لن يضر كثيرا لأن محمدا كان كبير السن وقت تأليف النبوءة وكان من المتوقع أن يموت قبل اكتمال بضع سنين (أكثرها عشر سنين) ويفلت من التساؤل رغم أنني أشك كثيرا أن إيمان أتباعه المسلمين بالجنة والنار لن يمنعهم من امتلاك الشجاعة الكافية لمحاسبته في حال فشل النبوءة، وقد مات محمد بالفعل بعمر 63 عاما وذلك سنة 632 ميلادية قبل عدة سنين من غلبة الروم على الفرس والتي تمثل التفسير السائد لدى المسلمين للنبوءة، أي حتى لو فرضنا عدم تحقق انتصار الروم فلن يمكن لأحد محاسبة محمد لأنه سيكون قد مات وقتها، ولو كان ما يزال حيا لما امتلكوا القدرة على محاسبته ولأسكتهم بنص قرآني "إلهي" جديد يخصص النبوءة أو يعطي تبريرا لعدم تحققها.
ومن الجدير بالذكر هنا أن المسلمين كانوا قبل ذلك قد سألوا محمدا بعد خسارتهم يوم احد عن سبب الهزيمة رغم أن الله قد وعدهم بالنصر فرد محمد اعتراضهم عليهم بقوله قرآنا "قل هو من عند أنفسكم" واستمر الصحابة على السمع والطاعة كالعادة!
غـَلـَبت الرومُ وهم من بعد غلبهم سَيـُغلـَبون - التفسيرات الجديدة لهذه القراءة
والآن نقدّم تفسيرين جديدين للقراءة المقترحة حيث يكون وقت تأليف النص حسب التفسير الأول هو عام 629 (حين كان محمد بعمر 60 عاما) وحسب التفسير الثاني عام 627 (حين كان محمد بعمر 58 عاما)ولن يكون محمد حيا عند انتهاء زمن تحقق النبوءة إلا أن يكون بعمر 70 أو 68 سنة على التوالي
التفسير الأول (غـَلـَبت الرومُ المسلمين وهم من بعد غلبهم سيُغلـَبون .. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله "أي نصر المسلمين")
إن اخذنا بنظر الإعتبار أن "الفرس" غير مذكورين في النص القرآني فمن الممكن أن يكون محمد قد ألـّف النص القرآني بعد انتصار الروم على المسلمين في معركة مؤتة عام 629 كما اقترح أحد أعضاء منتدى اللادينيين العرب (2) معتمدا على المصادر البيزنطية التي تؤكد خسارة المسلمين للمعركة وكذلك الروايات الإسلامية التي تذكر قتلى المسلمين.
مما يؤيد هذا التفسير أننا نتوقع أن يكون محمد والمسلمون بحال سيئة بعد خسارة المسلمين للمعركة وكما تبين الرواية التي ذكرناها في الموضوع وهكذا لن يكون لدى محمد الكثير ليخسره وربما رآى محمد تلك المغامرة بوعد المسلمين بالنصر أمرا ملحا لرفع معنويات المسلمين سواء تحقق هذا الوعد أو لم يتحقق، وفي كل الاحوال إن بقي حيا حتى ذلك الوقت فسيكون بإمكانه تأليف نص قرآني يعتبره المسلمون تبريرا إلهيا لعدم تحقق النبوءة كما أسلفنا.
التفسير الثاني (غـَلـَبت الرومُ الفرسَ وهم من بعد غلبهم سيُغلـَبون .. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله "أي نصر المسلمين")
هذا التفسير هو الذي أرجّحه حيث يمكّننا من معرفة سبب عدم نقل المسلمين لقراءة "غـَلـَبت الروم" بالفتح حتى أصبحت قراءة شاذة غير معتمدة عند أهل القراءات.
وفق هذا التفسير فإن تأليف هذا النص القرآني قد تم عند غلبة الروم على الفرس أو ظهور بوادر تلك الغلبة كما إن وعد محمد بنصر الله كان للمؤمنين (أي المسلمين) على الروم لا غلبة الروم على الفرس كما هو شائع نتيجة القراءات القرآنية المعتمدة لدى المسلمين.
لنقرأ هذا الحديث:
أولا: عام 627
بعد هزيمة الفرس على يد الروم ألف محمد (غـَلـَبت الروم) وبشَّر محمد المؤمنين (أي أتباعه المسلمين) بالنصر على الروم
اقتباس من Wikipedia:
ثانيا : عام 629
بعد سنتين من وعد محمد للمسلمين بالنصر على الروم خسر المسلمون على يد الروم في معركة مؤتة عام 629 لكنهم لم يعترفوا بالهزيمة لأن الله (أي محمد) كان قد وعدهم بالنصر على الروم في بضع سنين) فكيف يعترفون بغلبة الروم بعد سنتين؟!
هذا يمكن أن يفسر لنا السبب الذي جعل الرواية التي تذكر قراءة الفتح (غـَلـَبت الروم) رواية غريبة لأن الدواعي على نقلها ضعيفة جدا وذلك تكتما على هزيمة المسلمين بعد سنتين من وعدهم بالنصر على الروم فهجر أكثر المسلمين هذه القراءة
ولتلافي الاحراج وإخفاء خطأ التنبؤ القرآني تم تبني المؤرخين الاسلاميين لقراءة "غـُلِبت الروم" بضم الغين وكسر اللام وجعلوها اشارة الى انتصار الفرس على الروم وأوَّلوا "نصر الله" ليجعلوه يشير الى انتصار الروم لاحقا على الفرس بدلا من انتصار المسلمين وهكذا سيحولون فشل التنبؤ القرآني الى معجزة!
هذا التفسير يمكن أن يحل عدم منطقية القراءة السائدة التي تعتبر غلبة الروم الكافرين والذين سيصبحون أعداء المسلمين فيما بعد سببا لفرح المؤمنين كما إنه أفضل تفسير أمكنني التوصل إليه من حيث قدرته على تفسير عزوف المسلمين عن نقل القراءة التي اعتمدتها في المقال..
هوامش
(1) "The Sage"، منتدى اللادينيين العرب، موضوع إبلاغ العموم بعدم إعجاز نبوءة غلبت الروم
(2) "الغريب"، منتدى اللادينيين العرب، مشاركة في موضوع إبلاغ العموم بعدم إعجاز نبوءة غلبت الروم
أما هذا الموضوع فهو يعرض تفسيرا جديدا لقراءة مقترحة لهذا النص القرآني معتمدا على إشكالية تفسير القراءة المعتمدة إسلاميا وتفنيد الإعجاز المزعوم وبيان تفسيرات القراءة المقترحة لهذا النص وتقديم سبب معقول لعدم تبني المسلمين لهذه القراءة وبصورة تتفق مع الأحداث التأريخية اللاحقة
النص القرآني:
غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء
بيان إشكالية قراءة نص النبوءة ومزاعم إعجازها
(أي زعم التنبؤ بهزيمة الفرس على يد الروم في بضع سنين)
لكي يصح ادعاء الإعجاز للنبوءة المفترضة يجب أن تتحقق ثلاثة شروط لم يتحقق منها ولا واحد كما سنرى:
أولا: أن تكون النبوءة واضحة ولا يحتمل نصها قراءات أو تفسيرات اُخرى
ثانيا: عدم وجود إشكالية بالتفسير الاعجازي للنبوءة
ثالثا: إثبات أن التنبؤ معجزة (أي أمر خارق لقوانين الطبيعة) وليس أمرا محتملا
الاشكال (1): عدم وضوح النبوءة واحتمال نصها قراءات وتفسيرات اُخرى
الإشكال (1-1) عدم إمكان تحديد زمن النزول المفترض للنص
"تاريخ نزول الآية غير مثبت بدليل قطعي والأحاديث حول رهان أبي بكر للمشركين (بأن الروم ستغلب خلال 7 أعوام ولما لم يتحقق النصر قال الرسول لأبي بكر أن البضع هو دون العشرة أعوام وطلب منه أن يزيدهم في الأجل عاميين إضافيين) هي أحاديث غير صحيحة في جملتها ولا يعتد بها، المشكلة أن آيات القرآن لم تأت مرتبة زمانيا ولا يوجد دليل عملي موضوعي واحد أن هذه الآية نزلت في أي وقت"(1)إن من الممكن جدا أن تأليف نص هذه "النبوءة" الذي يعتقد المسلمون حسب القراءة السائدة له بأنه يتنبأ بانتصار الروم على الفرس قد تم بعد انتصار الروم على الفرس وأُرخ بتأريخ قبل ذلك الانتصار زورا.
خذ هذا المثال لتوضيح الفكرة أعلاه:
سأزعم أنني ألفت النص أدناه عام 1996 متنبأ بإعدام صدام حسين بتأريخ 30 ديسمبر، 2006.
"يَحكُمُ صَدّام (1) وَمَصيره بعد حُكمِهِ الإعدام (2) في عشرة أعوام (3) في يومٍ قَبلَ الأخيرِ مِن العام (4)"
أليس عليّ أن أثبت أني قد كتبت هذا النص عام 1996 وليس بعد إعدامه لكي تصدق النبوؤة؟
نص "النبوؤة" القرآنية لا يحدد يوما ولا شهرا ولا حتى عاما بل وقتا مجهولا خلال سبع سنوات فكلمة "بضع" تعني ما بين الثلاثة والعشرة.
من لسان العرب:
"والبَضْع والبِضْعُ بالفتح والكسر ما بين الثلاث إِلى العشر وبالهاء من الثلاثة إِلى العشرة يضاف إِلى ما تضاف إِليه الآحاد لأَنه قِطْعة من العدد كقوله تعالى في بِضْعِ سنين"أضيفوا إلى ذلك أن النص حمال أوجه دون تشكيل ونقط فهو قد يحتمل غلبة أي قوم على الروم أو العكس فمثلا هو يحتمل أيضا انتصار المسلمين على الروم وذلك باعتماد قراءة (غـَلـَبَت الروم وهم من بعد غلبهم سَيـُغلـَبون) بفتح غين غلبت ولامها وضم ياء يغلبون وفتح لامها هي التي سنرجحها في هذا الموضوع مع توضيح أسباب ذلك.
ملاحظة حول روايات المعجزات المفترضة
وبالنسبة لرواية الترمذي رهان أبي بكر للمشركين بتحقيق الروم نصرا على الفرس فإن الترمذي نفسه روى حديثا آخر ناقض الحديث الأول حيث أخبر أن النص القرآني قد نزل بعد نصر الروم وليس قبله وحَكَمَ الترمذي على الحديثين بنفس الحُكم، لكن لو افترضنا جدلا صحة رواية النبوءة عند أهل الحديث سندا وضعف الاُخرى فإن المعجزة لا يمكن أن تكون حجة على الناس بخبر آحاد ظني الثبوت فمدار الإعجاز على الدليل القطعي (اليقيني) ولا حجة على المرء في عدم التصديق بما دونه، وهذا باب كبير تدخل فيه كل الروايات التي تدعي معجزات حسية لنبي الإسلام من نبع الماء من أصابعه وحنين الجذع له وتكثيره للطعام وشقه للقمر ولا قيمة لمزاعم "التواتر المعنوي" لتلك الروايات فإنه لا مشترك بين تفاصيل الأحداث التي تزعم وقوع معجزة حسية لنبي الإسلام رغم أن القرآن نفسه يقول بأن الله قد منعه من إرسال الآيات "أن كذّب بها الأولون"(الإسراء: 59) وهذا نص على عدم وجود معجزات حسية لنبي الإسلام، ونقل القرآن أوثق من الروايات التي دوّنت بعد ذلك، فروايات الكتب الستة لم تدوّن إلا ابتداءا من القرن الثالث الهجري مما يجعل من اليسير جدا اختراع روايات عن قدرة نبي الإسلام على إحداث معجزات!
وكذلك لا حجة لمزاعم حدوث المعجزات الحسية الخارقة للطبيعة على يد موسى مثل شق البحر أو المسيح مثل القيامة بعد الموت وغيرها من الروايات التي قد يُزعم لها الثبوت بالتواتر.
الإشكال (1-2) قراءات وتفسيرات اُخرى للنبوءة المفترضة
في النص القرآني قراءتان، قراءة المبني للمجهول بضم الغين وكسر اللام "غـُلِبت الروم" وهي القراءة التي يعتقد أكثر المسلمين اليوم بتواترها وقراءة المبني للمعلوم بفتح الغين واللام "غـَلـَبت الروم" وهي القراءة التي رواها الترمذي بسند حسن غريب.
القراءة الثانية شاذة والشذوذ في مصطلح قراءات القرآن ليس كالشذوذ في مصطلح الحديث فالشذوذ حين يطلق على القراءة يراد به عند جمهور الاصوليين لا سيما المتأخرين منهم أي قراءة غير متواترة أما الشذوذ في مصطلح الحديث فهو يشير إلى ضعفه.
اقتباس:
القراءة الشاذة عند الجمهور هي ما لم يثبت بطريق التواتر.ولا بد من القاء نظرة سريعة على اختلاف قراءة نصين من النصوص التي يدعي المسلمون تواترها لندرك أن تلك القراءات في الحقيقة غير متواترة وإن ادُّعيَ لها ذلك من أجل أن يفهم القارئ سر تجاهلنا لضوابط المسلمين في اعتماد القراءات.
http://www.alukah.net/articles/2/51.aspx
مثال
إن بعض القراءات السبعة يقرأ "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنيأ فتبينوا" بينما تـُقرأ في قراءات اُخرى فتثبتوا
وإن نظرنا محاولين ايجاد اي تفسير لهذا الاختلاف يتفق مع تواتر هذه القراءات لن نجد، ولن يمكننا تفسير ذلك منطقيا الا كنتيجة لعدم شكل ونقط المصحف في عهد عثمان
في الواقع نستطيع أن نستنتج من اختلافات قراءات القرآن أن ما يسميه المسلمون "قراءات" هي في الواقع قرائين متعددة بسبب عدم وجود نقط ولا شكل في المصاحف القديمة (والعثمانية حسب زعمهم) والمختلفة فيما بينها فقالوا أنه قد اضيف حرف "مِن" في المصحف المكي بخلاف المصاحف الاخرى في سورة التوبة وذلك في قوله "تجري مِن تحتِها الأنهار" وهي قراءة ابن كثير المكي بخلاف جميع القراءات الاُخرى التي تقرأ "تجري تحتـَها الأنهار" !.
ببساطة هذه هي النصوص القرآنية التي يعتقد أكثر المسلمين بإعجازها..
عن اشكاليات جمع القرآن يمكنكم مراجعة تأريخ جمع القرآن وعن نقد مزاعم تواتر القراءات القرآنية مراجعة القرآن ليس متواترا.
الاشكال (2): إشكالية القراءة السائدة (القرآن يقرّ المؤمنين على الفرح بنصر الروم!)
كيف يمكن أن يبشـّر القرآن المؤمنين المسلمين بالفرح بانتصار الروم الذي أسماه "نصر الله" وهم من سيقتلون فيما بعد رسول محمد اليهم ثم يقتلون من قادة المسلمين ابن عم النبي جعفر بن ابي طالب وحب النبي اسامة بن زيد وكذلك ابن رواحة وغيرهم من المسلمين في معركة مؤتة عام 629 ميلادية؟!
لو فرضنا جدلا صحة هذه القراءة المعتمدة لدى المسلمين فإننا لن نجد تفسيرا لهذا الفرح بانتصار الروم إلا أنّ محمدا كان يجهل وقتها ما سيجري بين المسلمين وبين الروم في المستقبل لكن هذا التفسير يقدح بالنبوة ولن ينفع مخرجا للقرآن هو الآخر!
إن القرآن يقول "لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم" ويقول "لقد كفر الذي قالوا ان الله ثالث ثلاثة" فكيف يمكن للقرآن أن يقرّ فرح المؤمنين المسلمين بنصر الكافرين بدين الإسلام والذين سيدخلون فيما بعد معارك ضد المسلمين يسفك بعضهم دماء بعض سواء في مؤتة أو اليرموك أو غيرها من المعارك؟!
أدناه حديث رواه البخاري ومسلم يشير الى حزن المسلمين على قتلاهم الذين سقطوا في معركة مؤتة عام 629 على يد الروم:
لما جاء قتل زيد بن حارثة ، وجعفر ، وعبد الله بن رواحة ، جلس النبي صلى الله عليه وسلم يعرف فيه الحزن ، وأنا أطلع من شق الباب ، فأتاه رجل فقال : يا رسول الله ، إن نساء جعفر ، وذكر بكاءهن ، فأمره بأن ينهاهن ، فذهب الرجل ثم أتى ، فقال : قد نهيتهن ، وذكر أنهن لم يطعنه ، فأمره الثانية أن ينهاهن ، فذهب ثم أتى ، فقال : والله لقد غلبنني ، أو غلبننا ، الشك من محمد بن حوشب ، فزعمت : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فاحث في أفواههن التراب . فقلت : أرغم الله أنفك ، فوالله ما أنت بفاعل ، وما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم من العناء.
رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري
اذن لا بد ان نقول ان النص القرآني يعني بنصر الله نصر المؤمنين (أي نصر المسلمين) على الروم وليس نصر الروم على الفرس وبذلك يكون وقت النص القرآني هو بعد غلبة الروم وأن القراءة الصحيحة هي غـَلـَبت الروم بفتح الغين واللام
الإشكال (3): التنبؤ ليس معجزة (أي أمر خارق لقوانين الطبيعة) بل أمر محتمل
لو فرضنا جدلا أن نبوءة ما قد تحققت فهذا ليس أمرا خارقا لقوانين الطبيعة بل إن أي نبوءة ممكنة هي قابلة للتحقق، يمكنكم مراجعة موضوع التنبؤ النبوي وتنبؤات دافنتشي ونوستراداموس، أيهما الإعجاز، وكذلك موضوع أبيقور أم محمد، أيهما الإعجاز
إن احتمال تحقق نصر المسلمين على الروم أو نصر الروم على الفرس احتمال وارد كما يجب أن ننظر إلى الجانب الآخر من الموضوع وهو أن عدم تحقق النبوءة لن يضر كثيرا لأن محمدا كان كبير السن وقت تأليف النبوءة وكان من المتوقع أن يموت قبل اكتمال بضع سنين (أكثرها عشر سنين) ويفلت من التساؤل رغم أنني أشك كثيرا أن إيمان أتباعه المسلمين بالجنة والنار لن يمنعهم من امتلاك الشجاعة الكافية لمحاسبته في حال فشل النبوءة، وقد مات محمد بالفعل بعمر 63 عاما وذلك سنة 632 ميلادية قبل عدة سنين من غلبة الروم على الفرس والتي تمثل التفسير السائد لدى المسلمين للنبوءة، أي حتى لو فرضنا عدم تحقق انتصار الروم فلن يمكن لأحد محاسبة محمد لأنه سيكون قد مات وقتها، ولو كان ما يزال حيا لما امتلكوا القدرة على محاسبته ولأسكتهم بنص قرآني "إلهي" جديد يخصص النبوءة أو يعطي تبريرا لعدم تحققها.
ومن الجدير بالذكر هنا أن المسلمين كانوا قبل ذلك قد سألوا محمدا بعد خسارتهم يوم احد عن سبب الهزيمة رغم أن الله قد وعدهم بالنصر فرد محمد اعتراضهم عليهم بقوله قرآنا "قل هو من عند أنفسكم" واستمر الصحابة على السمع والطاعة كالعادة!
غـَلـَبت الرومُ وهم من بعد غلبهم سَيـُغلـَبون - التفسيرات الجديدة لهذه القراءة
والآن نقدّم تفسيرين جديدين للقراءة المقترحة حيث يكون وقت تأليف النص حسب التفسير الأول هو عام 629 (حين كان محمد بعمر 60 عاما) وحسب التفسير الثاني عام 627 (حين كان محمد بعمر 58 عاما)ولن يكون محمد حيا عند انتهاء زمن تحقق النبوءة إلا أن يكون بعمر 70 أو 68 سنة على التوالي
التفسير الأول (غـَلـَبت الرومُ المسلمين وهم من بعد غلبهم سيُغلـَبون .. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله "أي نصر المسلمين")
إن اخذنا بنظر الإعتبار أن "الفرس" غير مذكورين في النص القرآني فمن الممكن أن يكون محمد قد ألـّف النص القرآني بعد انتصار الروم على المسلمين في معركة مؤتة عام 629 كما اقترح أحد أعضاء منتدى اللادينيين العرب (2) معتمدا على المصادر البيزنطية التي تؤكد خسارة المسلمين للمعركة وكذلك الروايات الإسلامية التي تذكر قتلى المسلمين.
مما يؤيد هذا التفسير أننا نتوقع أن يكون محمد والمسلمون بحال سيئة بعد خسارة المسلمين للمعركة وكما تبين الرواية التي ذكرناها في الموضوع وهكذا لن يكون لدى محمد الكثير ليخسره وربما رآى محمد تلك المغامرة بوعد المسلمين بالنصر أمرا ملحا لرفع معنويات المسلمين سواء تحقق هذا الوعد أو لم يتحقق، وفي كل الاحوال إن بقي حيا حتى ذلك الوقت فسيكون بإمكانه تأليف نص قرآني يعتبره المسلمون تبريرا إلهيا لعدم تحقق النبوءة كما أسلفنا.
التفسير الثاني (غـَلـَبت الرومُ الفرسَ وهم من بعد غلبهم سيُغلـَبون .. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله "أي نصر المسلمين")
هذا التفسير هو الذي أرجّحه حيث يمكّننا من معرفة سبب عدم نقل المسلمين لقراءة "غـَلـَبت الروم" بالفتح حتى أصبحت قراءة شاذة غير معتمدة عند أهل القراءات.
وفق هذا التفسير فإن تأليف هذا النص القرآني قد تم عند غلبة الروم على الفرس أو ظهور بوادر تلك الغلبة كما إن وعد محمد بنصر الله كان للمؤمنين (أي المسلمين) على الروم لا غلبة الروم على الفرس كما هو شائع نتيجة القراءات القرآنية المعتمدة لدى المسلمين.
لنقرأ هذا الحديث:
لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس ، فأعجب ذلك المؤمنين فنزلت : ( آلم . غلبت الروم ) - إلى قوله - ( يفرح المؤمنون ) . ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارسبما أن الترتيب الزمني لآيات القرآن غير معلوم بأي وسيلة قطعية، لذا يجب علينا البحث عن الزمن الذي يجعل هذا النص القرآني متسقا مع أحداث التأريخ اللاحقة وهذا ما يحققه الترتيب التالي:
الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2935
خلاصة الدرجة: حسن غريب من هذا الوجه
أولا: عام 627
بعد هزيمة الفرس على يد الروم ألف محمد (غـَلـَبت الروم) وبشَّر محمد المؤمنين (أي أتباعه المسلمين) بالنصر على الروم
اقتباس من Wikipedia:
The Siege of Constantinople in 626 by the Sassanid Empire ended in a decisive victory for the Byzantines which, with other victories achieved by Heraclius the previous year and in 627, enabled Byzantium to regain her territories and enforce a favorable treaty with borders status quo c.590
ثانيا : عام 629
بعد سنتين من وعد محمد للمسلمين بالنصر على الروم خسر المسلمون على يد الروم في معركة مؤتة عام 629 لكنهم لم يعترفوا بالهزيمة لأن الله (أي محمد) كان قد وعدهم بالنصر على الروم في بضع سنين) فكيف يعترفون بغلبة الروم بعد سنتين؟!
هذا يمكن أن يفسر لنا السبب الذي جعل الرواية التي تذكر قراءة الفتح (غـَلـَبت الروم) رواية غريبة لأن الدواعي على نقلها ضعيفة جدا وذلك تكتما على هزيمة المسلمين بعد سنتين من وعدهم بالنصر على الروم فهجر أكثر المسلمين هذه القراءة
ولتلافي الاحراج وإخفاء خطأ التنبؤ القرآني تم تبني المؤرخين الاسلاميين لقراءة "غـُلِبت الروم" بضم الغين وكسر اللام وجعلوها اشارة الى انتصار الفرس على الروم وأوَّلوا "نصر الله" ليجعلوه يشير الى انتصار الروم لاحقا على الفرس بدلا من انتصار المسلمين وهكذا سيحولون فشل التنبؤ القرآني الى معجزة!
هذا التفسير يمكن أن يحل عدم منطقية القراءة السائدة التي تعتبر غلبة الروم الكافرين والذين سيصبحون أعداء المسلمين فيما بعد سببا لفرح المؤمنين كما إنه أفضل تفسير أمكنني التوصل إليه من حيث قدرته على تفسير عزوف المسلمين عن نقل القراءة التي اعتمدتها في المقال..
هوامش
(1) "The Sage"، منتدى اللادينيين العرب، موضوع إبلاغ العموم بعدم إعجاز نبوءة غلبت الروم
(2) "الغريب"، منتدى اللادينيين العرب، مشاركة في موضوع إبلاغ العموم بعدم إعجاز نبوءة غلبت الروم